بقلم د. محمد عبدالرحمن بالروين

في هذه الورقة أعرض على القارئ الكريم بعض المقترحات، التي تقدمت بها لأعضاء الهيئة (كحلول للإشكاليات الجوهرية، والتي لاتزال عالقة في مشروع الدستور) خلال المرحلة الماضية ومنذ الأيام الأولى لإنعقاد الهيئة، وذلك مساهمة مني في صناعة دستور وطني توافقي ديمقراطي يلبي طموحات كل أبناء الشعب الليبي في كل ربوع الوطن.

***

الجزء الثامن

أهم إشـكاليات الباب الثاني عشـر ـ أحكام عامة

ثانيا: ثلاث مواد أقترح أضافتها لمشروع الدستور

المادة (#) سـحب الثقة

1. كل المناصب والهيئات التي تنتخب شعبيا يمكن عزلها.

2. بعد مرور نصف المدة التي انتخب من أجلها المسؤول، يمكن لعدد لا يقل عن عشرين في المائة من الناخبين المقيدين في الدائرة المختصة أن يطلب الدعوة لاستفتاء لإلغاء تفويضه.

3. إذا صوت لصالح الإلغاء عدد يساوي أو يزيد عن عدد الناخبين الذين انتخبوا المسؤول، بشرط أن يشارك في الاستفتاء عدد يساوي أو يزيد عن خمسة وعشرين في المائة من عدد الناخبين المسجلين، يعتبر تفويضه لاغيا وتتم فورا إجراءات تغطية الغياب المطلق حسب ما هو مقرر في هذا الدستور وفي القانون.

4. لا يمكن خلال المدة التي انتخب من أجلها المسؤول إجراء اكثر من طلب واحد لإلغاء تفويضه.

5. لا يمكن القيام بأكثر من استفتاء إلغائي لنفس الموضوع في نفس الوقت الفترة التشريعية.

مُبررات إضافة هذه المادة

الحقيقة المُرة إن كل الذين يمارسون السياسة في الوطن العربي (إلا من رحم ربى) وللإسف الشديد، لا يؤمنون بما يمكن ان أطلق عليه قانون الجاذبية السياسية“. بمعنى أنه كلما يصعد السياسي العربي إلى أعلى في السلم الوظيفي ، كلما رفض النزول إلى أسفل أوالاستقالة. والحقيقة انه لن ينزل إلا بالموت الطبيعي، كما حدت للملك فهد، والملك حسين، والملك الحسن. أوبالاغتيال، كما حدث للرئيس السادات، والملك فيصل. أو بالجنون كما حدث للرئيس بورقيبة. أو بالشنق، كما حدث لصدام حسين، أو بالثورة كما حدث للقدافي, وبن علي, ومبارك أو بالإنقلاب، كما حدث لأغلب الحكام العرب.

وعليه لابد من وجود آليات تساعد المواطنيين للتخلص من كل سياسي إنتخبوه لمهمة ما, (أنظر المادة التى حاولت تقديمها في هذا الشان في آخر هذه المُقترحات, ولكنها وللإسف الشديد تم رفضها من قبل كل اللجان) دون تقديم مُبررات. ولعل السبب من أضافة هذه المادة هو انها, ستجعل كل مسئول يعلم جيدا بان المواطنين, الذين اختاروه, وانتخبوه, لديهم الآليات الدستورية التي تمكنهم من سحب الثقة منه, متي شاؤوا, وبالآلية التي تحددها هذه المادة.

مادة (#) الاحصاء السكان

تقوم الدولة بإجرء احصاء سكاني خلال سنة بعد إنعقاد اول اجتماع للبرلمان. وبعد ذلك يجب ان تقوم الدول بإحصاء للسكان كل فترة عشر (10) سنوات لاحقة وذلك بالكيفية التي يحددها القانون.

مُبررات إضافة هذه المادة

الحقيقة ان أسباب أضافة هذه المادة عديدة لعل من أهمها:

1. هل يعقل ان تجد دولة تتحدت عن التخطيط الاستراتيجي, والتنمية, وتوزيع ثروتها، وهي لا تملك قاعدة بيانات دقيقة, وعلمية, ولا تعرف حتى عدد سكانها، ولا مكونات شعبها.

2. وضع هذه القضية في الدستور سيلزم كل السلطات في الدولة على أخذ هذا الموضوع المهم والخطير بمحمل الجدّ والاهمية.

3. جعل القيام بهذا الموضوع (الاحصاء) كل عشر (10) سنوات, حتى تتمكن الدولة من وضع خطط خماسية وعشارية، ويعرف كل جيل ما له وما عليه.

 

المادة (#) علوية القانون

علوية القانون أساس الحكم، وهذا الدستور هو القانون الاعلي للدولة وتلتزم السلطات العامة, والمؤسسات, والأشخاص الطبيعيين، والاعتباريين، بالخضوع له، ويعد باطلا كل ما يصدر بالمخالفة لأحكامه.

مُبررات إضافة هذه المادة

مبدأ علوية القانون يجب ان يكون جزء لا يتجزأ من الدستور, حتي نستطيع ان نحقق وحدة الدولة والمحافظة عليها. و مبدأ علوية القانون ينص على أن الدستور هو القانون الأعلى في الدولة, ويكون بذلك أهم ضامن للاتحاد الوطني, وتعزيز السلطات.

وبمعني آخر يؤكد هذا المبدأ, أن الدستور, والمعاهدات الدولة, والقوانين, لها الأسبقية على أي تشريعات ولوائح السلطات المحلية, وعلي جميع القضاة في الدولة الالتزام بهذا المبدأ في محاكمهم. بمعني آخر, أن أحترام مبدأ علوية القوانين يعني بالدرجة الاولي أحترام الهرم التشريعي في الدولة, أي ترتيب وأحترام القواعد القانونية من الاعلي الي الأدني, وفقا لقوتها القانونية.

ويشمل الهرم التشريعي المُتعارف عليه, الدستور, ثم المعاهدات الدولية, ثم القانون, ثم اللوائح.

إشـكالية المقدمـة

مقدمة أم ديباجة

في ما يتعلق بإعداد مقترح ديباجة الدستور, وضعت اللائحة الداخلية للهيئة التأسيسية شروط وضوابط محددة لإعدادها. فقد نصت المادة (80) من اللائحة الداخلية علي ان:

تشكل لجنة فنية لإعداد مقترح ديباجة الدستور من أعضاء الهيئة بموافقة ثلثي أعضاء الهيئة. وذلك الانتهاء من أبواب الدستور وفصوله ومواده. ويعرض المقترح علي الهيئة للموافقة عليه بالأغلبية المقررة بإعتباره مادة دستورية.”

بالرغُم من وضوح هذه المادة والشروط التى وضعها لإعداد الديباجة, الا ان أعضاء لجنة العمل قاموا بتجاهل هذا النص وسعوا الي تمرير نصهم, من خلال المجموعة التى ذهبت الي مدينة صلالة, بدولة عُمان! وقد نص مُقترح لجنة العمل الثانية خلافاً للائحة الداخلية علي الآتي:

1. نص مُقترح لجنة العمل الثانية:

الـديبـاجـة: تأسيسا على قيم ديننا الحنيف، واهتداء بكفاح الليبيين ضد الاستعمار والديكتاتورية، ومنعا للعودة لهما تحت أي صورة كانت، واستحضارا للتجارب المريرة التي مرت بها البلاد والتي انتهكت فيها الحقوق والحريات، ووفاء لما قدمه الليبيون في الماضي والحاضر من شهداء أبرار وتضحيات جسام من أجل الاستقلال والتحرر من الظلم والاستبداد، وانتصارا لكافة المظلومين، ومن أجل المضي قدما نحو الحرية والسلام والحفاظ على وحدة البلاد والقطيعة التامة مع حكم الفرد ومن أجل بناء دولة القانون وتحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي وتأسيس مجتمع قائم على المواطنة والتداول السلمي على السلطة والحكم الرشيد والتكافل والعدالة والمساواة بين الليبيين، وتواصلا مع تأسيس الدولة الليبية سنة 1951م من الولايات الثلاث (برقة وطرابلس وفزان) ثم انتقالها إلي دولة موحدة اعتبارا من سنة 1963م وتطلعا للتعاون مع شعوب العالم على أساس مبادئ المساواة والمصالح المتبادلة واحترام السيادة الوطنية فإننا وقد فتح الله لنا بفضله أفاقاً رحبة لبناء دولة القانون والمؤسسات، نحن الشعب الليبي بعد باسم الله الرحمن الرحيم وبالصلاة على نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه سيد المرسلين نقر هذا الدستور.

ملاحظة: لقد تم تبني هذا النص للأسف الشديد دون أحترام اللوائح والأجراءات التي تم الاتفاق عليها فيما يخص صياغة الديباجة! ليس هذا فقط, بل ودون تقديم مُبررات ولا أسباب لتعليل القيام بذلك! ليس هذا فقط, بل رفضوا تقديم الأسباب التى دفعتهم لرفض كل المقترحات الآخري التى جاءتهم من الاعضاء ومن خارج الهيئة! فعلي سبيل المثال لقد تقدمت شخصيا للجنة العمل الاولي والثانية بمقترح مُسبب في هذا الخصوص ولم نستلم منهم أي تبرير للرفض!

2. النص المقترح الذى تقدمت به للجنة العمل الثانية:

المقدمة: إستجابة لأوامر الله مالك المُلك.. وتنفيدا لرغبة الشعب.. وإيمانا بثورة السابع عشر من فبراير 2011 الموافق 14 ربيع الأول 1432 التي قادها شعبنا الليبي بكل شرائحه ومكوناته الاجتماعية وفي كل ربوع الوطن, واستجابة لرغبته وتطلعاته في ارساء قواعد الحق والعدل والحرية والسلام .. وتطلعا لتأسيس دولة مدنية عصرية مُسلمة, تسمو فيها الشريعة ويحكم فيها القانون, ويسود فيها العدل, ويعم فيها السلام والامن والامان .. وتجسيدا للوحدة الوطنية.. وسعيا نحو ايجاد دولة نموديجية تنعم بالاستقرار, والطمأنينة, وتضمن الحرية، وترعى الرقى العلمي, والنمو الاقتصادى, وتحافظ علي النسيج الاجتماعى, وتعتز بالمُكون الثقافي, واللغوي, فى كل ربوع الوطن .. وإنطلاقا من كل ذلك .. وبعد الاتكال على الله الواحد القهار.. نحن ممثلي الشعب الليبي من كل مناطقة ومدنه وقراه المجتمعين .. بمدينة البيضاء في هيئة تاسيسية لصياغة تقدمنا بمشروع دستور للشعب الليبي الذي أقره في أستفتاء عام .. والله على ما نقول ونعمل شهيد.

مبررات واسباب:

1. بداية لابد من لفت الانتباه هنا, الى الفرق بين مصطلحات المقدمةوالديباجةو وثيقة إعلان الدستور.” فقد فرق فقهاء الدستور بين هذه المصطلحات وإختلفوا فى معنى ودور كل منها, فى وظيفة الوثيقة الدستورية. فبينما تتضمن المقدمة فى العادة مبادى عامة, يستوجبها الدستور, ويسير عليها. تكون الديباجة مجرد كلام عام على درجة كبيرة من الحماس والبلاغة.

وفى العادة لا تتضمن الديباجة مبادى عامة وملزمة للدولة. وإنطلاقا من هذا الفهم فاننى أقترح ان يتضمن هذا المشروع مقدمةوليس ديباجة.” وان تكون هذه المقدمة ذات قيمة قانونية ومعنوية. ويجب ان نعتبرها تعبيرا على إرادة الشعب, ومدى إيمانه بأصول الحكم التى ينص عليها الدستور. وأن يتم إعتبارها أيضا, برامج عمل, يجب على السلطات والنخب الحاكمة القيام بها.

2. ان الإشارة في هذه المقدمة الي ثورة السابع عشر من فبراير, كحدث عظيم في تاريخ الشعب الليبي [والذى تجاهلته قصداً, ديباجة لجنة العمل الثانية], هو أمر ضروري ومهم. وفي أعتقادي ان الرفض المقصود, لذكر هذا الحدت التاريخي العظيم في الديباجة التى أقترحوها في مشروعهم, هو خطاء لا يمكن التغاضي عنه, ولا يمكن القبول به, وذلك لإسباب عديدة لعل من أهمها:

(أ) إن ثورة 17 فبراير حدت عظيمبإجماع الراي العام العالمي, فلا يمكن نكرانه, أو تجاهله, الا من أنسان جاحد أو لا يؤمن بها.

(ب) يجب علي القاري الكريم ان يعى بأن الثورات عموما يجب الا ترتبط بما سياتى بعدها من نتائج سلبية. فالثورات كأحدات لا تُلغى بالنتائج التى تاتى بعدها, والا فلا يمكن الاشارة أو الحديث عن أي ثورة حقيقية في العالم عبر التاريخ, وذلك لان كل الثورات العظيمة, نتج عنها الكثير من الفوضى والعنف والتخبط في أتخاد القرارات, وحاول سرقتها وإستغلالها الكثيرين من الإنتهازيين, وخصوصا في السنوات الاولي من حدوتها. وعليه فلابد من الفصل بين الثورة كـ حدث عظيم,” خلصتنا من الظلم والقهر والاستعباد, وبين النتائج التى نتجت عنها. وعليه فلابد من إدانة كل ما هو سلبي وإنتقاد كل ما هو خطاء, ومحاسبة كل من أجرم, وأفسد بعد الثورة , ولابد من المناداة بتطبيق مبدأ من أين لك هذا؟مع كل الثوار, والسياسيين, ورجال الأعمال, من يوم 11 فبراير 2011 الي يومنا هذا, ولكن وفي نفس الوقت, يجب تقدير وذكر كل ما هو حسن, وعظيم, وإيجابي. وبعد أسبوع من تقديم مقترحي الذي رُفضته اللجنة, تقدمت بمقترح آخر, لتقريب وجهات النظر بين الديباجةالمُقترحة في المشروع, والمقدمةالتى تقدمت بها أعلاه:

المُقترح البديل

مقـدمـة: تأسيسا على قيم ديننا الحنيف، واهتداء بكفاح شعبنا ضد الاستعمار والديكتاتورية، وتنفييدا لإرادته, ووفاء لما قدمه من شهداء أبرار وتضحيات جسام من أجل الاستقلال والتحرر من الظلم والاستبداد،.. واستجابة لرغبته وتطلعاته في ارساء قواعد الحق والعدل والحرية, وتطلعا لتأسيس دوله مدنية ديمقراطية عصرية, تقوم علي اسس التعددية, والقانون, والمواطنة, والتداول السلمي على السلطة, والمساواة, وتكافؤ الفرص، وترعى الرقى العلمى, والنمو الاقتصادى, وتحافظ علي النسيج الاجتماعى, وتعتز بكل مُكوناتها العرقية والثفافية واللغوية, وتتطلع للتعاون مع شعوب العالم على أساس مبادئ السلام والحياد والمصالح المتبادلة واحترام السيادة الوطنية. وبعد الاتكال على الله مالك الملك, نحن ممثلي الشعب من كل مناطقة ومدنه وقراه, نقر هذا الدستور, والله على ما نقول ونعمل شهيد.

بعد كل ذلك, كانت المفاجئة للجميع, بان قامت لجنة التوافقات بتقديم مقترح مشروعها بدون مقدمة ولا ديباجة؟! وذكرت بدلا من ذلك العبارة التالية:

نحن – أبناء الشعب الليبي الليبيين والليبيات – نقرّ هذا الدستور

فما هي القيمة الدستورية لهذه العبارة؟!

البقية في الأجزاء التالية

***

للأطلاع على التقرير كاملا اضغط (هنا)

***

محمد عبدالرحمن بالروين ـ ممثل عن مصراتة في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور

حرر في مدينة البيضاء بتاريخ 3 مارس 2018

_____________

 

مواد ذات علاقة