بقلم عبدالمطلب الوحيشي


مرة ثانية وثالثة ومرات أخرى
من قبل أن يأتي العيد ، هي ذكرى وسلوى وتذكرة … لي ولكم … فلربما تحركنا الكلمات فنرجع إلى رشدنا.. لربما !!

***
تقول الحكاية أنه في الأيام الأخيرة تتأهب “بنغازي” بأكملها…ويتجهز ”رمضان” لمغادرة المشهد… وتقترب باحات المساجد من إتمام “الستين حزباً” .. ويبدأ “العيد الصغير” في نشر مراسمه !

تتوشح الدكاكين لوناً أخر… ويستقبل سوق “الجريد” وسوق “الظلام” زواراً غير اللذين اعتادهما.. وفي الجانب الأخر، تتغير الوجهة عند الفقراء والمُعْسرين، فيكون “سوق التركة” المقصد والملجأ.

 يذرع مشرف السوق “السنوُسي عصمان” الممرات جيئة وذهاباوتنتشر لازمة “ عيادي واسنين دايمة” على إلسنة كل الناس.. ويبدأ “التفصيل”..
يجوب الزوار الجدد مع أبائهم رُدهات السوق.. وتتنوع وجهات الشراء حسب عدد الأبناء وحسب مايحويه “الجيب”، وتختلف “ملابس العيد” طبقاً لموسمي الصيف والشتاء..

تنتشر “مقاطع البوبلين الأبيض” في كل محلات الأقمشة .. ويبدأ الطواف بين محلات “البسيونيو “السنكي” و”مفراكس” و”المطردي”، وتصبح “الخمسة أمتار” الطلب الأكثر شيوعاً إلى جانب أزرار “الطرابلسي” والسلك و”التنتنة”.

وتبدأ “مسعودة اليهودية” في التبرم من كثرة طلبات الخياطة .. وتشكوا ضيقها في كلمات يبدو في ظاهرها أنه دعاء استغاثة من “سي مرعي ساكن جردينة” !
يُصر“ شياب الحي” على أن تكون أحذية “سي حسين أعبيدة” هي الخيار الوحيد إن كان العيد في الشتاء ، وتبرز “الكندرة الشيكية” في المقدمة، بينما تُحسم الكلمة “للصبابيط” و”القبالات” عند “سي فرج المقوب”إن جاء العيد في الصيف. ..

وينأي الجيل الجديد عن كل ذلك فتكون الوجهة عند “ بن أجليل” و”زيو” و”محمود أعبيدة” حيث “كندرة الكعب” و”القرنيزة” اللتان تتبادلان بورصة الشراء.

ويزداد الأصرار عند كبار الحي في أختيار الملابس لذويهم وتجنيبهم “لبس النصارى” و”قلال الدين” ، فتستأثر الملابس عند “سي عبدالسلام اللبار” و”الساحلي” و”أحمودة” بالنصيب الأكبر ، بينما تكون “الموضة” الشغل الشاغل للمُوسرين والشباب “المتحضر” فتكون القبلة عند “فيترينات” “بوجازية” و”أقريمية” وشقلوفو”أسميو” و”تربح” ، بينما يحتكر “بورويص” في محله “هندام” “الميني جيب” و”الماكسي”.

تستقر“الطواجين” على الرؤوس وتبدأ رحلات “الكعك والغريبة والمقروض” إلى كوشة “حماد” و”قصر حمد” و “الشويخات”…

في وسط السوق… تخرج “فناجين القهوة” وكووس الزجاج والأكواب“ أمام محلات “أحويو” و “شمسة” و”أهليس” .. مقابل “السقرسيوني” ، يتراص “الكونفيتي” و ”الكرميلا” في صناديق الزجاج  عند “كابريتيفا “سي عوض شمام”!.. ويخرج الشقيقان “باشكو و بانيتشو” الكراسى أمام المقهى.

تغتص دكاكين “الحسانين” بالروؤس .. ويكون “الموس واللاميتة” العلامة المميزة عند”سي أبريك و“بن جميعة” و”طرخان” لشيوخ الحي و”شيابه”و المغلوبين على أمرهم من الصبيان الذين كُتب عليهم “الشوشة” ..

بينما  تتدخل “الموضة” فتصبح للقصات شكلاً أخر عند الشباب الذين يتوافدون على محل “فهيم الورفلي” و”الفلاح”، و”الضراط” و”الدلح”و “توني اللبناني” فتصبح جمة “جيمس دين” المدهونة بكريمة ”أولد سبايز” و”الكابيلا” “والسوالف” العريضة مطلباً لا حياد عنه…وتستقر مشطة “الأفرو” في الجيب الخلفي لأصحاب الشعر الأكرد لتنفش بعناية “وشكة” مدوَّرة.

تبرز دكاكين الذهب قليلاً ..إذ تصر “الأم” على أن تكون “الدنادين أو الحدايد “ من ضمن “كبيرة العروس”، وتفتخر أمام الجارات بأن “الحدايد” من “ المغيربي” أو “بادي” أو “ بوقرين” أو “السنفاز” أو “المجريسي اللذين فرغوا للتو من تفحص ما يحمله “الدلال” سي “المبروك الموهوب” من “الدمالج” المرصوصة على يديه والعقود التي تتدلى حول رقبنه ..

تستمر الحكاية لتخبرنا  أنه في ليلة العيد …يبدأ الصبية والبنات في الترنم بلازمة أخرى :  “ اليوم كبيرة وبكرا عيد ..أفرح يابوثوب جديد” … في نفس الليلة.. لا تكل يدا “عمر” من حمل “الحداد”… لتكوى “بدالي العيد”… ويعبق البخور أضرحة “بن عيسى” و”أبحيح” و”سي علي الوحيشي” و” سي عبد الجليل” و”الرفاغية”.

يستعد “الرياس” للرجوع إلى ماتركوه في “الشعبانية” ..

تتراصف “العربيات والكلاليص” في “سوق الحوت” .. ويحرص “العود” و”صنع الله” و”سي عبدالقادر” على تفقد “السوط” وتنظيف الكراسي لنقل الأرامل والأمهات المكلومات في أيام العيد إلى “جبانة سيدي أعبيد” لزيارة قبور موتاهم والتصدق عليهم.

يأتي العيد… فترسل عجائز الحي جملتهن المشهورة : “فطر فطر .. شم العطر” .. تبدأ التكبيرات… يسترق المصلون النظر لمن يدخل المسجد ،،، يتبختر أصحاب “الكاط الأسكندراني” و ترفع اليد “جبة السكاروتا” المخاطة عند “طُلبة” في مصر.. وتظهر للعيان “الشناني” ، و”الفرامل” و”البرانيس” و”الجرود” الجديدة التي تنوعت من محلات ”خواجه، و”بن غربال” و”غوقة”، و”الفلفال”و”الكردي”، و”بالروين”، و”القصير” و”الكنيالي”

يتعانق الناس .. تسيل الدموع… تُشرع أبواب البيوت … يكون لنكهة “سينالكو الدنيني” مذاقاً مميزاً … يتزاور كل حي في بنغازي…
تجهز “طبيخة البطاطا” والفاصوليامن الساعات الأولى… ويختلط “الرُّب بالزبدة الوطنية ”حول “العصيدة”

وتستمر الحكاية

يبدأ الصغار في عدِّ  قروش “عيدهم”.. ولا يتحصل أحدٌ على “النبولة الكبيرة” في “البخت”

وتبدأ مسدسات “البارود” مشرعة في أيادي الأولاد، وتحضن البنات “البمبلينات”

تظهر أعلانات “جون واين” و”ماشيستا” و”هيركوليس” و“جيري كوبر” أمام سينما “أغسطس” و”ركس” و“هايتي” و”البرنيتشي”
تلتقط الصور عند “الفلاح” و”عصام”.. ويفتح “سي زايد” و”سى خليفة” مطعميهما من جديد.

عند الكابترانية يطول الدور لركوب “الفلوكة”..

في الملاهي تكون مشاهدة “سمينة عشر قروش” حدثاً مؤرخاً

ولا يجد “الفيل وبقية الحيوانات” في “البوسكو” بُداً من الصبر على معاناة أيام العيد الثلاثة

تظهر البهجة… وتعم فرحة خالصة… فتزدان بنغازي وتكتحل .. وتُكبر كالعادة في أعين الكل
تتوقف الحكاية عن البوح .. لكن بعد أن تخبرنا أن الناس في بنغازي هكذا كان دأبهم..

وتخبرنا أن “عيد الفطر” سياتي اليوم فلا يرى “لحكايتنا” نهاية

وتخبرنا أن “بنغازي” قد أرسلت للعيد تخبره أن أهلها بعثوا إليها خطاباً نسوا فيه التهنئة و على جوانبه دمع ودم يقولون فيه:
نشهد بالله إنا طحناوإنا رحنا وإنا نحنا مسؤولين على هالمحنة !!” (*)

يقال أن العيد همس لبنغازي متسائلاً : ظنك ويش اللي ضيعنا… غير دعا سيدك المرابط ؟

ويقال أنه همس لها مرة أخرى فقال : لا تخافي …صحيح أن أبناؤك متشاكسين .. لكن لا تحزني سيؤوب الجميع وستفرحي.. هذا عهد .. ألا تعلمي أنك أنت “طائر الفينيق” نفسه (**)….

كل عام وأنت وأهلك بخير !!
_________
(*)
الأبيات للراحل شاعر الغربة : عبدالجليل سيف النصر رحمه الله
(**)
تقول الأسطورة إن طائر الفينيق يعيد إحياء نفسه، ويخرج من الرماد بعد أن يظن الجميع أنه انتهى وإذا بكى على أيِّ جرح يبرأ، وإذا مرَّ ترك وراءه رائحة المر واللبان
__________
المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

مواد ذات علاقة