تعود ليبيا لتبرز كوجهة مهمة للاستثمار الدولي، خصوصاً في قطاعات الطاقة، والطاقات المتجددة، والبنية التحتية.

ورغم أنّ ذلك يأتي بعد فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، تشير التطورات الأخيرة إلى تجدد الزخم بينما تستهدف البلاد تنويع اقتصادها، وتوسيع قدراتها الإنتاجية في مجال الطاقة، وتحديث بنيتها التحتية.

1. جولة تراخيص جديدة للنفط والغاز وإطار اتفاقية EPSA V

في مارس 2025، أطلقت المؤسسة الوطنية للنفط أول جولة تراخيص نفط وغاز منذ 17 عاماً، مع طرح 22 قطعة (برية وبحرية) في ثلاثة أحواض رئيسية: سرت، ومغرب، وغدامس. تشكل هذه الجولة محوراً أساسياً في استراتيجية ليبيا لزيادة الإنتاج (بهدف الوصول إلى مليوني برميل يومياً بحلول 2028) وإضافة 8 مليارات برميل إلى الاحتياطيات المؤكدة خلال الـ25 سنة المقبلة.

وقد تأهلت 37 شركة ( bp، شيفرون، إكسون موبيل، إيني) للمنافسة، ومن المتوقع تقديم العروض وفتح المظاريف في فبراير 2026.

ستخضع شروط التعاقد للاستكشاف وتقاسم الإنتاج للإطار الجديد لاتفاقية EPSA V، والذي صُمم لتعزيز القدرة التنافسية لليبيا أمام شركات النفط الدولية. وتشمل شروطها ما يلي:

تقاسم أرباح أكثر ملاءمة: ألغت عامل “ب” الذي كان يقلل حصة ربح المتعاقدين مع ارتفاع الإنتاج. كما قدّمت عامل “آر” الجديد الذي يخفف من وتيرة انخفاض حصة الأرباح عند بلوغ مستويات معينة من الدخل، مما يمنح عائداً استثمارياً أكثر استقراراً ويتيح التوسع في الإنتاج دون فقدان جزء كبير من الإيرادات.

تعزيز استرداد التكاليف: يسمح معدل ثابت لاسترداد التكاليف للمتعاقدين باسترجاع استثماراتهم بسرعة أكبر، ما يقلص فترة استرداد رأس المال.

معالجة الضرائب من قبل المؤسسة الوطنية للنفط: تواصل الدولة دفع ضريبة الدخل نيابة عن المتعاقدين، مما يقلل العبء الإداري ويحد من المخاطر المالية.

توزيع المخاطر: يتحمل المتعاقدون جميع التكاليف، لكن بإمكانهم الاستفادة من معدل عائد داخلي أعلى وآليات متسارعة لتقاسم الأرباح. تاريخياً، كانت الاتفاقيات السابقة تُسوّي النزاعات بـ(1) التسوية الودية و(2) التحكيم في غرفة التجارة الدولية بباريس.

ورغم عدم وضوح ما إذا كانت EPSA V ستتبع الآلية نفسها، فإنّ حماية الاستثمارات بموجب معاهدات الاستثمار الثنائية ستظل متاحة عند الاقتضاء. ويمكن للإصلاح التنافسي لـ EPSA أن يوفّر بيئة أكثر استقراراً ووضوحاً دولياً في توزيع المخاطر وآليات فض النزاعات، ما قد يجذب اهتماماً متزايداً من صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية.

2. التطورات والفرص الرئيسية

إلى جانب جولة التراخيص، تشمل التطورات البارزة في ليبيا ما يلي:

  • النفط والغاز: تعمل شركتا Structures A&E وMellitah Oil & Gas على مشروع كبير لتطوير الغاز البحري باستثمار يبلغ 8.8 مليار دولار. ومع تقدم المشاريع الكبرى وزيادة قدرة ليبيا الإنتاجية، ستظهر فرص متنامية للمستثمرين الدوليين للمشاركة في تطوير المشاريع أو تقديم خدمات متخصصة.

  • الطاقات المتجددة: تعمل TotalEnergies وGECOL على مشروع سيكون أكبر محطة طاقة شمسية في ليبيا بقدرة 500 ميغاواط، ومن المتوقع تشغيلها في 2026. تعكس هذه المشاريع توجه ليبيا نحو تنويع مصادر الطاقة واعتماد التنمية المستدامة، ما يخلق فرصاً واسعة لأصحاب الخبرة في الطاقة النظيفة ونقل التكنولوجيا. كما يشير استمرار الاستثمار في هذا القطاع إلى دعم سياسي متزايد للطاقة الخضراء وإمكانية تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص.

  • المياه: أطلق كل من IFAD وUNOPS مشروعاً لمواجهة شح المياه بتمويل قدره 9.2 ملايين دولار من منحة صندوق التكيّف. يعكس اعتماد ليبيا على التمويل المبتكر والميسر في القطاعات الحيوية—مثل المياه—انفتاحاً متزايداً أمام أساليب تمويل جديدة، ويفتح المجال أمام استثمارات مستدامة في البنية التحتية والزراعة الذكية والاقتصاد الدائري.

  • البنية التحتية الرقمية: دخل مشروع كابل ميدوساالبحري الذي يربط أوروبا بشمال أفريقيا الخدمة منذ مايو 2025 باستثمار يقدر بنحو 390 مليون دولار. يعزز تطوير البنية التحتية الرقمية مكانة ليبيا كمركز إقليمي محتمل للربط الرقمي وبيانات العبور عبر المتوسط، ما يتيح فرصاً في قطاعات التكنولوجيا المالية والاتصالات واقتصاد البيانات في إفريقيا.

3. مناخ الاستثمار والمخاطر

تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في أفريقيا، لكن نحو 70% من أراضيها و65% من مياهها غير مستكشفة بعد. كما تستفيد من استثنائها من حصص أوبك+ وقربها من أوروبا، إضافة إلى إطار تنظيمي يعتبر مستقراً نسبياً. ومع ذلك، تبقى المخاطر قائمة:

  • الأمن والحوكمة: مع استمرار الانقسامات السياسية، قد تواجه العطاءات معارضة من الجمهور أو السلطات في الشرق، مما يزيد خطر الاضطرابات أو الاحتجاجات. لذلك، يصبح تعزيز العناية الواجبة والمتابعة الدائمة للمخاطر أمراً حيوياً للاحتفاظ بمرونة عالية في بيئة سياسية وأمنية متقلبة.

  • نهج التريث: قد تفضّل الشركات الكبرى تنفيذ مشاريع تجريبية وتأجيل قرارات الاستثمار الرأسمالي الكبيرة حتى تتضح الصورة السياسية والقانونية. المستثمرون الراغبون في اكتساب موقع مبكر قد يستفيدون من بناء شراكات محلية ومراقبة تطورات التشريعات عن كثب.

4. حماية الاستثمارات الدولية

قد تستفيد الاستثمارات في ليبيا من حماية القانون الدولي إضافة إلى الحماية التعاقدية والتشريعية. ليبيا طرف في 26 معاهدة استثمار ثنائية سارية، مع دول مثل سنغافورة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا. كما أنها موقعة على اتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي لعام 1981 الخاصة بحماية وضمان الاستثمارات.

  • تسوية النزاعات: توفر معظم هذه المعاهدات اللجوء إلى التحكيم الدولي عند نشوب نزاع بين المستثمر والدولة. وتشمل المنتديات الشائعة: المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (ICSID)، غرفة التجارة الدولية، أو التحكيم الخاص وفق قواعد الأونسيترال.

  • الحماية الموضوعية: تتضمن هذه المعاهدات عادةً ضمانات مثل المعاملة العادلة والمنصفة، الحماية من نزع الملكية، الحماية والأمن الكاملان، معاملة الدولة الأكثر رعاية، وحرية تحويل الأموال. ومع ذلك، تختلف هذه الحماية باختلاف الصك القانوني. فعلى سبيل المثال، لا تتضمن اتفاقية منظمة المؤتمر الإسلامي التزاماً بالمعاملة العادلة والمنصفة، ومعاملة الدولة الأكثر رعاية فيها مقيدة باستثناءات قد تحد من فعاليتها.

لذلك، قبل الاستثمار في ليبيا، يجب على المستثمرين تحديد المعاهدة ذات الصلة باستثمارهم ومراجعة الضمانات التي توفرها—سواء الموضوعية أو الإجرائية—بما في ذلك آليات فض النزاعات وأي قيود أو شروط خاصة.

الخلاصة

تشير جولة التراخيص الجديدة، وإطار EPSA V المحدث، والتطورات الجارية في المشاريع إلى فرصة استراتيجية للشركاء الدوليين. وبينما تظل مخاطر دخول السوق قائمة، فإن الإطارين القانوني والمالي المحسّنين، إلى جانب تسارع تطوير المشاريع، يخلقان فرصاً مهمة للمستثمرين المتخصصين ومستشاريهم. وسيكون الانخراط المبكر، وتقييم المخاطر بدقة، ونماذج الاستثمار المرنة عوامل حاسمة لمن يسعون للاستفادة من مسار ليبيا نحو النمو طويل الأجل وتنويع الاقتصاد.

_____________

مواد ذات علاقة