بقلم علي عبداللطيف اللافي

من المرتقب لو وقع تفكيك الألغام الاجتماعية والسياسية المتبقية على غرار خفض التوترات المتراكمة، أن يتم خلال نهاية الأسبوع الجاري أو بداية الأسبوع المقبل الإعلان على أسماء شاغلي مناصب السلطة التنفيذية أي رئيس الحكومة ونائبيه وأعضاء الرئاسي الثلاث.

ورغم التصريحات والتصريحات المضادة والرسائل الموجهة في كل الاتجاهات بين طرفي الصراع ومناورات مكونات المحورين الإقليميين والقائمة في جزء منها على زيارات مكوكية لوكلاء محليين قريبين من هذين المحورين في اتجاه عواصم عربية وغربية ذلك أن منطق توازن القوى – أو بالأحرى توازن الضعف-محليا وإقليميا ودوليا، سيفرض التسليم بحل ولو مؤقت يسمح في الأخير بتشكيل حكومة وحدة وطنية تعد لاستحقاقات 24 ديسمبر 2021، ولكن أي تركيبة ثلاثية مرتقبة للمجلس الرئاسي، ومن سيترأسه؟

الأفق الزمني للحل وامكانيات العودة لأتون الصراعات والتجاذبات

وفقا للتطورات الأخيرة وتعدّد مناسبات الإرجاء ونتاج سياسة التمطيط القائمة على سياقات ذاتية (تخص الأطراف والمكونات الليبية) وأيضا بناء على سياقات موضوعية (التجاذبات الإقليمية والصراعات الدولية على ثروات ليبيا الهائلة والنادرة)، فان هناك غموض والتباس بين تأبيد شبه نهائي لوقف إطلاق النار والمضي في الحل السياسي بمساراته المختلفة وإرساء توافقات بين مختلف الفرقاء، وظهور ملامح توترات جديدة خاصة في ظل تواصل التحشيد والتحذيرات في كل الاتجاهات على غرار تصريحات وزير دفاع الوفاق في قناتي “فرانس24” و”العربي”.

وكل ذلك يُؤكّدُ أن العودة الفعلية للوضع لمنطق الارباك والارتباك أمر قائم كما أن هناك خلال الفترة الماضية والأيام الأخيرة قابلية لارتسام أي من السيناريوهات الأربع التي كانت قائمة عشية انطلاق اشغال ملتقى الحوار السياسي في تونس والتي انحسرت لسيناريو وحيد عشية 9 نوفمبر الماضي والمتمثل في أمل النجاح في إعادة هيكلة السلطة التنفيذية وقيادتها لمرحلة انتقالية أخيرة وتختتم بإنجاز الاستحقاقات الانتخابية وقبلها تحقيق تقدمات فعلية في المسارات الثلاثة الأخرى أي الدستورية والعسكرية/الأمنية والاقتصادية.

ولكن تعثرات الأيام الماضية وطول مسلسل حسم الآلية التي على أساسها سيتم اختيار/انتخاب الأسماء داخل لجنة الحوار (المكونة من 75 ليبيا من المناطق الثلاث)، ثم مسلسل البحث عن نسبة بعينها للحسم بين الآليتين الثانية والثالثة، وكل ذلك أعاد الأمور إلى مربع تلك السيناريوهات الأربع وهي:

السيناريو الأول:

ويتمثّل في نجاح البعثة الأممية والفرقاء الليبيين في أفق نهاية الأسبوع القادم في اختيار أسماء رئيس الحكومة ونائبيه والأعضاء الثلاث للمجلس الرئاسي ومن ثم توظيف اللقاءات السابقة لصالح بناء تجربة انتقال ديمقراطي تنبني أسسها وخطواتها على المرحلة الانتقالية الأخيرة والوصول لنتائج تتقدم بالمسارات الاربع (السياسي – الأمني والعسكري – الدستوري – الاقتصادي) لأن الأزمة الليبية موجودة في كل تلك الأوجه والحل يجب ان يشملها جميعا، إضافة الى التوافق على هوية وأسماء شاغلي إدارة المؤسسات والمناصب السيادية.

السيناريو الثاني:

وهو سيناريو ينبني أساسا على فرضية عدم توصل المحاورين لحل مع التزامات دنيا بينهم، مما يعني مساحة أخرى أمام فائز السراج فيجري فقط تحويرات رئيسية على حكومته، أي تطعيم حكومة الوفاق مقابل تغيير في الرئاسي وتقليص تركيبته الى ثلاثية وفصل بينه وبين والحكومة، وهو حلّ مرتقب ومُفترض ولكنه سيُمطط فعليا وجود “حفتر” ومعسكره في الشرق ويُكسبه ورقات ضاغطة مستقبلا، أو في اخراج أطراف إقليمية لورقة “عبدالسلام حاسي” أو أي عسكري ثان بديلا له ثم إعادة الأطراف بعد أشهر لطاولة المفاوضات.

السيناريو الثالث:

وهو سيناريو ينبني على فرضية افشال نهائي لملتقى الحوار السياسي، وهناستُحمّل البعثة مسؤوليته على الليبيين دون غيرهم، وهو ما سينتج عنه ترتبات ومن ثم حلول مُربكة وقاسية على غرار الحضور الأجنبي في ليبيا بأشكال تبدو حاليا غير واضحة المعالم، ولكن أشكالها مختلفة وسترتبط بالوقائع والتطورات في الإقليم أيضا وقد تكون ربما عبر الانتداب المباشر – لا قدر الله-

السيناريو الرابع:

وهو أن يعمد طرف عسكري من الطرفين لقلب الطاولة على الجميع وإعادة ما اتاه “حفتر” في ابريل 2019، ولكن هذه المرة ستكون الأمور أكثر تعقيدا من حيث هوية الجهة القادحة للفوضى والحرب وأيضا في تعدد أطراف الصراع العسكري والباحثة عن الحسم الميداني، وكل ذلك يعني أن ينفضّ الحوار على أصوات البنادق والحرب وأخبار الضحايا لتتحول ليبيا الى سيناريوهات الحرب الاهلية المفتوحة- لا قدر الله-

عضوية الرئاسي عن الجنوب:

وضوح ومقعد شبه محسوم لـ”سيف النصر”

عضوية الرئاسي عن المنطقة الجنوبية شبه محسومة عمليا لأن المرشح الأبرز أي “عبد المجيد سيف النصر” له أكثر من 9 تزكيات (من أصل 14 عضوا)، ولا يكاد يبرز أي اسم أو منافس جدي له رغم تعدد الأسماء المترشحة وبغض النظر عن أي من الآليتين سيتم اعتمادها خلال الأيام والساعات القادمة، فان نسبة حصول “سيف النصر” تكاد تقارب الـ95 %، رغم أن الأسماء التي قد تعلن منافسته (ربما لمجرد المنافسة) تقارب سبع أسماء.

عضوية الرئاسي عن الشرق:

عقيلة” يواجه التردد والإحباط والتحجيم وأكثر من خمسة منافسين أبرزهم “عبد الجواد العبيدي”

ممَّا لا شك فيه ان رئيس مجلس النواب الحالي “عقيلة صالح” هو أهم المرشحين رغم هبوط شعبيته وحظوظه خلال الأسبوعين الماضيين بعد أن كان قد خلط الأوراق بمواقفه وتراوحت علاقته مع العسكري “حفتر” بين التوتر والتماهي وتعددت الرسائل بينهما في كل الاتجاهات.

وكل ذلك قائم على اختلاط الأوراق لداعميه الإقليميين والذين هم موضوعيا نفس داعمي “حفتر” وان اختلفوا وتباينوا في التفاصيل وخاصة حول مستقبل “حفتر” السياسي والعسكري وكيفية وآليات خروجه منه، أما مُنافسي “عقيلة صالح” فهم وفقا لترتيب حظوظهم:

عبد الجواد العبيدي:

فعليا هو المنافس الجدي الوحيد لـــ”عقيلة صالح”، وهو من نفس قبيلته (“العبيدات”)، وهو أيضا من قاطني “القبة” (رغم أن عائلته تقطن منطقة تبعد عن القبة بحوالي 20 كلم)، وهو شخصية فعالة وفاعلة اجتماعيا على عكس “عقيلة” بل وله حضور شعبي كبير ويحضى بدعم سياسي وأيضا إقليمي ولا يعترض عليه أي طرف دولي، كما له فريق عمل مقتدر وواقعي ومستوعب لطبيعة المرحلة والتحديات القائمة.

الشريف الوافي:

وهو عضو سابق بـ”المؤتمر الوطني”(عضو بارز في مجموعة الـ94 نائبا من المؤتمر الوطني سنتي 2014-2015) وهو أقرب لعقيلة صالح وكان أحد مناصريه، وهو قريب أيضا من المصريين.

مصطفى دلاف البرعصي:

وهو عضو منتخب في هيئة الدستور بل هو من الذين لهم موقف مخالف لبقية أعضائها، وهو من قبيلة “البراعصة”، وكانت حظوظه قائمة وكبيرة نهاية أكتوبر وبداية نوفمبر الماضي قبل أن تتقلص لصالح “العبيدي” والوافي ولكن سيبقى ترشحه قائما.

علي بوخيرالله:

وهو أهم ناشطي حركة اللجان الثورية في الجبل الأخضر وهو من قبيلة البراعصة أيضا، ويعتقد البعض أنه ورقة تكتيكية لـ”خليفة حفتر” وبعض المقربين منه لأسباب تكتيكية وتم الدفع به حتى لا يترشح آخرون عن المنطقة الشرقية عن تيار أنصار القذافي، وعمليا من غير الوارد اختياره عضوا بالرئاسي رغم تمسكه بطرح اسمه امام ملتقى الحوار.

ماهي عوامل الحسم بين “العبيدي” و”عقيلة صالح” و”الوافي”؟

فعليا “الشريف الوافي” هو ورقة تم ابرازها لإضعاف حظوظ “العبيدي” أمام “عقيلة صالح” ولا يعني ذلك أنها قد لا تنجح، وعمليا لعبت مُعطيات عدة في ان “عقيلة صالح” قد يخسر الرهان ويجد نفسه يُرتب لمستقبله في العاصمة الأردنية كما فكر منذ أشهر، على غرار دعم “علي القطراني” منذ أيام لـ”العبيدي”.

وهو أمر لا يمكن القول انه ذاتي أو صادر عنه بل هي رسالة من أطراف محلية وإقليمية وتم ارسالها من طرف ساكن “الرجمة” (أي “خليفة حفتر”) اضافة الى ان ابراز لفظ “برقة البيضاء” في اجتماع “اجدابيا” (المجابرة – المغاربة – الزوية) نهاية الأسبوع الماضي ليس عفويا وهو رد فعل على قول بعض مُقربين من “عقيلة” أنه مدعوم من “برقة الحمراء” دون أن ننسى مطالبة ذلك الاجتماع باختيار الآلية الثانية.

والخلاصة أن “عقيلة” أصبح وصوله للرئاسي موضع شك بل ولم يعد أمرا محسوما كما كان ذلك متداولا قبل بداية ملتقى الحوار وأثناء اشغال اجتماعات “بوزنيقة” الثلاث، مع الإشارة إلى ان اختيار الآلية الثانية ستضعه واقعيا خارج الحسابات، وعندئذ سيصبح “الشريف الوافي” مُنافسا للعبيدي ولكن حظوظه متضائلة مثله مثل حظوظ “مصطفى دلاف” ولكن ذلك لا يعني أن اختيار أحدهما مستحيلا.

عضوية الرئاسي عن المنطقة الغربية مرتبطة باسم رئيس الحكومة

لا يختلف اثنان ان عضوية الرئاسي عن المنطقة الغربية ليست موضوع جدل كبير ولا خلافات أو تجاذبات لأنه موضوع ثانوي عند أهم الفاعلين في المنطقة الغربية (بالمعنى السياسي لا الجغرافي)، لان حسابات الجميع في الغرب الليبي تُركز على اسم رئيس الحكومة ولكن وباعتبار ان المرشحين لرئاسة الحكومة في أغلبهم هم من أصيلي مدينة “مصراتة” على غرار “فتحي بشاغا” – “عبدالحميد دبيبة” – “أحمد معتيق”- “محمد المنتصر” – “عبدالرحيم المنتصر”- “خالد الغويل” (وزير التخطيط الأسبق).

وبالتالي فان عضوية الرئاسي ستكون محصورة فعليا وعمليا بين شخصيات اصيلة مدن “طرابلس العاصمة”، “الزنتان” و “الزاوية” (ولكن ذلك ليس شرطا باتا) وابرز المرشحين فعليا هم:

عن طرابلس:

على غرار “فائز السراج” (وهو الرئيس الحالي للمجلس ويبقى ترشحه واردا ولكن فوزه صعب عمليا)، و”حافظ قدور” (ممثل ليبيا في الاتحاد الأوروبي قريب من الايطاليين وعلاقته ممتدة مع تيار فبراير وأتباع القذافي) و”ضو بالضاوية” (باعتباره عنصر توازن بين “تيار فبراير” و”أتباع القذافي”) إضافة الى آخرين.

عن الزنتان:

على غرار أسماء “أسامة الجويلي” (وزير الدفاع الأسبق وأهم العسكريين في المنطقة الغربية وله علاقات ممتدة مع المحورين الإقليميين ومع الفرنسيين أيضا) و”عثمان عبدالجليل” (وزير التعليم السابق)، وآخرين.

عن الزاوية:

على غرار “خالد المشري” (الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للدولة والمحسوب ضمنا على حزب “العدالة والبناء” رغم اختلافه الضمني مع القيادة الحالية للحزب في قراءة المرحلة)، إضافة الى أسماء أخرى من نفس المدينة.

من سيترأس المجلس الرئاسي؟

الفكرة السائدة حاليا لدى كل المتابعين وأغلب الفاعلين السياسيين أن رئاسة “الرئاسي” ستكون فعليا اثناء المرحلة الانتقالية للمنطقة الشرقية فيما ستكون رئاسة الحكومة للمنطقة الغربية وأن يترأس البرلمان نائب من الجنوب، ولكن ذلك ليس أمرا محسوما نهائيا ويمكن لأي من المناطق الثلاث أن تكون “رئاسة الرئاسي” من نصيبها:

فرضية “الرئاسي” للشرق الليبي:

وهي الفرضية الأكثر ترجيحا والمُرتقبة والأكثر ورودا والتي بنى الجميع فرضياتهم عليها، وفي هذه الحالة – وكما فصلنا أعلاه – فانه من المنتظر ان يكون “عبدالجواد العبيدي” أو “عقيلة صالح” رئيسا للرئاسي، كما أن بروز اسم ثالث أمر وارد سواء ممن ذكرنا ( الوافي – البرعصي – بوخير الله)، أو عبر ظهور أسماء في الساعات والايام القادمة على غرار “محمد حسن البرغثي”–”سالم الحاسي”أو “محمد يوسف المقريف” أو أي من الأسماء التي قد تُخفيها “وليامز” للحظات الحاسمة واصرت ان لا يقع حرقها سواء للرئاسي او للحكومة.

فرضية رئاسة “الرئاسي” للغرب الليبي:

وهي فرضية مستبعدة ولكنها واردة وعلى الأغلب في هذه الحالة أن يبقى “فائز السراج” رئيسا للمجلس وان يكون رئيس الحكومة للشرق الليبي (بالمعنى السياسي وليس الجغرافي لأن “الكيخيا” مثلا هو أصيل “مصراتة” وهو سياسيا محسوب على الشرق الليبي)، وطبعا من الوارد أن يترأس “الرئاسي” شخصيات مثل “حافظ قدور” أو “فضيل الأمين” أو “ضو بالضاوية” أو “أسامة الجويلي” أو “عثمان عبد الجليل”.

فرضية “الرئاسي” للجنوب:

وهي فرضية قائمة وواردة ولكنها مستبعدة، وهي حالة مرتقبة في حالة ان اختار “عقيلة صالح” ان يبقى رئيسا للبرلمان (وهناك من روج أن الروس وبعض حلفاء اقليميين آخرين قد طلبوا منه ذلك) وفي هذه الحالة سيكون “عبدالمجيد سيف النصر” رئيسا للرئاسي.

ومما قد يدفع لهذا الخيار ان صلاحيات “الرئاسي” أصبحت مقسمة بين أعضائه الثلاث (حيث لا يمكن لرئيسه اتخاذ قرار لوحده ولا الاستفراد بكل الصلاحيات والقرارات على غرار ما يفعله السراج حاليا وهو أمر ربما سيشجع عقيلة على البقاء على رأس البرلمان)، وفي هذه الحالة ربما تقع المفاجأة وسيكون “اسامة الصيد” مثلا رئيسا للرئاسي رغم اختفائه عن الأضواء وميله ان يكون رئيسا للحكومة أو عضوا فيها أو نائبا ثانيا لرئيس الحكومة ومعلوم أن “ستيفاني” قد جلست معه سنتي 2018 و2019 مرات عدة.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي وباحث مختص في الشؤون الافريقية

____________

المصدر : الصباح نيوز

مواد ذات علاقة