ما الهدف من القرارات والأحكام الجديدة؟

لا تزال المؤسسة القضائية تعيش حالة من الجدل والارتباك والاندفاع نحو أتون الصراع السياسي الحاصل بين الأطراف الليبية، على خلفية القرارات والقوانين التي أصدرها مجلس النواب بشأن تعيين شاغلي المناصب القضائية وإنشاء مؤسسات قضائية جديدة، ما اعتبره مراقبون سعيا من الأطراف الليبية لزرع ما تستطيع من عراقيل أمام الجهود الرامية لإجراء الانتخابات، خصوصاً مع الخلاف الكبير بين مجلسي النواب والدولة حيال تلك القرارات والقوانين

وأصدر المجلس الأعلى للقضاء، ليل الأحد، بيانا أعلن فيه رفضه حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الخاص ببطلان تعديل مجلس النواب أحكام قانون نظام القضاء، وإعادة تشكيل هيئة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وإرجاء التعامل مع كل المخرجات المتعلقة بدستورية القوانين إلى حين إنشاء محكمة تنازع الاختصاص“.

وفيما أفاد مجلس القضاء بأنه خاطب مجلس النواب بضرورة إنشاء محكمة تنازع الاختصاصات، استند في رفضه إلى قرار الدائرة الدستورية في المحكمة العليا على قرار مجلس النواب إنشاء محكمة تنظر في الفصل في القضايا الدستورية، في إشارة الى قرار مجلس النواب مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2022، الخاص بإنشاء محكمة دستورية، والذي رافقه جدل واسع

وجاء بيان المجلس الأعلى للقضاء بعد ساعات من إعلان الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، أمس الأحد، عدم دستورية تعديل مجلس النواب، في قراره الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2021، بعضَ أحكام قانون نظام القضاء، وإعادة تشكيل هيئة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، الذي جرى بموجبه تعيين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الحالي مفتاح القوي، المقرب من عقيلة صالح، وإزاحة محمد الحافي، الرئيس السابق المترشح للانتخابات الرئاسية، والمعروف بمعارضته قرارات صالح بشأن المؤسسة القضائية.

وعلى الرغم من إقرار مجلس النواب تعديل بعض أحكام قانون نظام القضاء منذ 2019، إلا أن تفعيله من دون جلسة رسمية معلنة في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وأثناء نظر المجلس الأعلى للقضاء والمحاكم في الطعون المقدمة ضد المترشحين للانتخابات وقتها، أثار الريبة والجدل في أسباب وتوقيت تفعيله.

ورغم ممانعة رئيس المجلس الأعلى للقضاء السابق محمد الحافي، وإصداره أكثر من بيان يوضح المخالفات الدستورية في قرار مجلس النواب، إلا أن المجلس برئاسته الجديدة تمكن من عقد أول اجتماعاته في خضم نظر المحاكم في الطعون المقدمة ضد المترشحين للانتخابات

وتزامن حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، يوم أمس، بعدم دستورية إجراء مجلس النواب تعديلاً على قانون نظام القضاء وتغيير هيئة رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، مع جدل داخل مجلس النواب حول قانونية جلسة عقدها المجلس، يوم 26 من يونيو/ حزيران الماضي، برئاسة النائب الثاني لرئيس المجلس مصباح دومة، وأعلن فيها عن تسمية رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية.

وبعد أن فشل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خلال جلسة رسمية لمجلس النواب، في إلغاء قرارات تلك الجلسة، بسبب نشوب خلافات بينه وبين عدد من النواب المؤيدين لقانونيتها، خاطب الجهات القضائية والإدارية في البلاد بعدم الاعتداد بقرارات الجلسة المنعقدة في 26 يونيو/ حزيران، إلا أنه من المحتمل أن تُطرح تلك القرارات للتصويت خلال جلسات المجلس القادمة

ووفقاً لمعلومات بلقاسم القمودي، المحامي في محكمة استئناف طرابلس، فإن الطعن المقدم للدائرة الدستورية في المحكمة العليا حول قرارات مجلس النواب بشأن تعديل قانون نظام القضاء تم منذ يناير/كانون الثاني الماضي، مضيفاً: “النظر في دستوريته وإصدار حكم بشأنه لا يقتضيان كل هذه المدة، وكان بالإمكان إرجاؤهما إلى حين وضوح الموقف من إنشاء محكمة دستورية“. 

وقال القمودي، المتابع لمجريات حكم الدائرة الدستورية يوم الأمس، في حديث لـالعربي الجديد“: “من الإجراءات الضرورية، تمكين إدارة القضايا في المحكمة العليا، وهي الجهة المخولة بالمرافعة عن مؤسسات الدولة، من استيفاء دفاعها بعد أن طلبت مدة أطول، وجرى تجاوزها بالأمس وصدر الحكم من دون الاستماع للدفاع“.

وعبّر القمودي عن خشيته من وقوف من يرغب في تأزيم الوضع داخل المؤسسة القضائية ودفعها نحو الانقسام، ودخولها باحة الصراع“. وقال: “حكم الدائرة الدستورية بالأمس يستهدف اجتثاث أصول قوانين وقرارات مجلس النواب التي انتهت إلى إنشاء محكمة دستورية تنتزع اختصاصات الدائرة الدستورية، معتبراً أن الحكم أول بوادر الصراع داخل المؤسسة القضائية“. 

وأضاف القمودي: “مررت أطراف سياسية، ومنها محسوبة على مجلس النواب، قرار تعديل قانون نظام القضاء في جنح الظلام إبان نظر المحاكم في الطعون على إجراءات المترشحين للانتخابات الماضية، وتمكنوا من إرباك عمل المحاكم بشكل كبير، والآن يدفعون القضاء للانقسام، والهدف يخدم مصالح السياسيين بوضع حجر عثرة جديد أمام الانتخابات والتوافقات التي تجري حيالها“. 

وفيما يتفق الأكاديمي والمهتم بالشأن السياسي أحمد العاقل مع مخاوف القمودي بشأن انقسام المؤسسة القضائية قائلاً: “هي آخر خطوط الدفاع عن وحدة الدولة ومؤسساتها، يشدد على وقوف الخصوم السياسيين وراء هذا العبث، على حد تعبيره.

وقال: “إذا انقسم القضاء، وعلى الأقل دخلت الخلافات في وسطه، فلمن سيحتكم الليبيون أثناء الانتخابات، وأكثر من ذلك، ستفقد المؤسسة القضائية الثقة، ويسهل وقتها رد أحكامها واتهامها من جانب كل طرف بالتحيز الى الآخر“. 

وعبر العاقل عن اعتقاده بـوقوف طرف سياسي ما وراء إصدار الدائرة الدستورية حكمها في هذا التوقيت“. وقال: “إصدار الحكم بقبول الطعن في عدم دستورية تشكيل رئاسة المجلس الأعلى للقضاء في هذا التوقيت أمر مريب، فلماذا الآن تحديداً؟ القصد منه التصعيد وخلق فوضى قضائية“.

وتساءل العاقل في حديث لـالعربي الجديد“: “لماذا لم نسمع صوتاً لمجلس الدولة الذي أصدر بياناً شديداً عندما أصدر صالح قانون إنشاء المحكمة الدستورية وأجبره على التراجع عنه في اليوم التالي. اليوم لم نسمع له صوتاً، ما يؤشر لوجود اتفاقات غامضة تهدف لجرّ مؤسسة القضاء إلى فوضى السياسة“.

وتابع: “حتى لو استجاب عقيلة صالح لمطالب المجلس الأعلى للقضاء بإنشاء محكمة تنازع الصلاحيات، فمن المؤكد أنه سيؤسسها وفق مصالحه ومصالح حلفائه السياسية، والطريق إما المزيد من الإرباكات، أو الإمساك بمفاصل القضاء والسيطرة عليه من خلال محكمة تنازع الصلاحيات التي ستكون لها الكلمة العليا“. 

_____________________

مواد ذات علاقة