بقلم د. محمد عبدالرحمن بالروين

في هذه الورقة أعرض على القارئ الكريم بعض المقترحات، التي تقدمت بها لأعضاء الهيئة (كحلول للإشكاليات الجوهرية، والتي لاتزال عالقة في مشروع الدستور) خلال المرحلة الماضية ومنذ الأيام الأولى لإنعقاد الهيئة، وذلك مساهمة مني في صناعة دستور وطني توافقي ديمقراطي يلبي طموحات كل أبناء الشعب الليبي في كل ربوع الوطن.

***

الجزء التاسع

ماهو الحـل لهذه الإشكاليات؟

بعد هذا العرض المُختصر لإهم الإشكاليات الدستورية في هذا المشروع, قد يسأل سائل فيقول: ماهو الحل لهذه الإشكاليات؟

في أعتقادي, تستطيع هيئة صياغة مشروع الدستور – في شهر واحد مراجعة وتنقيح عملها والوصول الي نتائج يقبل بها الجميع , وذلك عن طريق التداول والنقاش العلني والمفتوح حول الأشكالية الدستورية العالقة في هذا المشروع المُعيب. وأنا علي يقين بأنه يمكن تحقيق ذلك بإتباع الخطوات الآتية:

1. تُشكل الهيئة لجنة (مُصغرة) لتجميع المواد المُختلف عليها أوالتى يُراد أضافتها من الأعضاء المُعترضين علي هذا المشروع. وبشترط ان تتم هذه العملية في مذه لا تزيد عن يومين من تاريخ أختيارهذه اللجنة.

2. الاتفاق علي أعتبار المواد التى لم يعترض عليها احد من الأعضاء مواد مقبولة ومُتفق عليها من جميع أعضاء الهيئة، ويجب علي رئاسة الهيئة نشرها في وسائل الاعلام وتوزيعها على الراى العام، وأعتبارها جزء من مشروع دستور ليبيا المُرتقب.

3. يجب ان تقتصر المداولات والمناقشات على المواد المُختلف عليها أوالتى يُراد أضافتها فقط،. وذلك لان الاعضاء المؤيدين للمشروع قد وافقوا علي كل مواده, وليس لديهم الان الا حق الدفاع علي هذه المواد, وتقديم الاسباب والمُبررات لوجودها.

4. في حالة عدم وصول أعضاء الهيئة لحل هذه الإشكاليات أقترح ثلاث خيارات للحل وهي كالآتي:

أولا: الإحالة بمعني أن تحال هذه الإشكاليات الي لجنة تحكيم وطنية مُحايدةيقوم المؤتمر الوطني العام (أو اي قوي وطنية يقبل بها الطرفان) بتشكيلها للإستماع لكل الأطراف والفصل فيها. وبشرط أعتبار الحكم الذى تتوصل اليه هذه اللجنة (في الإشكالية المطروحة) نهائي ومُلزم لجميع أعضاء الهيئة.

ثانيا: الرجوع بمعني في حالة عدم مقدرة هذه اللجنة للوصول الي توافق بين أعضائها حول أشكالية مُعينة, تقوم هذه اللجنة بالرجوع الي ما ينص عليه دستور1951م وتعديلاته عام 1963, فيما يتعلق بالمادة الخلافية واعتبار ذلك حلاً نهائيا للإشكال.

ثالثا: الترحيل وفي حالة عدم وجود الحل في فيما ينص عليه دستور 1951م وتعديلاته عام 1963, يتم ترحيل هذه المواد المُختلف حولها بين الاعضاء, وأن يُترك الامر للشعب (خلال عملية الأستفتاء العام) لإختيار الأصلح من بينها.

في تصوري هذه الخطوات العملية ستمكننا من حل الإشكاليات العالقة, وسنقوم بإنجاز المشروع الدستوري في أسرع وقت ممكن, وسيكون ذلك بإسلوب شفاف وعلني, وامام مريء ومسمع الجميع.

المـلاحــق

المُلحق الاول

الاختصاص التشريعي لمجلس الشيوخ

المادة (79) الاختصاص التشريعي للمجلس

يتولى مجلس الشيوخ مراجعة القوانين التي يتوجب إحالتها إليه من مجلس النواب لإقرارها أو التعديل فيها في المواضيع الآتية: (1) النظام المالي للدولة، (2) الحكم المحلي، (3) الجنسية والهجرة، (4) الإنتخابات، (5) الثورات الطبيعية والبيئة، (6) مقترحات التعديلات الدستورية.

ولمجلس الشيوخ الاستيضاح من الجهات المختصة بشأن أي مشروع يدخل في اختصاصه

المادة (80) اختصاص المجلس بشأن بعض الوظائف

يتولى مجلس الشيوخ المصادقة على ترشيحات مجلس النواب بشأن الوظائف الآتية: (1) أعضاء المحكمة الدستورية، (2) رؤساء وأعضاء إدارة الهيئات الدستورية المستقلة، (3) محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه.

وذلك وفق معايير الاستحقاق والجدارة لتحقيق المصالح العليا للدولة خلال المدة ، والشروط التي يحددها القانون, ويصدر رئيس الجمهورية قرارا بتسميتهم.

المُلحق الثاني

لعبة الأرقام .. وحتمية الانسداد الدستوري!

يقول السيدات والسادة أعضاء كتلة الـ 9″, أحد تكتُلات ما كان يُعرف بـ لجنة التوافقاتفي المادة (76) من مُقترحاتها الآتي:

يتألف مجلس الشيوخ من عدد ثمان وسبعين عضوا (78) ينتخبون بالأقتراع العام العام الحر السري المباشر عن طريق الانتخاب الفردي, علي ألا يقل عمر الناخب عن ثماني عشرة سنة ميلادية. ولأغراض تطبيق هذا النص، توزع المقاعد بين المناطق الانتخابية الثلاث وفق الآتي:

المنطقة الأنتخابية الغربية (طرابلس) 32 عضوا، والمنطقة الإنتخابية الشرقية (برقة) 26 عضوا, والمنطقة الأنتخابية الجنوبية (فزان) 20 عضوا، على أن يشمل ذلك ضمان تمثيل المكونات الثقافية واللغوية بواقع عضوين عن كل مكون، ويراعي التوزيع الجغرافي للمقاعد داخل كل منطقة انتخابية. وذلك كله وفق ما يحدده القانون.”

الحقيقة ان هذا المُقترحمن السيدات والسادة الأعضاء يُتير العديد من الأسئلة والاستفسارات التى لا يسع المجال للتعاطى مع جميعها في هذه المساحة المحدودة. ولعل من المناسب ان يقتصر حديثى هنا علي أشكاليات ثلاث هي (1) ما يمكن ان أطلق عليه بـ الأشكالية العددية؟!” (2) أشكالية الدوائر الانتخابية, و(3) أشكالية أتخاد القرار.

أولا: الأشكالية العددية

بمعني علي أي أساس قام هؤلاء السيدات والسادة بأختيار هذه الأرقام؟! واذا كانوا قد استخدموا ما يُعرف بـ الانحراف المعياري” , فالسؤال هنا: ما هو المتوسط العدديالذي انطلقوا منه في حسابهم لهذه الانحرافات؟ وكيف تم أختيار ذلك؟ وما هي درجة الانحراف المعياريالتى تم أستخدمها , ولماذا؟ وما هي أسبابهم ومبرراتهم للقيام بكل ذلك؟ وهل فعلا ان هذه الارقام التى تم إختيارها تساوي قيمتها الحقيقية؟

من منظور آخر وطالما ان مجلس الشيوخ يمثل الجغرافيا, فلماذا تم رفض الرجوع (كحل مؤقت علي الأقل) الي نظام العشر (10) محافظات (بدلا من الثلاث أقاليم) الذي تم تطُبقه في ليبيا من 1963 الي بداية التسعينات؟ أو الرجوع الي نظام الـ أثنين والثلاثين (32) شعبية الذي تم تطُبقه في ليبيا من 2001 الي 2007 , أو الرجوع الي نظام الـ أثنين والعشرين (22) شعبية الذي تم تطُبقه في ليبيا من 2007 الي 2011 .

وعلي ان يكون توزيع المقاعد في مجلس الشيوخ متساوي بين هذه المحافظات أو الشعبيات؟! أليس هذا أحسن وأعدل من تطبيق أسلوب الانحراف المعياري بطريقة غير كاملة!!!

الغريب فيما تقدم به السيدات والسادة أعضاء هذه الكتلة, انهم لم يقدموا لنا أي مُذكرة شارحةلمُبرراتهم وأسبابهم في اختيارهم لهذه الأرقام والتصنيفات وعدد الدوائر الإنتخابية!!! والاغرب من كل ذلك هو عدم معرفة الاسباب التى علي أساسها قاموا برفض المقترحات الآخري التي قُدمت لهم من زملائهم أعضاء الهيئة من خارج لجنتهم؟!

ثانيا: أشكالية الدوائر الانتخابية

أما الاشكالية الثانية التى يجب علي أعضاء هذه الكتلة شرحها وتبريرها للمواطن الكريم هي: ما هو المقصود بـ المناطق الانتخابيةالتي تتحدت عليها هذه المادة؟! بمعني هل يقصد هؤلاء السيدات والسادة بالمناطق الانتخابية الثلاث طرابلس, وبرقة, وفزان . أي المناطق التاريخية الثلاث التى كانت موجودة قبل تعديل دستور المملكة عام 1963؟

أم انهم يقصدون بها المناطق الانتخابية الثلاث طرابلس، وبرقة , وفزان , وفقا لتقسيم الدوائر الأنتخابية الــ 13 لإنتخاب أعضاء المؤتمر في 2012 , وايضا إنتخاب أعضاء مجلس النواب في 2014؟

أم أنهم يقصدون بها المناطق الانتخابية الثلاث طرابلس، وبرقة , وفزان , وفقا لتقسيم الدوائر الأنتخابية الــ 11 لإنتخاب أعضاء الهيئة التاسيسية في 2014؟

العجيب هنا ان هذا المُقترح لم يحدد لنا بوضوح أي المناطق الأنتخابية الثلاث التى سيتم أستخدامها في توزيع مقاعد مجلس الشيوخ؟ وعلي أي أساس سيتم هذا الاختيار؟ وهل هذا الاختيار دائم أم مؤقت؟ ولماذا أشترط هذا المُقترح ضمان تمثيل المكونات الثقافية واللغوية بواقع عضوين عن كل مكون؟ وما المقصود بـ المكوناتهنا التى يجب ان يضمن لها الدستور عضوين؟ وعلي أي أساس تم اختيار هذا العدد, أي لماذا عضوين فقط لكل مكون؟ وهل يشمل مصطلح المكونات في هذا المادة المكونات الاخري غير أخوتنا الأمازبغ والطوارق والتبو التى تم ذكرها في الاعلان الدستوري؟ بمعني آخر, هل يشمل هذا المصطلح كل المكونات الآخري (غير العربية مثلا) الموجودة في الوطن مثل أخوتنا الأواجلة , والقريتلية , وتاورغاء , والشراكسة , والكراغلة وغيرهم؟

ثالثا: أشكالية أتخاد القرار

أما الاشكالية الثالثة التى يجب علي أعضاء هذه الكتلة شرحها وتبريرها هي: يبدو من القراءة الاولي لما ورد في مُقترح المادة (76) ان بعض المناطق الأنتخابية قد تحصلت علي مقاعد أكثر في مجلس الشيوخ من المناطق الآخري وكنتيجة لإستخدام المعيارية!

ولكن السؤال هنا: ماذا يعني هذا؟ بمعني: هل هذا يعني ان منطقة طرابلس مثلا التي تحصلت علي 32 مقعد من مقاعد مجلس الشيوخ, هي اكثر قوة وتأثير من برقة وفزان؟ وبالاسلوب المعاكس يمكن القول: هل منطقة فزان التي تحصلت علي العدد الأقل من المقاعد في المجلس (أي 20 مقعد فقط) , هي أضعف كتلة منطقة في مجلس الشيوخ!

ولكن في الحقيقة ان العكس هو الصحيح! فكتلة فزان في الواقع هي الأقوي في المجلس!! ولكي تتضح هذه الصورة أكثر, دعونا ننظر لمُقترح المادة (80) والمُتعلقة بـ نصاب الانعقاد وآلية أتخاذ القرارات.”

تنص هذه المادة علي الآتي: “لا تعتبر جلسات المجلس صحيحة إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائه المنتخبين. وتتخد القرارات بشأن المسائل المنصوص عليها في المادتين (90 , 91) بذات الاغلبية , علي ان يكون من بينهم ثمانية أعضاء علي الاقل من كل منطقة أنتخابية.“

فماذا تعني هذه المادة؟ وهل فعلا ان القرارات في هذا المجلس ستُتخد بالأغلبية المُطلقة (أي بنصف مجموع الاعضاء زائد واحد) كما تنص هذه المادة؟! الحقيقة ان هذا غير صحيح! وذلك لان آلية أتخاد القرار هنا هو ما يمكن ان أطلق عليه بـ الأغلبية المطلقة المشروطة!!” بمعني أشتراط ان يكون من ضمن هذه الأغلبية المطلقة ثمانية أعضاء علي الاقل من كل منطقة أنتخابية. وبمعني اخر ان أي أغلبية آخري مهم كان عددها, اذا لم يتحقق بها شرط الثمانية لن تستطيع أتخاد أي قرار!!!

تصور معى علي سبيل المثال لا الحصر, ان كل أعضاء منطقة طرابلس الـ 32 , وكل أعضاء منطقة برقة الــ 26 , ومعهم أيضا 7 أعضاء من منطقة فزان , هؤلاء جميعا لن يستطيعوا أتخاد قرار بالرغم من ان مجموعهم يُشكل 65 عضو (أي 83.3% ) من مجموع أعضاء المجلس!! لماذا؟! لان شرط الثمانيةلم يتحقق في هذه المعادلة!! بمعني لم يكن من بينهم ثمانية أعضاء علي الاقل من منطقة فزان!!! فهل يُعقل ان تتخد القرارات بهذه الكيفية ؟! وهل هذا هو الوطن الذي نحلم ان يعيش فيه أبناءنا مُتساوون وسعداء؟! وهل هذا هو معني العدالة وتكافؤ الفرص التى نؤكد عليها في كل مكان في مشروعنا للدستور المرتقب؟!! بالتأكيد: لا!!

واذا نظرنا الي مفهوم الأغلبية المطلقةالتى نص عليها مُقترح هؤلاء السيدات والسادة من منظور آخر, هب ان سيداتنا وسادتنا أعضاء منطقة فزان الـ20 قرروا هذه المرة ان يتحالفوا مع أعضاء منطقة برقة الــ 26 وأن يقنعوا 7 أعضاء من طرابلس ليصوتوا معهم علي مشروع قانون ما, فان هؤلاء ايضا بالرغم من انهم يمثلون 53 عضوا من مجموع أعضاء المجلس الــ 78 (أي الــ 3/2 + 1) لن يستطيعوا القيام بذلك لانهم يحتاجوا الي ثمانية أعضاء علي الاقل من منطقة طرابلس!!!

فهل بعد هذه الامثلة البسيطة (وغيرها الكثير) , يمكن القول ان الارقام التي ذكرت في مُقترح المادة (76) تعني أي شيء؟! وهل حقا تحمل نفس الوزن والثقل السياسي؟! أم انها مجرد لعبة من لعب الأرقام التى يطلق عليه بعض الاحصائين لعبة كيف تكدب بالأرقام.”

والاهم من كل ذلك هو: هل بأستخدام هذه اللعبة الرقمية يمكن تحقيق مفهوم التمثيل السياسية المناسبعلي اساس الجغرافية الذي نسعي له جميعا؟ وهل بهذا التقسيم يمكن ان نبني وطن يسع الجميع؟!

يا سادة, يا كرام , وببساطة شديدة جدا , ان ما تطرحونه في مُقترحاتكم هو تعقيد للمُبسطوليس حلا للإشكال , وسيقود حتما لإنسدادات دستورية لا حصر لها!!! وستكون السيطرة فيه لا محالة , ليس للأغلبية المطلقةولا لإغلبية الثلثين زائد واحد,” ولا حتي للــ “84% من عدد أعضاء المجلس“, وانما لكل من يُقوم بتحقيق شرط الثمانية أعضاء من كل منطقة أنتخابية!!” بمعني أخر, بغض النظر عن الأغلبية, فإن:

13 عضو فقط من منطقة فزان يستطيع إيقاف أي مشروع قرار لا يلبي رغباته! و19 عضو فقط من منطقة برقة يستطيعوا إيقاف أي مشروع قرار لا يلبي رغباتهم! و25 عضو فقط من منطقة طرابلس يستطيعوا إيقاف أي مشروع قرار لا يلبي رغباتهم!

فهل يُعقل هذا يا أحباب؟! وهل فعلا تعتقدوا اننا نستطيع ان نبني وطن بهذه المعادلات الخاطئة؟!! بالتأكيد لا.

أخير, أليس من الاجدي والاحسن , اذا كنتم مُصرين علي الرجوع لـ فكرة الثلاث أقاليم“, فلماذا لا نقوم بالرجوع (كحل مُؤقت علي الأقل) الي تبني الفصل السابع المُعنون بــ (مجلس الامة , وتحديدا المواد: 93 الي 140) من دستـور ليبيا [الذي أصدرته الجمعية الوطنية الليبية في 7 أكتوبر 1951, وتم تعديله في 1 يناير 1963, وألغاه الإنقلابيون في أول سبتمبر 1969], مع ضرورة إعادة صياغة بعض المواد وإستبدال دورالملكبدور الرئيس.”

هذا في أعتقادى سيحل أشكاليات كثيرة وخصوصا أشكاليات التمثيل الجغرافي, وتركيبة المجلسين , وايضا أشكالية آليات اتخاد القرارات. وفي اعتقدى ايضا ان هذا الحل هو أحسن وأفيد وأنسب حل للواقع التعيس الذي يعيشه شعبنا المظلوم هذه الايام.

البقية في الجزء الأخير

***

للأطلاع على التقرير كاملا اضغط (هنا)

***

محمد عبدالرحمن بالروين ـ ممثل عن مصراتة في الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور

حرر في مدينة البيضاء بتاريخ 3 مارس 2018

_ ____________

مواد ذات علاقة