بقلم ذاكر بنصوف

ليبيا دولة إفريقية الموقع، عربية أمازيغية السكّان تمسح ما يربو عن 1 مليون 795 ألف كيلومتر مربع، مما يجعل تصنيفها ضمن أكبر الدول الإفريقية مساحة، على عكس عدد سكانها الذي لا يتجاوز في أقصى حالاته 6 ملايين و375 ألف نسمة يحدّها شمالا البحر الابيض المتوسط وشرقا الجمهورية المصرية وغربا الجزائر وتونس ثم النيجر والتشاد والسودان جنوبا.

ورغم شساعة مساحتها وقلة عدد سكانها، فإن باطن صحراءها غنيّ بالمواد الأولية كالبترول والغاز والأورانيوم ومواد أخرى حيث ذلك أبدا لم يساهم في رقيّ شعبها ورفاهيّته ونماءه وتطوّره ومردّ ذلك أصلا التعقيدات العميقة التي تشهدها على المستوى الجيوسياسي والسوسيوجغرافي ممّا يخلق بالضرورة مشاكل لا تحصى ولا يمكن بأي حال حلحلتها بسهولة.

على المستوى السكاني يغلب الطابع القبلي للدولة الليبية على الطابع المدني حيث مازالت القرابة الدموية والقبلية هي الطاغية على المشهد على حساب الطابع المدني الصرف،

زد على هذا تعدّد وتنوع أعراق ساكنة الأراضي الليبية من العرق العربي الذي حلّ بأوساطها مع الزحف الهلالي إلى العرق الأمازيغي الذي استقر بجبال نفوسة غربي البلاد مرور بالعرق الإفريقي وشبه الإفريقي كالتبو والطوارق جنوبيها إضافة إلى الأعراق الأخرى مثل الطليان والشركس والاتراك وبعض الأوروبيين

هذا التنوّع العرقي يصحبه عادة اختلاف في العادات والتقاليد والمنهج الحياتي وطرق التعامل بل أكثر من ذلك كثيرا ما كانت اللغة واللهجات المحلية عائقا أمام سهولة التواصل بين القبائل المذكورة حيث تطغى العربية والشلحة لغة الأمازيغ على باقي اللغات.

وأمام الظرف الحالي المتوتّر أصلا حيث تدافع “جيش الشرق” بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر على اجتياح مدينة طرابلس العاصمة وافتكاكها من “جيش الغرب” المساند للحكومة الشرعية بقيادة فائز السّراج نجد أنفسنا نطرح أكثر من سؤال حول الأسباب الحقيقية لهذا الصراع المحتدم منذ أكثر من خمسين يوما،

إضافة إلى الطّمع التي يستتبّ ويستبدّ بعقل اللواء المتقاعد وتعطّشه الكبير ونهمه للاستيلاء على دواليب السّلطة في البلد فإن الشرق الليبي وخاصة مدينة بنغازي ودرنة وطبرق كثيرا ما يتمّ التّعلل بتهميشها في عهد القذافي واستبعادها المستمر عن عجلة التنمية لصالح الغرب وخاصة العاصمة طرابلس.

زد على هذا أن الثروة النفطية الهائلة التي تستبطنها الصحاري الليبية قد تسيل لعاب كل الاطراف الدولية وحتى المحلية التي بإمكانها أن تستفيد من خيراتها لنجد كل من الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا يحثّون شريكهم الفعلي اللواء حفتر على اجتياح العاصمة باسم القضاء على المليشيات الإرهابية.

أي أن تلك الدول تستدعي معطى نبيلا يتمثل في القضاء على الإرهاب من أجل مصالح ذاتية لا تمتّ بأي صلة أو فائدة على الشعب الليبي.

نفس الشيء تقريبا ما دأبت الحكومة التركية على انتهاجه مع القيادة الشرعية الليبية حيث استمرت في مدّها بالعتاد والأسلحة لمواجهة العدوان الحفتري رغم أن النوايا التركية إلى حد هذه اللحظة غير جليّة وليست واضحة.

وأمام الفشل المطّرد لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في انتزاع دواليب حكم البلاد من أيدي حكومة فائز السّراج، فإن معطيات كثيرة قد تجعل مسار هذه الحرب يأخذ منحى آخر.

ويبرز هذا المعطى أساسا في زيارة نائب رئيس المجلس العسكري السوادني محمد حمدان الحميدتي الأخيرة للمملكة العربية السعودية وجلوسه لملك البلاد وولي عهدها، حيث تبادر إلى ذهن المتابع في بداية الامر أن محور المحادثات هو الحرب اليمنية وإمكانية سحب العسكر السوداني منه.

وهذا مجانب للصواب لأن الموضوع الحقيقي لتلك المحادثات يتمثّل في كيفية دعم القوات التابعة لمحمد حمدان الحميدتي المسمّاة بمليشيات الجنجويد لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حربها على العاصمة ويعرف عن ميليشيات الجنجويد قوة شكيمتها وتحمّلها أعباء الحروب ووحشيتها في التعامل مع العدو، حيث يقدّر الكثير من المراقبين أن عدد أفرادها يفوق الخمسين ألف مقاتل وتاريخها الدموي مشهود به في أقليم دارفور بداية الالفية الثانية.

ومما يؤكّد هذا التحليل تعمّد وسائل الإعلام السعودية والإماراتية والمصرية وتلك التي تتبع المشير المتقاعد على عرض صور وفيديوهات تظهر فيها تواجد قوات تركية وسورية متطرفة تشارك جيش حكومة السرّاج في حربها على قوات خليفة حفتر وهذا بطبعه سيمثل في قادم الأيام ذريعة دامغة حسب رأيهم للاستعانة بالجنجويد السوادني لاجتياح العاصمة.

خلاصة القول إن المشهد الليبي بطبيعته معقّد ومتداخل في مطلقه بحكم الخلافات والاختلافات وتضارب وتنافر المصالح والذوات السياسية، وسيشهد تعقيدا أكبر بكثير قد يبلغ مدى لا رجعة فيه بتقسيم ليبيا إلى عدة كونتونات صغيرة متناحرة لو تمّ الالتجاء إلى قوات أخرى من خارج البلاد وهذا ما يحثّ عليه أمراء وملوك الخليج حليفهم المتقاعد خليفة حفتر.

***

ذاكر بنصوف ـ كاتب صحفي/ تدوينات الجزيرة

__________

مواد ذات علاقة