منصف السليمي
في ضوء التغييرات في سياسة الجوار الأوروبيةيتعزز التوسع شرقا وبوتيرة أسرع، كرد جيوسياسي على التحدي الروسي، وتبدو المنطقة المغاربية مرشحة لتدفع الثمن ومعها أوروبا.

فما العمل وهل يسعف المحرك الألماني الفرنسيأوروبا؟

بعيدا عن الأضواء استقبل المستشار أولاف شولتس الرئيس إيمانويل ماكرون في مقر إقامته في بوتسدام المجاورة للعاصمة برلين، وهي المرة الأولى التي يعقد فيها المستشار الألماني لقاء مع رئيس دولة أو حكومة بمقر إقامته في ولاية براندنبورغ.

الرئيس ماكرون سيحل في بداية الشهر المقبل ببرلين في زيارة دولة بدعوة من الرئيس فرانك فالتر شتاينماير، ويبدو أن تطورات حرب أوكرانيا وضغط الأجندة الأوروبية، حتمت لقاءه بالمستشار شولتس الآن.

وتوقف مراقبون في برلين عند الطابع الودي المكثف الذي أحاط به شولتس ضيفه ماكرون، فيما تبدو محاولة لتقريب وجهات النظر بين الزعيمين الأوروبيين إزاء قضايا ساخنة تواجه بلديهما والاتحاد الأوروبي بكامله.

وهو تقارب لم يتحقق على النحو الذي عُلّقت عليه الآمال خلال القمة الفرنسية الألمانية التي انعقدت مطلع العام الحالي في باريس بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لمعاهدة الإليزيه.

وبينما تتجه الأنظار إلى ملفات تحظى بالأولوية الأوروبية: حرب أوكرانيا وأجندة الإتحاد الأوروبي والتحديات التي تواجهه بالخصوص في شرق أوروبا والبلقان، يبدو أن الاضطرابات التي تجتازها علاقات أوروبا بالدول المغاربية، تضع القادة الأوروبيين وفي مقدمتهم ماكرون وشولتس أمام اختبار صعب يفرضه منطق الجغرافيا والتاريخ الذي أفرز جوارا شائكا.

اشتباك حول الهجرة وحقوق الإنسان

يبدو أن التداخل البشري والإنساني بين أوروبا والبلدان المغاربية، بلغ مرحلة متقدمة من حيث الكثافة ونوعية القضايا الإنسانية والمجتمعية والاقتصادية المترتبة عنها، وبات يشكل حقل اشتباك واسع ين الاتحاد الأوروبي والدول المغاربية.

ففي أوروبا يعيش ما يفوق عشرة ملايين مغاربي وهم يشكلون 12 في المائة من سكان الجزائر والمغرب وتونس. وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة سُجلت أعلى معدلات هجرة من البلدان المغاربية الثلاث، إذ بات معدل الهجرة في تونس يفوق 36 ألف شخص سنويا.

وخلال عام 2022 فاق عدد طالبي اللجوء المغاربة والجزائريين، 30 ألفا.

وينتمي المهاجرون المغاربيون الجدد نحو أوروبا إلى فئات اجتماعية مختلفة وضمنهم كفاءات عالية.

وفي خضم بحث أوروبا الحثيث عن حل لقضايا الهجرة واللجوء التي تزداد تعقيدا بوصول حوالي مليون طالب لجوء سنويا معظمهم من مناطق الحروب وأحدثها أوكرانيا والسودان وقبلها سوريا وليبيا والعراق وأفغانستان، تجد العواصم الأوروبية صعوبة ملحوظة في تدبير أزمة الهجرة المغاربية.

ويعزو محللون فشل سياسة الهجرة الأوروبية إلى ثلاثة عوامل أساسية:

أولها، غياب سياسة أوروبية منسجمة وهيمنة الاعتبارات والمصالح الذاتية للدول الأوروبية.

وثانيا، التركيز على المخاوف الأمنية والأبعاد قصيرة المدى على حساب الرؤية الاستراتيجية الشاملة للجوار والاندماج الإقليمي.

وثالثا، فشل سياسات التنمية في الدول المغاربية بدرجات متفاوتة وتزايد العجز الاجتماعي وانسداد الآفاق خصوصا بالنسبة للشباب.

وتشكل أزمة الهجرة بين تونس وأوروبا، المثال الأوضح على تجسيد العوامل الثلاثة المذكورة، لتوضيح مظاهر فشل السياسة الأوروبية.

تفاهم بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني، هل يحظى بدعم أوروبي؟

وفيما تبدو محاولة للخروج من مأزق الهجرة غير القانونية التي بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة، أقدمت رئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية الشعبوية جورجيا ميلوني على إبرام صفقة مع حكومة الرئيس قيس سعيّد، لوقف تدفق المهاجرين، وتقديم دعم مالي قيمته 700 مليون يورو لمساعدة الاقتصاد التونسي على الخروج من نفق الأزمة التي يغرق فيها، ودعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إصلاحات للاقتصاد مقابل قروض قيمتها ملياري دولار للبلاد المثقلة بالديون بحوالي 80 في المائة من ناتجها المحلي.

ومن المرجح أن تجد خطة ميلوني دعما من الرئيس ماكرون بناء على اتفاقهما حول أولوية الاعتبارات الأمنية ودعم مسار الرئيس سعيّد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ 25 يوليو 2021، وإقناعه بالتراجع عن رفضه برنامج الإصلاح الذي ينص على إعادة هيكلة أكثر من 100 شركة عمومية تونسية مثقلة بالديون ورفع الدعم الحكومي على بعض المواد الأساسية واعتبر خطط صندوق النقد املاءات“.

لكن ميلوني قد تواجه مهمة صعبة في إقناع عدد من زملائها قادة دول أوروبية من ضمنها ألمانيا، التي تشدد على الترابط بين المساعدات الاقتصادية والاصلاحات الاقتصادية واحترام معايير حقوق الإنسان والديمقراطية.

كما تتعرض الحكومة الإيطالية نفسها إلى انتقادات من منظمات حقوقية أوروبية بسبب الانتهاكات التي يتعرض لها اللاجئون والمهاجرون غير القانونيين.

ومنذ اندلاع حرب أوكرانيا، تزايدت موجة انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وبات الاتحاد الأوروبي يواجه متاعب كبيرة في حواره مع العواصم المغاربية حول ملفات حقوق الإنسان، في مؤشر على تراجع تأثير ونفوذ الاتحاد في المنطقة.

هل تعيد الانتخابات الإسبانية خلط الأوراق في العلاقات المغاربية الأوروبية؟

اختبار الرئاسة الإسبانية

في مطلع يوليو/ تموز المقبل ستتولى إسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، وتقليديا تلعب مدريد على غرار باريس وروما دورا نشيطا في توجيه اهتمام التكتل الأوروبي نحو جواره الجنوبي.

وفيما تبدو الحاجة ملحّة مغاربيا لهذا الدور في الوقت الذي تلقي أوروبا بثقلها نحو الشرق وخصوصا باتجاه دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، لكن الدور الإسباني محفوف بالشكوك في هذه المرة.

فبعد ثلاثة أسابيع من تولي إسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، سيخوض رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز انتخابات سابقة لأوانها وستكون مصيرية في بقاء حزبه الاشتراكي في الحكم، وذلك بعد أسابيع قليلة من هزيمة مدوية تلقاها في الانتخابات الإقليمية.

وبحكم تداخلها ثمة ثلاثة ملفات على الأقل ستكون معرضة للاضطراب في ضوء نتائج الإنتخابات الإسبانية، وهي ملف الهجرة وأمن الطاقة والصحراء الغربية.

ولن تقتصر التأثيرات المحتملة على علاقات مدريد بالجارتين المغاربيتين الجزائر والمغرب، بل ستمتد التداعيات على نطاق أوسع لتشمل العلاقات المغاربية الأوروبية وبرامج الشراكة.

ذلك أن الملفات الثلاثة تثير خلافات بين العواصم الأوروبية الأكثر نفوذا في توجيه السياسة الأوروبية في شمال أفريقيا.

ومن شأن أي اضطرابات جديدة في العلاقات المغاربية الأوروبية، أن تساهم في تعميق اتجاه الاتحاد الأوروبي للتوسع شرقا، والمضي قدما في الاستجابة لانتظارات عبرت عنها دول غرب البلقان ومولدافيا وأوكرانيا وجورجيا، خلال قمة الجماعة السياسية الأوروبيةفي كيشيناو عاصمة مولدافيا الأسبوع الماضي، والتي دعا الرئيس ماكرون للتجاوب معها معتبراأنها الطريقة الوحيدة للاستجابة للتوقعات المشروعة لدول غرب البلقان ومولدافيا وأوكرانيا التي يجب أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي والحفاظ على فعالية جيوسياسية“.

وبالإضافة إلى أوكرانيا، حصلت مولدافيا على وضع المرشح الرسمي في يونيو2022 للانضمام للاتحاد الأوروبي.

وتأمل دول أخرى مثل جورجيا أن تكون التالية على القائمة، كما أوضحت ذلك وزيرة الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية لورانس بون في مقابلة صحفية الأسبوع الماضي، واعتبرت أن توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل أوكرانيا وربما عشر دول أخرى هو ثورة صغيرة“.

يتبع

***

منصف السليمي، صحفي خبير بالشؤون المغاربية في مؤسسة الألمانية

__________

مواد ذات علاقة