عبدالله الكبير

لم تعلق البعثة الأممية بليبيا على نتائج اللقاء الثلاثي الذي جمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح في القاهرة الأحد الماضي، ولم يصدر عن المبعوث الأممي عبدالله باتيلي سوى تصريح مقتضب، عقب اجتماعه مع المنفي، ذكر فيه أنه أخذ علما بالاجتماع ومخرجاته.

 كذلك لم تعلق على اللقاء أي من سفارات الدول الفاعلة في المشهد الليبي، أما سفير الاتحاد الأوروبي نيكولا أورلاندو، فقد أعلن عن ترحيب الاتحاد بجهود البعثة الأممية إلى ليبيا، وهي إشارة واضحة إلى استمرار الدعم الأوروبي لمبادرة باتيلي، وفي إشارة ضمنية لرفض المحاولات المصرية تقويض سبل الحل السياسي، حذر في نفس التصريح من المبادرات السياسية غير المنسقة، لأنها قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات.

هذا الموقف الدولي يؤكد بشكل صريح عدم التفاعل مع أي مبادرات أحادية، محلية كانت أو إقليمية أو دولية، لأن حدة الصراع على كل هذه المستويات، مع المناخ الدولي المتخم بالانقسامات والصراعات، لا تساعد على التوصل إلى تسوية مقبولة من كل الأطراف المنخرطة في الصراع.

كما أن استمرار دعم مواقف البعثة الاممية، يرسل رسالة واضحة للجميع، مفادها أن المقترحات والحلول المقبولة لابد أن تكون مرضية للجميع، باعتبار أن البعثة الأممية ستأخذ بعين الاعتبار مصالح ومخاوف كل الأطراف، بينما ستغلب المبادرات الأحادية مصالح الطرف الذي يقف خلفها ويروج لها

 ولعل هذا الموقف الأوروبي وبالتأكيد الأمريكي، حتى وإن لم يعبر عنه في تصريح واضح، سيكبح محاولة فرنسية لطرح مبادرة جديدة، لا يتوقع لها غير الفشل، شأنها شأن مبادرات سابقة رعتها الرئاسة الفرنسية، التي لم تستنكف عن طرح المبادرات رغم الفشل المتوقع في كل مرة، بالنظر إلى مساهمتها في تعميق الصراع بدعم أحد الأطراف، ومسؤوليتها المباشرة عن دماء سفكت وأرواح زهقت خلال حروب حفتر في السنوات الماضية.

 ماهو مصير مبادرة باتيلي؟

هذا هو السؤال الذي ستقطع اجابته كل المبادرات الأحادية، فاستجابة الأطراف الخمسة المدعوة للتفاوض إلى اللقاء على مائدة باتيلي، هو الطريق الوحيد للاتفاق على إنهاء الأزمة الراهنة، بالذهاب نحو الانتخابات، ولكن هذه الاستجابة لن تتم من دون تهديد صريح بتجاوز الرافضين لها، والانتقال إلى تشكيل ملتقى سياسي موسع على غرار ملتقى تونس جنيف السابق.

إن انتظار موافقة من يريدون البقاء في السلطة لن يسفر عن أي تقدم، بينما إشراك الأطراف المقصية عن السلطة، التي ترى في الانتخابات سبيلا وحيدا قد يحقق لها حلمها، هو أفضل الخيارات المتاحة لتجاوز المرحلة الحالية، ومن ثم فإن البعثة مدعوة إلى كسر الجمود الحالي، بالشروع في الاعداد لملتقى سياسي جديد، تشارك فيه كل القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية، وسيكسب هذا الملتقى شرعية قوية إذا جرى تشكيله عبر الانتخابات.

الانجراف نحو الهاوية

 لعل البيان/الرسالة من البعثة الأممية بليبيا إلى مجموعة أعضاء مجلسي النواب والدولة، الذين اجتمعوا في تونس قبل أيام، هو الأكثر وضوحا وواقعية من بين كل بياناتها وتصريحاتها السابقة، إذ يرد البيان على الاجتماع وغاياته وما صدر عنه بلغة مهذبة وحازمة في نفس الوقت

اللقاء جمع كتل وشخصيات معروف توجهاتها في المجلسين، من دون إعمال القواعد المتعارف عليها في التواصل بين المجلسين، وهو ما حرص عليه المجلسان في الحوارات السابقة، باستثناء الفترة الأخيرة لرئاسة المشري لمجلس الدولة، حين عمد إلى إبرام صفقة مع نظيره عقيلة صالح، ولكن الصفقة لم تحصد سوى الفشل وزيادة التأزيم، شأنها في ذلك شأن كل الحوارات بين المجلسين، على مستوى لجان فرعية أو الرئاسة.

يصر بعض أعضاء المجلسين على تكرار المحاولات رغم ثبوت فشلها، و السبب ورد بشكل غير مباشر في بيان البعثة، وهو أن القرار السياسي في الحالة الليبية الراهنة لم يعد في يد الأطراف المحلية، بل بات للأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع، اليد الطولى في هندسة أي انتقال للسلطة، منذ اتفاق الصخيرات إلى اتفاق تونس جنيف.

 وليس ثمة خيار لاستعادة السيادة على القرار الوطني بشكل متدرج سوى الإصرار على العودة للشعب لكي يقود التغيير عبر الانتخابات.

 رسالة البعثة تضمنت بين السطور توبيخا للنواب والاعضاء الَجتمعين، بتذكيرهم بأنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، وأن الحوار الذي يمكن أن يرسم بداية خروج ليبيا من أزمتها، لابد أن يشمل كل أو غالبية الأطراف. ” يجب أن نسلم بأنه لا يمكن لاجتماعكم هذا أن يكون بديلا عن حوار أوسع وبمشاركة أكبر وجدول أعمال أكثر شمولا“.

 وبشكل صريح ومباشر يتهمهم البيان/الرسالة، في سطوره الاخيرة، بأنهم يقربون ليبيا من الانجراف نحو الهاوية، بسبب اصرارهم على البقاء في مواقعهم، وتغليبهم مصالحهم الشخصية على مصلحة الدولة والشعب.” لقد ضاع الكثير من الوقت على ليبيا وشعبها. وكل يوم تصرون فيه على البقاء في مواقعكم. أو تتمسك فيه الأطراف الأخرى بمناصبها. يقرب ليبيا أكثر إلى الحافة بشكل خطير. يجب عليكم كبح جماح هذا الزحف الحثيث نحو الهاوية والاحتكام إلى العقل والحكمة لإنقاذ ليبيا“. 

الموقف الأمريكي الجديد يفسر هذا التصعيد في لهجة البعثة الأممية بليبيا تجاه بعض أطراف الأزمة، فقد تم تعيين الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني خوري في منصب مساعد المبعوث الخاص إلى ليبيا للشؤون السياسية، وأجرى السفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند مؤخرا، عدة لقاءات مع المجلس الرئاسي والحكومة، وبعض الشخصيات الأخرى، معلنا في تصريحات مقتضبة عن دعم الإدارة الأمريكية لمبادرة باتيلي، التي لم تلق استجابة من بعض الأطراف

 وكان لافتا في هذه التصريحات التراجع عن دعم الانتخابات، والدعوة لتشكيل حكومة تصريف أعمال، وربطها بأهمية مشاركة جميع الفاعلين الليبيين في العملية السياسية، التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة، لإزاحة ماتبقى من عوائق أمام الانتخابات، فالتصريحات السابقة لم تشترط تشكيل أي نوع من الحكومات، بل وذهب نورلاند في تصريح سابق إلى إمكانية إجراء الانتخابات حتى في وجود حكومتين

لم يتبلور موقف دولي داعم لتغيير جوهري في ليبيا حتى الآن، ما يعني أن تقاطع وتضارب مصالح الدول الفاعلة في الأزمة لا يسمح بهذا التحول الآن، ولكن تصاعد حدة الأزمة، والتطورات الأمنية والاقتصادية، تستدعي تمديد المرحلة الحالية، ولكن مع تخفيض التوترات الطارئة، أي البقاء عند الهاوية وليس السقوط فيها.

______________

مواد ذات علاقة