بقلم امراجع السحاتي

في هذه الدراسة يحاول الباحث أن يوضح تأثير الهوية السياسية الليبية على الوطنية لدى المواطنين الليبيين، كما يحاول الباحث توضيح تأثير الهوية الاجتماعية على الوطنية في ظل تواجدها تحت مظلة الهوية السياسية من خلال الإجابة على التساؤل الذي يقول: هل للهوية السياسية والاجتماعية في ليبيا تأثير على الوطنية؟

الجزء الأول

أولا: الهوية .. المفهوم والأنواع والمقومات

أـ الهوية المفهوم:

عرفت الهوية تعريفات كثيرة ولكن كلها تتفق في أغلب ما يكوّن الهوية أي المقومات والعناصر، يقول أحد تلك التعريفات (الهوية) هي:

مجمل السمات التي تميز شيئا عن غيره أو شخصا عن غيره أو مجموعة عن غيرها

ب ـ أنواع الهوية:

لقد أشير بأن الهوية تتعدد إلى عدة أنواع من الهويات منها الآتي:

ـ الهوية النوعية: وهي الهوية التي تكوّن الإنسان وتوضح صفاته والتي تميزه عن غيره من الكائنات.

ـ الهوية الفردية: وهي الهوية التي تكوّن الشخص وتوضح صفاته التي تميزه عن غيره.

ـ الهوية الاجتماعية: وهي الهوية التي تكونت من مقومات وعناصر لجماعة من الجماعات العرقية أو الثقافية وتلك المقومات كالعادات والتقاليد والتاريخ المشترك والملابس الشعبية والأطعمة واللغة والدين والفنون والآداب الشعبية.

ومقومات هذه الهوية تجعلها مميزة عن غيرها من الجماعات، وهذه الهوية هي أهم الهويات في تثبيت الوطنية.

ـ الهوية السياسية: وهي التي كوّنها النظام الحاكم للدولة ومقوماتها كالدستور والعلم والنشيد الوطني واللغة والدين والتاريخ وشعار الدولة زي فرقها الرياضية الوطنية، وهذه الهوية خطر على الوطنية خاصة عندما يكون هذا النظام شمولي لا يسمح بالحريات.

ما يهمنا في هذه الدراسة هو الهوية السياسية النابعة من النظام الحاكم للدولة إضافة إلى الهوية الاجتماعية النابعة من المكونات التي داخل الدولة الليبية كالهوية العربية شرقية وغربية والهوية التباوية والهوية الأمازيغية والهوية التارقية الوافدة من أوروبا وآسيا وافريقيا في الزمن القديم وهي قليلة.

أشير بأن النخب في الدولة الوطنية لا تهتم عادة بالهوية الاجتماعية وهي لا تعطيها أي اعتبار وهذا في اعتقادي يمثل خطر على الوطنية خاصة عندما تتناغم الهوية السياسية مع أحد الهويات الاجتماعية للدولة وتهمل أخرى حيث أن ذلك يؤدي إلى تهديد للوطنية لدى موطني الهوية الاجتماعية المهملة.

إذن نستطيع أن نقول بأن الهوية بوجه عام هي الملامح التي تميز شئ عن آخر هذا بالنسبة لتحديد مفهوم الهوية في أبسط صوره، وبالتدقيق في تكوين الهوية الاجتماعية نجد أنها تتفرع إلى فرعين يكونان الهوية وهما فرع مادي، وفرع معنوي.

إذن الهوية الاجتماعية قد تكون مادية وقد تكون معنوية فهي قد تكون مباني وأدوات ومصنوعات جلدية ومخطوطات ومقابر وآثار، وحتى العلم والنشيد الوطني للدولة عندما تتناغم مع الهوية السياسية التي تحكمها وغيرها وبالتالي هي هوية مادية، وقد تكون طرق سلوكية كفنّ طريقة الأكل والشرب والمخاطبة والتعامل وممارسة العادات والتقاليد واللغة والتاريخ وفي طريقة التسليم والترحيب وغيرها وهي ما يمكن أن نطلق عليها الهوية المعنوية.

قد تتعدد الهويات الاجتماعية في الدولة الواحدة، إلا هناك هوية أقوى تهمش الهويات الاجتماعية إلا وهي الهوية السياسية التي تمثل النظام ومقوماته والتي أتتها القوة بحكم السلطة التي فرضت السيطرة على الهوية الاجتماعية والتي هي الأساس والأصل.

إذن نستطيع أن نقول بأن الهوية الاجتماعية في الهوية الأصلية والثابتة أما الهوية السياسية فهي هوية غير ثابتة وهي هوية مصطنعة تمثلها مقومات النظام القائم بالدولة صاحب الهوية السياسية، وأن الهوية أنواع منها الهوية الاجتماعية وهي الهوية الحقيقية، وهناك الهوية السياسية وهي هوية غير حقيقية وغير ثابتة والهوية السياسية قد تلتهم الهوية الاجتماعية إذا ضعفت الهوية الاجتماعية في الدفاع عن نفسها والمقاومة للتصدي لكل من يهددها.

وهناك كذلك الهوية الثقافية وهي تنبع من الهوية الاجتماعية لكون الثقافة ينتجها المجتمع، وفي ظل العولمة ووسائل اتصالها وانتشارها من الانترنت والقنوات الفضائية وأدواتها الأخرى بالإمكان أن يتم التأثير في الهوية الاجتماعية في حال غياب من يتصدى لهذا التأثير.

ففي الماضي أثرت وسائل اتصال بسيطة في أفراد وشعوب في اعتناق أفكار ونظريات بعض الفلاسفة والقادة السياسيين كالشيوعية أو الفكر الماركسي والفاشية والنازية أي تم التأثير من هويات سياسية وانظموا أولئك بسبب ما وجه إليهم من أفكار حتى أن ذلك جرف الكثير من المتعلمين تعليما عاليا من الدول العربية والإسلامية لدرجة أن بعض منهم أدخلوا في الإلحاد حيث كان هناك الشيوعيون وغيرهم.

وهذا الاعتناق جرد المعتنق من الوطنية وصار ولاءه لصاحب النظرية والفكرة وبالتالي هدد الوطنية وقد مرت ليبيا بذلك حيث صار عدد من المواطنين ولاءهم لمنظمات وأحزاب خارجية ناهيك عن الولاء للحاكم دون الوطن بسبب المصالح ولم يهم أولئك الذين انجروا وراء التنظيمات الخارجية والإلتصاق بالحاكم وأعماله الوطنية والوطن.

في ليبيا حاول حكمها أن يفتتوا الانساج الاجتماعي بقصد القضاء على الهوية الاجتماعية ليضمنوا عدم فناء هويتهم السياسية باستخدام سياسة فرق تسد لدرجة أن بعض الحكام كانوا يجتمعون ببعض المكونات والقبائل سرا ويحذرونهم من مكونات وقبائل أخرى ويطلبون منهم الحذر وأنهم في خندق واحد وكان أولئك الحكام يغدقون في خندق واحد وكان أولئك الحكام يغدقون عليهم بالمال، بأن أن عدد من حكم ليبيا كانوا يقومون بالتشكيك بنسب عائلات في قبائل كبيرة من خلال بعض أعوانهم المأجورين من أجل إضعاف بعض القبائل.

قد تضيف الشعوب والأمم مقومات جديدة لهويتها الاجتماعية وقد تطغى هوية على أخرى في ظل غياب الوعي الثقافي لشعوب وأمم الهوية التي طغى عليها.

وقد تأتي شعوب وأمم ضعيفة تتعرض لغزو ثقافي يخفي جزء من ملامح هويتها خاصة المعنوية مثلما حدث لهوية بعض المكونات الليبية منذ بداية القرن الأول الميلادي وما قبله من قرون قلائل وما بعده.

الدولة بالإمكان أن تضم أكثر من هوية اجتماعية، وقيل بأن الهوية الأقوى هي التي تسود والهشة قد يحدث لها ضعف ومرض. الهوية قد تكون مصنوعة وهي التي يطلق عليها البعض الهوية السياسية التي يصنعها الحكام بواسطة مفكريها ولكن هذه الهوية هو هوية وقتية مصطنعة صنعت من أجل غرض معين.

هناك من يرى بأن الدولة التي تضم هويات اجتماعية مختلفة يجب أن يتم إذابتها في هوية واحدة، لأن وجودها متفردة خطر على الدولة، ولكن هذا ليس صحيح في اعتقادي، لأن الهوية الحقيقية والأصيلة لا يمكن إذابتها، لأن ذلك يعني مسخ للهوية وتشويهها، فللهوية الاجتماعية ميزة معينة تبين أوجه الاختلاف بينها وبين هويات أخرى.

قد تكون هناك هويات فرعية بسيطة داخل الهوية الاجتماعية مكونة داخل أسرة أو عائلة أو قبيلة أو شعب وهي تحويها الهوية الأم تعرف بتلك الأسرة والعائلة والقبيلة أو الشعب وهي لا تؤثر على الهوية الأم بل تساهم في توضيحها أكثر وأكثر وهي تعد المنظر الميكروسكوبي للهوية.

فعند تسليط الميكروسكوب على الهوية الأم والذي يمثله التحليل تظهر الهويات الصغيرة التي في مجملها كونت الهوية الأم ومع ذلك بالإمكان أن تلتحم الهويات مع بعضها مكونة هوية ذات ألوان ثقافية متنوعة.

الهوية السياسية قد تلتهم الهوية الاجتماعية إذا ضعفت الهوية الاجتماعية في الدفاع عن نفسها. الهوية المصطنعة أو الهوية السياسية قد تتشوه وقد تمرض وتذبل وتموت، ولكن الهوية الاجتماعية الحقيقية لا تموت لأنها خزنت في ذاكرة أممها وشعوبها، بالإمكان طمسها وردمها ولكن لا يمكن القضاء عليها فهي محفورة في سجل شعوبها وأممها.

وفي المقابل بالإمكان إظهار الهوية الحقيقية للشعوب والأمم، لأن الهوية الأصل محفورة في سجل تاريخ الشعوب والأمم. قد تضع الشعوب والأمم مقومات جديدة للهويات الاجتماعية وقد تطغى هوية على أخرى في ظل غياب الوعي الثقافي لشعوب وأمم الهوية التي طغى عليها.

كان للهوية الاجتماعية دور في إحياء دول بعد أن تم اجتياحها من هوية سياسية مصطنعة كما حدث لهويات دول البلقان التي رجعت إلى مكانها بعد أن كانت تحت مظلة هوية سياسية رسمتها الإيديولوجية اليوغسلافية فغطت على كافة الهويات، ولم تحاول هذه الهوية السياسية أن توحد هويات الشعوب والدول التي صنعت يوغسلافيا.

وبالتالي فإن ذلك سبّب انعدام في الإنتماء للدولة اليوغسلافية وكان سببا في ضعف وتلاشي الوطنية لدى المواطن اليوغسلافي الذي وجد نفسه مع هبوب أول عاصفة تغييرية يتنصل من وطنيته اليوغسلافية ويلتصق بهويته الاجتماعية التي تمثل عرقه ومكونه العرقي. فولاء الصربي صار لصربيا، وولاء المقدوني لمقدونيا ، وولاء البوسني لبوسنيا.

كما حدث للهويات السياسية التي مرت بها ليبيا عبر التاريخ التي سقطت وماتت من العصر الإغريقي إلى الروماني إلى الإسلامي، إلى العثماني، إلى الإيطالي، إلى الملكي، إلى الجمهوري، إلى الجماهيري.

الهوية السياسية، في كل هذه المراحل تغير نظام الدولة وتغير علمها ونشيدها وسياستها الخارجية، وغيرها من مقومات الهوية السياسية، وهذه الظاهرة سوف تمر بها ليبيا من جديد إذا لم تجد حلا لتوضيح معالم هويتها العامة مع إدماج الهويات الخاصة للمكونات التي تكوّن ليبيا لتجعل منها اتحاد للهويات الاجتماعية وبالتالي فإن إهمال الهويات الاجتماعية سوف يؤدي إلى انعدام الوطنية.

يتبع في الجزء الثاني

____________

المصدر: مجلة الفصول الأربعة ـ عدد 124 ـ يناير 2020

مواد ذات علاقة