تعددت الرؤى والتصريحات والتسريبات حول حالة اللواء خليفة حفتر الصحية، المتواجد منذ أسبوع في إحدى المستشفيات الخاصة في العاصمة الفرنسية.

ونشرت بعض المواقف تقارير حاولت تحليل المعطيات المحدودة لمقاربة التداعيات التي سيشهدها الواقع السياسي والعسكري والامني في ليبيا، ونظرا لندرة التحليلات الموضوعية رأينا في المنبر نشر جملة من المقالات التي حاولت قراءة المرحلة القادمة في حالة غياب حفتر عن المشهد:

***

ماذا لو اختفى حفتر عن المشهد السياسي الليبي؟

أصيب الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر بجلطة دماغية مما اضطر الدائرة الضيقة المحيطة بالجنرال نقله إلى المستشفى العسكري في فرنسا، وهو يتلقى العلاج بشكل سرّي هناك، بحسب ما أوردته صحيفة لوموند الفرنسية.

الجنرال الليبي فرض نفسه بقوة على الساحة السياسية والعسكرية في ليبيا، بدعم من قوى إقليمية ودولية، ممّا ساعده في اقتحام المشهد وأن يكون جزءا رئيسيا من الخريطة السياسية والعسكرية في المنطقة.

ويبرز سؤال رئيسي في الأوساط السياسية والاجتماعية في ليبيا، كيف سيصبح المشهد في شرق ليبيا في حال اختفاء حفتر بشكل نهائي عن الساحة الليبية؟

ويرى مراقبون أن الساحة في المنطقة الشرقية ستشهد انقساما واضحا بين أبناء خليفة وقيادات في عملية الكرامة.

الفيدراليون

ويقول المحلل السياسي فرج دردور لموقع ليبيا الخبر إن التيار الفيدرالي في المنطقة الشرقية سيرتفع صوته من جديد بعد أن قلل حفتر من سطوتهم.

وتوقّع دردور أن تشهد المنطقة نزاعا قبليا، فالشرخ الاجتماعي الذي سببته الكرامة من خلال تقوية قبائل على قبائل أخرى في الشرق، سيسهم في أن تطالب هذه القبائل بما فقدته على أيدي الكرامة، مشيرا إلى أن القبيلة هناك لا تقبل بإسقاط رمزيتها.

وأوضح المحلل السياسي أن الساحة ستنقسم إلى تيّارين اثنين؛ التيار الفيدرالي الذي يطالب بالانفصال، وآخر مدني يتمسك بوحدة ليبيا ومركزه في بنغازي، مضيفا أن سطوة الفيدراليين ستكون هي الأقوى في البداية.

وتابع دردور أن مجلس النواب لا يستطيع أن يغيّر شيء في المشهد، معتبرا أن مجلس النواب جسم غير موجود ومن يحرك المجلس هو عقيلة صالح والدائرة المحيطة به وهم من الفيدراليين.

ومن جهة أخرى، يرى دردور أن المجلس الرئاسي يستطيع أن يكون فاعلا في الساحة الشرقية من خلال عضو المجلس فتحي المجبري نظرا لخلفيته القبلية.

وحول موقف الدول الداعمة لحفتر، يقول دردور، أن هذه الدول ستنقسم فمثلا فرنسا ترى انه انهى مهمته، ومصر والامارات سوف يحاولون توفير بديل عنه ولكن النزاع في المنطقة الشرقية الذي سيحصل يجعل من الصعب ان يحققوا شيئا.

صراع على النفط

ويتفق موقف دردور مع مدير مركز اسطرلاب للدراسات والبحوث عبدالسلام الراجحي، حيث يرى الراجحي أن بمجرد انتهاء حفتر عن المشهد فإن المنطقة هناك ستدخل في صراع قبلي بين قبائلها، للسيطرة على المنطقة والأهم للسيطرة على الموانئ النفطية.

وقال الراجحي لموقع ليبيا الخبر إن القوات العسكرية في الشرق والتي يرأسها حفتر هي ميلشيات قبلية وغير منظمة، مشيرا إلى أن القوات ستتفكك وتنهار بمجرد خروج حفتر عن المشهد، لأنها قوات غير متجانسة فيما بينها.

ويتابع الراجحي أن مجلس النواب والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لن يستطيعا أن يفعلا شيء في الساحة الشرقية.

وأضاف الراجحي أن الدول الداعمة لمشروع حفتر ستبدأ بالبحث عن بديل للجنرال الذي دعمته هذه الدول في محاولة منها لملئ الفراغ الذي سيحدث هناك.

وأشار الراجحي أن التيار المدني في المنطقة هناك لن يستطيع أن يحدث شيء نظرا لضعفه مشيرا إلى أنه لا يملك القوة الكافية للتغيير.

انهيار

وقال المحلل العسكري عادل عبدالكافي، إن عملية الكرامة شهدت انشقاقات وخلافات ظهرت على السطح أثناء وجود حفتر في قيادة العملية، مشيرا إلى أنه بمجرد اختفاء حفتر عن المشهد ستنهار قواته تماما.

عبدالكافي أوضح في حديثه لموقع ليبيا الخبر أن هناك شخصيات في عملية الكرامة وجودها مرتبط بوجود خليفة حفتر في المشهد وأنها صنعت مجد لنفسها من خلال حفتر معتبرا أن هذه الشخصيات لا وجود فعلي لها في المنطقة.

وبيّن المحلل العسكري أن القوات الموالية لوكيل وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فرج قعيم وأيضا قوات القيادي في قوّات الصاعقة محمود الورفلي ستظهر على السّاحة الشرقية من جديد، ولا يمكن التنبؤ بالدور الذي ستلعبه هذه القوات.

ويرى عبدالكافي أن فرنسا والإمارات ومصر ستحاول لفترة طويلة بالتكتم على الوضع الصحي لخليفة حفتر إلى حين البحث عن الخطة البديلة، موضحا أن فرنسا وحلفائها على الساحة الليبية مدركون تماما أن قوات التابعة لحفتر غير متجانسة وأنها ستدخل في نزاع عسكري بينهم بمجرد انتهاء خليفة حفتر من المشهد السياسي والعسكري.

بدورها أشارت صحيفة الغارديان البريطانية، إأنه رحيل خليفة حفتر الذي يحظى بدعم إماراتي مصري عن الحياة العامّة، من شأنه أن يؤزم الوضع السياسي الليبي ويزيد من الفوضى.

خليفة حفتر، هذا الجنرال الذي أثار جدلا واضحا، شارك في الانقلاب الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي في سبتمبر 1969، فتولى بعد ذلك مهام متعددة في القوات المسلحة الليبية، وقاد القوات البرية الليبية تحت مظلة القذافي، وترأس حرب الرمال المتحركة بين وتشاد  في ثمانينيات القرن العشرين فأُسِرَ مع مئات من الجنود الليبيين عام 1987، ثم انقلب على القذافي لينضم للمعارضة الليبية آنذاك.

حفتر أظهر تناقضا واضحا في حياته السياسية والعسكرية، كان يتحدث عن الديمقراطية واحترام الأراء المختلفة، ليكون أول عسكري ينقلب على المسار الديمقراطي الذي انتهجه الليبيون بعد ثورة فبراير، جمّد الإعلان الدستور وأسقط المؤتمر الوطني العام أول سلطة مدنية منتخبة من الشعب.

***

هل تُيتَمُ قوات الكرامةبعد حفتر؟

إيناس بوسعيدي

بصوت مرتعش واختناق واضح.. وشهيق وزفير نجحت المصادح في نقله عبر الشاشة لتفضح الارتباك الذي سيطر على الناطق باسم قوات الكرامة التابعة لخليفة حفتر أحمد المسماري في مؤتمره الصحفي الدوري.

تجاهل المسماري الأخبار التي تحوم بشأن آمره والحال أن صحف العالم ضجت بها، ذاك أمر لا يُستغرب من رجل هبّ لنفي ما عدّها شائعات، أكثر من ذلك تأكيده أن خليفة حفتر يواصل متابعته عن كثب سير العمليات العسكرية، تعامل منطقي في ظل إدراكه جيدا ما يعنيه إعلان مرض رجل يقطع ذكر اسمه أنفاس كثيرين.

يرقد حفتر إذن في إحدى مستشفيات باريس وإن تضاربت الأنباء بشأن حالته الصحية وإصرار أنصاره على أن لا مخاطر تهدد حياته، إلا أن مصادر كثيرة تحدثت عن تعرضه لجلطة دماغية وحالات إغماء وأخرى عن تفشي المرض الخبيث في جسده.

أصداء من باريس من شأنها أن تؤثر وبشكل مباشر على سير الأحداث في ليبيا، خاصة شرق البلاد أين يسيطر حفتر بيد من حديد على سير الأحداث فيه. الرجل نجح في كسب ورقة القبائل مع إعلان عملية الكرامة عام 2014، لكن معسكره شابته انقسامات أخيرا بعد فشله في توزيع الامتيازات بينها، خاصة مع صعود نجليه خالد وصدام إلى المشهد العسكري وبدء العائلة في خوض معارك داخلية للحفاظ على السلطة بالشرق وأخرى خارجية مدفوعة الأجر لتلميع السمعة.

لم تكن أطماع حفتر السياسية بخافية لكنها تدحرجت أخيرا إلى ما دون ذلك وبات يرنو لكسب مقعد عسكري يبقيه تحت الأضواء.الآن وقد يحول وضعه الصحي دون ذلك، لن يشمل السقوط قائد عملية الكرامة وحسب بل قد يتجاوزه إلى مكانة القوة في الشرق الليبي.

انشقاقات منتظرة قد تضرب العملية المهترئة أصلا، خاصة وأن الأصداء القادمة من هناك تفيد باختلاف وجهات النظر بشأن اختيار خليفة لحفتر على مستوى قيادة ما يسمى بالجيش الليبي، خلافات نابعة من مطامع قبلية بحتة، فما تحقق لقبيلة فرجان التي ينتمي إليها حفتر يسيل لعاب أقرانها والوقت بات مناسبا بالنسبة لها لتبادل الأدوار.

خلافات داخلية قد تعصف بكل ما يحيط بقوات حفتر وقد تمس مناطق سيطرته في الموانئ النفطية والجنوب، حتى أن مزاعم اقتحام مدينة درنة عدها كثيرون مجرد دعاية للفت النظر وتجاوز ما تعيشه القوة من تخبط في غياب قائدها.

المجلس الرئاسي الذي وضعه حفتر أمام حتمية التواصل معه وكسب رضاه للسير نحو حل سياسي للأزمة التي تعصف البلاد وتحقيق مطامع الطرفين في كسب مناصب سيادية، لن يكون في ظل الوضع الصحي الراهن لحفتر مُطالبٌ باستكمال المسار ما يعني إسقاط معسكر الكرامة من حساباته.

إقليميا ما من شك أن تدهور الحالة الصحية لحفتر لخبطت أوراق حلفائه العرب وبالأساس مصر والإمارات، ولعل تزامن زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن سلمان لمصر مع ذلك، دليل على ارتباطها بشكل واضح مع ضرورة بحث متطلبات الوضع الجديد في ليبيا لضمان عدم خسارة موقعهما هناك، فحكومة أبو ظبي التي بدأت في تنفيذ مخططاتها في ليبيا عبر ضمان وجود عسكري لها هناك، وفتح المجال لها لشراء الأراضي في بنغازي ستجد نفسها اليوم دون سند ما يعني أنها ستبحث عن آخر بعيدا عن معسكر الكرامة.

دوليا سيجد الغرب أنفسهم أمام خيار وحيد وهو استكمال المسار الأممي الطامح للمضي قدما نحو إجراء انتخابات نهاية هذا العام، لن يحتاج اللاعبون الدوليون بعد حفتر للمسك بطرفي الحبل في ظل عدم قدرة من كان يطمح لقلب المعطيات على مواصلة ما بدأه، وغياب من يُوكل إليه ذلك خاصة وأن موقف الغرب من حفتر بني على ثلاث أسس رئيسية هي:
امتلاكه للسلاح وسيطرته على مساحة من البلاد بينها مناطق الثروة النفطية.
نجاحه في التسويق لنفسه كمحارب للإرهاب.
رغبة الغرب في المسك بطرفي الحبل بغاية الحفاظ على أوراقهم في ليبيا مهما تغيرت المعادلة في البلاد.

وفي خضم كل ذلك ستجد قوات عملية الكرامة نفسها مضطرة لخوض حرب وجودية في ظل غياب ولي أمرها واقتران وضعها بوضعه، ما يعني أن ما ينتظرها قد يتجاوز التفكك الداخلي إلى حالة يُتم يُقصيها من المشهد بمختلف أبعاده.

***

إيناس بوسعيدي ـ صحفية تونسية

_____________

مواد ذات علاقة