حوار علي القطعاني

حوار مراسلون مع الصحفية الإيطالية نانسي بورسيا التي عملت في ليبيا لفترة طويلة وأنتجت الكثير من القصص عن مافيا الهجرة.

***

“أنجح مهربي البشر الليبيينهذا العنوان ليس لفيلم سينمائي تعرضه دور السينما العالمية بل لقصة صحفية نشرتها وسائل الإعلام العالمية ضمن قصص أخرى للصحفية الإيطالية نانسي بورسيا التي قضت سنوات عديدة تبحث في العالم الخفي للهجرة غير الشرعية في ليبيا، تجالس المهربين في منازلهم وتلاعب أطفالاً يتجهز أهلهم لركوب قوارب تقودهم نحو المجهول.

مراسلون تحدث مع بورسيا حول العلاقة بين داعش صبراتةومهربي البشر وعلى الفرق بين تهريب البشر والمتاجرة بهم ضمن الحوار التالي:

سهل توافقين على أن ملف الهجرة غير الشرعية هو إرث تركه القذافي لدول المتوسط؟

جأعتقد أننا يجب أن نسميها الهجرة غير المنظمة لأنها شرعية، فهؤلاء لا يملكون وثائق نظامية لكنهم يملكون حق التنقل من مكان إلى أخر.

الهجرة غير المنظمة في ليبيا ليست إرث القذافي لأن الموقع الجغرافي لليبيا يجعلها البوابة الرئيسية لأفريقيا نحو أوروبا لذلك فهي مجرد بلد عبور، خلال حكم القذافي جاء مهاجرون كُثر لليبيا وبقوا فيها طويلاً من أجل العمل وقليلون غادروا صوب أوروبا بواسطة مهربين.

اليوم ليبيا غير أمنة .. الاقتصاد ليس بحال جيد والقادمون إليها يأتون بداية للعمل ثم يقررون المغادرة في غياب وجود الدولة وسيطرة المليشيات. لديكم في ليبيا شبكة مافيا كبيرة وبما أن ما يحصل تجارة كبيرة فإن المافيا تتولى إدارتها، فبحسب البيانات زاد التهريب خمس مرات عما كان عليه فترة القذافي وأضحت صناعة مزدهرة ومربحة.

وكما يقول الليبيون في الماضي كان قذافي واحد والآن هناك كُثر“.

سعلى ماذا تقوم هذه الصناعة؟

جهناك نوعان من النشاط هما التهريب والاتجار، للأسف في ليبيا يمتزج النوعان معاً وهذه مشكلة كبيرة، فغالباً لايكون المهاجرون أحراراً في اختيار المكان الذي يغادرون إليه بل يتم نقلهم بالقوة من مجموعة إلى أخرى، وهذه أسوأ إشارة تحذيرية بأن ما يحدث لم يعد تهريباً بل اتجاراً بالبشر.

سأي النوعين موجود أكثر في ليبيا؟ مهربو البشر أم المتاجرون بهم؟

جحالياً النسبة هي 50% لكل منهما. بداية عام 2015 كانت نقطة التحول فقبلها كان السائد هو تهريب البشر برغم الظروف السيئة التي قاساها المهاجرون.

ستعاملتِ بشكل شخصي مع مهربي البشر أخبرينا ما عرفتيه عن مهرب البشر؟ ما هي أفكاره، عاداته، مستواه التعليمي، معتقداته الدينية؟

جفي أي مجال عمل هناك أنواع عديدة من الشخصيات وليس هناك شخصية واحدة. دعنا نقول إن المهربين الذين سمحوا لي بالاقتراب منهم هم أناس عاديون حتى أنهم وبطريقة ما يهتمون بالمهاجرين. أقصد أنهم يعتبرون أنفسهم مزودي خدمة ولا يستعملون القوة لإجبار المهاجرين على السفر معهم. إنهم فقط يعرضون خدماتهم بشكل مقبول.

 من عملت معهم اعتادوا على تحقيق توازن في أعداد المهاجرين والمعدات التي يستعملونها. بالنسبة للمجرمين الحقيقين فلا أعتقد أنهم يسمحون لصحفي بالاقتراب منهم.

سكيف تحول هؤلاء الأشخاص العاديون إلى مهربي بشر؟

جلو كنت خبيراً في البحر أو الصحراء أو الشاحنات أو السيارات فإنك تستطيع بسهولة الحصول على دور في السلسلة أو اللعبة. لكن مجدداً ليس هناك طريقة واحدة لتصبح مهرباً فهناك طرق عديدة لذلك وأنا هناك أتحدث عن التهريب وليس الاتجار.

إجمالاً إذا كان لديك سيارة أو قارب أو خبرة في الصحراء أو البحر يمكنك دخول هذا العمل مثل أي عمل عادي حتى لو كنت شخصاً عادياً مثل كثير من المهربين الذين هم بشر عاديون يملكون أخلاقاً ولا يستعملون العنف ضد المهاجرين ويقومون بعملهم رغم خرقهم للقانون.

ستحدثت في إحدى قصصك الصحفية عن المهرب الثلاثيني المرفه الذي يدخن الحشيش ويحتسي منشط الريد بول، كيف يسيطر أمثال هؤلاء على هكذا صناعة في بلد تتنازعه المليشيات والجماعات الارهابية؟

جذلك يعتمد على ما لديك من روابط في المنطقة التي تقيم فيها. أعني أنت تعمل في منطقتك وليس في أي مكان آخر لذلك أنت آمن ولا أحد سيتعرض لك.

سما هو المسار الحالي لقوارب الهجرة في ليبيا من أين تنطلق وإلى أين تذهب؟

جمدينة صبراتة هي المركز الرئيسي حالياً بينما أكبر الشبكات المتواجدة على الشاطئ هي لأشخاص من صبراتة والزاوية، والوجهة هي إيطاليا كمنطقة عبور يرغب بعدها المهاجرون في المغادرة نحو شمال أوروبا.

سلماذا لم تعد مدينة زوارة هي نقطة الانطلاق نحو أوروبا؟

جلم تعد كذلك منذ حوالي سنة ونصف وتحديداً منذ أغسطس 2015 فقد قامت المجموعة المعروفة بالمقنعين بعمل رائع جداً، وتمكنت من إيقاف الهجرة غير المنظمة انطلاقاً من مدينتهم زوارة (فرقة المقنعين هي مجموعة من الشبان المدنيين تقوم بمهام جهاز الشرطة في المدينة).

سكيف تصفين العلاقة بين الجماعات الإسلامية المتشددة في  مدينة صبراتة ومهربي البشر؟ هل هم أعداء أم هناك نوع من التناغم بينهم؟

جالعمل يجري كما هو الحال مع أي شبكة مافيا ولا علاقة له بالدين بل الأمر مرتبط بالمال. إنهم يريدون الحصول على المال لشراء الأسلحة ولا فرق في ذلك بين تنظيم الدولة الإسلامية وبقية المليشيات الأخرى في صبراتة.

سأتقصدين أن كل المليشيات المتواجدة في صبراتة تشتغل بتهريب البشر بما فيهم تنظيم الدولة الإسلامية؟

جكلهم يملكون نفس التقنيات ونفس الهدف وهو جمع المال. يمكن القول إن بعض المجموعات التابعة لداعش تعمل في مجال تهريب البشر مثل بقية مليشيات صبراتة.

سهناك روايات عن أن بعض المهربين لم يعودوا يذهبون لإيطاليا بل يقصدون منصة البوري البحرية التي تحميها البحرية الإيطالية ويفرغون الركاب في قارب مطاطي ويتصلون بالبحرية الإيطالية لتأخذهم. ما صحة هذه الروايات؟

جذلك صحيح فالمهربون يملكون تجهيزات رخيصة لذلك لا يرغبون في الإبحار بعيداً ويفضلون القيام بذلك توفيراً للمسافة.

سهل لنقص التعاون بين إيطاليا ومالطا دور في تأخر إنقاذ ركاب القوارب التي تتعرض للغرق؟

جفي الماضي كان الأمر كذلك حتى توقيع اتفاقية بين البلدين و الآن يمكن للقوات المالطية إنقاذ الغارقين ثم إرسالهم لإيطاليا وبالتالي لم يعد هناك مشاكل. الأمور اليوم تجري بين حرس الشواطئ الإيطالي والقوات الأوربية فمنذ ثلاث سنوات هناك أطراف عديدة من ضمنها القوات الأوربية وهي في أغلبها قوات عسكرية وحرس الشواطئ الإيطالي المتعاون جداً، وأيضاً لدينا المراكب الإنسانية التي تقوم بعمل رائع مثل أسترال من إسبانيا ومراكب أخرى من ألمانيا وهولندا ودول أخرى.

سألا تعتقدين أن دول شمال المتوسط بإمكانها مكافحة الهجرة انطلاقاً من الصحراء قبل دخول المتسللين إلى المتوسط؟

جأولاً بالسنبة لدول الصحراء فهي لا تهتم بهذا الشآن ولديها شؤونها الخاصة وهناك مافيا تدير هذا العمل في الصحراء وسط حكومات غير مبالية. ثانياً أوروبا وبحسب وجهة نظري ليس من اهتمامها ما يجري قبل مياه المتوسط وكأنها لا ترى هؤلاء المهاجرين حتى لو تعرضوا للموت.

ما يشغل بال أوروبا هو إيقاف المهاجرين في البحر ودفعهم للخلف نحو أفريقيا، لذلك فمشكلتها تبدأ في المتوسط وليس في الصحراء.

أنا لا أوافق على ذلك فهذه ليست مسألة ردود فعل عسكرية بل مسألة طويلة الأمد تحتاج تعاوناً على الأقل في زيادة عدد التأشيرات الممنوحة، لأن غلق كل الحدود يدفع الناس لاستخدام القوة لعبورها بينما  فتحها سيدفع كثيرين لعبورها ثم العودة لأوطانهم لأنهم سيكتشفون أن أوروبا ليست كما يعتقدونها.

***

صحفي ليبي من مواليد البيضاء 1978. مارس الصحافة مع انطلاق الثورة الليبية وانضم إلى قسم التحقيقات في صحيفة „العين“ الأسبوعية، ومن ثم إلى فريق تحرير „مراسلون“. ويعمل اليوم مراسلاً لموقع „المغاربية“ الإلكتروني.

________

مراسلون

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *