بقلم ليزا واتانابي

لأسباب ليست بغريبة، تركز الاهتمام على الجماعات الجهادية في ليبيا . ومع ذلك، تدعي ليزا واتانابي أن اللاعبين الإسلاميين الآخرين يستحقون مزيدًا من المراقبة نظرًا للدور الذي يمكنهم أن يضطلعوا به في تشكيل مستقبل هذه الدول.

وللمساعدة في معالجة هذه الفجوة، تطرقت واتانابي في عملها إلى:

1) جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، التي قطعت شوطا كبيرا في قبول القواعد والمبادئ الديمقراطية.

 2) المزيد من الجهات الفاعلة السلفية المحافظة، مثل الجهاديين السابقين.

 3) السلفيون في حالة الركود، الذين يتجنبون عادة المشاركة في الساحة السياسية ويرفضون المقاومة المسلحة ضد الأنظمة الإسلامية السنية، وأكثر من ذلك.

الجزء الأول

ملخص تنفيذي

في حين أن الكثير من الاهتمام قد تركز، حتى اللحظة الراهنة، بشكل مفهوم، على الجهات الفاعلة الجهادية في ليبيا ، تستدعي عناصر إسلامية أخرى، لا تتبنى مفهوم الجهاد المسلح، المزيد من المراقبة. وقد ظهرت هذه الجهات كأطراف فاعلة رئيسية في خضم أوساط ما بعد الانتفاضة في2011.

ومباشرة بعد الفترة الانتقالية، تمكنت العديد من الجهات الإسلامية الفاعلة الرئيسية، على غرار حزب العدالة والبناء، الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، إلى جانب حلفائهم، من التمتع بنفوذ كبير، الذي جعلهم يقعون في صراع مع جهات غير إسلامية.

تمثل كيفية تكيفهم والمكانة التي حظيوا بها في إطار السياق الوطني عاملين مهمين لتحقيق الاستقرار في ليبيا في مرحلة ما بعد الصراع . ويعد هذين العاملين ضروريين لتحقيق الاستقرار الإقليمي، ولكن أيضاً للأمن الأوروبي، نظرا إلى التحديات الأمنية المتعددة التي يمكن أن تولدها البلدان الهشة، التي تعاني من الصراعات.

على الرغم من أن البيئة التي يعمل في إطارها الإسلاميون في ليبيا مختلفة تمامًا عن جاراتها تونس، إلا أنه يمكن ملاحظة بعض أوجه التشابه. لقد خسر التيار الرئيسي للإسلاميين في كلا البلدين نفوذه منذ سنة 2012، علما وأن الإسلاميين ما زالوا موجودين على الساحة السياسية. ففي حين تراجع نفوذ الإخوان المسلمونفي ليبيا بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الأهلية في منتصف سنة 2014، أمنت العملية السياسية للأمم المتحدة قنوات للتأثير السياسي المستمر، حتى وإن كان بصورة منخفضة.

تُوفر علاقات الجماعة وجداول الأعمال التي تتشاركها على الأغلب مع الكتائب القوية، التي تدعم حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من قبل الأمم المتحدة، لها ولأحزابها والمتعاطفين معهم الهياكل الأمنية المستقبلية في ليبيا.

في حال كانت التيارات الإسلامية لا تزال تعتبر بمثابة لاعب سياسي مهم، فلا يمكن قول الشيء نفسه عن الفاعلين السياسيين السلفيين المحافظين. فقد أخفق هؤلاء في التمتع بأي أهمية سياسية حقيقية.

في ليبيا، قامت الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا/ الحركة الإسلامية الليبية للتغيير بتأسيس أحزاب سياسية سلفية. على الرغم من أن غيابهم الكامل تقريباً في تشكيلة أول برلمان منتخب في ليبيا، وهو المؤتمر الوطني العام، قد حدّ بشكل جذري من أي طموحات سياسية قد تكون لديهم، إلا أن صلاتهم بالكتائب ذات النفوذ على الأرض في أجزاء متعددة من البلاد تمنحهم بعضا من القوة.

في المقابل، يمكن للجهات الفاعلة السلفية في حالة ركود، التي عادة ما تتجنب المشاركة السياسية، تحقيق مكاسب على حساب الأحزاب السياسية السلفية، وخاصة في ليبيا.

ففي ليبيا، أخذت السلفية التي تعيش حالة من الركود، ولا سيما التيار المدخلي، تكتسب موطئ قدم أكبر، حيث تعتمد كل من حكومة الوفاق الوطني في الغرب والجيش الذي يقوده الجنرال حفتر في الشرق على كتائب المداخلة. وفي نهاية المطاف، قد يؤدي هذا إلى اندماجهم في هياكل الشرطة والأمن في المستقبل، ما سيترتب عنه بدوره تعزيز نفوذ التيار المدخلي في هياكل الدولة. كما عزز المداخلة نفوذهم داخل المجال الديني في شرق ليبيا، حيث قاموا بتوفير قنوات لصالح رجال الدين المنتمين للتيار المدخلي لتوسيع قاعدة دعمهم في هذا الجزء المحافظ من البلاد.

المقدمة

برز الإسلاميون كجهات فاعلة رئيسية في أوساط ما بعد الانتفاضة في ليبيا ومن المرجح أن يكون لأجندتهم وأهميتهم النسبية آثار على تطور المشهد السياسي في ليبيا واستقرارها.

في ليبيا، وفي عهد ما بعد القذافي، لم تخرج البلاد من الحرب الأهلية التي اندلعت في منتصف سنة 2014، والتي نجمت جزئياً عن الاستقطاب بين العناصر الإسلامية وغير الإسلامية.

وستكون كيفية تكيف وتموضع الجهات الفاعلة الإسلامية في بيئاتهم الجديدة والمتطورة مفصلية لنجاح التحول الديمقراطي وتحقيق الاستقرار في ليبيا في مرحلة ما بعد الحرب، وكلاهما ضروريان للاستقرار الإقليمي، وكذلك الأمن في أوروبا.

والجدير بالذكر أن الأوضاع الهشة التي تشوبها النزاعات توفر فرصا لتنامي التطرف ويمكن أن تسهم في تزايد موجة الهجرة غير النظامية بصفة حادة.

في الحقيقة، لعبت الجهات الفاعلة الإسلامية الليبية، ولا سيما جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الليبية للتغيير، التي كانت تعرف في السابق بالجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا دوراً هاماً في الانتفاضة ضد نظام القذافي.

بعد سقوط نظام القذافي، انخرطت هذه الحركات في مسار الانتقال السياسي، إما من خلال إنشاء الأحزاب السياسية، حيث أسس الإخوان المسلمون حزب العدالة والبناء، في حين أنشأ زعماء سابقين في الجماعة الإسلامية المقاتلة في ليبيا أحزاب سلفية  على غرار حزب “الوطن” و “الأمة الوسط” أو من خلال مشاركة أعضائها في هياكل الحكومات الانتقالية.

عندما اندلعت الحرب الأهلية الثانية، تحالف الإخوان المسلمون، وحزب العدالة والبناء والأحزاب السلفية، والسلفيون المستقلون، الذين انضموا إلى المؤتمر الوطني العام وحكومته في طرابلس لتشكيل تحالف فجر ليبيا.

وجد التيار المدخلي السلفي، الذي يفتقر للتنظيم نفسه على جانبي النزاع ، فقد انضم بعضهم إلى المؤتمر الوطني العام وحكومته وآخرين وقفوا إلى جانب مجلس النواب وحكومته في طبرق. وبينما لا يزال بعض المداخلة منحازين للجيش الذي يقوده الجنرال حفتر، الذي يملك علاقات وثيقة مع العديد من السياسيين في مجلس النواب، يتعاون آخرون مع حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة وبرئاسة فايز السراج.

في الواقع، يكافح الإسلاميون في ليبيا من أجل ضمان مكان لهم في مستقبل البلاد، على الرغم من عدم وجود معالم تسوية سياسية مستدامة، ولا تزال العديد من الجماعات المسلحة تحظى بنفوذ كبير في ظل غياب هياكل حكم قوية. ومن المؤكد أن المكانة التي سيفتكها الإسلاميون مع الكتائب الموالية لهم ستؤثر على طبيعة نفوذهم المستقبلي في البلاد.

حتى اللحظة الراهنة، كان هناك اهتمام كبير بالجهاديين الإسلاميين في ليبيا، الذين يسعون إلى فرض وجهات نظرهم المتعلقة بمركزية فرض الممارسات الإسلامية داخل الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال وسائل عنيفة. في الأثناء، ينبغي أن يتلقى الإسلاميون، الذين لا يؤمنون بالجهاد المسلح، المزيد من الانتباه، نظرا لأنهم من المرجح أن يساهموا في تشكيل مستقبل ليبيا.

يتبع في الجزء الثاني

***

ليزا واتانابي ـ كبير البحاث بقسم الدراسات الإنسانية، والاجتماعية والسياسية، معهد الدراسات الأمنية بزيورخ. تختص بقضايا شمال أفريقيا والمتوسط الأوروبي

***

ترجمت هذه الدراسة بعنوان الجهات الاسلامية: ليبيا وتونسمن قبل مركز الدراسات الأمنية، خلال شهر حزيران/ يونيو 2018. ونعيد هنا نشر الجزء المتعلق بليبيا فقط

_________________

موقع الدراسات الأمنية

مواد ذات علاقة