عبدالله الكبير

الحرب في السودان سيكون لها تداعيات خطيرة على الأزمة الليبية، أكثر من بقية بلدان الجوار السوداني.

فالاستقرار السياسي الذي تتمع به هذه الدول سيحد من الأخطار الأمنية، وسوف تربك الاستراتيجية الأمريكية في ليبيا، التي تسعى إلى تشكيل قوة مسلحة مشتركة من القوى المتنازعة، وتحقيق توافق سياسي يفضي إلى إجراء الانتخابات قبل نهاية العام.

الحرب السودانية قد تدفع إلى تغليب الموقف الأمني على الموقف السياسي، فيتراجع التركيز على ملف الانتخابات

 كل الدول المنخرطة في الصراع سوف تعيد تقييم أدوارها من جديد، بما يتلاءم مع التطورات الأقليمية، فلم يعد كافيا العمل على تكييف الأهداف الخاصة مع الأهداف الأمريكية، بل لابد من أخذ التوتر الإقليمي الناتج عن الحرب السودانية في الاعتبار.

 في هذا الإطار تأتي جولة المبعوث والسفير الأمريكي ريتشارد نورلاند، وزيارته لتشاد والكونغو، فتأمين الجنوب الليبي عبر قوة محلية يجري العمل على تشكيلها، في ظل الارتباط الأمني بين ليبيا وتشاد والسودان، وتعقيدات ملف المقاتلين الأجانب في ليبيا، يستدعي تعاون دول الجوار الليبي السوداني، لأن حدود ليبيا الجنوبية هي مجال حركة المجموعات المسلحة الأفريقية، وقاعدة عمليات مجموعات فاغنر الروسية في أفريقيا

 من المتوقع أن تدفع الحرب السودانية إلى زيادة معدلات الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر الساحل الليبي، لذلك وجهت الحكومة الإيطالية الدعوة لحفتر لزيارة روما، وهو ما يخالف سياسات حكومة ميلوني تجاه ليبيا.

في نهاية الشهر الماضي زارت رئيسة الحكومة الإيطالية طرابلس على رأس وفد أمني واقتصادي كبير، وأبرمت مع حكومة الوحدة الوطنية اتفاقية لتطوير إنتاج الغاز، ولم تدرج في جدول عملها زيارة الشرق الليبي، رغم وجود حكومة موازية مكلفة من مجلس النواب.

فالتعامل مع المؤسسات التي تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي وتجاهل ماعداها، يعكس تأسيس الحكومة الإيطالية لتعاطيها مع الملف الليبي، بتوطيد العلاقات مع حكومة طرابلس.

لكن الزيادة الكبيرة في عدد المهاجرين خلال الربع الأول من هذا العام، قياسا بنفس الفترة العام الماضي، وأغلبهم قادمون من شرق ليبيا، دفعت الحكومة الإيطالية إلى تغيير سياساتها والانفتاح على حفتر.

وقد برر وزير الخارجية الإيطالي تاياني هذا التحول بقوله : ” حفتر هو الأقوى في برقة، وكان من الصواب الحديث معه على ظاهرة الهجرة “.

 غير أن هذا التحول ربما لن يسفر عن إبرام صفقة ناجحة مع حفتر، بخفض معدلات الهجرة من مناطق نفوذ حفتر، مقابل دعمه في الحصول على المزيد من المكاسب السياسية والنفوذ في طرابلس، لأن نشاط الهجرة غير النظامية فيما يبدو تديره مجموعات فاغنر الخارجة عن سيطرة حفتر.

إذ يتهم غويدو كروسيتو وزير الدفاع الإيطالي فاغنر بشن حرب مختلطة ضد إيطاليا. حيث صرح مؤخرا : ” يبدو لي أنه يمكن التأكيد أن الزيادة الهائلة في معدلات الهجرة المنطلقة من الساحل الأفريقي، هي جزء من استراتيجية واضحة للحرب الهجينة التي تشنها فاغنر الروسية، باستغلال ثقلها في بعض الدول الأفريقية “.

 التحولات المحتملة في سياسات الدول المنخرطة في الصراع الليبي بسبب الحرب في السودان، دفعت حكومة الدبيبة إلى إحياء التحالفات مع دول الجوار القريبة من طرابلس، بزيارة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش إلى تونس والجزائر، وهما دولتان تربطهما علاقات دافئة مع حكومة الدبيبة، لمواجهة أي محاولات لتغيير الحكومة عبر صفقة سياسية جديدة تمدد عمر المرحلة الانتقالية

 لن يختل التوازن بين الأطراف المحلية بشكل حاد بسبب الحريق السوداني، ولكنه قد يدفع بالملف الأمني إلى الواجهة، بتسريع تشكيل القوة المشتركة المرشحة لمواجهة فاغنر في الجنوب، لتحجيم النفوذ الروسي في أفريقيا، وتقليل معدلات الهجرة من الشاطئ الليبي، ويقل التركيز على ملف الانتخابات، مع تراجع اهتمام القوى الدولية التي طالما سعت إلى الضغط من أجل التوافق حول قوانينها، ثم تنفيذها قبل نهاية هذا العام.

________________

مواد ذات علاقة