عبدالله الكبير

مازال كيان الاحتلال يترنح فاقدا لصوابه واتزانه، عقب اذلاله بتحطيم أسطورة الجيش الذي لايقهر، وتمزيق نسيج العكنبوت الدعائي الذي يلف به نفسه، كقوة ضاربة لاقبل لأي من جيوش المنطقة بمواجهته

 في ساعات معدودة، نجحت قوة فتية من المقاومة في اختراق كل تحصينات العدو، الأسمنتية والحديدية والإلكترونية. كل ما شيده ليمنح المستوطنيين ما يمنحهم الطمأنينة تهاوى مثل قصر من الرمال على شاطئ البحر.

 هول الصدمة عقد ألسنتهم لساعات، قبل الاستفاقة على ضربة هي الأشد إذلالا لهم في كل تاريخهم.

أكثر من أربعيَن معسكرا وقاعدة ومستوطنة يجوس فيها رجال المقاومة، مئات القتلى والأسرى، كنز ثمين من المعلومات الأمنية والعسكرية، باتت في حوزة المقاومة، حسب وصف صحف غربية، والنتيجة الأهم هي انهيار ثقة المستوطنيين، في قدرة منظومتهم الأمنية والعسكرية منحهم الأمان والاستقرار.

 تغيرت المعدلات السياسية والعسكرية والاستراتيجية بشكل جذري، وتحطم طريق التطبيع مع العدو، واهتزت العروش، ومن تحت رماد الاحباط، ارتفع لهيب الحناجر في كل مدن الأمة، صادحا بفلسطين والأقصى والمقاومة، وما توافد قادة الدول الكبرى وكبار المسؤولين على كيان الاحتلال، إلا لشعور قوي هز أعماقهم بأنه يتهاوى، وإذا لم نتحرك لنجدته قد يجهز عليه>

وحركت أمريكا أساطيلها البحرية لغرض أساسي، هو طمأنة الجموع الهاربة من سكان كيان الاحتلال نحو المطارات، فرارا من المقاومة التي وصلت إلى مطابخ بيوتهم. فأمريكا ليست بحاجة لإظهار فائق القوة، لأن قواعدها العسكرية وبوارجها الحربية منتشرة في أغلب بلدان وبحار المنطقة

  هل يمكن لكل نتائج وتداعيات الهجوم، أن تدفعنا للقول بأن المعركة ماتزال في بدايتها، ولكنها حسمت من الجولة الأولي صباح سبت السابع من أكتوبر؟ 

 صحيح أن العدو يمطر غزة بالصواريخ والقنابل، وأن أعداد الضحايا بلغوا رقما غير مسبوق في المواجهات السابقة، بمباركة معلنة من دول القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، وصمت وانبطاح تام من عملائهم في بلاد العرب، وكل هذا متوقع، ففي كل جولات الصراع يلجأ العدو إلى القصف بالطيران، من دون تمييز بين المدني والمقاوم

 نعم إن الثمن باهظ، والتكلفة من الدماء، والأشلاء، والدموع، عالية جدا، سبق لكل الشعوب المستعمرة دفعها على طول الرحلة نحو التحرر والاستقلال، متسلحة بالصبر وطول النفس، والاستعداد لبذل كل التضحيات، بينما ينفد صبر المحتل، ويحسبون ألف حساب لضحاياهم

دفعت الجزائر نحو مليون ونصف، وملايين الجرحى في معركة الاستقلال ضد المحتل الفرنسي.

وفقدت ليبيا نصف عدد سكانها بين شهيد وجريح ونازح زمن الاحتلال الايطالي.

وفقد الشعب الأفغاني عشرات الآلاف لينال استقلاله.

وبلغ عدد القتلى المدنيين في حرب تحرير فيتنام من الغزو الأمريكي أكثر من مليون، بينما فقدت حركة التحرير نحو 85 ألف قتيل، أما خسائر أمريكا فكانت 57 ألف قتيل

 عقب معركة كبيرة في هانوي سأل القائد الفيتنامي هو تشي منه رفاقه عن عدد القتلى، فقيل له فقدنا أكثر من ألف قتيل، وقتل من الأمريكيين قرابة عشرين. فقال : لقد انتصرنا، وهي عبارة ملهمة، ماتزال تجري على ألسنة كل قادة حروب التحرير.

فالغزاة دائما حريصون على الحياة، ويواجهون صعوبات بالغة في اقناع شعوبهم بعدالة قضيتهم، ومع عودة الجنود في توابيت يزداد الغضب، ومن ثم فعدد القتلى في قوات الغزاة بالغ التأثير مهما كان العدد قليل، فالقائد الفيتنامي الفذ هو تشي منه يدرك أن كل ضربة تنال من العدو هي انتصار، يقرب من يوم دحر الغزاة وإعلان التحرير.

______________

مواد ذات علاقة