محمد بصيلة

على طريق الأزمة الليبية التي وصفت بأنها «أمنية»، كان البلد الأفريقي على موعد مع مساع وخطوات لتوحيد المؤسسات المنقسمة، أبرزها الجيش الليبي.

خطوات كُللت بتشكيل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، إلا أنها اصطدمت بحواجز وعراقيل، «أفشلت» أعمال اللجنة، وأبطأت وتيرة توحيد الجيش الليبي بفرعيه في الشرق والغرب.

ورغم ذلك، إلا أن ثمة ضوء بدأ يلوح في نهاية ذلك النفق المُظلم؛ فإعلان صدر عن حكومة الوحدة الوطنية (منتهية الولاية) يوم الإثنين، أعطى آمالا بإمكانية تحقيق ذلك الهدف (توحيد الجيش)، بتشكيل قوة أمنية مشتركة مع القيادة العامة (الجيش الليبي) في المنطقة الجنوبية، لتأمين الحدود.

ورغم أن تلك الخطوة «تنازعتها» الحكومتان المنقسمتان، إلا أن حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من العاصمة طرابلس مقرًا، كانت صاحبة نصيب الأسد في الإعلان عنها، بأكثر من مناسبة؛ بل إنها مضت خطوة على طريق تفعيلها.

فماذا نعرف عن تلك الخطوة؟

خلال جلسة نقاشية نظمتها وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، يوم الإثنين، حول رؤيتها لتعزيز أمن وإدارة الحدود المتكاملة للحد من الهجرة غير النظامية، كشف الوزير عماد الطرابلسي، عن تشكيل قوة أمنية مشتركة مع الجيش الليبي في المنطقة الجنوبية، لتأمين الحدود والمحافظة على أمن البلد الألإريقي.

وفي كلمته خلال الجلسة التي جاءت تحت شعار «الحلول المثلى لإدارة الحدود من أجل مستقبل أفضل»، تحدث الطرابلسي، عن إمكانية التعاون مع الجيش الليبي لتشكيل قوة مشتركة لتأمين الحدود الجنوبية، على غرار التعاون في المنطقة الغربية بين وزارة الداخلية ورئاسة الأركان العامة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية.

لكن من سيرأس هذه القوة؟

بحسب الطرابلسي، فإن رئاسة هذه القوى ستكون بالتوافق، وستمنح لـ«أي شخص يُطرح اسمه سواء من القيادة العامة أو وزارة الداخلية، ومن أي منطقة بليبيا».

متى ستُشكل؟

يقول وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية، إن هناك إمكانية لتشكيلها «في غضون شهرين أو ثلاث أشهر، على أن يكون قوامها ألف مركبة آلية وخمسة ألف شرطي من الشرق والجنوب والغرب».

وبحسب الوزير، فإن التوافق بين الجيش وحكومة الوحدة الوطنية كفيل بـ«تأمين حدود بلادنا في مدة لن تتخطى 90 يومًا»، في إشارة إلى تشكيل القوة وبدء عملها على أرض الواقع.

هل تعد خطوة لتوحيد الجيش الليبي؟

بحسب بيان سابق لحكومة الوحدة الوطنية، فإن رئيس الأركان العامة بالحكومة محمد الحداد، ورئيس الأركان التابع للقيادة العامة للجيش الوطني الليبي عبد الرازق الناظوري، أكدا خلال لقاء عقداه مع قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) مايكل لانجلي، أن تشكيل القوة يهدف إلى المضي قدما في توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.

ويقول البيان الذي نشر في مارس/آذار 2023، إن الحداد والناظوري أكدا أن تشكيل القوة المشتركة يعد خطوة أولى لحماية الحدود، وإدماج الشباب في مؤسسات الدولة، وفق مشروع وطني.

وبحسب مراقبين، فإن تشكيل تلك القوة العسكرية، تعد خطوة نحو توحيد المؤسسة العسكرية الليبية وحل المليشيات المسلحة، وتعزيز مسار الحل السياسي، مما يمهد لإجراء الانتخابات الليبية، التي تعثرت بسبب القوة القاهرة.

إلا أن المراقبين، أشاروا إلى عثرات قد تعرقل تلك القوة، متسائلين: ما مدى قبول الجيش الليبي في الشرق دخول عناصر تابعة لرئاسة الأركان العامة في الغرب، لحراسة المنشآت النفطية؟ والأمر نفسه بالنسبة للغرب: هل تقبل المليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة أو رئاسة الأركان العامة قبول عناصر تابعة للجيش الليبي لتأمين مجمع مليتة للنفط والغاز في طرابلس؟ أم أن المهمة ستنحصر في الجنوب فقط؟

وأكدوا أنه حال اقتصار المهمة على الجنوب، فإنها ستكون خطوة أولية فقط نحو توحيد الجيش، إلا أن فعاليتها ستكون في انتظار قبول الفرقاء بها، وبشمول مهمتها كافة المناطق الحيوية في البلد الأفريقي.

من يدعم تشكيل تلك القوة؟

الاتفاق أعطته السفارة الأمريكية في ليبيا ضوءًا أخضر، في بيان صادر عنها آنذاكقائلة، إن الولايات المتحدة تؤيد إنشاء وحدة عسكرية مشتركة كخطوة أولى لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، مشيدة بجهود الناظوري والحداد.

بدورها، دعمت فرنسا التي تحتفظ بتأثير قوي على بعض الفرقاء الليبيينتشكيل تلك القوة؛ فأكدت في بيان صادر عن سفارتها بليبيا، في يونيو/حزيران 2023، موقفها الداعم لإنشاء قوة مشتركة بين رئاستي الأركان في شرق وغرب ليبيا، لتأمين الحدود الجنوبية للبلاد.

محطات على الطريق الشائك

في يوليو/تموز 2022، وفي اتفاق سري، جرى التوافق خلال لقاء غير معلن عقد بين رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة وصدام نجل القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، على تشكيل تلك القوة.

إلا أن القيادة العامة لم تؤيد أو تنفي تلك التقارير التي تحدثت عن ذلك الاتفاق، أو ما نتج عنها، مكتفية بعدم التعليق عليه.

وبحسب مصادر إعلامية ليبية، فإن الاتفاق كان ضمن توافق أكبر على تغيير مراكز مهمة بليبيا، وشمل جوانب عدة، لحظة توقيعه؛ أبرزها ملف النفط، إلا أن أحدًا من معسكر الشرق أو الغرب، لم يؤكد أو ينفي تلك التقارير.

وفي مطلع مارس/آذار 2023، خرجت مبادرة تشكيل القوة المشتركة بين رئاستي الأركان، للعلن أول مرة، عقب لقاء عقد بين الناظوري والحداد في روما مع قائد القوات العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) الفريق مايكل لانغلي، على هامش مشاركتهما في ندوة رؤساء الدفاع الأفارقة في العاصمة الإيطالية.

إلا أنه في فبراير/شباط 2024، أعلنت حكومة أسامة حماد المكلفة من مجلس النواب، الاتفاق على تشكيل قوة أمنية مشتركة تضم الأجهزة الأمنية والمديريات بالمنطقة الجنوبية لتعزيز الأمن والاستقرار.

وفي بيان صادر عن الحكومة آنذاكأسهبت في التأكيد على أن القوة الأمنية المشتركة تضم الأجهزة الأمنية والمديريات بالمنطقة الجنوبية، مشيرة إلى أنها تأتي لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، ومكافحة الإرهاب والجريمة بأنواعها.

ولم تشر الحكومة إلى ذلك الاتفاق المُبرم بين الناظوري والحداد، بل إنها اكتفت بأن تشكيلها سيكون قاصرًا على تلك الأجهزة الأمنية، التي تعد تابعة لها، غاضة الطرف عن إمكانية أن تشارك فيها القيادة العامة التابعة لمنافستها في الغرب.

_____________

مواد ذات علاقة