A fighter from Misrata sits on top of a vehicle near Sirte March 16, 2015. REUTERS/Goran Tomasevic (LIBYA - Tags: CIVIL UNREST TPX IMAGES OF THE DAY) - RTR4TJRG

بقلم جيسون باك

الأسبوع الماضي، طُرِد تنظيم الدولة الإسلاميةوأخيراً من معقله الأهم خارج المشرق: مدينة سرت الليبية. فبعد أشهر من التقدّم البطيء، اجتاز مقاتلو مصراتة المنضوون إلى جانب حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، بضع مئات الأميال الإضافية ودخلوا حي الجيزة البحرية في مدينة سرت، ونظّفوا ما تبقّى من المباني من الكمائن والعبوات الناسفة والانتحاريين.

بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلاميةعلى الأرض، السؤال الأهم المطروح في ما يتعلق بالمسار الذي ستسلكه ليبيا ليس ذاك الذي تركّز عليه أجهزة الاستخبارات وهو: ما الذي ستقدم عليه فلول الدولة الإسلاميةالآن؟ بل إنه السؤال الذي يتوقف عنده الديبلوماسيون والمحللون منذ وقت طويل: ما الذي سيقدم عليه الآن مقاتلو مصراتة المنتصرون؟

الهجمات الإرهابية التي يمكن أن يشنّها تنظيم الدولة الإسلاميةقد تتسبّب بالهلع، غير أن ممارسات المقاتلين من مدينة مصراتة في الشمال الغربي كفيلة بتوحيد البلاد أو على العكس زعزعة استقرارها. لم يحارب المصراتيون الدولة الإسلاميةبدافع من كرههم للجهاديين، إنما انطلاقاً من رغبتهم في الحصول على مزيد من الدعم الغربي والتحوّل إلى القوة السياسية المسيطِرة في ليبيا.

ربما ارتدّت هذه المغامرة بنتائج عكسية. فهل نشهد الآن على حرب أهلية ضارية بين مصراتة واللواء خليفة حفتر الذي يحكم سيطرته في شرق البلاد؟ أم أنه بعد التخلص من عدو مشترك، هل ستتداعى المكوّنات التي تتألف منها قوات البنيان المرصوص، فتتيح بذلك لأعداء مصراتة بأن يتحولوا القوة العسكرية المسيطرة في ليبيا؟

خلال عملية القتال في سرت، تكوّنت قناعة لدى بعض القوى المنضوية في البنيان المرصوص، لا سيما تلك التي تجمعها روابط قوية بحكومة الوفاق الوطني، بأن تنظيم الدولة الإسلاميةعلى ارتباط وثيق بجهاديين ليبيين آخرين، مثل مجلس شورى ثوار بنغازي وسرايا الدفاع عن بنغازي.

وهذا الموقف يتبنّاه في شكل أساسي السلفيون المدخليون المناهضون للجهاد الذين يبدو أنهم ينقلبون الآن على حلفائهم السابقين المرتبطين بالإسلاميين في مصراتة.

اقتحمت قوات البنيان المرصوص، في التاسع من كانون الأول/ديسمبر الجاري، معسكراً في منطقة طمينة في مصراتة بعدما لجأت إليه وحدات من سرايا الدفاع عن بنغازي أثناء انسحابها غداة مهاجمتها الهلال النفطي في السابع من ديسمبر/كانون الأول.

وكذلك أصدر مجلس بلدية مصراتة أمراً بمنع السفن بالانطلاق من مصراتة لنقل الإمدادات والمعونات إلى بنغازي، في ما يؤشر إلى أن الهيئات الرسمية في مصراتة بدأت تقمع المواطنين وعناصر الميليشيات الذي يدعمون الجهاديين غير المنتمين إلى الدولة الإسلامية، الأمر الذي من شأنه أن يضع تلك السلطات في صراع مباشر مع المتشدّدينالذين يدعمون منذ العام 2014 مختلف أطياف الإسلاميين في شرق ليبيا ضد حفتر والجيش الوطني الليبي الذي يتولّى قيادته.

دخل عدد من هذه القوات المصراتية المتشدّدة والمناهضة لحكومة الوفاق الوطني، إلى طرابلس خلال الأسبوع المنصرم لتقديم الدعم إلى حلفاء خليفة الغويل، الرئيس السابق للحكومة المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام الذي قاد محاولة انقلابية ضد حكومة الوفاق الوطني في العاصمة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

يجب ألا يكون ذلك مفاجئاً، ففي العام 2015، ساعد بعض المتشددين المصراتيين مجلس شورى ثوار بنغازي على القتال ضد حفتر، في حين أن عدداً كبيراً من أعضاء سرايا الدفاع عن بنغازي يتألف من منشقّين عن قوات مصراتة رفضوا الخضوع لقيادة البنيان المرصوص“.

على الرغم من أن الجيش الوطني الليبي لم يشارك في المعركة ضد سرت، إلا أنه حصد قدراً كبيراً من المكاسب. ففي أيلول/سبتمبر الماضي، سيطر حفتر على موانئ الهلال النفطي.

ومنذ ذلك الوقت، ازدادت الصادرات النفطية، كما عزّز الجيش الوطني الليبي مواقعه داخل الهلال النفطي – على الرغم من تداول شائعات خلال الأسابيع القليلة الماضية عن قيام مجموعة متنافرة من الفيدراليين والإسلاميين وبعض القوى المناهضة لحفتر في حكومة الوفاق الوطني بالتخطيط لهجوم مضاد انطلاقاً من محافظة الجفرة جنوب غرب الهلال النفطي. قلّة توقّعت أن يتكلل هذا الهجوم بالنجاح بسبب افتقار هؤلاء المقاتلين إلى الدعم المحلي ومحدودية إمكاناتهم العسكرية.

لذلك عندما تقدّمت مجموعة من هذه القوات المتنافرة باتجاه مدينة بن جواد إبان هزيمة تنظيم الدولة الإسلاميةفي سرت، سارع الجيش الوطني الليبي، بصورة غير مفاجئة، إلى صد الهجوم، ما أسفر عن مصرع أكثر من مئة مقاتل أو أسرهم. نتيجة هذا الهجوم الفاشل، رسّخ حفتر أكثر فأكثر سيطرته على الأراضي وصولاً إلى براك الشاطئ جنوب غرب البلاد، حيث استعادت كتيبة تابعة للجيش الوطني الليبي السيطرة على قاعدة براك الجوية في العاشر من كانون الأول/ديسمبر، بعد انسحاب القوة الثالثة المصراتية.

تؤشّر هذه التطورات مجتمعةً إلى أن إعادة تفاوض جديدة على السلطة والنفوذ تجري حالياً على الأرض بين حفتر ومصراتة، ما يعني أن وحدهم المصراتيين الأكثر تشدّداً قد يتصرّفون بحماقة ويحاولون وقف تقدّم حفتر العسكري.

ليس المقصود من هذا الكلام أن التعاون السلمي على قاب قوسين أو أدنى. فقد أوردت تقارير أن قيادة البنيان المرصوصاختارت تعيين حاكم عسكري على سرت احتجاجاً على انتخاب شخص موالٍ لحفتر عمدةً للمدينة في 12 كانون الأول/ديسمبر الجاري.

يشي الوضع الميداني الآن بأن انتصار المصراتيين على تنظيم الدولة الإسلاميةيترتّب عنه ثمن باهظ. فقد تكبّدوا أعداداً كبيرة من الضحايا، وتصدّعت وحدتهم الداخلية، في حين ازدادت شعبية حفتر على خلفية تقدّمه في بنغازي وفي الهلال النفطي.

وهذه النزعة مرشّحة للاستمرار مع قيام عناصر موالين للجيش الوطني الليبي في غرب البلاد برفع الإغلاق المفروض منذ وقت طويل على صمام الرياينة، ما قد يتيح تدفق 350 ألف برميل إضافي في اليوم إلى ميناء الزاوية النفطي.

على امتداد الجزء الأكبر من التاريخ الليبي في مطلع القرن العشرين، كان الشطر الغربي من البلاد مقسَّماً إلى مدن هي بمثابة دويلات، في حين أن الشرق كان موحّداً إلى حد ما. هكذا، تمكّن السنوسيون من قيادة مقاومة موحّدة ضد الاحتلال الإيطالي في شرق البلاد، في حين كان زعماء القبائل المختلفة في غرب ليبيا يتناحرون في ما بينهم – ما قلّص من قدرتهم على مواجهة المستعمِر.

يبدو أن النموذج نفسه يتكرر اليوم. فالقسم الشرقي من البلاد لا يزال يمتلك هيكلية قبلية عربية قوية استطاع حفتر أن يستغلّها لمصلحته. في المقابل، يعاني القسم الغربي من التصدّعات بين الأمازيغ والعرب، كما أن سكّان المدينة الكبرى في غرب البلاد – طرابلس – منقسمون استناداً إلى مسقط رأسهم والأحياء التي يعيشون فيها. في الواقع، لقد استعادت مصراتة، منذ العام 2011، الموقع السياسي الذي كانت تشغله في مرحلة الاستعمار الإيطالي، والذي يجعل منها القوة السياسية المتماسكة الوحيدة في غرب ليبيا. إذا تعذّر رأب التصدعات الداخلية في المدينة، فقد يؤدّي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في الشطر الغربي بكامله من البلاد.

لقد أظهرت تطورات الأسبوع الماضي استعداد الأفرقاء المختلفين إلى رص الصفوف في مواجهة الأعداء المشتركين في ليبيا، لكن والأهم من ذلك، كشفت أن هذه التحالفات المناوئةيمكن أن تتبدّل سريعاً ما إن يزول العدو المشترك. فقد التقت فصائل كانت حتى فترة غير بعيدة تتقاتل في ما بينها، حول مشاعر الكراهية المشتركة تجاه حفتر، وبعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلاميةعلى الأرض، يبدو أن قوات البنيان المرصوصالمصراتية تنقسم إلى فصائل مناوئةأصغر حجماً.

فبعضها ينضم إلى القوات الإسلامية المناوئة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، في حين أن البعض الآخر يركّز على العمليات المناوئة للجهاد على مقربة من مصراتة. ومما لا شك فيه أن بعضها سيظهر حماسة شديدة للانضمام إلى تحالف مناوئ لحفتر إذا بدا له أن إلحاق مزيد من الهزائم به ليس أمراً مضموناً.

أما البعض الآخر فمناوئ للنزاعات، ويختار دعم التوصل إلى حل سياسي بعد المعاناة من القتال وسقوط جرحى وقتلى على امتداد أشهر.

تتأجج الانقسامات الداخلية في صفوف قوات مصراتة منذ بعض الوقت، وعلى الرغم من ظهورها إلى العلن نتيجة بعض الأحداث التي وقعت مؤخراً، إلا أن ذلك لا يعني أن مصراتة تقف على حافة الحرب الأهلية.

فقد نجحت هذه المدينة، ربما أكثر من أي مركز نفوذ آخر في حقبة ما بعد القذافي، في تخطي الفتنة الداخلية ووضع مصالحها فوق كل اعتبار. لكن مع تغيّر التحالفات الفضفاضة في ليبيا بسرعة أكبر من أي وقت مضى، ومع دخول حكومة الوفاق الوطني على الأرجح مرحلة الاحتضار، غالب الظن أن الخطوة المقبلة .التي ستقدم عليها مصراتة سوف تطبع المسار الليبي خلال الأسابيع القادمة

لا يستطيع العالم أن يسمح بانهيار السلطة والاستقرار في مصراتة. لذلك، لا يجدر بصنّاع القرارات الغربيين التخلي عن المدينة.

وينبغي على الأميركيين على وجه الخصوص عدم السماح بأن يبقى المصراتيون من دون مكافأة بعدما قاتلوا وضحّوا بحياتهم في مواجهة الدولة الإسلامية“.

وهذا ما يجب أن يفهمه جيداً الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب دونالد ترامب. فضلاً عن ذلك، وكي يتمكّن الليبيون من إيجاد حلول لخلافاتهم وبلوغ تسوية سياسية دائمة، يجب أولاً إرساء توازن حقيقي في القوى وفرض واقع معيّن مقبول من الجميع. عندئذٍ فقط يمكن إطلاق عملية سياسية جديدة على أن تشمل، مثالياً، حفتر والمصراتيين على السواء.

_________________

المونيتور

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *