يمثل انتشار السلاح السبب الرئيسي في عرقلة مسارات الحوار الليبي باعتباره قوة تخترق المؤسسات وتضغط في اتجاهات محددة، في ظل عدم العمل على إطلاق مصالحات وطنية اجتماعية تفصل مع الماضي القريب الدموي. كما أنها المسؤول المباشر، برعاية سياسية من الأطراف الموجودة، على جل الإنتهاكات.

يهيمن التفكير في المسار السياسي على الواقع الليبي، رغم أهميته إلا أنه لا يجب أن يلغي المسؤولية المباشرة للسلطات في شرق ليبيا وغربها إزاء الوضعية الاقتصادية والإجتماعية ووضعية حقوق الإنسان. وذلك تحت سقف منظومة القانون الدولي واحترام القوانين الجاري العمل بها.

أولا: تطور السياسات والتشريعات المتعلقة بالإنتقال الديمقراطي

أدى الصراع العسكري الليبيالليبي بدعم دولي، ثم بتدخل دولي مباشر إلى عرقلة مسارات الحوار دائمًا. وهو العائق الذي يبقى دائمًا مطروحًا في الملف الليبي، حيث يُخيَم شبح العودة إلى الوراء بصورة دائمة. وهو الأمر الذي يتطلب تعلم دروس الماضي القريب من أجل ضمان تواصل المسار السياسي الجديد منذ بداية سنة 2020.

1. الملف الليبي: حوار بين انتكاسات السياسة ومواجهات السلاح

شهدت ليبيا مسارات حوارات متعددة وفي مجملها تتشابه من حيث قرب الوصول لاتفاقات قادرة على إنهاء الصراع واستئناف الإنتقال الديمقراطي، لكنها تنتهي بسرعة الى تجدد الصراعات السياسية والمسلحة.

ومن هنا ضرورة التذكير بمراحل الحوار الليبي وصولًا الى اليوم ومرورا بأهم الاتفاقات والانتكاسات:

ضمن هذا المسار الطويل والمعقد، تقاطعت العوامل الداخلية والإقليمية والدولية في تعطيل مسارات الحوار الليبيالليبي. فكلما زاد او تراجع وزن أحد الأطراف داخليًا تحرك الطرف الدولي الداعم له، فيما يبقى دور دول الجوار محدودًا نسبيًا، رغم المساعي الدبلوماسية المشتركة من أجل توحيد الجهود.

استمرت الحرب في ليبيا حتى سنة 2020. ولم تستطع قوات الكرامة بقيادة حفتر الدخول الى العاصمة وتحت ضغط دولي بدأت في الانسحاب من مواقعها، خاصة بعد تغير الموازين بسيطرة قوات الوفاق على العاصمة طرابلس يوم 06 يونيو/جوان 2020، أصبحت مدينة سرت بتغير الخريطة العسكرية النقطة الفاصلة بين القوتين. الأمر الذي أعطى فرصة لاستعادة المسار السياسي رغم حساسية وآثار الصراع المسلح الذي تسبب في انقسامات داخل المجتمع الليبي.

أصبح مؤتمر برلين المرجعية للمسار السياسي الليبي وفقًا لخطة التي تم رسمها في العاصمة الألمانية حيث استطاعت بعثة الأمم المتحدة ان تستصدر قرارًا من مجلس الأمن باعتماد مخرجات برلين كإطار أساسي لمسارات الحوار في ليبيا على الأصعدة الثلاثة (العسكري – والاقتصادي – والسياسي).

بعد تثيبت وقف إطلاق النار عن طريق مؤتمر برلين تحركت الدول الإقليمية المجاورة لليبيا في تحريك عجلة المبادرات التي تحاول من خلالها إرجاع عجلة الحوار السياسي للحركة من جديد من هذه المبادرات وأهمها (إعلان القاهرة) حيث نص على الآتي:

  • التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الليبية واستقلالها، واحترام كافة الجهود والمبادرات الدولية وقرارات مجلس الأمن التزام كافة الأطراف برقف إطلاق النار اعتبارا من 8 يونيو 2020.

  • إرتكاز المبادرة على مخرجات مؤتمر برلين، التي نتج عنها حل سياسي شامل يتضمن خطوات تنفيذية واضحة (المسارات السياسية والأمنية والاقتصادية)، واحترام حقوق الإنسان، واستثمار ما انبثق عن المؤتمر من توافقات بين زعماء الدول المعنية بالأزمة الليبية.

  • استكمال أعمال مسار اللجنة العسكرية (5+5) بجينيف، برعاية الأمم المتحدة، وقيام الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها، حتى تتمكن القوات المسلحة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية من الاضطلاع بمسؤولياتها ومهامها العسكرية والأمنية في البلاد.

    وطرح فيها عقيلة صالح رؤيته للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد ترتكز على الحل السياسي وتقصي الحل العسكري، وتنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

وفي نفس السياق بعد إعلان عقيلة صالح توقف العمليات العسكرية بشكل كامل أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، الجمعة 21 أغسطس 2020، تعليمات لجميع قواته العسكرية، أمر فيها بوقف فوري لإطلاق النار في كل الأراضي الليبية، فيما قال عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق بدوره إن وقف إطلاق النار يجعل من سرت مقرًا مؤقتًا للمجلس الرئاسي الجديد وتتولى قوة شرطية من مختلف المناطق تأمينها.

يعتبر هذا الإعلان بمثابة الخطوة الأولى من طرفي الصراع في ليبيا للعودة الى المسار السياسي من جديد وهذا ما حدث بشكل عملي بعد ذلك في لقاء عقيلة صالح رئيس البرلمان في طبرق وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة في مدينة أبو زنيقة في المغرب بتاريخ 8 أغسطس 2020 حيث حدثت تفاهمات بين وفدي ليبيا في مدينة بوزنيقة المغربية، بشأن المسائل العالقة في الأزمة.

وقد توافقت الأطراف الليبية على منصب محافظ المصرف المركزي وعلى تقسيم المناصب السيادية السبع بالتساوي، وهوما يفتح الباب لإعادة هيكلة المجلس الرئاسي. وهو ما يعتبر خطوة كبيرة جدًا تضاف الى مسار الحوار الليبي مند توقفه العام الماضي بسبب الحرب التي اندلعت في أبريل 2020.

في خضم المساعي الحثيثة التي تقودها جهات محلية ودولية عدة لإنهاء أزمة إغلاق الموانئ وحقول النفط الليبية وسط وشرقي البلاد، فجر نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق مفاجأة بإعلانه التوصل إلى اتفاق مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر لإعادة الإنتاج.

وتم الإعلان عن الاتفاق معيتيق في بيان بتاريخ 18 سبتمبر 2020، وتضمن بنودًا عدة أبرزها تشكيل لجنة لإدارة إيرادات النفط، قوبل برفض من المؤسسة الوطنية للنفط، فيما نأى “المصرف المركزي” بنفسه عن اتفاق معيتيق، نافيًا صلته بأي تفاهمات حول توزيع عائدات النفط.

في سياق متصل، عبر آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة جويلي عن رفضه للاتفاق، مطالبًا المجلس الرئاسي والنواب بموقف واضح تجاهه، في المقابل احتفى المتحدث باسم حفتر، أحمد المسماري بالاتفاق، وهو ما يؤكد تواصل ضغط التوازنات العسكرية وفوضى السلاح في ليبيا، وإمكانية تسببه في تعطيل المسار السياسي في ليبيا.

2. فوضى السلاح في ليبيا

قبل التحول العسكري المهم بسيطرة قوات الوفاق على العاصمة طرابلس، كانت بعثة الأمم المتحدة قد عبرت عن قلقها البالغ من تواصل تدفق السلاح الى طرفي النزاع في ليبيا.

لكن رغم تغير التوازنات، لا يزال السلاح موجودًا في ظل انقسام المؤسسة العسكرية وانتشار الجماعات المسلحة. وقد أشارت التقديرات الأممية إلى أن عدد قطع السلاح في ليبيا بلغ: 29,000 قطعة من جميع الأنواع

تتنوع الأسلحة في ليبيا بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة، والرقم المذكور أعلاه لم يسجل في أي بلد آخر خلال الأربعين عامًا الماضية.

في هذا الاتجاه، سعت الولايات المتحدة الأمريكية، عبر حوارات مباشرة مع الطرفين منذ جوان/يونيو وجويلية/يوليو 2020، لإيجاد سبل مناسبة لدمج الجماعات المسلحة والحد من فوضى السلاح في ليبيا ونزع سلاح أخرى. وذلك بهدف ضمان عدم وجود رفض من الجماعات المسلحة لأية حل سياسي ممكن مستقبلًا.

وقد حمّل تقرير صادر عن الأمم المتحدة، قوات القيادة العامة بقيادة الجنرال خليفة حفتر مسؤولية 81% من ضحايا الحرب المدنيين في ليبيا الذين وثقتهم خلال الربع الأول من سنة 2020.

وحمّل التقرير ألأممي قوات الجيش التابع لحكومة الوفاق 5% من الضحايا، وأضاف أن 14% من الضحايا لم يكشف عن الجهة التي استهدفتهم، لافتًا إلى أن حصيلة الضحايا بالكامل تمثل زيادة إجمالية بنسبة 45% فيما تم توثيقه من الخسائر في صفوف المدنيين، مقارنة بالفترة السابقة في الربع الأخير من العام 2019.

إلا أن التغيير في طرابلس أدى الى المساهمة في الدفع بوقف إطلاق النار، رغم بعض الخروقات المتفرقة. تم ذلك بفضل بيانين منفصلين متزامنين للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني (المعترف بها دوليًا)، ومجلس نواب (طبرق) الموالي للمشير خليفة حفتر، بثتهما وكالة الأنباء الليبية (وال) .

لكن على نفس المستوى، يطرح انقسام المؤسسات وعدم وضوح هيكليتها خاصة على مستوى وزارات الدفاع والداخلية، وضعف القضاء واستهدافه المتواصل إشكاليات جدية أمام تعزيز وحدة الدولة واسترجاع هيبتها، بسبب تواصل وجود الجماعات المسلحة وشبه العسكرية.

يتبع

______________

مواد ذات علاقة