بقلم عماد البناني

كل المؤشرات تنبئ بأن مؤتمر صقلية في منتصف نوفمبر القادم سيمثل صفارة انطلاق المشروع السياسي الدولي القادم في ليبيا، فكل ما قبله يظهر كأنه تمهيد له.

هذا الانطلاق يحتاج – بحسب نظرة صناعة – إلى تفاعل كبير من كل المكونات الليبية وخاصة من قبل مؤسسات الدولة لكي تتماهى مع خطواته وتدعم تحقيق أهدافه.

ولكن الواضح أن لا مجلس النواب ولا مجلس الدولة الحاليين قادران – في نظر المجتمع الدولي – على مواكبة هذا التحول سريع الرتم كثير النقلات.

والكلام المتكرر للممثل الخاص بالخصوص واضح في إثبات عدم استطاعتهما المواكبة.

هذه الرسالة وصلت بعد جهد جهيد للمجلسين فأخذ كل منهما الآن يعمل بكل قوة – في الوقت الضائع ربما – لإثبات الذات من أجل البقاء.

أما البرلمان فقد أخذ يسعى للتفاهم مع المجلس الأعلى للدولة (العدو الشريك) لإصدار قرارات سريعة لتغيير شكل ومضمون المجلس الرئاسي، بتقليص حجمه وتغيير أعضائه بما فيهم الرئيس نفسه، أما المجلس الرئاسي في المقابل فقد انطلق نحو إجراء تعديلات في حكومته التنفيذية وذلك بإحلال شخصيات قوية عساها تمنحه القوة ليرتكز عليها في ترنحه.

فتحول بذلك المشهد المحلي للمجلسين إلى أشبه بأن يكون تسابقا من أجل البقاء.

البرلمان يتكون في داخله من شركاء متشاكسين تمتد خيوط أكثرهم في خارجه إلى شركاء كانوا متحالفين أيام الحرب وبدأوا يتشاكسون اليوم مع تحول المشهد الليبي من العسكري إلى السياسي، وهذا التشاكس في داخل وخارج البرلمان ربما لا يبشر بتماسك طويل.

أما خطوة الرئاسي الداعمه لحكومته بشخصيات قادرة على الفعل والمواكبة ربما أعطاه نفسا لتجاوز المختنق الحالي، غير أن حكومته هذه مهما كانت قوية ستحتاج حتما في خطوات قريبة بعد ذلك إلى مجلس رئاسي قوي ومتماسك يدعمها ويستوعب حراكها، وعدم توفر ذلك ربما سيرجع بالرئاسي الى المربع الأول من جديد.

التحولات الدولية الضاغطة اليوم على جميع المكونات الوطنية والتي بدأت تهز الموجود كله – العسكري والاجتماعي والسياسي – تتسم بسرعة كبيرة متزايدة.

هذه السرعة ربما تشكل خطرا على الجميع بسبب عدم قدرة شخصياتنا الوطنية من كل الاتجاهات على مواكبتها مهما حاول المجتمع الدولي أن يساعد في ذلك باستحداث آليات وتشكيل مؤسسات ودعم شخصيات لمواكبته.

وأخوف ما أخاف أن يسبب التحول بالغ السرعة في انهيارات وطنية غير محسوبة في نتائجها – لا دوليا من قبل صناع المشروع، ولا محليا من قبل المواكبين له – فتنشأ بذلك حالة واسعة من التشتت والفراغات الهادمة بدل أن يتكون المشروع السياسي الذي بدأ الليبيون يتطلعون إليه بوعود دولية كأنه الفردوس المنشود.

إنني أدعو بقوة إلى التماسك الوطني لاستيعاب هذا المشروع الدولي الضاغط الذي أخذ يفرض نفسه بقوة، وتوجيهه بما يحقق الصالح لنا من أهدافه وبما يتناسب مع واقعنا وظروفنا بأقل الخسائر الممكنة.

إنني أرجو من كل قلبي أن نسعى بأسرع ما يمكن إلى إحداث توافق وطني كاف ننطلق منه لإحداث هذا التماسك المطلوب، على أن يكون هدفه الأهم هو الاستيعاب الجماعي لحالة التحول الوطني لا أن يكون الحفاظ الفردي على الذات.

***

عماد البناني ـ محلل سياسي ليبي

 ________________

مواد ذات علاقة