مركز الدراسات الاستراتيجية و الديبلوماسية

%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%a8%d8%a9المركز حاور الباحث محمد عمارة سريبة في مقابلة (تحريرية ـ أكاديمية) بامتياز وهذا نصها:

ترك القذافي ليبيا دون بنية تحتية او فوقية كما يرى الدّارسون. هل ساهم غياب وجود مجتمع مدني وسياسي في تعقيد الوضع بعد ثورة 17 فبراير ؟

إن الخبرة السياسية التي تراكمت لدى النخب السياسية في ليبيا في العقود الستة الماضية، لم تؤسس على أساس مؤسسي سليم، ويعود ذلك إلى حداثة الدولة والتنظيمات المجتمعية وعدم الاستقرار وغياب منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، مما يعكس عدم الانسجام بين مختلف النخب المتصارعة على السلطة اليوم، وما نجم عن ذلك من عوائق تهدد مسار الانتقال الديمقراطي في ليبيا. وعليه تمثل دراسات النخبة السياسية في ليبيا إشكالية كبيرة لأي باحث، نظراً لأن طبيعة النظم السياسية التي مرت بها ليبيا في مرحلة الملكية ومرحلة القذافي تجعل من الصعب تحديد النخبة السياسية بصورة واضحة وقاطعة ، حيث أنه من الناحية الرسمية لا يعترف النظام السياسي الليبي خاصة في عهد القذافي بوجود نخبة تؤثر على عملية صنع القرار، كما إن المرحلتين لم تعترف بوجود أحزاب سياسية أو مؤسسات مجتمع مدني فاعلة يمكن لها أن تؤطر لنا نخب سياسية قادرة على التأثير ونقل المجتمع من حالت الانقسام والتشرذم إلى الاستقرار والرفاهية ودولة المواطنة. كما أنه يتعين على أي تحليل للتفاعلات السياسية ودور القوى السياسية المختلفة أن يأخذ في اعتباره طبيعة المجتمع الليبي وتركيبته الاجتماعية والدينية والسياسية، وطبيعة التفاعلات السياسية خلال الحقبة السابقة لثورة17فبراير 2011. تعيش ليبيا بعد أحداث 17 فبراير والتي تشكل منعرج مهم جدا في التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تشهدها الساحة الليبية اليوم، حيث مضت خمسة سنوات كاملة على عملية التغير السياسي في ليبيا بكل ما لها وما عليها. والقضية اليوم لم تعد توصف تلك الأحداث التاريخية التي احتواها شهر فبراير هل ماحدث (ثورة) أم لا بل الأمر تجاوز ذلك، من وجه نظري، بل أن ما حصل هي مرحلة حتمية الحدوث نتيجة ما كان سائد طيلة 42 سنة ماضية بما لها وما عليها. وعليه لقد أفرزت هذه المرحلة نخب جديدة ، تتصدر اليوم المشهد السياسي الليبي توزعت بين نخب أيدلوجية ونخب جهوية وبين تيارات أسلامية معتدلة وتيارات متطرفة وتيارات ليبيرية معتدلة وتيارات متطرفة، وبين من يرفض التغير وبين من يؤيده كلها إفرازات كانت حتمية لحالة التصحر التي كان يعيشها المجتمع الليبي، طيلة 62 سنة، حيث منعت النخب السياسية من تشكيل أو تكوين أحزاب سياسية تؤطر إلى بناء ثقافة الديمقراطية والمشاركة السياسية وتعمل على ترسيخ الممارسة السياسية داخل المجتمع ، ففي العهد الملكي منعت الأحزاب السياسية من الممارسة والتشكل بمرسوم ملكي، ثم في عهد نظام القذافي بين قوسين (الجماهيرية)، بنص (قانون تجريم الحزبية) كما أن ماحدث بعد أول انتخابات في ليبيا بعد 50 سنة وتكوين المؤتمر الوطني وما افرزه من صراعات حزبية في غياب قانون يحكم هذه الأحزاب، قضايا الديمقراطية ونظام الحكم والإقصاء والتهميش والمجتمع المدني، يمكن التأسيس لها على وجه أفضل استناداً إلى بحث مفهوم المواطنة وإيضاحه، فعلى هذا المفهوم قامت الدولة الديمقراطية الحديثة، ورسوخه في ثقافة الليبيين قد يحلُّ كثرة من الإشكالات التي تسود خطابهم السياسي وتنحوا به صوب الاستقطاب والتطرف في أيامنا هذه. يمكن اعتبار:

المواطنة : هي ذلك السلوك الرفيع الذي يهدف إلى تغليب المصلحة العامة على الاعتبارات الشخصية، وارتقاء إلى مستوى الفعل والممارسة في الحقوق والواجبات ضمن بيئة من الحياة المشتركة في كل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واحترام الآخر وقبول التنوع وفق حقوق قانونية ودستورية يتم الالتزام بها من قبل الحاكم والمحكوم .

الدولة الديمقراطية : إن المقصود بالدولة الديمقراطية، هنا هو الدولة التي يختار فيها الشعب، بإرادة حرة ووعي إدراكي، نظام حكمه وحكومته عن طريق انتخابات نزيهة من دون تزيف أو تضليل، وفق مرجعية دستورية تضمن الحقوق والواجبات على أساس المواطنة.

الثقافة السياسية : عبارة عن توزيع معين يتعلق بخصائص وسمات شعب دولة ما لديهم في العادة اتجاهات سياسية، نظم قيم، مشاعر، بيانات ومعلومات، ومهارات متشابهة أو مختلفة، أو هي كل مايتعلق باتجاهات الإفراد تجاه النظام السياسي. وما يرتبط به من نظم فرعية أو مؤسسات ومنظمات مختلفة.

السماح السياسي : هو عملية التنسيق التي يفرضها النظام السياسي والضوابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع بغية توفير الحد الأدنى من القيم التي تكفل التضامن والتعايش السلمي الهادفة إلى المحافظة على التنوع الثري والتعدد الخصب لأجل بقاء واستمراره والوصول بالمجتمع إلى قيام الحكم الصالح الرشيد.

المجتمع المدني: تنظيمات تطوعية وسيطة تقوم بسد الفجوة بين الفرد والدولة، وتعمل على خلق الروح المدنية بين الأفراد بغية تحقيق أهداف مشتركة تخدم الصالح العام. “.

هل تمتلك الطبقة السياسية القدرة على بناء دولة المؤسسات والديمقراطية على أسس المواطنة ؟

أغلب الذين كتبوا عن النخب السياسية انتهوا إلى القول بأن المجتمعات الإنسانية تنتج النخب، وبأنه لا وجود لمجتمع بدون نخبة، هناك طبقتان من الناس طبقة حاكمة وطبقة محكومة، ودائما الأولي هي التي تؤدي الوظائف السياسية، ربما تكون بالقانون وفي ظل مؤسسات دولة، وربما تعسفية وعنيفة وتفرض سيطرتها بالقوة. يري رايت مليز، أن النخبة هي نتاج أو ثمرة للطابع المؤسسي التنظيمي الهرمي(البيروقراطي) الذي يسيطر بإحكام على المجتمع الحديث، ومن ثم فإن القوة إذا في المجتمع الحديث تميل إلى اتخاذ طابع مؤسسي عام، ويؤدي ذلك إلى ظهور منظمات تحتل أهمية أساسية في المجتمع، وهذه المؤسسات تكون سوية الأشكال للقيادة في البناء الاجتماعي. وبما إن المواطنة في جوهرها مشروع عام لتمكين النشء والشباب من الإلمام بالمعارف والقيم والمهارات الأساسية اللازمة لإعداد المواطنين للحياة المدنية بطرقة أفضل، في مجتمع تسوده التعددية في القيم والاتجاهات المعاصر مثل دولة القانون، وحقوق المواطنة والديمقراطية، وإدراك معني وأهمية قيم التسامح، واحترام الآخر، والعيش المشترك على المستويين الوطني والعالمي، من خلالها تتشكل مقومات شخصية الفرد وذلك من خلال ما يترسخ فيها من فكر ووجدان وسلوك وقيم ومستوى الوعي بالذات وبالأخر. دراسة النخبة السياسية في ليبيا والمواطنة تظل منقوصة إذا تمت بمعزل عن تحليل الثقافة السياسية السائدة داخل مجتمع البحث على اعتبار أن الثقافة السياسية من أهم مفاهيم دراسة النظم السياسية. وتبرز هذه الأهمية من كون الثقافة السياسية تهتم بالقضايا المتعلقة بمدركات الإفراد ومعتقداتهم واتجاهاتهم، نوح قضايا مثل قضية المواطنة بما تحمله تلك الثقافة من قيم ومضامين من الممكن أن تحمل بداخلها قيم المواطنة، مثل المشاركة السياسية ومسألة الهوية والانتماء على اعتبارهما يمثلنا أحد العناصر الأساسية للمواطنة. طبيعة النظام السياسي السابق، تجعل من الصعب تحديد النخبة السياسية بصورة واضحة وقاطعة، حيث أنه من الناحية الرسمية لا يعترف النظام السياسي الليبي السابق بوجود نخبة تؤثر على عملية صنع القرار. وفي دراسة سابقة قام بها عالم السياسية الدكتور محمد زاهي المغيربي بعنوان “اتجاهات وتطورات تركبيه النخبة السياسية في ليبيا 1969-1999، التي تخلص من خلال تحليل تركيبة النخبة السياسية في ليبيا خلال فترة الدراسة والتي كانت 30 سنة، أن الذين تقلدوا مناصب 112 شخصا أغلبيتهم من الذكور، حيث تولت امرأتان فقط مناصب وزارية، الأولى خلال الثمانيات ولمدة سنة واحدة، والثانية خلال التسعينات ولمدة خمس سنوات. كما أن البعد القومي للنظام الليبي كان هناك وجود وزير تونسي في بداية الثورة 69، ووزير مصري في أواخر الثمانينيات، كما أوضحت الدراسة أن نسبة من تقلد المناصب في تلك الفترة كان من القوات المسلحة 11 شخص ومن الشرطة شخص واحد ومن لجان الثورية 28 ومن تكنوقراط 72 .

وتخلص الدراسة أن النظام السياسي الليبي على الرغم من أنه يرفع شعارات السلطة للشعب ، اعتمد النظام على قاعدة النخبة السياسية التنفيذية محدودة وضيقة من النخبة التكنوقراطية، تتراوح مابين 20-30 شخصا، في تسيير القطاعات المهمة والرئيسية، كما أن هذه القاعدة لا تتفق مع فلسفة النظام الجماهيري المطبق في ليبيا قبل ثورة 17 فبراير، كما أن الدور القبلي والذي يعتبر من أهم العوامل في تولي المناصب حيث كان يحرص النظام السابق على التوزيع القبلي في تقلد المناصب الحكومية. شهدت ليبيا تغيرات هائلة على المستويات المختلفة ذات العلاقة بعملية التحديث، نتيجة للتأثير المهم للثروة النفطية التي مكنت الدولة الريعية من القيام بدور تحديثي، إلا أن هذا التحديث في تقدير الدراسيين محدود ورهينة التقاليد والنظام القيمى التقليدي والفهم القبلي للتعاليم الدينية المنظمة للحياة العامة، والعلاقات الاجتماعية التي تؤدي دوراً سلبياً يؤثر بشكل فعال في تحديد سلوك واتجاهات الأفراد ويرى مصطفي التير، رائد مدرسة التحديث الليبية، فإن الحداثة ذاتها لم تتحقق بعد، ويقرر أن أقلية من الليبيين يمكن وصفهم بالحداثة، إن الوصول إلى الحداثة أمر أساسي للديمقراطية، غير أن هذا الهدف تقف في طريق تحققه جمله من المعوقات أهمها خصائص الثقافة السائدة، لما لها من قوة حاسمة في تحديد كيف يعيش الليبي اليوم، وكيف يتعامل مع كل مكونات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكيف يبني رؤيته، وكيف تتحدد مواقفه واتجاهاته، حيث يقترح التير نموذجا قيمياً يسميه (المراوحة في المكان) يتكون من عناصر يعتبرها مسئولة عن تأخر ولوج الليبيين حالة الحداثة، هذه العناصر تشمل ((البدونة)) بمعني سيطرة ثقافة البداوة على المجتمع، بما في ذلك المدن، والقبيلة كمحدد جوهري للانتماء نجح في الالتفاف حول المشروع المجتمعي الحداثي، إضافة إلى ((الشخصنة))، أي المزاوجة بين القضيّة والموقف الشّخصي، بمعنى عدم استخدام الموضوعية، بل الاعتماد على المزاج الفردي، واعتقد أن ذلك موجود اليوم في كثير من الفاعلين السياسيين، والشواهد كثيرة والدليل ما نشاهده من انقسام حاد بين كافة مكونات النخبة السياسية أذا سلمنا بأنها تلك النخب المنتخبة المتمثلة في أعضاء المؤتمر الوطني السابق العائد، أو مجلس النواب المنتخب، أو إفرازاتها من الحكومات، بالإضافة إلى مجلس الوفاق الرئاسي، نتاج تقاسم السلطة في حوار الصّخيرات، بين قلة فاعلة وكثرة غير فاعلة، أو القوة الفاعلة على الأرض بكافة مكوناتها القبلية والحزبية والعسكرية والقوة الاقتصادية. وعليه تعيش النخب السياسية الليبية اليوم حالة من التخبط والتشرذم بسب التراكمات الثقافية التي تكونت لديهم، وأن كانت عند البعض تلك القيم الديمقراطية التي تدعوا إلى تأسيس دولة الديمقراطية والمواطنة في شكل دولة المؤسسات القانون، ما زلنا نشاهد تأثير العوامل الأخرى مثل القبيلة والأيدلوجية بكافة تكويناتها والجهوية والمناطقية، قوي في هذه النخبة.

ماهي الرّوافد الاساسية لثقافة الطيف السياسي في ليبيا؟

أجرت الدكتورة أمل سليمان (محمود العبيدي) دراسة عام 1994، على عينة مكونة من 500 طالب في جامعة قاريونس بنغازي، حيث وجدت أن الدين الإسلامي والمؤسسات الاجتماعية (المرتبطة بالقبيلة) والتعليم لعبت أدواراً جوهرية في تشكيل الثقافة السياسية في ليبيا، وتزايدت أهمية العامل الإيديولوجي في عملية بناء الأمة في ليبيا تزايدا كبيرا بعد قيام الانقلاب الثوري عام 1969، حيث اعتمد النظام الثوري على الأيديولوجيا كأحد المصادر الرئيسة لشرعيته، كما أثرت التحديات الديمغرافية على ليبيا التي تمثلت فيها الخصائص والتأثيرات الديمغرافية الموجودة في معظم البلدان النامية، ومن أهم الخصائص تزايد عدد حجم السكان والنسبة العالية لصغار السن بين السكان، وتعتبر ليبيا دولة فتية، حيث يمثل الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة حوالي 60% من السكان، كما ركزت الدراسة على عناصر جوهرية من الثقافة السياسية التي كان النظام السابق يسعي لنقلها ونشرها، وهي الهوية والقبيلة والمشاركة السياسية ودور المرأة والقضايا العربية مثل المشكلة الفلسطينية والوحدة العربية والقومية العربية، وأظهرت نتائج الدراسة، أن مسالة الهوية مرتبطة بالإسلام والعروبة أي لم تكن العينة على استعداد للتميز بينهم ويرها كمصدر للهوية، وتعززت هذه النتيجة بحقيقة أن الإسلام كان المصدر الأعلى ترتيبا للانتماء العربي، وكان ترتيب الدولة التي يعيش فيها المبحوث هي في الترتيب الأدنى كمصدر للهوية، وتعوز الباحث هذه النتيجة أن النظام الثوري يؤكد على المواطنة العربية الأكبر من خلال عملية التنشئة، كذلك إلى انخفاض مستوى الوعي بالانتماء للهوية الليبية الذي كان موجودا في ليبيا منذ الاستقلال، كما أن غالبية المبحوثين يؤمنون بأن القومية العربية عنصرا مهما وفكرة ثابتة ومتماسكة، وأن هناك أقلية كبيرة إلى حد ما لا تؤمن بهذه الفكرة، وبينما اتجاهاتهم كانت اتجاه القضية الفلسطينية عالية جدا، أما تجاه قضية المرأة فقد أكد أغلب المبحوثين أنهم يوافقون على المساواة في الحقوق الإنسانية بين الذكور والإناث، وأقلية قلية لا توافق، كما عبرت الغالبية العظمي على موافقتها على عدم وجود تمييز وتفرقة بين الذكور والإناث في حقوق التعليم والعمل وحرية التفكير. أما عن قضية القبيلة تشير الدراسة إلى أن أكثر من نصف المبحوثين لم يكونوا على استعداد للتخلي عن هويتهم القبيلة، وإلى أن القبيلة لا تزال تمثل مصدرا رئيسا للهوية الشخصية في المجتمع الليبي. وفي دراسة أخري، يقدم الدكتور محمد زاهي المغيربي ، الثقافة السياسية العربية وقضية الديمقراطية، إحدى التفسيرات العامة لضعف المشاركة السياسية بين الطلاب الليبيين، يحاجج المغيربي بأن الثقافة السياسية العربية هي نموذج للثقافة السياسية الرّعوية التابعة، التي يكون فيها الأفراد مدركين لمخرجات النظام السياسي، ولكنهم غير واعين لدورهم في النظام وتأثيرهم عليه، وأضاف أن الخنوع والخوف وأنماط السلوك غير الديمقراطية التي تتسم بانعدام حرية النقاش وعدم الاستعداد لقبول الآراء المختلفة، أنها جميعا نتاج لعملية التنشئة الاجتماعية والسياسية التي قامت بها المؤسسات التعليمية الرسمية وقنوات التنشئة الأخرى غير الرسمية وأهمها الأسرة، وأضيف عليها مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وثقافة التعددية التي كانت محرمه طيلة 42 سنة من الثقافة السياسية التي كان يسع النظام إلى ترسيخها في الأجيال السابقة المتصدر المشهد اليوم.

لقد بينت نتائج الدراسات :

أن اتجاهات الطلاب حول مسألة الهوية تتمحور على تغليب الإسلام كمصدر مهم للهوية دون المصادر الأخرى، عكس دراسة أمال سليمان الإسلام والعروبة.

أن معظم العينة منتميين إلى قبائل وصلت 90.8%، ومرتبطون بها، بينما 7.9% لا يريدون تغيرها إلى قبيلة أخرى، وأنهم على استعداد لأن يتنازلو عن قبائلهم مقابل إن ينظروا لأنفسهم كليبيين فقط، بينما 64% يرفضون أن تقوم القبيلة بأي دور في العملية السياسية، وهذا يعكس مدي قبول الطلاب إلى التحول من القبيلة إلى الدولة والهوية الليبية، واعتقد هذا يعكس اتجاه عام في ليبيا الجديدة وهو مؤشر ايجابي.

ان اتجاهات الطلاب تجاه المشاركة السياسية كانت ايجابية، حيث كانت مستوى المشاركة في الانتخابات مرتفعة سواء على للانتخابات المحلية أو الوطنية وصلت (52%) وخاصة من الذكور، بينما كانت (96.6%) من حجم العينة ليسوا في عضوية الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني متدنية جدا.

أما من حيث اتجاهاتهم اتجاه دور المرأة كانت ايجابية في بعض الحقوق، مثل الحق في العمل، والحق في التفكير والحق في المشاركة في الشؤون السياسية، وحقها في الزواج من عرب غير ليبيين، كما برزت اتجاهات سلبية في بعض الحقوق، منها الحقوق التي تمنح المرأة سلطة على الرجال، كما بينت الدراسة أن الإناث والفئة الأصغر سنا من الجنسين من العينة ذات اتجاهات قوية لصالح دعم المرأة مقارنة بالفئة الأكبر سنا.

بين الأمس واليوم هناك رغبة في التخلص من ثقافة التابع إلى ثقافة المشاركة والحقوق، وثقافة مواطنون لا رعايا، وهنا نستنتج أن كبار السن اليوم في المشهد السياسي أكثر تأثر بتراكمات الماضي، وأن هذه النخبة المتخمة بتراكمات الماضي مازلت تستخدم الماضي وتركن إليه في الوصول إلى مكاسبها، وفي تحريك مشاعر الشباب اتجاه القبيلة والانتماءات الأولية، وأننا خارج هذا الإطار لن يكون لنا مكان. ولكن ليبيا الحديثة كما يسميها عالم الاجتماع الليبي الدكتور مصطفي عمر التير، لم تبرز كدولة بالمعني الحديث إلا في اليوم الرابع والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر1951. وعموماً بلغت هذه الدولة من العمر ستين سنة، وهو عمر كافٍ لبناء نظام سياسي ديمقراطي لو توفرت النية ، لذلك لم يجرب الليبيون في السابق حياة سياسية ديمقراطية بمفهومها الغربي.

عاش الليبيون أكثر من أربعة عقود تحت نظام ديكتاتوري مفرط في الاستبداد، ولم تعرف الغالبية العظمي من الليبيين الموجودين اليوم سوي هذا النظام، فحسب آخر تعدد للسكان، أن 79% منهم ولد بعد العام 1969، وإذا أضيفت هذه النسبة إلى نسبة الذين كانت أعمارهم قبل حدوث الانقلاب العسكري لا تزيد نسبتهم من السكان المقيمين في داخل البلاد عن %12).

ما هو مناخ السياسة والجدال في ليبيا اليوم وشروط الاقلاع السّياسي والحضاري في بلد نفطي غنيّ ؟

هنالك وسائل اعلام جديدة عمقت الانقسام المجتمعي كثيرا في مجتمع غابت علية ثقافة الديمقراطية والاعتراف بأن من تختلف معه هو شريك في الوطن له ما لك، وفي غياب كل ذلك وخاصة في ثقافة الكثير من النخب السياسية المسيطرة على المشهد السياسي، ، مع استخدام العنف كوسيلة لفرض الرؤى بالقوة ولدينا الكثير من الشواهد على مثل فرض قانون العزل السياسي وما ترتبت علية من تداعيات سياسية، حكم المحكمة الدستورية وما يحوم حوله من شكوك، قرار رقم 7، عدم بناء مؤسسة الجيش وتشكيل أجسام موازية لها، أهدار المال العام دون أن تكون هناك أشياء ملموسة على الواقع، تلك التصرفات وللأسف هي بدعم من النخبة السياسية سوى التي كانت في المجلس الانتقالي أو في المؤتمر الوطني أو في البرلمان أو في المجلس الرئيس الجديد، الذي يعيش حالة من التخبط في انقسامه الداخلي. ومع ذلك هناك بعض المؤشرات التي تؤكد على استعداد الجيل الجديد من الليبيين من تقبل الديمقراطية كنظام سياسي مناسب لحكم البلاد، كما أكد ذلك المسح العالمي للقيم، حيث وصلت نسبة القبول بالديمقراطية كنظام مناسب للحكم 82.2% بينما من يعتقد أهمية الديمقراطية كنظام حكم وصلت إلي 50.5% مع العلم أن هذه الدراسة قامت على عينة من الليبيين وصلت إلي 2000، مما يؤكد استعداد الليبيين لقبول بالعملية الديمقراطية بشرط توفر قيادة تؤمن بذلك. استنادا على تحليل رايت مليز الذي يري أن النخبة هي ثمرة للطابع المؤسسي التنظيمي الهرمي(البيروقراطي) الذي يسيطر بإحكام على المجتمع الحديث، ومن ثم فإن القوة إذا في المجتمع تميل إلى اتخاذ طابع مؤسسي عام، ويؤدي ذلك إلى ظهور منظمات تحتل أهمية أساسية في المجتمع، وهذه المؤسسات تكون سوية الإشكال للقيادة في البناء الاجتماعي. يري رايت مليز أن السلطة تتمركز في الغالب في ثلاثة حلقات لا تخرج عنها هي: القوة العسكرية، الشركات الخاصة وما يمكن أن أطلق علية في الحالة الليبية تمركز القوة المالية، والنخبة السياسية، ويؤكد أن الحلقة الثانية هي الأكثر قوة . وفي غياب دولة المؤسسات، فأن المجتمع الليبي يفتقد إلى العقلية المؤسساتية. ومن منظور مليز لصراع النخبة حول القوة الاقتصادية وسيطرة المال على مقاليد السلطة أعتقد أن ذلك أقرب إلى الواقع الليبي اليوم، نتيجة تأثير السياسات السابقة التي كانت سائدة قبل ثورة 17 فبراير والتي مازلت مستمرة ، نظرا لأن النخب الحاكمة في ليبيا، خاصة بعد عام 1978 إلى قيام الثورة، كانت هي صانع القرار الوحيد فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والتوزيع والاستثمارات والأنشطة الأخرى، ولم تتركها لقوى السوق، فقد أدت السيطرة على الموارد الاقتصادية الريعية عبر السيطرة على مؤسسات الدولة إلى تعزيز قدرة هذه النخب على تكوين ثروات، وعلى استخدام سيطرتها على الدولة وهيمنتها على النشاط الاقتصادي لتوفير منافع لحلفائها وحرمان خصومها من الفوائد الاقتصادية. وقد نتج عن ذلك بروز اقتصاد ريعي مسيس حيث كان الكسب الاقتصادي الفردي نتاجا للوصول والقرب من السلطة والقوة السياسية، وليس نتيجة لزيادة الإنتاجية والكفاءة والإسهام في مراكمة الثروة الاقتصادية للمجتمع. وقد استمرت النخب الحاكمة بعد فبراير 2011 في إتباع نفس السياسات الريعية للنظام السابق، واستخدمت الموارد النفطية في تشكيل التحالفات وتكوين الميلشيات، وأصبحت في واقع الأمر رهينة لهذه الميلشيات المسلحة، ووصل الفساد بكل أشكاله إلى مستويات غير مسبوقة. وقد أدى انخفاض أسعار النفط المتواصل منذ 2014 إلى تدني دخول الدولة الليبية بشكل ضخم وأثر بصورة مباشرة على أدائها ألتوزيعي وخلق أزمة توزيعية حادة أثرت على النشاط الاقتصادي وزادت من معاناة المواطنين، وأسهم عجز مؤسسات الدولة المنقسمة عن وضع السياسات الاقتصادية اللازمة لمواجهة هذه الأزمة وغيرها من الأزمات في تفاقم سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

كيف ترون الوضع القائم وما هي اهم اسبابه و عوائقه السياسيّة؟

وضع مأساوي من قتل وخطف وتهجير وانقسام بين كافة مكونات المجتمع الليبي، من مؤسسات ضعيفة، إلى أحزاب سياسية تتصارع على السلطة، إلى قبائل ومدن تبحث عن مكانه لها في هرم السلطة، إلى مؤسسة عسكرية منقسمة إلى معسكرات واحدة في الشرق والأخرى في الغرب، حيث بدأ النزاع العسكري بين المدن والمكونات القبلية التي انخرطت مبكرا في المواجهة المسلحة ضد النظام من جهة والمدن والقبائل المحسوبة على النظام السابق، والشمال الشرقي في إقليم برقة.

يمكننا أن نتلمس وجود ثلاث شرائح مؤثرة:

التيارات السياسية والفكرية، ومكونات هذه التيارات هي نفسها تلك المكونات الموجودة في أغلب الدول العربية. ومن بين ما هو موجود بليبيا من هذا التيار: الإسلاميون والليبراليون والمستقلون. بالاضافة إلى التيارات المتطرفة من ما يسمى أنصار الشريعة ، وتنظيم الدولة.

المكونات الثقافية والاجتماعية: كان هذا اللاعب غائبًا تمامًا أو مغيبًا قبل الثورة، لكن مع الثورة بدأ الحديث عن الأمازيغ والتبو والطوارق، بل بدأ نوع من النزوع الجهوي والقبلي، بل إن الجهة أو الإقليم أصبحا جزءًا من الانتماء والهوية الليبية؛ فهنالك من صار يتحدث عن هويته “البرقوية” مثلاً، وهو توصيف ليس قدحًا، وإنما هو جزء من طبيعة الخارطة الاجتماعية الليبية الجديدة. الأمازيغ مكون موجود وكثير وهو في الجبل الغربي وفي غدامس. وكذلك الطوارق لهم حضور سياسي قوي في الجنوب. أما قبائل التبو فموجودون بقوة وقد شاركوا في الثورة في الجنوب وأصبحوا جزءًا من المشهد السياسي والاجتماعي بل أصبحوا ينسقون بعض مواقفهم مع الأمازيغ. وقد طرح هذا المكون بشكل خاص قضية الفيدرالية، والملاحظ أنه داخل هذا المكون العام يوجد ليبراليون وأمازيغ وإسلاميون، وهذا ما يؤكد ضرورة خلق ثقافة المواطنة، بين مكونات المجتمع الليبي لتحقيق المساواة، وقيام دولة الديمقراطية والمؤسسات.

القوى العسكرية: يُعتبر هذا المكون أحد أبرز اللاعبين الآن في ليبيا وأكثرهم حضورًا على الأرض، فهنالك كتائب، وميليشيات، وثوار، والجميع يحمل السلاح ويتصرف خارج القانون. ولهذا اللاعب دور حاسم في رسم المشهد السياسي الليبي في الوقت الراهن، ومن نافلة القول: إن قانون “العزل السياسي” مثلاً كان نتيجة ضغط هذا المكون على الحكومة الانتقالية، فبسبب قوتهم وضغطهم لتحقيق هذا المطلب تمت الاستجابة له.

وفي 2014 قبل انتخابات مجلس النواب إعلان الجنرال خليفة حفتر عملية الكرامة بحجة مكافحة الإرهاب، بعد أن استمر مسلسل الاغتيالات إلى الكثير من الكوادر العسكرية والأمنية وبعض الشخصيات الفكرية والحقوقية في مدينة بنغازي، ثم تم انتخاب مجلس النواب ودخلت البلاد في دوامه التسليم والاستلام وما صحبها من جدل قانوني ودستوري، وصل الأمر بالإطراف المتصارعة والخاسرة في الانتخابات إلى احتدام الصراع بشكل كبير بين تلك القوة المسلحة التي تنتمي في الأساس إلى نفس قوة الثورة، غير أن تقاطع المصالح والرؤى أدى إلى الاصطدام المباشر في معركة ما يعرف بمعركة المطار، حتى انقسمت القوة السياسية والمجتمع بين مؤيد ومعارض أرجعنا إلى المربع الأول في 2011 ، بين معارض لما يعرف بعملية فجر ليبيا ومن يعارض عملية الكرامة في الشرق، الأمر الذي هدد بشكل كبير وحدة البلاد، وفتح الباب أمام دعاة الفيدرالية والتقسيم.

بالإضافة إلى هذا التصنيف ظهرت لدينا أنقسامت كبيره بين المؤسسات المنتخبة، والتي عجزت عن الخروج بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار وقيام المجتمع الديمقراطي المؤسس على ثقافة المواطنة، وتحقيق العدالة الانتقالية، حيث انقسمت تلك النخبة المنتخبة بين نفسها أي في داخل الجسم الواحد بداية من المؤتمر الوطني المنتهي الولاية، والعائد بقرار المحكمة والموجود اليوم بناء على اتفاق الصخيرات، ومجلس النواب الذي من البداية وهو يعيش عدم الاستقرار، وما صاحب عملية انعقاده من جدل كبير بين أن يعقد في بنغازي أو في طبرق نتيجة الوضعي الأمني المتوتر جدا في ذلك الوقت، أدى ذلك إلى مقاطعة نواب ذات التوجهات الإسلامية والجهوية، ودخلت البلاد في أزمة حقيقة تهدد كيان هذا الجسم المنتخب من الشعب الليبي، ثم صدر قرار حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا الذي ينص على إلغاء تعديل الفقرة 11 من المادة 30 من الإعلان الدستوري.

وما يمكن أن نخلص إليه في هذا الانقسام الكبير، وخاصة بين النخب السياسية المنتخبة، حتى بعد مخرجات الاتفاق السياسي، هو انقسام أطراف الاتفاق السياسي أنفسهم الموقع في مدينة الصخيرات المغربية، وما يمكن أن يلاحظ في هذا الجانب أن الكثير من أعضاء أطراف الحوار سوى من مجلس النواب أو المؤتمر العائد إلى المشهد لم تكن في نفس اتجاه الدوائر التي انتخبه عليها، حيث لاحظنا وجود انقسام حتى داخل الدوائر التي ينتمي إليها هؤلاء الأعضاء المنتخبون، مما يعكس فشل هذه النخب في تقريب الفجوة بين الناخب والمنتخب وانفراد تلك النخبة المنتخبة بتقديم مصالحها الشخصية، أو الحزبية أو الجهوية أو الأيدلوجية، وخاصة المغلفة بالطابع الديني تحت مظلة دار الإفتاء التي تعتبر لاعب رئيسي ومهم جد في المجتمع الليبي.

وعليه أعتقد أن النخبة السياسية الليبية مازلت في طريق طويل لكي تستوعب متطلبات المرحلة، وتعيش صراع الأجيال، والتي تكونت من رموز فبراير من النظام القديم الذين انضموا للثورة وكانوا داعمين لها بالمال والنفوذ، مع وقود الثورة من الشباب الطامح إلى العيش الكريم وتحقيق دولة الرفاهية والاستقرار. وللأسف لقد استطاعت هذه النخبة توظيف الكثير من وقود الثورة من أجل تحقيق طموحاتهم واستمرار نفوذهم، في السلطة التي كانوا يتمتعون بها حتى في عهد النظام السابق، وهذا يؤكد ما ذهب إليه عالم الاجتماع زاهي المغيربي استمرار النخب الحاكمة بعد فبراير 2011 في إتباع نفس السياسات الريعية للنظام السابق، واستخدمت الموارد النفطية في تشكيل التحالفات وتكوين الميلشيات، وأصبحت في واقع الأمر رهينة لهذه الميلشيات. والتحدي الأخر، بناء الجيش الوطني ، وهي قضية حساسة جدا بين النخب الليبية والفاعلين السياسيين والقبائل، حيث نشاهد مدي دعم قبائل الشرق للمؤسسة العسكرية التابعة للبرلمان، حيث تحضي بدعم قبلي كبير مع دعم بعض الدول الاقليمة.

_______________

مركز الدراسات الاستراتيجية و الديبلوماسية

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *