قالت وكالة بلومبيرغ الأمريكية في تقرير نشرته الأحد 4 يونيو/حزيران 2023 إنه وبينما تدرس الولايات المتحدة إمكانية فتح سفارتها من جديد في ليبيا، يستعد سفير فلاديمير بوتين الجديد لتولي منصبه في العاصمة، وهي خطوة ستوسّع النفوذ الروسي في دولة منتجة للنفط على أعتاب أوروبا.

إذ إن لدى شركة فاغنر الروسية، وهي شركة مرتزقة خاصة يديرها حليف بوتين يفغيني بريغوجين، بالفعل حق المرور إلى منشآت نفط رئيسية، ودعمت الحصار الذي دام شهوراً العام الماضي والذي أضر بصادرات النفط في ذروة أزمة الطاقة التي سببها غزو أوكرانيا.

روسيا تجدد حضورها الدبلوماسي في ليبيا

يعد قرار موسكو تجديد حضورها الدبلوماسي في طرابلسالمقر الغربي للحكومة المدعومة من الأمم المتحدةأوضح مؤشر حتى الآن على أن بوتين يتطلع إلى تحقيق تقدم يتجاوز دعمه التقليدي للقائد العسكري خليفة حفتر في الشرق.

أثارت هذه التطورات قلقاً في الولايات المتحدة، التي أرسلت عدداً كبيراً من مسؤولين رفيعي المستوى لمواجهة تقدمات بوتين في واحدة من الدول الأعضاء في أوبك التي تعتبرها الحكومات الأوروبية بديلاً محتملاً للطاقة الروسية.

مسؤول أمريكي يزور ليبيا

من بين هؤلاء المسؤولين رئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، الذي زار ليبيا في يناير/كانون الثاني، وتحدث إلى الحكومتين المتصارعتين في الشرق والغرب، والتقى بمسؤولين في مصر، التي دعمت حفتر أيضاً.

في حين يتصدر الأجندة الأمريكية العمل على طرد حوالي 2000 من مرتزقة فاغنر الذين دعموا حملة حفتر الفاشلة 2019-2020 للاستيلاء على طرابلس، ويساعدونه من حينها في تعزيز قبضته على إمدادات النفط في بلد يضم 40% من احتياطيات إفريقيا.

لكن وضع الولايات المتحدة ليس مواتياً في ليبيا، فليس لديها جنود أو حضور دبلوماسي. ورغم أن المسؤولين الأمريكيين يدرسون إعادة فتح سفارة لهم، فهذا القرار لا يزال محفوفاً بالمخاطر السياسية لجو بايدن، الذي كان نائب الرئيس خلال الثورة التي أطاحت بالديكتاتور معمر القذافي عام 2011، والفوضى التي أعقبت ذلك في ليبيا

في حين سبق أن أغلقت السفارة الأمريكية أبوابها عام 2014 بعد انزلاق ليبيا إلى حرب أهلية. وأدى هجوم على القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي الشرقية إلى مقتل السفير كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين عام 2012، ما أثار ضجة سياسية داخلية تعقّد أي قرار محتمل بالعودة.

تسبب هذا في تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة وهي تحاول إدارة الموقف من بعيد.

ورغم تراجع أعداد مرتزقة فاغنر منذ غزو أوكرانيا عن مستويات عالية بلغت 4000، فهم حاضرون في أربع قواعد عسكرية في ليبيا، وفقاً لمعهد صادق البحثي في ليبيا ومجموعة نافانتي، التي تقدم المشورة للعملاء من القطاع الخاص والهيئات الحكومية الأمريكية. وأظهرت أبحاثهما الميدانية أن مرتزقة فاغنر لهم حق المرور إلى بعض منشآت الطاقة المهمة في البلاد، مثل أكبر حقولها النفطية، الشرارة، وميناء السدرة الليبي لتصدير النفط. ولم يرد المتحدث باسم بوتين ديمتري بيسكوف على طلب للتعليق على سياسة روسيا مع ليبيا أو دور قوات فاغنر في الدولة الشمال الإفريقية.

جذور العداء بين فاغنر والجيش الروسي

أُنشِئت فاغنر كأداة نفوذ لروسيا يمكن التبرؤ منها وقت الحاجة، وجرت بعض عملياتها الأولى في الأجزاء التي تحتلها روسيا في شرق أوكرانيا في عام 2014، لكنها نمت لتصبح قوة عسكرية كبيرة فقط بعد التدخل الروسي في سوريا في العام التالي

اشتهر بريغوجين في ذلك الوقت بكونه مالكاً لعملية دعاية عبر الإنترنت، وهي وكالة أبحاث الإنترنت، والتي وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. وصدرت مذكرة توقيف أمريكية بحقه في 2018. 

وحتى أغسطس/آب الماضي، نفى بريغوجين أن يكون له أي علاقة بفاغنر، وفي عام 2021 رفع دعوى قضائية ضد صحفي بريطاني في لندن لتحديده إياه باعتباره صاحب هذه القوة من المرتزقة. واعترف بذلك لاحقاً، إذ كان منخرطاً بشكل وثيق في عمليات فاغنر في سوريا، حيث أمضى وقتاً طويلاً في البلاد

وصف كتاب مذكرات صدر مؤخراً لكيريل رومانوفسكي، مراسل الحرب لوكالة أنباء ريافان التابعة لبريغوجين، والذي تابع فاغنر حول العالم وتُوفِّيَ بسبب السرطان في يناير/كانون الثاني الماضي، بريغوجين جالساً بجانب الجنرال ألكسندر دفورنيكوف، الذي كان حينها مخموراً، والذي شغل حينها منصب قائد القوات الروسية في سوريا. كانا على قمة تل حيث تابعا معركة فاغنر لاستعادة مدينة تدمر من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2016. 

تكبد رجال فاغنر خسائر فادحة ونفدت ذخيرة المدفعية. وفقاً للكتاب، صرخ بريغوجين في وجه دفورنيكوف: “أيها الوغد، أعطنا ما لا يقل عن 100 قذيفة“. ثم نال الجيش الأوسمة رغم أن فاغنر هي التي اقتحمت المدينة

ورغم أن مجموعة فاغنر هي التي استولت على المدينة، أصدرت وزارة الدفاع الروسية لاحقاً أوسمة للاستيلاء على تدمر حتى لوزراء في مقرها في موسكو، ولكن ليس للمقاتلين الفعليين، وهذا ما أعرب بريغوجين عن شكواه منه هذا الشهر

كان لدى الضباط العسكريين الروس الكثير من الأسباب لكراهية فاغنر وصاحبها، بسبب خط اتصاله المباشر مع بوتين. بفضل الرواتب المرتفعة والثقافة المرنة والوحشية الشديدة، بدأ جيش بريغوجين الخاص في تجنيد أفضل الضباط والجنود من الجيش النظامي

المقاتلات الأمريكية تذبح رجال بريغوجين وموسكو صامتة

في مساء يوم 7 فبراير/شباط 2018، بدأت قوات فاغنر هجوماً على منطقة تعرف باسم هاشم، حيث كانت حقولها النفطية تديرها شركة كونوكو في محافظة دير الزور السورية.

حافظت الولايات المتحدة على موقع صغير للعمليات الخاصة هناك. وبمجرد تعرضها لقصف فاغنر، حاول البنتاغون وضع وزير الدفاع الروسي شويغو على المحك، وأدلى وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس بشهادته أمام الكونغرس

أمر ماتيس بإبادة القوة المهاجمة. في غضون ساعات، قُتل أو شُوِّه المئات من المرتزقة الروس في غارات أمريكية شملت مروحيات هجومية وطائرات مسيَّرة وطائرة حربية من طراز إيه سي-130 وصواريخ هيمارس، فيما ظلت موسكو صامتة

وفقاً لكتاب رومانوفسكي، الذي يصف المذبحة بتفاصيل مروعة، كان رجال فاغنر مطمئنين إلى أنهم سيحصلون على الحماية بالطائرات والدفاعات الجوية الروسية. كتب: “لقد تعرضنا للخيانة ببساطة. عندما بدأنا الهجوم، لم نكن نعرف أن الطائرة الوحيدة فوقنا كانت أمريكية، وأن رجال الدفاع الجوي كانوا جميعاً يختبئون تحت تنانير الفتيات“. 

لجأوا لفاغنر مجدداً في أوكرانيا بعد فشل هجوم كييف

قال بريغوجين إنه لم يُطلب منه المساعدة في أوكرانيا إلا بعد ثلاثة أسابيع من غزو 24 فبراير/شباط 2022، عندما فشلت القوات الروسية في الاستيلاء على كييف وخرجت العملية العسكرية الخاصة عن الخطة“. بعد فترة وجيزة، دخلت وحداته القادمة من إفريقيا المعركة في مقاطعة لوهانسك بشرق أوكرانيا، وحققت سلسلة من عمليات التقدم الكبير

وحتى مع قيام فاغنر بتوسيع التجنيد بشكل كبير، وخفض المعايير، فإن القتال الطاحن سرعان ما استنفد إمدادات المتطوعين. كان حل بريغوجين هو الاستفادة من الموارد الهائلة لنظام السجون في روسيا، وتجنيد المجرمين العنيفين بوعدهم بالعفو وهو شيء لا يستطيع تحقيقه سوى بوتينإذا بقوا على قيد الحياة لمدة ستة أشهر في أوكرانيا

ومع تراجع روسيا في جنوب وشرق أوكرانيا الخريف الماضي، كانت منطقة عمليات بريغوجين بالقرب من باخموت هي الوحيدة التي تقدمت فيها القوات الروسية، وإن كان ذلك ببطء شديد

وانضم بريغوجين إلى الزعيم الشيشاني الكولونيل رمضان قديروف، الذي يشرف أيضاً على ميليشيا خاصة كبيرة، في انتقاد القيادة العسكرية العليا في روسيا. وطالب قديروف بإرسال العقيد ألكسندر لابين، قائد المنطقة العسكرية المركزية في روسيا إلى الجبهة ببندقية ليغسل العار بالدم“. 

لماذا يصبر بوتين على جرأة مؤسس فاغنر؟

غير أن الحلقة المفقودة في هذا العرض هو السبب وراء تسامح بوتين مع مواقف بريغوجين الجريئة، وأين تكمن مجموعة فاغنر في واقع الأمر بين التسلسل الهرمي للجيش الروسي والاستخبارات الروسية. في حقيقة الأمر، لم يكن بروز فاغنر سوى أحدث تطور ضمن تاريخ طويل شهد اعتماد الروس والسوفييت على القوات غير الرسمية، التي تعود إلى عهد ستالين. فضلاً عن ذلك، لدى المجموعة إرث كبير في أوكرانيا؛ فقد برزت لأول مرة خلال حرب روسيا السابقة في دونباس قبل 8 سنوات.

يرى بوتين أيضاً أن فاغنر صارت وسائل حاسمة لكبح جماح الجيش، الذي طالما ارتأى أنه يشكل تهديداً محتملاً ضد حكمه. فعلى النقيض من الفرضيات التي تُطلَق في الغرب، يرتبط الدور البارز الذي تضطلع به مجموعة فاغنر بديناميات السلطة في موسكو، بنفس قدر ارتباطه بمجريات الأحداث على أرض المعركة في أوكرانيا، بحسب مجلة  Foreign Affairs الأمريكية.

ظاهرياً، تَنَاسَب استخدام الشركات العسكرية الخاصة مع نموذج جديد من نماذج حروب القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة المتعاقدين العسكريين في العراق، وحملت فاغنر أوجه تشابه مع شركة الأمن الأمريكية العسكرية الخاصة بلاك ووتر (تعرف الآن باسم أكاديمي).

ولكن بالنسبة لمديرية المخابرات الرئيسية الروسية (GRU)، كانت فاغنر أيضاً امتداداً لتقليد أقدم بكثير يعود إلى عصر الاتحاد السوفيتي، عندما استخدم الكرملين القوات بالوكالة للتدخل في الصراعات في جميع أنحاء العالم. قال مسؤول في مديرية المخابرات الرئيسية في عام 2017: “إنه يشبه فحسب عندما كان جيشنا متنكراً في إسبانيا خلال الحرب الأهلية الإسبانية، وذلك عندما سألته مجلة Foreign Affairs عن سبب حاجة المديرية إلى شركة عسكرية خاصة مثل فاغنر.

________________

مواد ذات علاقة