منصف السليمي

من أهداف فاغنر بالقارة السمراء

السيطرة على مناطق بها موارد طبيعية:

 إذا كانت الاشتباكات المسلحة في السودان، قد سلطت الضوء على جانب من أدوار فاغنر في دعم قوات الدعم السريع، عبر التدريب وتوفير معدات عسكرية أو خدمات حماية لمناجم الذهب الخاضعة لمراقبة هذه القوات. فقد كشفت إحدى وثائق المخابرات الأمريكية المسربة، بأن فاغنر لها أدوار في استخراج موارد كالنفط والذهب واليورانيوم وغيرها من جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا والسودان.

ومنذ عهد حكم الجنرال عمر حسن البشير حصلت روسيا على امتيازات عبر شركة إم إنفستالروسية على حقوق التنقيب في مناجم الذهب شمال السودان. وليست الشركة سوى غطاء ماليلمجموعة فاغنر، بحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية. ووفقا لتقرير في صحيفة ذي تلغرافالبريطانية فإن المجموعة الروسية تواصل لحد الآن بمساعدة شركة ار اس افاستغلال المناجم السودانية.

وتقدر تقارير منظمات دولية قيمة انتاج السودان من الذهب بأكثر من 100 طن سنويا، وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة المستورد الرئيسي للذهب السوداني. وتصل عائداته 3 مليار يورو سنويا.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر في الحكومة السودانية بأن ما يقارب 80 في المائة من الذهب المنتج في البلاد يجري تهريبه خارج القنوات التجارية والمصرفية الرسمية، وتشكل روسيا وجهة رئيسية لعمليات تهريب الذهب عبر طائرات خاصة من مطارات عسكرية في أنحاء عديدة من السودان.

وبحسب خبراء المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية الذي يقدم الخبرة والمشورة للبنتاغون، فإن فاغنر تقوم بأنشطة في قطاع التعدين بعدد من البلدان الأفريقية كشكل من أشكال الدفعمقابل خدماتها الأمنية أو العمليات اللوجستية التي تنفذها. وفي ليبيا تراقب فاغنر حقول نفط شرق البلاد وجنوبها.

مناصرون لقائد الانقلاب العسكري في بوركينافاسو يرفعون أعلاما روسية.

الهجرة غير النظامية:

ترصد مؤسسات وحكومات أوروبية في السنوات القليلة الأخيرة، ارتباطا متزايدا بين تزايد موجات الهجرة غير النظامية عبر مناطق نفوذ روسي في أفريقيا والشرق الأوسط وشرق أوروبا.

وفي ظل مواجهة موجة هجرة غير نظامية غير مسبوقة، لاحظ وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاجاني في تصريحات أدلى بها مؤخرا بأن الكثير من المهاجرين يصلون من مناطق تسيطر عليها مجموعة فاغنر“. بينما حذر زميله وزير الدفاع غويدو كروزيتو  من أن الهجرة غير المنضبطة والمتواصلة (…) أصبحت وسيلة لضرب أكثر الدول عرضة، وفي مقدمتها إيطاليا، وخياراتها الجيوستراتيجية“.

وتعتبر الهجرة غير النظامية وتدفق موجات اللاجئين، إحدى الأساليب التي استخدمتها موسكو للضغط على الإتحاد الأوروبي على واجهات جغرافية عديدة وبتواطؤ مع حلفاء إقليميين، فيما يعتبره الأوروبيون أداة مؤثرة في حرب هجينةتخوضها روسيا ضد العواصم الأوروبية.

وقد اتهم وزير الدفاع الإيطالي روسيا بتشجيع الهجرة غير النظامية إلى أوروبا لمعاقبة الدول الأوروبية على دعم أوكرانيا. وكشف كروزيتو أنالزيادة المتسارعة في ظاهرة الهجرة من السواحل الإفريقية تمثل أيضًا، بشكل كبير، جزءًا من استراتيجية واضحة للحرب الهجينة التي تطبقها مجموعة فاغنر مستخدمة نفوذها الكبير في الكثير من الدول الأفريقية، في شمال القارة السمراء مثل ليبيا وفي جنوب الصحراء مثل مالي وأفريقيا الوسطى.

وفي خضم الحرب في سوريا، تسببت الهجمات الدموية التي نفذها الجيش الروسي وقوات فاغنر على مناطق شمال وشرق سوريا في عمليات نزوح كبيرة للسوريين، ووضعت موسكو وحليفتها دمشق عراقيل أمام وصول المساعدات الانسانية، مما دفع بالفارين من الحرب إلى عبور الحدود إلى تركيا بأعداد كبيرة، ومن هناك تحولت قضية اللاجئين إلى ورقة مساومة كبيرة استخدمتها أنقرة مع الاتحاد الأوروبي.

وبدورها شكلت صربيا التي تربطها علاقات وثيقة مع موسكو جسرا مهما لتسلل المهاجرين غير النظاميين إلى حدود الاتحاد الأوروبيوبعد ضغوط أوروبية مكثفة قامت صربيا بإجراءات مراقبة مشددة على حدودها. كما تكرر سيناريو مشابه من خلال تدفق اللاجئين من بيلاروسيا حليف موسكو عبر الحدود البولندية.

إنشاء فيدراليةمناهضة للغرب:

 ويبدو أن دور فاغنر في الجبهات المتقدمة بالصراع في شرق أوكرانيا، لا يكبح اندفاعها في ميادين الصراع الأمني والعسكري بالقارة الأفريقية. إذ تكشف وثائق المخابرات الأمريكية المسربة، بأن عمليات فاغنر تشمل على الأقل 8 دول أفريقية، وتجاوزت أهدافها نطاق الاختراقات الأمنية التقليدية وعمليات التدخل المحدودة، لتنتقل إلى طور جهود حثيثة من أجل إنشاء كونفدراليةلدول أفريقية مناهضة للغرب.

وحسب صحيفة واشنطن بوستفإن محللين أمريكيين يستنتجون من الوثائق المسربة بأن فاغنر باتت قوةلا يمكن احتواؤها في أفريقيا وبأن انخراطها الكبير في الحرب الروسية على أوكرانيا لا يكبح توسعها في القارة السمراء.

أساليب فاغنر .. لاعبمحصّنمن العقاب

واستخدام المرتزقة ليس بدعة روسية، ففد استخدم الأمريكيون بلاك ووتر إبان غزوهم للعراق، وتولت الشركة الأمنية الخاصة التي كانت توظف أكثر من 30 ألف مقاتل متعاقد، مهام قذرة من أخطرها قتل وتعذيب مدنيين وعسكريين في بغداد والفلوجة وصولا إلى فظائع سجن أبوغريب“.

وإذا كانت العدالة الأمريكية قد طالت بعد سنوات متورطينَ من أعضاء بلاك ووتر بإصدارها أحكام ثقيلة بالسجن وقدمت الولايات المتحدة تعويضات لذوي الضحايا، فإن مرتزقة فاغنر ما زالوا يفلتون من العدالة، رغم صدور عقوبات أمريكية وأوروبية عديدة ضدهم.

ويبدو أن لعبة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها مرتزقة فاغنر، باتت تقنية مفضلة يستخدمها الكرملين في حروبه المعلنة في أوكرانيا وسوريا، وتدخلاته العسكرية وعملياته السرية في دول أفريقية عديدة.

وتكشف تقارير هيئات حقوقية دولية وتحقيقات أنجزتها معاهد غربية متخصصة في دراسة الأزمات والصراعات المسلحة، أن مرتزقة فاغنر يستخدمون أساليب وتقنيات خطيرة في عملياتهم الأمنية والعسكرية.

وتتنوع تقنيات الحرب المباشرة والهجينة التي تستخدمها فاغنر، وتشمل الأعمال القتالية وعمليات التجسس والمراقبة والحراسة، وتستخدم تقنيات عسكرية متطورة من الأسلحة ووسائل النقل العسكري الجوي والبري والبحري، ووسائل المراقبة والهجوم مثل طائرات الدرون.

وتكشف تقارير عديدة بأن أنشطة فاغنر تشمل أيضا مجالات الاتصالات والدعاية الرقمية وتمتلك شركات ذات تأثير في التواصل الاجتماعي، تلعب أدورا في التضليل الإعلامي. وترتبط خدمات الإنترنت وشبكات تواصل اجتماعي في السودان بشركات اتصالات روسية.

وفي عامي 2019 و2021، أغلقت فيسبوك حسابات سودانية تدعم وسائل إعلام روسية متصلة بـوكالة أبحاث الإنترنتالروسية، وهي شبكة تتهمها الولايات المتحدة بالمشاركة في محاولات للتأثير الانتخابات الأمريكية سنة 2016.

كما كشفت تحقيقات صحافية بأن الديمقراطية الناشئة في تونس قد تعرضت في السنوات الماضية إلى محاولات روسية عبر عمليات اختراق في البيانات الشخصية لأعداد كبيرة من المواطنين التونسيين. كما شارك عملاء روس انطلاقا من ليبيا في حملات تضليل إعلامي استهدفت شخصيات سياسية ومن المجتمع المدني في تونس.

العسكر حلفاء فاغنر المفضلون

من اللافت أن أنشطة فاغنر في مناطق الأزمات بالقارة الأفريقية ودولها التي تجتاز أوضاعا غير مستقرة، تتوجه للتركيز على الاعتماد على شركاء محليين ينتمون إلى نخب عسكرية وأمنية أو ميليشات. وهي تدعم جماعات مناوئة للمجتمع المدني والنخب والأحزاب المدافعة عن الديمقراطية.

وتسعى فاغنر لاختراق الدول الأفريقية الحليفة للغرب عبر استغلال مظاهر التذمر والاستياء من الغرب، كما يحدث في عدد من دول غرب أفريقيا حيث تستغل روسيا بشكل فعّال التذمر المحلي من النفوذ الفرنسي.

ويعزو محللون هذه التوجهات إلى دور فاغنر في استراتيجية روسيا بالقارة الأفريقية، حيث تتوسع روسيا كمزود رئيسي بالأسلحة من ناحية وكحليف للأنظمة المستبدة.

وتتولى فاغنر في هذا الصدد مهمات أمنية وعمليات دعم لتلك الأنظمة ومرافقة النخب العسكرية ومساعدتها على مواجهة أي اضطرابات أو احتجاجات. كما تقدم نفسها كشبكة متخصصة في مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة.

وضمن سلسلة العقوبات التي صدرت عن الاتحاد الأوروبي وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة، ضد المجموعة الروسية شبه العسكرية، يتم اعتمادها على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسانارتكبتها في بلدان مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي والسودان، إضافة لأوكرانيا.

وبرأي بول نانتيوليا الباحث في المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية فإن فاغنر تنشط في بيئات استبدادية تفتقر إلى الديموقراطية وحيث يعد الفساد أسلوب حياة.. لأنها تدرك أن بإمكانها القيام بالكثير من دون محاسبة“. ويلاحظ بأن مجموعة فاغنر لا تنشط في بيئات ديموقراطية.

***

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة DWالألمانية

___________

مواد ذات علاقة