تحت عنوان النيجر بوابة واشنطن لاقتحام مراكز نفوذ فرنسا في أفريقيا ” . نشر تقرير في صحيفة العرب اللندنية جاء فيه : “تشهد منطقة الساحل الأفريقي صراع نفوذ محموم بين الولايات المتحدة كقوة عالمية وفرنسا كقوة استعمارية سابقةفي المنطقة، إذ تتسابق القوتان إلى توسيع تواجدهما في المنطقة الاستراتيجية الغنية بالثروات الطبيعية.

الجزء الخامس

تتمة … الصراع الدولي ومصالح الدول الكبرى

إذن في عالم القرن الواحد والعشرين يتجدد الصراع التاريخي كما أسلفنا القول.

اليوم الصراع ليس بين الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا ، بل هو صراع بين فرنسا وايطاليا ، مع وجود لاعب قوي هو الولايات المتحدة الأمريكية التي أنشات قوة افريكوم في عام 2008م الخاصة بالعمليات العسكرية والقتالية في إفريقيا ، وفي عام 2018م بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في بناء قاعدة ضخمة في أغاديس شمال النيجر وعلى مقربة من الحدود الليبية الجنوبية.

ما أن الصين بدأت تمد نفوذها الى المنطقة ، مرسخة أقدامها في شرق إفريقيا جيبوتي وأثيوبيا والسودان بوابة منطقة الساحل الإفريقي الشرقية.

ما يهمنا أكثر هو الصراع والتنافس الفرنسي الايطالي باعتبار ان كلا الدولتين هما من أهم اللاعبين في حلبة الصراع الدولي على النفوذ في ليبيا .

صراع قوي اليوم نشهد وقائعه بين فرنسا وايطاليا، صراع على النفوذ والمصالح في ليبيا المضطربة التي انهارت فيها الدولة ، ومن الطبيعي ان يمتد الصراع إلى تشاد والنيجر حيث المجال الحيوي للدولة الليبية، وحيث طرق الهجرة غير الشرعية ، والجريمة المنظمة العابرة للحدود ، وتجارة السلاح ، وتجارة المخدرات .

في يوم الاثنين  28  أغسطس  2017م   عقد    قادة سبع دول افريقية وأوروبية   في باريس قمة مصغرة لبحث أزمة الهجرة غير الشرعية وبدعوة من الرئيس الفرنسي ماكرون ،   بهدف تنسيق المواقف حيال هذه الظاهرة التي تنهك اقتصاد القارة العجوز  ، ودعا الرئيس الفرنسي رؤساء كل من تشاد ، والنيجر وحكومة الوفاق الليبية ، والمستشارة الألمانية ميركل ، ورئيس الحكومة الايطالية باولو جينتلوني، ورئيس الحكومة الاسبانية ماراينو راخوي، وفدريكا موغريني منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي.

  في المقابل نجد  اجتماع أخر مهم  يوم الاثنين 28 أغسطس 2017م ايضا،  عقد  اجتماع خماسي في روما ضم وزراء داخلية كل من ايطاليا وليبيا وتشاد والنيجر ومالي ، وتم الاتفاق على تشكيل غرفة أمنية مشتركة للتنسيق والتعاون من اجل التصدي  لأفواج المهاجرين غير الشرعيين عبر حدود ليبيا الجنوبية وإقامة مراكز لإيوائهم في تشاد والنيجر.

لا يمكن أن نجد تفسيرا لما يجري من حراك واجتماعات وغرف أمنية تشكل من باب التعاون فقط ، ورغبة الدول الأوروبية في تنسيق مواقفها تجاه القضايا الملحة والتحديات الأمنية التي مصدرها  منطقتنا وما تحمله من تهديدات لأمن أوروبا.

إنها بلا شك إرهاصات صراع وتنافس على النفوذ بين الدول الاستعمارية، ومما يؤكد أيضا التنافس  الشديد بين ايطاليا وفرنسا على النفوذ في ليبيا نجد أن  الايطاليين يلحون باستمرار خاصة في الآونة الأخيرة على حصر المبادرات الرامية لحل الأزمة الليبية في يد البعثة الأممية دون غيرها.

روما تشهد   مؤتمرا للمصالحة  بين قبيلتي  التبو وأولاد سليمان   في مارس عام 2017م ، لقد تجاهل الايطاليون  أهمية فزان بالنسبة لفرنسا ،  بل إن الايطاليون قد ذهبوا لأبعد من ذلك حين وقعوا اتفاقية  مع النيجر في ابريل عام 2017م  للحد من ظاهرة  الهجرة غير الشرعية ، وقد رصدوا لها حوالي 50 مليون يورو.

، إنهم يتحركون في منطقة لا تريد فرنسا بان ينافسها فيها احد .

وبعيدا عن الصراع الفرنسي الايطالي على النفوذ في ليبيا والذي يتخذ من دول جوار ليبيا ايضا مسرحا للتنافس ، فانه هناك لاعب مهم وقوي هو الولايات المتحدة الامريكية .

على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في منافسة النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي كما هو واضح من تنامي وجودها العسكري في المنطقة وإقامتها لقواعد عسكرية جديدة مثل قاعدتها في اغاديس شمال النيجر  ، إلا أن لفرنسا كثيرا من أوراق القوة التي تجعلها قادرة على الحفاظ على نفوذها لفترة طويلة في المنطقة،   منذ تدخلها في شمال مالي في يناير  عام2013م ، وفي أفريقيا الوسطى في ديسمبر عام 2013م.

يمكن القول بان فرنسا عززت تواجدها العسكري وضمنت لنفسها موطئ قدم، لتكون حظوظها أكثر من منافسيها في حلبة الصراع في منطقة  هي بلا شك منطقة نفوذ فرنسي بامتياز

ويدعو الأدميرال الفرنسي  جون دوفرسك  من باماكو  عاصمة مالي  يوم 16 فبراير عام  2013م  الأمم المتحدة إلى ضرورة التفكير في الاستلهام من قانون البحار لتطبيقه على الصحراء، وهذا ما يعني رغبة الدول العظمى في التحجج بمحاربة الإرهاب من أجل تطبيق سياستها وهيمنتها الاقتصادية.

وهذه دعوات تؤكد رغبة فرنسا في إحياء عصر الاستعمار في إفريقيا خاصة في منطقة الساحل الإفريقي القريبة منا جغرافيا وهذا تهديد لأمننا القومي في ليبيا وكل دول شمال إفريقيا .

وفي تقرير حول الموازنة المالية لوزارة الدفاع الفرنسية ، أنفقت فرنسا أكثر من 870 مليون يورو في عام 2012م  في عملياتها العسكرية، مقابل 2.1 مليار دولار في عام 2011م ،  وقدرت موازنة عام 2013م  إنفاق حوالي 630 مليون يورو قبل الإعلان عن التدخل شمال مالي في يناير من نفس العام. وتبدو مؤشرات لتحجيم الإنفاق العسكري على العمليات خارج فرنسا بعد انسحاب القوات الفرنسية من العراق في ديسمبر عام  2012م .

 ورغم هذه المؤشرات المتدنية التي تبين خفض الإنفاق  العسكري فان لفرنسا حضور قوي ، وارث تاريخي وثقافي يجعلها قادرة على التحرك وتنفيذ سياساتها الاستعمارية اذا ظلت دول شمال افريقيا العربية عاجزة عن اتباع استراتيجية امن قومي فاعلة للدفاع عن وجودها.

وتنفق فرنسا أكثر من ألمانيا وبريطانيا مجتمعة حول ما يتعلق بالمناطق التي لها عمليات عسكرية مباشرة هناك، ولهذا يفسر بعض المحللين السياسيين، أن دولة مثل فرنسا لها نزعة استعمارية ورغبة في البقاء للسيطرة على مستعمراتها القديمة.

وإضافة إلى الصراع الأميركي الفرنسي في أفريقيا، تواصل الصين توسيع دائرة نفوذها، وتعزيز وجودها في جميع أنحاء أفريقيا، على أمل التفوُّق على الولايات المتحدة، وهو تحرُّك يخشاه المسؤولون الأميركيون، ويصفونه بأنه جزءٌ من جهد كبير من بكين لإعادة تشكيل النظام العالمي.

لقد تزايد الدور الذي تلعبه الصين في مختلف المجالات في القارة الأفريقية؛ حيث أعطت بكين الأهمية لعلاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع الدول الأفريقية، فتوسَّع نفوذها وركزت طموحها الكبير في القارة على الساحة الاقتصادية، ووضعت نصب عينها الموارد الطبيعية الغنية في أفريقيا التي تستفيد منها لتغذية نموِّها الاقتصادي المحلي.

 وحذّرت الاستخبارات الأميركية في سبتمبر عام  2017م  من أن أول قاعدة عسكرية خارجية للصين، في دوراليه بدولة جيبوتي في شرق أفريقيا، قد تكون الأولى التي ستتبعها العديد من نوعها.

خاتمة:

كل ما سبق يدفعنا إلى القول بأنه فيما وراء حدودنا الجنوبية تدور رحى حروب شرسة ، وصراعات تهدد أمننا القومي ، وامن دول شمال إفريقيا والمغرب العربي ، وان كل الدول الكبرى المتصارعة في حلبة الصراع الدولي على ليبيا تسعى لتعزيز مواقعها ، وترسيخ أقدامها عند حدودنا الجنوبية في تشاد والنيجر.

وانه من الصعب على صانع القرار السياسي اليوم في ظل ظروف الصراعات والانقسامات التي تعاني منها ليبيا أن يملك القدرة وأوراق القوة لكي يضمن اتخاذ جيراننا الأفارقة مواقف وسياسات ايجابية لا تهدد أمننا القومي.

اللاعبون الأقوياء على مسرح الأحداث في ليبيا ومنطقة الساحل الإفريقي هم من يملكون التأثير الأكبر على سياسات جيراننا في تشاد والنيجر تجاه الأزمة الليبية.

هذا لا يعني أن الدولة الليبية عاجزة ومكتوفة الأيدي عن فعل شيء إذا ما توفرت الإرادة السياسية ، ورغم أن التحدي كبير ليس أمامنا إلا المناورة وخلق التحالفات، واستغلال بعض الفرص في توزانات القوى ، ولدينا أقوى سلاح وهو الجغرافيا والتاريخ واستثمار الترابط التاريخي والعلاقات بين الشعوب وقوة الوجود العربي والإسلام في تشاد والنيجر للتأثير على الأنظمة الحاكمة.

ونؤكد على حقيقة هامة وهي إن تلك التحديات في ما وراء حدودنا ، والمعارك الشرسة ، والصراعات بين الكبار ، لا يمكن أن تواجهها ليبيا بمفردها ، وانه لابد من عمل عربي جماعي في مستوى دول المغرب العربي ، وعلى المستوى العربي ككل .

انتهى التقرير

*** 

محمد عمران كشادة ـ باحث بمركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية  بتونس

____________

مواد ذات علاقة