المحرر: حيث أن الحديث عن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية أصبح حديثا مرسلا، وحيث أن الحالة الليبية وصلت إلى نقطة اللاعودة، وبالتالي لا مفر إلا بخطو كل خطوات الذين سبقونا في هذا الخضم من حروب أهلية لعقود زمنية انتهت إلى طاولة المفاوضات والتنازلات ،

وحتى لا نكرر أخطاء الآخرين علينا الاستماع لما يقولون عن تجاربهم، فرأينا في المنبر أن ننشر بعض الوثائق التي اختزلت تجارب دموية عديدة في عدة دول سبقتنا فيما نحن فيه بسنوات.

واخترنا أن نبدأ ببعض الخلاصات التي نشرها المركز الدولي للعدالة الانتقالية، بدء بالحديث عن معرفة الحقيقة ومرورا بمسألة التذكر والذاكرة الجمعية، والنسيان أو التناسي، وانتهاء بالمصالحة والعدالة الانتقالية.

***

نشر المركز الدولى للعدالة الانتقالية ورقة مفيدة عن الحقيقة والذاكرةجاء فيها:

يمكن لمبادرات البحث عن الحقيقة أن تلعب دوراً بارزًا في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والإقرار بها. كما تسهم مبادرات إحياء الذكرى في فهم المجتمع للإنتهاكات الماضية. ويسعى برنامج الحقيقة والذاكرة الذي يعتمده المركز الدولي للعدالة الانتقالية إلى دعم الحقّ في معرفة الحقيقة، ويقدّم الدعم والنصح لمبادرات الحقيقة والذاكرة عبر العالم.

***

لن يكون له دفن ولا تعازٍ بل سيُترَك غير مدفون أو غير محزونأنتيجون سوفوكليس

***

معرفة الحقيقة حقّ من الحقوق

يحقّ للمجتمعات والأفراد معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجماعية لحقوق الإنسان عقب نزاع مسلّح أو ممارسات القمع. وتقرّ الثقافات جميعها بأهمية الحِداد المناسب من أجل تحقيق الشفاء على الصعيد الشخصي والاجتماعي.

ويقرّ القانون الدولي بوضوح بحقّ الضحايا والناجين في معرفة ظروف الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان بحقّهم، وهويّة المسؤول عنها.

ولا يزال القانون الدولي في تطوّرٍ، في هذا المجال ومن حيث مفهوم حقّ المجتمع في معرفة الحقيقة.

البحث عن الحقيقة، بما في ذلك لجان الحقيقة

تقوم الأنظمة القمعية عن عمد، ولتشريع وجودها، بإعادة كتابة التاريخ وتُنكر ارتكاب الإنتهاكات. فيسهم البحث عن الحقيقة في وضع سجلّ تاريخي لتلافي هذا النوع من التلاعب. ويمكن لذلك مساعدة الضحايا على طوي الصفحة عبر الإطّلاع أكثر على الأحداث التي عانوا منها، من مثل مصير الأفراد المفقودين، أو سبب تعرّض بعض الأشخاص للإنتهاكات.

وتتّخذ مبادرات البحث عن الحقيقة أشكالاً عديدة – بما في ذلك حرية تشريع المعلومات، ورفع السريّة عن المحفوظات، والتحقيقات في مصير المفقودين – وتأسيس لجان تحقيق غير قضائية، بما في ذلك لجان الحقيقة.

أصبحت لجان الحقيقة المستقلّة والفاعلة، بفضل ارتكازها على الأصول من أميركا اللاتينية، جزءاً أساسياً من جهود العدالة الإنتقالية عبر العالم. ومنذ بداية 2011، تمّ إنشاء حوالى 40 لجنة حقيقة رسميّة للنظر في الإنتهاكات السابقة والتبليغ عنها.

وتعتمد لجان الحقيقة عدداً من خطوات التحقيق – حماية الأدلّة، وجمع المحفوظات، ومقابلة الضحايا والشخصيات الفاعلة السياسية الرئيسية، والوصول إلى معلومات الدولة ونشرها، وإصدار التقارير والتوصيات.

وفي بعض الحالات التي لم تنشئ فيها الحكومات لجان الحقيقة، أطلقت مؤسّسات رسمية أخرى – أمثال البلديات أو الأمبودسمان (المدعي العام الشعبي) – عمليات تحقيق رسمية محدودة النطاق. وتتعدّد أيضًا الأمثلة على مبادرات مهمّة للبحث عن الحقيقة أطلقها المجتمع المدني والمجموعات الدينية ومنظّمات الضحايا.

وفي بعض الأحيان، تنجح المبادرات غير الرسمية، أو المحلية أو الخاصّة بحالات معيّنة، في تحفيز جهود محلية أكثر شمولًا، كما ويمهّد البحث عن الحقيقة الطريق لنهج عدالة إنتقالية أخرى، مثل فحص الأهلية والملاحقة القضائية والتعويضات.

الذاكرة والنصب التذكارية

يعجز ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان عن النسيان ومن واجب الدول الحفاظ على ذكرى جرائم مماثلة.

إن النصب التذكارية الهندسية والمتاحف ونشاطات تخليد الذكرى هي مبادرات تربوية ضرورية لوضع السجلات التي لا تترك مجالاً للنكران، ولتفادي التكرار.

وفي حالات عديدة، لعب المجتمع المدني دور المحفّز الذي يدفع الدول إلى تولّي واجباتها، وذلك بإطلاق نشاطات تخليد الذكرى.

أمثلة لتخليد الذكرى:

  • المتاحف والنصب التي تثقّف الرأي العام بشأن الإنتهاكات الماضية، مثل متحف الذاكرة في تشيلي والمخصّص لعرض تاريخ الدكتاتورية العسكرية وتوثيق انتهاكاتها. .

  • الأماكن التي تمّ تحويلها للدلالة على موقع حصلت فيه انتهاكات – مثل تلّة الدستور في جوهانسبورغ، سجن سابق أصبح اليوم المحكمة الدستورية لجنوب أفريقيا.

  • أنشطة إحياء الذكرى، مثل التظاهرات السنوية في 24 آذار/مارس في الأرجنتين، التي تشكّل ذكرى بداية الدكتاتورية العسكرية في سبعينيات القرن الماضي.

  • أما في البيرو، فقد قام أقارب المفقودين بتوفيق جهودهم بغية حياكة منديل أملهائل إحياءً لذكرى الضحايا.

دور المركز الدولي للعدالة الانتقالية

يدعم المركز عمل لجان الحقيقة في 12 دولة، إذ يعمل مع الحكومات والمجتمع المدني والأسرة الدولية. كما نيسّر ونساعد العديد من مشاريع الحقيقة غير الرسمية.

ونعمل بمعية جهود تخليد الذكرى لتحقيق أقصى طاقاتها في التعليم والتحويل. ونقدّم النصح بشأن تصميم النصب التذكارية والتكليف ومشاورات الضحايا.

وتعمد أبحاثنا وأنشطة التدريب الخاصة بحالات معيّنة والمواد التي نعدّها إلى نشر الممارسات الفضلى كي تستفيد مبادرات الحقيقة والذكرى المستقبلية من تجارب الماضي.

وتتضمّن الأمثلة ما يلي:

  • قدّمنا النصح إلى لجنة الحقيقة في المغرب والتي تأسّست للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكَبة من 1956 إلى 1990. وبالإرتكاز على الممارسات الفضلى من لجان أخرى من حول العالم، قد أوصينا باللجوء إلى جلسات الإستماع العلنية بغية نشر الحقيقة.

  • قدّمنا النصح لمبادرات بحث عن الحقيقة غير رسمية مثل لجنة الحقيقة والمصالحة غرينزبورو التي حقّقت في مقتل الناشطين النقابيين على يد الكوكلوكس كلان والنازيين في كارولاينا الشمالية.

  • لقد قدّمنا المساعدة في مبادرات البحث عن الحقيقة الخاصة بحالات معيّنة في كولومبيا، وقمنا بدعم لجنة حقيقة أسّستها المحكمة العليا لمعالجة الأحداث العنيفة المحيطة بوضع اليد على قصر العدل في العام 1985. وظهرت هذه الأحداث في الفيلم الوثائقي بعنوان La Toma “لا توماالذي عُرِض في مهرجان كارتاخينا السينمائي الدولي في آذار/مارس 2011.

________________

موقع المركز الدولي للعدالة الانتقالية

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *