بقلم أومبيرتو دي دجوفاننجلي

يبدو أن نجاح مؤتمر ليبيا، الذي يكتسي أهمية استراتيجية متزايدة بالنسبة إلى إيطاليا والقارة الأوروبية، سيمر نجاحه عبر موسكو، ولهذا سيتحول وزير الخارجية إنزو موافيرو ميلانيزي إلى روسيا، يوم الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول، في مهمة سيلتقي خلالها نظيره الروسي سيرجي لافروف.

ويأتي الإعلان عن هذه الزيارة بعد يوم واحد من الكشف عن توقيع اتفاق بين روسيا وليبيا، حول القيام باستثمارات هامة على الأراضي الليبية.

وسيحاول وزير الخارجية الإيطالي خلال هذه الزيارة تمهيد الطريق لرئيس الحكومة جوزيبي كونتي، الذي كان قد قال من خلال صفحته على فيسبوك: “في أكتوبر/ تشرين الأول سوف أتحول إلى موسكو لألتقي بوتين، وفي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني سوف نعقد مؤتمرا هاما جدا في جزيرة صقلية“.

ويمكن أن تساعد موسكو روما على إحضار طرف مهم جدا إلى طاولة الحوار، وهو الجنرال خليفة حفتر، الذي يسيطر على منطقة الشرق الليبي.

وهذه النقطة هي التي تسعى ورائها إيطاليا أكثر من أي شيء آخر، إذ أنه بعد الحصول على دعم واشنطن لقيادة الحكومة الانتقالية الليبية، فإن روما الآن تحتاج لموافقة موسكو حتى تقدم نفسها في المؤتمر الدولي، في مدينة باليرمو عاصمة صقلية، على أنها طرف قوي يمكنه تحديد مصير الأزمة الليبية.

وبالنسبة لروما، فهي لن تكتفي بغرفة العمليات المشتركة لإدارة شؤون البحر الأبيض المتوسط، التي تعهدت بتشكيلها معها الولايات المتحدة، حيث أن ليبيا تمثل نقطة تقاطع للعديد من المصالح الدولية، ولذلك فإن من المهم بالنسبة إلى إيطاليا، الحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي.

ويتوقع أن يكون دعم بوتين مهما وحاسما في الصراع الليبي، الذي تخوضه إيطاليا في مواجهة منافسة قوية من جارتها فرنسا.

وفي هذا السياق، يبدو أن باريس قامت بخطوة هامة، من خلال إعلانها عن تعيين سفيرة جديدة، وهي بياتريس دوهيلين، كممثلة جديدة لقصر الإليزيه في طرابلس، وقد قامت فعليا بتقديم أوراق اعتمادها لدى رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج.

ويبدو المغزى السياسي لهذه الخطوة واضحا، حيث أن فرنسا لا تريد ترك المجال لإيطاليا للانفراد بفائز السراج، خاصة وأن الأخيرة كانت منذ فترة، وبالخطوات العملية، تدعم حكومة الوفاق الوطني الذي يقودها هذا المهندس.

وفي روما تحرص وزارات الخارجية والدفاع والداخلية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة في قمة نوفمبر تشرين الثاني، سواء من الفرقاء الليبيين (ليس فقط حفتر بل كل الأطراف الأخرى المؤثرة في هذه اللعبة الجغراسياسية)، ومشاركة اللاعبين الدوليين أيضا، من ذوي الوزن الثقيل، الذين يمتلكون تأثيرا مباشرا أو غير مباشر على الاستقرار في ليبيا.

كما أن من الأهداف المعلنة قبل هذه القمة، هنالك إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمشاركة فيها، وفي حال تعذر عنه ذلك بما أنها ستتزامن مع الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، سيشارك بدلا عنه وزير الخارجية مايك بومبيو.

وكان وزير الخارجية موافيرو قد صرح بأن إيطاليا لم تستسلم للأمر الواقع في ليبيا، ولذلك ستعقد مؤتمرا في صقلية يومي 12 و13 نوفمبر/ تشرين الثاني.

كما أكد موافيرو خلال جلسة استماع أمام لجنة من مجلس الشيوخ، أن هذا المؤتمر سوف يعقد في مدينة باليرمو عاصمة صقلية نظرا لأهميتها وقربها من ليبيا. كما أشار موافيرو إلى أن السفارة الإيطالية في طرابلس مفتوحة، رغم أن السفير لا يزال في روما لأسباب أمنية.

وأكد الوزير أن الجنرال خليفة حفتر عبر عن اهتمامه بمؤتمر ليبيا، ومن المأمول أن يكون حاضرا، إلى جانب مشاركين آخرين ممثلين عن المملكة العربية السعودية، ومصر، وتركيا، والامارات العربية المتحدة، وقطر، وفرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، والمغرب، وتونس، وبريطانيا، وكندا، والتشاد، والجزائر، والصين، والأردن، ومالطا، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي.

كما أوضح وزير الخارجية أن اليوم الأول للمؤتمر سوف يركز على الحوار بين الفرقاء الليبيين، واليوم الثاني سيكون بحضور ممثلي المجتمع الدولي.

وأشار موافيرو أيضا إلى أن الأوضاع على الأرض في ليبيا لا تزال تعاني من الهشاشة الأمنية، خاصة في بعض النقاط الحساسة في مدينة طرابلس.

وأكد موافيرو أن إيطاليا تدعم بشكل كامل دور الأمم المتحدة في تعزيز الهدنة، وتأمل في أن يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير لوقت طويل، مع التشديد على أهمية استمرار خروج الميليشيات من طرابلس.

وشدد موافيرو أيضا على أهمية اعتماد سياسة تشاركية بعيدا عن الإقصاء، مع مناقشة سبل تثبيت الاستقرار في ليبيا.

وأكد أيضا أن إيطاليا لن تحاول فرض تواريخ محددة، وتفضل أيضا تجنب تحديد تاريخ للانتخابات، كما أنها متحمسة لتعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة، خاصة بعد الحديث الذي دار بين الرئيس ترامب ونظيره الإيطالي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي عبرت فيه واشنطن عن دعمها للدور الإيطالي في الصراع الليبي وفي منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وقد حرص موافيرو في تصريحاته الأخيرة على التأكيد على حرصه على التواصل بشكل دائم مع ليبيا، ومنحها كل الدعم اللازم لتحقيق الاستقرار، إلى جانب فتح السفارة الإيطالية، وتواصل نشاط شركة إينيالنفطية، ومن المهم جدا أن تواصل إيطاليا حضورها على الأرض ودعمها لمصالح الشعب الليبي، من أجل تحسين أوضاعه.

وفي المقابل، كانت فرنسا قد أصدرت بيانا، على إثر المكالمة الهاتفية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية فائز السراج، جاء فيه إن باريس في إطار مساعيها لاستعادة الاستقرار في ليبيا، ترغب في أن يتجه الشعب الليبي نحو التصويت، وتقترح موعد 10 ديسمبر/ كانون الأول كتاريخ للانتخابات. ويجب على المجتمع الدولي أن يتصدى لكل من يسعون لتعطيل أو تقويض العملية السياسية، وعرقلة تنظيم الانتخابات التي ينتظرها الشعب الليبي“.

في المقابل، يرفض الطرف الإيطالي هذا المقترح، حيث عبر وزير الخارجية موافيرو عن معارضته لمقترح باريس، مؤكدا أن الشعب الليبي وحده هو من يقرر الموعد المناسب للانتخابات، وليس من المعقول أن تحددها الإملاءات الخارجية، بل يجب احترام إرادة ووعي الشعب الليبي ومؤسساته“.

يشار إلى أن وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيتا ترينتا، كانت قد عبرت هي أيضا عن رفضها للحل المقترح من فرنسا، وقالت: “إن مفهوم الاستقرار في ليبيا يجب أن يبنى على ثلاث ركائز: وهي المصالحة، والاستقرار، واحتكار مؤسسات الدولة للقوة العسكرية والعملية السياسية. وإجراء الانتخابات دون توفير الظروف اللازمة ودون توفر كل هذه الركائز لن يؤدي إلى أي استقرار بل سيعمق الانقسامات القائمة.”

وكان مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، قد عبر عن موقف متناغم مع الخطاب الإيطالي، حيث أكد على أن الانتخابات هي خطوة مصيرية لاستقرار ليبيا، والبلاد الآن بحاجة ماسة للقيادة السياسية، ولكن الأمم المتحدة ليس دورها تعويض الحكومة الليبية، بل دعم مؤسسات الدولة عندما بهدف إرساء دولة ديمقراطية ومزدهرة.

إلا أن غسان سلامة، في تصريحه في 26 سبتمبر/ أيلول، قال إنه لا يجد أطراف كثيرة في ليبيا مستعدة لدعم هذا المسار السياسي، حيث أن النواب المنتخبين في سنتي 2012 و2014، والذين يشكلون المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، يبحثون فقط عن البقاء في مناصبهم لأطول فترة ممكنة.

أما حكومة الوفاق الوطني فهي تعاني من الضعف، وتكافح لإثبات وجودها، بينما تسعى أطراف أخرى لإفشالها دون تقديم بدائل عنها.

كما قال غسان سلامة: “إن الشعب الليبي نادى في عدة مناسبات بإجراء انتخابات جديدة، من أجل إنهاء مهام المؤسسات المنتهية ولايتها، ولكن هذه النداءات لم تجد آذانا صاغية، وجوبهت بالأعذار الواهية“.

وصرح مبعوث الأمم المتحدة أيضا بأنه أعلم مجلس الأمن بأنه من أجل إجراء الانتخابات الوطنية في ليبيا، يجب توفير ظروف محددة، وسيتطلب الأمر جهدا كبيرا لتوفيرها، ولكن هذا الأمر يبقى ممكنا.

كما وجه سلامة رسائل انفتاح إلى حفتر وداعميه في الداخل والخارج. ويشار إلى أن حفتر التقى بوزير الخارجية الإيطالي في بنغازي، وأبدى تمسكه بتاريخ عقد الانتخابات، وقال أنه يتمتع بدعم 85 بالمائة من الليبيين، ولكنه رغم ذلك منفتح على إمكانية تغيير التاريخ، بشرط تعيين موعد آخر نهائي وملزم، وربما يتم ذلك خلال المؤتمر الذي سيعقد في الشهر المقبل.

لكن في حال تأخير الانتخابات إلى موعد آخر، قد يكون ربيع 2019 على سبيل المثال، فإن رجال خليفة حفتر الذين يسيطرون على برلمان طبرق حددوا مجموعة من الشروط، أولها أن تكليف لجنة وطنية بإدارة المرحلة الانتقالية عوضا عن حكومة فائز السراج، وأن تكون الموافقة على الدستور بعد الانتخابات.

ويعتبر بعض الملاحظين أن سعي روما للنجاح في جلب الجنرال حفتر إلى مؤتمر صقلية، هو بمثابة بالونة اختبار لقدرات الدبلوماسية الإيطالية. وكان حفتر وموافيرو خلال لقائهما في بنغازي، قد ناقشا مصير مؤسسة النفط الوطنية، وهي المؤسسة الحكومية العملاقة التي تسيطر على إنتاج وتوزيع المحروقات في الأراضي الليبية في الشرق والغرب، إلى جانب الصندوق السيادي، المؤسسة الليبية للاستثمار، الذي يعد واحدا من المؤسسات الخاضعة للعقوبات الأممية، وتقدر قيمته بحوالي 32 مليار دولار، ويدور الآن صراع حاد بين بنغازي وطرابلس حول إدارته، وفي الأثناء لا يزال الخلاف حول هذه النقاط عالقا، ولكن حلها بطريقة تشاركية قد يكون حاسما لإقناع حفتر بالذهاب إلى صقلية، بدعم من بوتين.

***

أومبيرتو دي دجوفاننجلي ـ صحفي مختص في الشرق الأوسط والإسلام

__________

المصدر:هافينغتون بوست الإيطالية (ترجمة وتحرير: نون بوست)

مواد ذات علاقة