زايد هدية

يختلف محللون حول أهمية الخطوة وأخطار رفع الأسعار على الأسر الفقيرة.

ينتظر الليبيون حسم حكومة الوحدة في طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة كلمتها النهائية في شأن إجراء استفتاء شعبي حول قرار برفع الدعم عن المحروقات، والذي سبق وقوبل بمعارضة كبيرة منذ طرحه، خصوصاً في شرق البلاد.

وتوقع غالب المراقبين للشأن السياسي الليبي أن يصوت المواطنون ضد القرار في حال إجراء الاستفتاء فعلياً، بالنظر إلى رد الفعل الشعبي تجاهه في الأسابيع الماضية، والذي جاء رافضاً له شكلاً ومضموناً بسبب الأعباء الاقتصادية التي سيتسبب فيها للطبقات الفقيرة والمتوسطة، والتي تشكل النسبة الأعلى من السكان في السنوات الأخيرة.

وكان رئيس حكومة الوحدة الليبية عبدالحميد الدبيبة قد قال إن حكومته ستطرح قضية رفع الدعم عن الوقود في استفتاء عام، لاستطلاع رأي الليبيين تجاه هذا الملف“.

وأضاف الدبيبة في كلمته خلال مشاركته في فعاليات ملتقى اجتماعي على مستوى ليبيا في طرابلس نهاية الأسبوع الماضي أن باب النقاش مفتوح بخصوص الطريقة التي يمكن بها منع إهدار الموارد وقطع الطريق على مهربي الوقود“.

آنذاك أشار أيضاً إلى أن مشكلة الدعم تراكمت على مدار 50 سنة حتى استفحلت وباتت في حاجة إلى حل جذري، لافتاً إلى أنه لا يعقل أن يصرف 60 مليار دينار (12.5 مليار دولار) على دعم الوقود وتذهب إلى خارج الحدود ووراء البحار من طريق التهريب“.

وركز رئيس حكومة الوحدة في كلمته على إقناع الشارع الليبي بأن مشروع حكومته يهدف إلى منع المهربين من استغلال الثروات والموارد وإيصال الوقود إلى المواطنين فقط، سواء كان بمبلغ مالي أو كوبون، مؤكداً أنه لن يقدم على اتخاذ قرار نهائي برفع الدعم عن الوقود إلا بعد الاطلاع على رأي الليبيين“.

نتيجة محسومة

غالب ردود الفعل والتعليقات من المحللين والنشطاء وحتى بعض الشخصيات الرسمية الليبية رأت أن مناورة الدبيبة باللجوء إلى الاستفتاء على قرار رفع الدعم عن الوقود، لن تؤدي إلى شيء، ولن تنجح في إقناع الشارع بالمشروع حتى لو أجري التصويت فستكون النتيجة رفض القرار.

بدوره، قال عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، إن نتيجة أي استفتاء حقيقي بخصوص رفع الدعم عن المحروقات ستكون الرفض، معتبراً أن أن تلك الخطوة محاولة حكومية للالتفاف على الرفض القاطع“.

ورأى بن شرادة أن حكومة الدبيبة تسعى إلى تنظيم الاستفتاء بهدف إقناع حكومة أسامة حماد التابعة للبرلمان في بنغازي بالقرار الذي ترفضه حتى الآن باعتبارها تحاول تبرير القرار وربطه بالتدهور الاقتصادي والانقسام الحالي في البلاد“. ونبه إلى أنه لو تم تنظيم استفتاء حقيقي ستكون النتيجة الرفض، مع أن الحكومة عادة ما تدير استفتاءات شكلية تعطي نتائج مفادها التأييد بنسبة عالية“.

تبعات كبيرة

ووصف عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة خطوة الدبيبة بأنها قرار خطرله تبعات اقتصادية سلبية كثيرة، قائلاً إن رفع أسعار الوقود سيؤدي إلى ارتفاع أسعار كل السلع الأخرى لأن النقل سيرتفع مباشرة“.

وحذر من أنه لا توجد جهات تمثل طرفاً ثالثاً محايداً ومراقباً في هذه الاستفتاءات، مما يقلل من صدقيتها في نظر الشعب“.

أما رده على حجة الحكومة لتنفيذ القرار التي تركز على مكافحة تهريب الوقود، أشار بن شرادة إلى أن المواطن ليس هو الذي يهرب الوقود، بل أشخاص في السلطات العليا التي تمتلك السلاح هي من تمارس التهريب الممنهج“.

وخلص إلى أن أي إصلاح اقتصادي يجب أن يتبعه حزمة متكاملة للإصلاحات الاقتصادية، وأنه حتى اللحظة لا توجد دولة حقيقية في ليبيا، ولا مؤسسات فاعلة قادرة على تطبيق كل ما يصدر عن السلطات سواء كانت تشريعية أو تنفيذية“.

فكرة سيئة

من جانبه، وصف المحلل الاقتصادي مختار الجديد، عزم حكومة الدبيبة إجراء استفتاء حول رفع الدعم عن الوقود بـالفكرة السيئة“.

وقال الجديد، إن فكرة الحكومة في شأن إجراء استفتاء أو استطلاع للرأي حول موضوع الدعم فكرة سيئة لو كان هذا الاستطلاع متوقفاً على الإجابة بكلمة نعم أو لا، لأن الإجابات معروفة مسبقاً، وستكون معظمها بكلمة لا“.

واتفق مع الطرح المتداول على لسان محللين كثر، والذي يحذر من أن ارتفاع أسعار الوقود سيؤدي إلى رفع أسعار كل السلع الأخرى، مضيفاً أنه لا يمكن تطبيق هذا القرار بصورة فعالة في جميع المناطق، نظراً إلى الرفض حكومة أسامة حماد في الشرق التابعة للبرلمان للقرار“.

منابع تمويل بديلة

وجهات نظر أخرى وتحليلات كثيرة اهتمت بتفسير إصرار رئيس الحكومة في طرابلس عبدالحميد الدبيبة على تنفيذ قرار إلغاء دعم المحروقات، على رغم المعارضة الشعبية والرسمية له، وصبت معظمها في ربط المشروع ببحث الحكومة عن تمويل جديد بعد تضييق الخناق المالي عليه من البرلمان، وتلقيها ضربة كبيرة من محافظ البنك المركزي الصديق الكبير، الذي أعلن رسمياً رفض صرف أي موازنة لهذا العام إلا لحكومة موحدة تتفق عليها كل الأطراف السياسية في البلاد.

المستشار السياسي لرئيس مجلس النواب، فيصل بورايقة، اعتبر تلويح رئيس حكومة الوحدة الموقتة عبدالحميد الدبيبة بالاستفتاء في قضية دعم الوقود، بأنه غير واقعي“.

وقال بورايقة، إن الدبيبة يناور من أجل إيجاد منابع لتمويل حكومته، بعد رفض مصرف ليبيا المركزي منحه موازنة حكومية خارج شرعية مجلس النواب، من ثم يريد البحث عن موارد أخرى لتمويل حكومته من خارج الموازنة، عبر ما يعرف ببند المحروقات“. وتابع الإشكال الحقيقي في ليبيا هو الانقسام الحكومي، وغياب منظومات أمنية قوية، تلبي حاجة المؤسسة الوطنية للنفط لمراقبة محطات الوقود عبر منظومة واضحة، لمنع تسرب الديزل والبنزين إلى أيدي المهربين“.

وقت كافٍ للدراسة

تبقى هناك وجهة نظر أخرى لبعض الشخصيات الليبية، خصوصاً من أهل المجال الاقتصادي، ترى أن قرار تعديل أسعار الوقود أو رفع الدعم عنها هو قرار ضروري، ولكن بعد إجراء دراسات كافية تغطي المشروع بالكامل وتشمل آثاره الاقتصادية وتحدد الوقت المناسب لتطبيقه، لأنه لا يمكن أن يدوم هذا الدعم الحكومي للمحروقات طويلاً، بسبب كلفته الباهظة على الدولة.

أصحاب هذا الرأي يقولون إن القيمة الزهيدة جداً للوقود الليبي التي تجعله الأرخص في العالم، تعد غير معقولةومن غير الطبيعي أن يكون سعر ليتر البنزين أقل من سعر ليتر الماء في ليبيا، وسط عالم جائع للطاقة ومتلهف للمحروقات، مما سيجعل البلاد على الدوام بؤرة للتهريب وقبلة للمهربين.

_____________

مواد ذات علاقة