علي عبداللطيف اللافي

انطلقت أمس الخميس (17 يونيو) أشغال المؤتمر الثالث لحزب العدالة والبناء الليبي والذي يعتبره البعض قريبا من تيار الاخوان المسلمين الليبي بل ويسميه البعض بانه ذراعهم السياسي رغم أنه كحزب يضم أيضا قيادات وشخصيات مستقلة فكريا وايديولوجيا.

والمؤتمر الثالث والحالي هو أقرب للانتخابي منه للمضموني باعتبار انتهاء حق الرئيس الحالي “محمد صوان” في رئاسة الحزب وخاصة بعد تأجيل المؤتمر في أكثر من محطة بناء على طبيعة الظروف والصراعات التي عرفتها ليبيا منذ منتصف 2014.

ويتابع أنصار الحزب والمراقبون والسياسيين الليبيين النقاشات الجارية داخل أسواره بين تيارات أربع لكل منها مرشّحها لرئاسة الحزب وخاصة وأن الخيار سينحصر عمليا بين مرشحين رئيسيين وهما “سليمان عبدالقادر” و”عماد البناني”، فأي منهما سيكون رجل المرحلة لقيادة أكبر الأحزاب الليبية حاليا وأكثرها تماسكا وتنظما وانتشارا في المناطق الثلاث، واي مستقبل لأكبر الأحزاب الليبية في أفق انتخابات 24 ديسمبر 2021؟

حزب العدالة والبناء: الواقع والبنية والفكرة

1- يعرّف حزب العدالة والبناء اليوم بانه حزب سياسي واقعي ومنتصر لثورة فبراير ومؤمن بالمصالحة الليبية التي وفقا لرؤيته يجب ان تدفن آلام الماضي ليتطلع كل الليبيين و دون استثناء لبناء المستقبل بناء على أن ليبيا سيكون لها حضور إقليمي قوي باعتبار موقعها الجغرافي والسياسي المهم متوسطيا وافريقيا وباعتبار امتلاكها لثورات هائلة ونادرة وباعتبارها بوابة مهمة ورئيسية للعمق الافريقي.

2- فكرة حزب العدالة والبناء وُلدت في مؤتمر تنظيمي للتيار الإسلامي والاخواني تحديدا المنعقد أيام 19 -21 نوفمبر 2011 في مدينة بنغازي حيث اختار الإسلاميون منهم الذهاب في تأسيس حزب سياسي مع ليبيين آخرين من خارج الجماعة بناء على تقييم منهم للفعل السياسي لبقية أحزاب وتنظيمات إسلامية أخرى من خلال دراسة تجاربها وخاصة في تونس والمغرب ومصر والسودان.

وفعلا فقد تم تأسيس الحزب أثر انتصار ثورة فبراير وخاض تجربة الحكم بين سنتي 2012 و2014 في إطار مراوحة بين الصراع والتوافق مع تحالف القوى الوطنية (الحزب الليبرالي الذي قاده الدكتور محمود جبريل) وهو ما عبّرت عنه حكومة علي زيدان بغض النظر عن تقييم تجربتها.

ورغم براغماتية الحزب وضمّه لقيادات رئيسية فيه من المسقلين فكريا عن جماعة الاخوان المسلمين الا أنه اعتبر ذراعا سياسية لهم وعرف الحزب بانه اكثر واقعية في أكثر من مناسبة على غرار مراهنته على شخصيات ذات توجه ليبرالي وبحثه عن التوافق والحلول الوسطى.

بل انه اتُّهم أكثر من مرة من طرف تيارات الثورة الليبية بانه يقدم التنازلات، ومما لا شك انه بقي الحزب الأكثر انتشارا وتنظيما وبراغماتية وواقعية من بين 76 حزبا ليبيا مقننا، تلاشى اغلبها وبقيت أخرى اقرب للفئوية وفي جهة ومدينة ومنطقة دون أخرى.

3- واقعيا الحزب متنوع التركيبة (إسلاميين ومستقلين وليبراليين)، وله انتشار في كل المناطق والمدن الليبية وهو متماسك تنظيميا رغم وجود تيارين رئيسيين داخله. وهو حزب يؤمن بالحوار وبالتداول على السلطة وله رؤية سياسية تتسم بالواقعية تجاه أوضاع الإقليم، وقدم تنازلات في أكثر من محطة خلال مراحل الصراعات وخاصة بين 2014 و2020 وكان طرفا رئيسيا في الحوار وراهن على الحوار والتوافق والوسطية ورفض منطق الوصاية والمغالبة وآمن بالشراكة وبالاحتكام لصناديق الاقتراع.

تيارات أربع داخل الحزب لكل مرشحها لرئاسته خلال المرحلة القادمة

عمليا ستعرف انتخابات مؤتمر حزب العدالة والبناء لانتخاب رئاسة الحزب صراعا وتنافسا بين أربعة تيارات داخل المؤتمر العام بين يومي 17 و19 يونيو الحالي

1- تيار قيادة الحزب الحالية: وهو يتمثل أساسا في رئيسه الحالي “محمد صوان”المتخلي عن رئاسة الحزب، وهو تيار ليس له حظ في الوصول للرئاسة الا بتعديل اللائحة وهذا يحتاج الثلثين من المؤتمرين وهذا صعب مع اعلان صوان عدم نيته الترشح او تقديم اي مرشّح يمثله ولم يوجه تياره لأي مرشح بإعطائه اصواتهم ولكن الواضح أن كل المؤشرات تؤكد أنه لن يقوم بدعم المهندس “عماد البناني” لأسباب عدة.

كما من الواضح أنه لن يدعم أي من المرشحين “شكري الخوجه” و”عبدالرزاق سرقن” لأسباب أقرب للفنية، وكل ذلك يعني أنه من المتوقع والمفترض أن تذهب تلك الاصوات للمرشح “سليمان عبدالقادر” بناء على رؤية انصار القيادة الحالية أنه يستطيع ان يستمر بالحزب ويحافظ على كوادره وان يكون مظلة سياسية لكل التيارات داخل الحزب.

2- التيار الكلاسيكي والمنفتح: وهو تيار غير قوي في الحزب وعمليا له مرشحَيْن ليس لديهما حظوظ الا في فروعهم المشاركة والتي قد تكسبهما شرف المشاركة والتحصل على أماكن قيادية في المكتب التنفيذي القادم وذلك بالتحالف مع أحد المرشحَيْن المنافسين في الجولة الثانية وهما “شكري الخوجة” والاستاذ “عبدالرزاق سرقن”، وبهذا يحققان استمرار تواجدهما في قيادة الحزب القادمة لان أحدهما كان رئيس دائرة الفروع والاخر رئيس فرع الحزب في الزاوية.

3- تيار المحافظين أو تيار “الصقور”: وممثله الرئيسي هو السياسي والمناضل البراغماتي المهندس “عماد البناني” و هو مرشح لرئاسة الحزب، وقد ترشح سابقا لرئاسة الحزب في دورته الماضية ولكن المؤتمرين يومها اختاروا الاستمرارية ولا يختلف اثنان في أن “البناني” شخصية سياسية ذات حضور فكري وثقافي وله قدرة على فهم التطورات في ليبيا وطبيعة ارتباط وضعها بالإقليم وبالصراع الدولي الدائر حول القارة السمراء.

كما أنه ملم بطبيعة المرحلة ومعلوم أنه قيادي بارز في الحزب بل هو من بين المنحازين لاجتهادات تعارضت مع القيادة الحالية على غرار معارضته لاتفاق الصخيرات في بعض تفاصيلها، ولكنه التزم أيضا بالخط العام للحزب وناصره في أكثر من محفل دولي وفي أكثر من لقاء اعلامي رغم قلة تصريحاته.

وللبناني أيضا ميزات عدة من بينها حيازته ثقة الكثير من قواعد الحزب وقياداته وخاصة ثقة الكثير من اعضاء “جمعية الاحياء والإصلاح(الإخوان سابقا)، ومما لاشك أن حظوظه تبقى قوية رغم التشويه الذي تعرض خلال الفترة الماضية من الاعلام المصري والاماراتي – مثله مثل الكثير من زعماء التيار الإسلامي في ليبياوتؤكد المصادر أنه ورغم خلافه مع القيادة السابقة للحزب فانه ينوي الاستفادة من تجربتها وقدرتها على المناورة والبراغماتية والمرور بالحزب لبر الآمان في أحلك الفترات التي عرفتها ليبيا خلال السنوات الماضية.

ولكن الثابت أن “عماد البناني” سيخلق لو تم انتخابه مسارا جديدا وذلك أمر طبيعي وهو ما سيطالب به الكثيرين في المؤتمر وهو ما أثبتته نقاشات اليوم الأول من المؤتمر وعلى عكس ما يعتقد البعض وخاصة من خصوم البناني فهو سيحاول تنمية حضور الحزب في قطاعات واسعة وعريضة وخاصة لدى الإداريين وكوادر الدولة وخاصة أولئك المستقلين فكريا.

وللبناني كاريزما تميزه عن الكثير من السياسيين الليبيين وله قدرة كبيرة على فهم التطورات في المنطقة وفي العالم وخاصة وانه من أهم المستوعبين لمخاطر العولمة، كما أنه يمتلك علاقات دولية كبيرة يمكن للحزب أن يستفيد منها.

4- التيار التوافقي: وهو تيار ورغم أنه الاقلية عدديا في الظاهر الا أنه توافقي الابعاد سياسيا وتنظيميا وفي قراءاته للتطورات المحلية والإقليمية وله مرشح وُصف من طرف البعض بالتوافقي وهي رؤية تقوم على أنه اذا تم انتخاب مرشح التيار فانه من الوارد أن يلتف حوله الجميع ويحقق الحفاظ على الحزب من التشظي.

ويمكن ان يتحصل على الدعم من الجميع دون تحفظ مما يحقق استمرار المظلة السياسية لأعضاء الحزب، ومرشح هذا التيار هو المهندس “سليمان عبدالقادر” خاصة وانه قاد تيار الاخوان الليبيين في المهجر الأوروبي واحسن قيادتها حتى مؤتمر نوفمبر 2011 .

وهو شخصية اعتبارية نتاج ما قدمه خلال فترة طويلة في المهجر الأوروبي أو واقعية خطابه السياسي خلال السنوات الماضية خاصة وانه ابتعد عن كواليس وصخب الساسة وقيّم مسيرته ورأى تطورات السنوات الماضية من موقع التقييم والدراسة وبواقعية.

الخلاصة:

1- يُمثّل المؤتمر الحالي منعطفا هاما ومصيريا للحزب، ورغم أن التباينات والخلافات داخله كبيرة، فانه كمؤتمر يُعتبر امتحانا حقيقيا لوحدة الحزب ومختبرا للديمقراطية الداخلية (وهي واقعيا خطوة نحو عقلية القبول بالآخر السياسي والمختلف)، كما ستبين مخرجات المؤتمر ومضامين لوائحه مدى قبول الحزب بالتعايش بين تياراته المختلفة وخاصة بين المستقلين والإسلاميين، ومن ثم مدى القدرة على توظيفها في تقديم حلول وبرامج تكون في خدمة ليبيا والليبيين.

2- مهما كان اسم رئيس الحزب الجديد سواء كان “عماد البناني” أو “سليمان عبدالقادر” أو أي اسم آخر، فانه ليس أمام المؤتمرين سوى المصادقة على لوائح تدعو وتدفع نحو خلق تيار جامع لتيارات الحزب وأذرعه، وأن يستطيع من خلالها احتواء كل توجهات اعضاء الحزب والحفاظ عليه كبُنية ومن ثم خلق فرص حصول الرئيس الجديد للحزب على الدعم من القيادة السابقة ومن كل التيارات (الصقور والحمائم).

وبالتالي خلق توازن ومعادلة ترضي الجميع وتحقق أهدافه وخدمة الليبيين خلال قادم السنوات وقبل ذلك الاحتكام لصناديق الاقتراع في 24 ديسمبر 2021 حتى يمكن بناء ليبيا قوية وليبيا جديدة من أجل خدمة كل الليبيين وخدمة كل العرب والمسلمين، وعلى الحزب ان يكون مثالا لبقية الأحزاب والمنظمات باعتباره أكبر الاحزاب الليبية اولا وثانيا لأنه اكثرها انتشارا وتنظما.

***

علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

__________

المغاربي للدراسات والتحاليل

مواد ذات علاقة