بقلم كمال حذيفة

المحافظة علی الاستقلال أصعب من نيله مقولة الملك الراحل إدريس السنوسي، نجدها ماثلة أمامنا بعد 66 عاما علی نيل ليبيا استقلالها، فهل سنكون علی قدر المسؤولية ونحافظ علی استقلالنا وسيادة بلادنا.

***

أشعر بالامتنان والغبطة عندما أتذكر يوم 24 ديسمبر 1951، وهو اليوم الذي أعلن فيه رسميا عن استقلال ليبيا.

الاستقلال الذي لم يأت لولا جهود الآباء والأجداد وكفاحهم المستمر. وهنا أقول لأبناء بلدي إن استقلال ليبيا لا علاقة له بالنظام الملكي أو نظام الفاتح من سبتمبر أو بثورة 25 فبراير 2011. وبالتالي علينا الاحتفال به جميعا باعتباره يوما وطنيا نفخر به ونبتهج، بعد أن تحررنا من ظلم المستعمر المستبد.

وعندما نتذكر هذا اليوم علينا أن نثني علی الرجال الوطنيين الشرفاء الذين ضحوا بالغالي والنفيس من أجل نيل الاستقلال.

فقد كان هؤلاء الآباء مؤملين أن يظفروا بالاستقلال في العام الأول أو الثاني من تحرير البلاد من الحكم الإيطالي في يناير سنة 1943 إثر هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، فخاب ظنهم لتأخر الدول في قضية المستعمرات الإيطالية، ولما اتضح لليبيين غموض مستقبلهم ومماطلة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) هبوا جميعا للنضال السلمي فتكونت في برقة جمعية عمر المختار، والمؤتمر الوطني البرقاوي العام، والتفوا حول الأمير محمد إدريس السنوسي وأجمعوا علی توليته الإمارة.

وفي العاصمة طرابلس تكونت أحزاب سياسية عدة منها، الحزب الوطني والكتلة الوطنية الحرة والجبهة الوطنية المتحدة٬ وتفاوض بعضها لتنسيق الوحدة مع الأمير إدريس ورجالات برقة٬ خاصة بعد أن جاء لهذه الأحزاب من الخارج كبار المهاجرين ومنهم الزعيم بشير السعداوي وعون سوف وأحمد السويحلي ومنصور بن قداره ومحمد غالب الكيب وغيرهم.

وقد استطاع هؤلاء الرجال بما لهم من أسبقية التضحيات والجهاد أن يؤلفوا بين القلوب واتحدت بهم الآراء والمساعي٬ ثم اتجهوا للدول المنتصرة، إنكلترا وأميركا وروسيا وفرنسا، يستعجلونها الوفاء بما وعدت من حرية واستقلال، واستلمت هذه المطالب الملحة وبقيت الدول علی تسويفها الأول ومماطلتها٬ وحينئذ انفجر استياء الليبيين وتذمرهم وتحولا إلى مظاهرات في كل من فزان وبرقة وطرابلس وقد كانت مظاهرات سياسية صاخبة تطور بعضها حتى اصطدمت برجال الأمن.

وفي عام 1947 اجتمع وزراء خارجية الدول المذكورة آنفا في مؤتمر عقدوه في باريس٬ وبعد نقاشهم الحاد في موضوع ليبيا فشلوا في الاتفاق على حل، وانتهوا إلى أن يرفع الأمر أو المشكلة إلى الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة بنيويورك.

وقد رأت الهيئة الأممية أن تشكل لجنة تحقيق للتعرف علی أحوال البلاد ورغبة سكانها، وسرعان ما تهيأ الليبيون لمقابلتها، فتكونت في مصر لجنة سميت “هيئة تحرير ليبيا”، وجاءت إلى طرابلس وزارت العديد من القری والمناطق لغرض توجيه الناس ورفع الحس الوطني لديهم، وقد حالفها التوفيق والنجاح، وفي يوم 12 أبريل 1948 وصلت لجنة التحقيق، وفي يوم وصولها إلى طرابلس أصبحت الجدران والشوارع والمنازل مليئة بالعبارات الوطنية البليغة ومثل ذلك حصل في بنغازي وسبها وغيرها من المدن.

وغادرت اللجنة وهي معجبة بما سمعت ورأت من أدلة النضوج الفكري للاستقلال وأعدت تقريرها لهيئة الأمم المتحدة. وعندما شرعت الهيئـة في دراسة التقـرير وطرق الحل برز بين أعضائها الاتجاه الدولي وتجلت الأغراض السياسية بصورة أكثر وضوحا من مؤتمر باريس.

وحسما للنزاع اتفق كل من إرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا وكارلو سفورزا وزير خارجية إيطاليا علی مشروع أُعتقد أنه سيُقبل من أصحاب الشأن، وكادت الجمعية العامة أن تجنح لاتخاذه قاعدة للحل، ولكنهم فوجئوا من الليبيين بثورة فكرية عارمة، أوشكت أن تنقلب إلى حرب دموية، تظاهر منهم في طرابلس لإسقاط المشروع الثنائي ما يزيد عن عشرين ألف مواطن، وكانوا في استعراضات سلمية رائعة، وساند الليبيين في رفض المشروع الثنائي العالم العربي كله، والآسيوي كذلك.

وإذ بالجمعية العامة أمام هذا التيار الناقم تنساق إلى نصرة العدالة الإنسانية فتلغي بالإجماع مشروع الوزيرين، وكان هذا بالنسبة لليبيين أعظم انتصار سلمي نالته أمة صغيرة بعد الحرب العالمية الثانية بالاتحاد والثبات وهو شرف عظيم لنا أبناء ليبيا اليوم.

بعد ذلك اندمجت الأحزاب الطرابلسية في مؤتمر عام بمنطقة مسلاتة وجعلت رئاسته للزعيم بشير بك السعداوي، وكانت برقة إمارة تحت حكم الأمير محمد إدريس السنوسي، وحكومة فزان برئاسة أحمد سيف النصر.

وعند رجوع الأمير إدريس السنوسي من زيارته إلى بريطانيا في سبتمبر من العام 1949 قصد الرجوع إلى طرابلس فغمره الشعب، ولا سيما أهالي العاصمة، بحفاوة الاستقبال وبهجة الترحاب مما كان له الأثر الطيب لدی الهيئة العمومية فاجتمعت لدورتها الرابعة في سبتمبر 1949 وذهبت إليها وفود الأحزاب والأقاليم في طرابلس وبرقة وفزان.

وقد ناضلت هذه الوفود أمام أعضاء هيئة الأمم المتحدة نضالا منطقيا مقنعا ومؤسسا علی حجج دامغة ترتكز علی إرادة الشعب الليبي وحقه لنيل استقلاله. وبعد المعارك الكلامية الطاحنة في جلسات الهيئة العمومية في نيويورك الاثنين 20 نوفمبر 1949 تم الاتفاق بين الأعضاء علی قيام دولة ليبية ذات سيادة في فترة لا تتجاوز أول يناير 1952.

وفي اليوم الثاني من هذا القرار عمت ليبيا مظاهر الأفراح وظلت مستمرة أياما عدة وانهالت علی إدريس السنوسي ومقرات الأحزاب برقيات التهاني من كل حدب وصوب.

وفي يوم 24 ديسمبر من عام 1951 تم إعلان استقلال ليبيا تحت اسم المملكة الليبية المتحدة، وبنظام حكم ملكي دستوري اتحادي، سبق وأن تم الاتفاق عليه من قبل الجمعية الوطنية التأسيسية المشكلة من ستين عضوا من أقاليم ليبيا الثلاثة، وقد تم الاتفاق داخل مكتب مفتي ليبيا محمد أبوالأسعاد العالم بتاريخ 25 نوفمبر من العام 1950.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أنوه بالدور الذي قام به أدريان بلت المندوب الأممي الذي تم تعيينه بتاريخ 10 ديسمبر 1949 مندوبا للأمم المتحدة في ليبيا ومساهمته الناجعة ومساندته للوفود الليبية أمام الهيئة العمومية.

إن المحافظة علی الاستقلال أصعب من نيله” هي مقولة شهيرة للملك الراحل إدريس السنوسي طيب الله ثراه، نجدها اليوم ماثلة أمامنا بعد مرور 66 عاما علی نيل ليبيا استقلالها، فهل سنكون علی قدر المسؤولية ونحافظ علی استقلالنا وسيادة بلادنا أم سنستمر في الصراع حتى نضيع ما منحنا إياه الآباء المؤسسون؟

سؤال يحتاج إلى إجابة من كل ليبي، وخاصة من المسؤولين في المجالس الثلاثة المتربعة علی عرش ليبيا الآن، مجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي.

***

كمال حذيفة ـ قاض وناشط حقوقي ليبي

__________

مواد ذات علاقة