بقلم علي عبداللطيف اللافي

بعد لقاء الأمريكيين بحفتر في الأردن وبالسراج في البحرين، ما هي التوقعات حول السيناريوهات الممكنة لتطور الأحداث خلال الأيام والأسابيع القادمة .

.

الجزء الأول

تؤكد الوقائع على الأرض وكواليس الاجتماعات والتحركات وتفاصيل أخبار وكالات الانباء وما ينشر على المواقع والصفحات الاجتماعية من خفايا وتدوينات وصور مسربة، أن الأحداث وترتيبات الأمور قد تسارعت في الساحة الليبية بشكل مُتنامي وبسرعة جد قياسية.

فبعد لقاءات وزير داخلية الوفاق “فتحي بشاغا” ووزير الخارجية “محمد سيالة” بالأمريكيين في واشنطن منذ أسبوعين، تابع الجميع نهاية الأسبوع الماضي لقاءات خاصة في ابوظبي والقاهرة ولقاء السيسي بميركل، تلتها جلسات الجولة الأولى في برلين يوم 21 نوفمبر الجاري.

وفي نفس اليوم وصل وزير خارجية الجزائر صبري القادومي لأبوظبي، ثم عقدت لقاءات للعارف النايض مع مسؤولين أمريكيين، وقبل ذلك بأسبوع تمت لقاءات سلامة في القاهرة ولقاءات “المشري” في العاصمة التونسية.

كما لوحظ عقد لقاء بين سيالة والمشري في طرابلس لطرح تفاصيل لقاءات واشنطن وبالتوازي مع كل ذلك تعددت اجتماعات باشاغا بأعضائه ومساعديه الأمنيين في اجتماعات ماراتونية ويومية.

ثم لتتسارع الوتيرة منذ ثلاث أيام عبر لقاءات غير مسبوقة بين الأمريكيين وكل من حفتر في العاصمة الأردنية عمان، وايضا لقاءتهم بالتوازي برئيس المجلس الرئاسي فائز السراج في العاصمة البحرينية ليغادر الأخير لأنقرة للقاء الرئيس التركي”أردوغان” أمس الأربعاء لإمضاء اتفاقيات أمنية وبحرية بحضور بشاغا.

أولا: لم تكن كل تلك اللقاءات مجرد مشاورات أو عمليات جس نبض أو حتى مجرد لقاءات ترتيبية مثلما جرت العادة منذ أكثر من سنتين في العلاقة بالملف الليبي في كل من القاهرة وباريس وروما وباليرمو وضواحي العاصمة التونسية، ذلك أنها لقاءات غير مسبوقة من حيث عزم الامريكيين على تنزيل الخيارات ونيتهم في فرض الحلول وغلق نهائي لملفات المنطقة قبل بداية سنة 2020 (سنة الانتخابات الأمريكية).

ثانيا: لإعطاء مساحات للتعامل مع ملف ايران وكل ذلك لا يزال يثير الجدل بين المتابعين والمختصين في الشأن الليبي حول درجة  اهتمامات الأمريكيين بالبلد المغاربي والافريقي الأهم والأكثر ثروات وباعتباره محط أنظار الروس والصينيين وكل القوى الدولية والإقليمية.

والسؤالين الرئيسيين اليوم هما:

أي موقع لليبيا في سلم اهتمامات الأمريكيين؟

وما هي أسباب تسارع تحركاتهم خلال الأسابيع والأيام الماضية؟

وهو ما يدفع في الأخير للتساؤل حول السيناريوهات المتوقعة لتطور الاحداث على الأرض خلال الأيام والاسابيع القادمة في بلد عمر المختار؟

حيثيات وتفاصيل لقاء الأمريكيين بحفتر وحقيقة خطابهم الموجه له

مما لا شك فيه أن طبيعة التجاذب الفكري والسياسي والعسكري في ليبيا يجعل كل موضوع وكل لقاء وكل تطور يفسّر عبر قراءات عدة بعقلية اصطفافية وتأويلية محاولة للكسب الإعلامي والسياسي وهو أمر طغى فعليا على الساحة الليبية منذ تفجر الصراع منتصف سنة 2014.

وهو ما انسحب أيضا على لقاءات الأمريكيين باللواء المتقاعد خليفة حفتر في العاصمة الأردنية عمَّان وبدرجة كبيرة مقارنة ببقية التطورات واللقاءات المهمة التي عرفتها الساحة الليبية منذ السبت الماضي باعتباره اليوم الذي تسارعت فيه الاحداث بشكل غير مسبوق من حيث وتيرة الإجراءات والقرارات والمتغيرات في كل محاور القتال.

وأيضا اللقاءات رفيعة المستوى للمسؤولين والفاعلين الإقليميين والدوليين في عدد من العواصم، وما يمكن تأكيده أن معسكر الكرامة ومحيط حفتر الاستشاري والسياسي والإعلامي قد لازموا الصمت وهو ديدنهم في ملفات عدة وخاصة منذ خسروا مدينة “غريان” الاستراتيجية في 27 يونيو الماضي.

وهو أمر ناتج أيضا عن طبيعة شخصية حفتر فلا أحد يُناقش أو يُعبّر أو يُصرّح أو ينتقد والجميع مهمته التفصيل والتأويل ولكن بعد مرحلة يتكلم ساكن الرجمة أو يسمح ويأذن، والثابت من خلال ما تسرّب حول اللقاء أو ما أريد بالأحرى هو:

ـ أن لقاء الوفد الامريكي بحفتر تم في العاصمة الاردنية عمان (وهي عاصمة تعتبر مجال آمن وحيوي للتحرك بالنسبة للأمريكيين وبالذات في ملفات ليبيا)، والثابت أن اللقاء تم رغبةً من الأمريكيين في التقدم في حل ملفات ليبيا وبناء على قلق كبير من مساحات أكتسحها الروس خلال الشهرين الماضيين في علاقتهم بالملف قريبا من العاصمة.

ـ أما من حيث طبيعة النقاش وتفاصيل اللقاء فان ما ثبت من اللقاء، أن الوفد الأمريكي أكد على التالي:

  • أن الإدارة الأمريكية مستاءة جدا من استخدام الشركة الروسية “فاغنر” والتي تصنفها في أمريكا بـالمنظمة الارهابية.

  • الوفد الامريكي رفض رفضا قاطعا اي دور لروسيا في ليبيا خارج ترتيبات متفق عليها مع الشركاء الأوروبيين، بل أنهم – أي الأمريكيينيفضّلون عدم ترك أي هامش للروس في الترتيبات المستقبلية (وهذا موقف معلن عنه في ردود الأمريكيين منذ بدايات لقاءات حفتر بالروس سنة 2015)

  • الوفد الامريكي قال لحفتر أن وزير الداخلية “فتحي باشاغا” هو المخول الرئيسي والوحيد بتفكيك المليشيات وليس أنتم.

  • شدد الوفد الامريكي على ضرورة وقف الحرب، كما تم التأكيد أنه “لا مكان للمليشيات من الطرفين ولا مكان أيضا للجماعات المتشددة والتي يعتمد عليه طرفي الصراع ولا مكان لأي طرف له علاقة بالجهاديين في المشهد الليبي القادم”.

  • الوفد الامريكي أكد مجددا أن حكومة الوفاق هي الحكومة الشرعية ولا يمكن لهم القبول بالانقلاب عليها، وهو أمر يتناسب مع تفاصيل لقاء الأمريكيين مع السراج في المنامة والتي قال أهم مسؤوليها مساء الاثنين الماضي ان السراج قام بزيارة خاصة به.

  • لم تنقل أي أطراف أجوبة حفتر أو ردوده أو ما يمكن ان يكون قد بلغه، وعلى عكس عادته لم يقم المسماري باي تصريحات تذكر، فيما حدثت بعض ارتباكات واضحة وسط مربعات داعمي حفتر وصفحاته الاجتماعية ومواقع الكترونية موظفة له منذ 2015 ، بل أن الارتباكات حصلت أيضا في قواته على مستوى القتال في المحاور جنوب العاصمة الليبية.

وتبينت أكذوبة “عدم أولوية الملف الليبي لدى الأمريكيين”

طالما حدث جدل كبير بين المتابعين للملف الليبي طوال السنوات الماضية وبين مؤثثي البلاتوات التلفزية حول الاحداث في ليبيا وخاصة في جزئية هل أن الملف الليبي يَحضى بالأولوية القصوى لدى الامريكيين أم أنه متروك لحلفائهم الدوليين والإقليميين، وقال البعض أنه متروك البنتاغون وتحديدا لـ”الافريكوم” وهو أمر تبين عكسه تماما، بل أن ما يمكن تبينه بخصوص ذلك هو:

  • أن الملف الليبي لم يكن يوما ثانويا لدى الإدارة الأمريكية مثلما يرى البعض أنه كذلك منذ مقتل سفيرهم في بنغازي سنة 2012، بل أن الصحيح والثابت انهم اعتمدوا استراتيجيا افشال الجميع واعطوا لهم المساحات ظاهريا ليُبينوا في الأخير ان الجميع فاشل ومُتورط.

وهو ما سقط فيه الجميع عمليا على غرار الاماراتيين والسعوديين والمصريين والفرنسيين والايطاليين وأيضا الاتراك والقطريين بشكل اقل باعتبار ان الطرفين الأخيرين قد تراجعت أدوارهم منذ سنة 2016 بسبب تركيزهم على أوضاعهم الداخلية.

  • هناك تكامل في تعامل الأمريكيين بين مختلف الإدارات من حيث المعالجة والرصد وتنزيل سياسات هادئة تجاه الملف الليبي، ورغم تسارع وتيرة تعامل الأفريكوم مع ملف الجماعات الارهابية وخاصة في الجنوب الليبي والصحراء الافريقية ككل.

  • أن الايطاليين والالمان ورغم ان لهم سياساتهم الخارجية الخاصة بهم الا أنهم يقومون عمليا بأدوار أقرب للوظيفية للإدارة الامريكية وخاصة في شمال افريقيا وهي مسالة تمتد لعقود وليست وليدة السنوات الأخيرة.

  • أن هناك ترابط وتكامل مع أداور الأنجليز في المنطقة رغم أن الأخيرين لا يلمس لهم خطوات ظاهرة في ملفات المنطقة نتاج هدوء أعمالهم وتحركاتهم وبصماتهم وأنه لا يمكن لأي كان متابعتها أو فهم كواليسها عكس الخطوات الروسية والفرنسية كمثالين للذكر لا للحصر.

  • أن الأمريكيين لهم ديناميكية توفيقية بين العاجل وتطورات الأحداث وربط ذلك مع استراتيجيتهم المنزلة على مدى سنوات وعقود في رصدهم للمنطقة ومصالحهم طويلة المدى فيها، وأيضا فهمهم لأهمية وحجم الثروات بأنواعها في المنطقة وفي ليبيا بالذات وأهميتها كممر يسير للعمق الافريقي.

ويرتبط ذلك في علاقته مع تقديراتهم بخصوص حضور القوى الإقليمية والدولية واستراتيجيتها ويهم الامر هنا الروس والصينيين والإيرانيين بدرجة أولى وبالفرنسيين بدرجة ثانية.

  • يعتبر الأمريكيين أكثر براغماتية وديناميكية وتقتصر ادوارهم على مصالحهم الاستراتيجية ماليا واقتصاديا بشكل رئيسي فيما يعتبرون أن كل ما هو ثقافي وفكري ثانوي في استراتيجيتهم وبرامجهم عكس الفرنسيين والمعنيين أساسا بالامتداد والتأثير الثقافي والفكري من خلال مؤسسات وندوات ومؤتمرات المنظمات الفرنكفونية.

يتبع في الجزء الثاني

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

____________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة