في طريقها إلى المنزل مساءً، خفق قلب نسيبة دريرة أسرع من المعتاد حين لوّح لها الجنود لتوقف سيارتها. وكانت الطبيبة في طريقها إلى المنزل بعد نوبةٍ مسائية طويلة، إذ تعمل نسيبة على الخطوط الأمامية في معركة لبييا الدولة التي مزّقتها الحربضد جائحة فيروس كورونا، وتكافح ليلاً نهاراً مع جهاز أشعةٍ مقطعية معطوب.

ولكنّ العديد من السيناريوهات المرعبة دارت داخل عقلها في تلك اللحظة. إذ قالت نسيبة (26 عاماً) إنّ التوقيف بواسطة رجال الميليشيات، الذين يحملون الأسلحة عند نقاط التفتيش المؤقتة، بات أمراً معتاداً.

انقسام قديم، ولكن ازداد حدة

فإبان انتفاضات الربيع العربيالتي اجتاحت المنطقة، سقطت ليبيا في فخّ الحرب الأهلية عام 2011 عقب الإطاحة بالدكتاتور القذافي بمساعدة التحالف الدولي الذي ضمّ الولايات المتحدة.

والآن يقول المراقبون على المدى البعيد إنّ البلاد تتأرجح على حافة الانهيار، بالتزامن مع تصارع فصيلين مدعومين من قوى أجنبية متنافسةعلى قيادة الدولة الغنية بالنفط.

ولا تزال ليبيا مقسمة بين الحكومة المعترف بها دولياً التي يقودها فايز السراج في طرابلس، وبين الجنرال العسكري الحاصل على الجنسية الأمريكية خليفة حفتر، الذي يُسيطر على منطقة شرق البلاد الغنية بالنفط.

وزوّدت تركيا حكومة السراج بالدعم المالي والعسكري، في حين دعمت روسيا ومصر حفتر بإرسال سيلٍ من المرتزقة والأسلحة للمساعدة في مساعيه للسيطرة على المزيد من الأراضي، بحسب الخبراء الإقليميين. بينما تتعالى حالياً الأصوات المُطالبة بوقف إطلاق النار.

ففي الأسبوع الجاري، انضم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي في المطالبة بوقف الأعمال القتالية، مما منح أملاً لليبيين من أمثال نسيبة الذين فاض بهم الكيل من القتال.

لكن الحرب الأهلية لا تزال مستعرة وتجذب الكثير من القوى الأجنبية، فيما تظلّ ليبيا نقطةً ساخنة مُحتملة تُنذر بصراعٍ أكبر بطول المنطقة.

مصر ترفع التوتر

إذ رفع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التوتّرات الأسبوع الماضي حين أمر جيشه بالاستعداد لتنفيذ أيّ مهمة خارج البلاد، مُضيفاً أنّ مصر لها الحق الشرعي في التدخل بليبيا المُجاورة، معلناً أن الخط بين سرت والجفرة خط أحمر لمصر.

وقال إنّ الهدف الرئيسي من أيّ تدخل سيشمل حماية الحدود المُمتدة لأكثر من ألف كم مع ليبيا غرب مصر، وإنفاذ وقف إطلاق النار، وإعادة الاستقرار. وسارع وزراء الخارجية العرب لعقد اجتماعٍ طارئ يوم الثلاثاء 23 يونيو/حزيران، وأكّدوا تفضيلهم الحل السياسي واستعدادهم لمنع اندلاع أيّ معركة جديدة في ليبيا، بحسب ما أفاد به الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط في بيانه.

لماذا ازدادت تدخلات كل هذه الدول في ليبيا؟

وهناك العديد من الأسباب التي تدفع القوى الأجنبية إلى الاهتمام بليبيا، والتي جعلت البلاد ساحة لصراع عالمي مصغر. فبصفتها عضواً في منظمة أوبك، تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات نفطية مثبتة في إفريقيا، وتُوفّر قواعد عسكرية في موقعٍ استراتيجي بطول البحر المتوسط.

وفي الوقت ذاته، يُواجه ملايين الليبيين نقصاً في الغذاء والبنزين، مع اقتصادٍ راكد، وشعورٍ بالغربة إبان دخول بلادهم وضع السقوط السياسي الحر. ومثّلت الأسابيع الأخيرة نقطة تحوّلٍ كبيرة في الصراع المُعقّد.

ففي سلسلةٍ من الانتصارات السريعة، أعادت الحكومة القائمة في طرابلس غالبية أراضي شمال غرب ليبيا إلى سيطرتها بدعمٍ تركي، في حين حاولت قوات حفتر الاستيلاء على العاصمة بدعمٍ روسي.

وفي الأسبوع الماضي، أعربت الأمم المتحدة عن انزعاجهامن استخدام المرتزقة الجنود المأجورون من روسيا وسوريا والسودان، وقالت إنّ الأطراف الخارجية أسهمت في تصعيد النزاع.

كما اتّهمت القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا موسكو مراراً بمحاولة قلب موازين الصراع في صالحها داخل ليبيا، عن طريق إرسال جنود مرتزقة وطائرات مقاتلة إلى البلاد. لكن روسيا أنكرت تلك المزاعم. في حين أعربت الأمم المتحدة عن قلقها أنّ تركيا تنشر المقاتلين السوريين داخل ليبيا.

استئناف لما حدث في سوريا

ومن عدة نواح، نجد أنّ التوترات بين تركيا وروسيا في ليبيا تعكس التوترات القائمة في سوريا، حيث تدعم القوتان جانبين متحاربين في حربٍ أهلية مُطوّلة أخرى.

إذ قال فلاديمير فرولوف، محلل الشؤون الخارجية الروسي، لشبكة إن بي سي News الأمريكية: “بشكلٍ عام، أعتقد أنّ هدف روسيا في ليبيا هو تأمين كرسيٍ رائد على طاولة تقسيم غنائم ما بعد الحرب، وهذا يشمل بعض حقوق التمركز العسكري. والهدف الآخر من اللعبة هو الاحتفاظ ببعض الضغط على تركيا من أجل الحصول على تنازلات تركية في سوريا“.

بينما انجذبت الولايات المتحدة إلى الصراع الليبي منذ مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز عام 2012 في بنغازي. إذ أدّت وفاة ستيفنز إلى تحقيقٍ مُدمّر في تعامل إدارة أوباما مع الهجوم، وأضرّت بفرص وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون في الفوز بالرئاسة.

ورغم عدم وجود قوات أمريكية على الأرض في ليبيا، لكن الرئيس دونالد ترامب قدّم دعمه العام الماضي لحفتر، قائلاً إنّه يُدرك دوره البارز في مكافحة الإرهاب وتأمين الموارد النفطية الليبية“.

وأمريكا قلقة من نوايا بوتين، أما أوروبا فتخشى الهجرة

لكن الأشهر الأخيرة أظهرت تراجع ترامب على ما يبدو عن الدعم العلني للجنرال العسكري ذي الشارب الذي عاش في فرجينيا لمدة 20 عاماً، وترحيبه بدعوات وقف إطلاق النار. فضلاً عن أنّ عدم الاستقرار في ليبيا يدفع بها إلى أزمةٍ إنسانية.

حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن صدمته الشهر الجاري حين اكتشف ثماني مقابر جماعية على الأقل بالقرب من بلدة ترهونة الغربية. ولم يتضح بعد تاريخ دفن تلك الجثث، لكنّ رئيس الأمم المتحدة دعا إلى إجراء تحقيقٍ كامل وإعادة الجثث.

كما تمتلك أوروبا بعض المصالح في ليبيا، أهمها وقف تدفق المهاجرين من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء لاجتياز البحر المتوسط في رحلةٍ مُميتة إلى جنوب أوروبا. وأما المواطنون فليس أمامهم سوى مواقع التواصل الاجتماعي لتجنب الميليشيات

وقالت نسيبة، وهي تشاهد بلادها تزداد غرابةً كل يوم، إنّ مجموعات فيسبوك والشبكات الاجتماعية تساعدها وغيرها من الليبيين على التجوّل في مدنهم بأمان بتجنّب الميليشيات، وحواجز الطرق، والمناطق المقصوفة.

ومع استمرار انقطاع الكهرباء إلى 17 ساعة يومياً، وتهدُّم البنية التحتية الأساسية؛ قالت إنّ البعض يتهامسون حول أنّ الحياة كانت أسهل كثيراً في عهد القذافي. في حين يُحاول الآخرون التكيُّف باستئناف حفلات الزفاف والتجمّعات العائلية، لكن الغالبية أرهقتهم الحرب. وأردفت: “غالبية الناس لا يُريدون سوى أقل القليل، رغم أنّه أمرٌ محزن. إذ لا يُريدون سوى الشعور بالاستقرار“.

*******

الجيش الليبي: نحارب مرتزقة دول عقب فشل “عميلهم” حفتر

لقد أزاحوا الأقنعة، وتقدموا ليقودوا الخراب

قال المتحدث باسم الجيش الليبي العقيد محمد قنونو، الأحد 28 يونيو/حزيران2020، إن بلاده تخوض حرباً ضد مرتزقة تدعمهم دول إقليمية وعالمية عقب فشل عميلهم الجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

قنونو أوضح  في سلسلة تغريدات عبر حسابه بتويتر أن داعمي الانقلابيين والمتمردين في ليبيا، بعد فشل وهزيمة ممثلهم المحلي (حفتر)، أزاحوا الأقنعة، وتقدموا ليقودوا الخراب والإفساد بأنفسهم داخل ليبيا“.

وأضاف: “لم نعد في حرب ضد متمرد انقلابي محلي اليوم في ليبيا نخوض حرباً ضد مرتزقة غزاة تدعمهم دول إقليمية وعالمية، أما عميلهم بعد فشله لم يعد يملك من أمره شيئاً“. 

 كما أشار إلى احتلال المرتزقة لمدينة سرت، واتخاذها منطلقاً لتهديد المدن الليبية، محذراً إياهم بأن مصيرهم القتل أو السجن أو التشرد في الصحراء“.

كما شدد على أنه لم يعد أمام الانقلابيين والمتمردين إلا تسليم المجرمين في صفوفهم للمحاكم المحلية والدولية“.

السبت كان قنونو قال في تصريحات صحفية، إن تحرير سرت والجفرة (جنوب شرق العاصمة طرابلس) من المرتزقة الروس أصبح أمراً ملحاً.

وقال: “سرت أصبحت أكثر الأماكن خطورة على الأمن والسلم ببلادنا بعدما باتت بؤرة للمرتزقة الروس والعصابات الإجرامية بعد طردها من طرابلس وترهونة (90 كلم جنوب شرق طرابلس)”.

أضاف أن مرتزقة فاغنر جعلوا من قاعدة ومطار الجفرة مركزاً لقيادتهم وتمددهم للسيطرة على حقول النفط بجنوب البلاد، إننا على ذلك عازمون بإذن الله إن كان سلماً فبها وإن كان بقوة السلاح فنحن لها“.

 الحكومة الليبية نددت أكثر من مرة، بما قالت إنه دعم عسكري تقدمه كل من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا لعدوان ميليشيا حفتر على العاصمة طرابلس، الذي بدأ في 4 أبريل/نيسان 2019.

 مؤخراً، حقق الجيش الليبي انتصارات أبرزها تحرير كامل الحدود الإدارية لطرابلس، وترهونة، وكامل مدن الساحل الغربي، وقاعدة الوطية الجوية، وبلدات بالجبل الغربي.

روس وأفارقة يسيطرون على النفط

لجنة الطاقة والموارد الطبيعية في مجلس النواب بالعاصمة الليبية طرابلس أبدت الأحد انزعاجها البالغمن تمكين مرتزقةروس وأفارقة، من حقول نفطية جنوبي البلاد.

حيث قالت اللجنة، في بيان، إنه تم تمكين مرتزقة فاغنر الروسية من حقل الشرارة النفطي (جنوب) ومطار راس لانوف (شرق)، وتمكين المرتزقة الجنجويد (السودانية) والأفارقة من حقول الغاني زلة والظهرة والمبروك (جنوب شرق)، وذلك بتمويل إمارتي ودعم مصري“.

أكبر حقل في البلاد: يذكر أن حقل الشرارة، هو الأكبر في البلاد بمتوسط إنتاج يومي يبلغ 300 ألف برميل، من إجمالي الإنتاج البالغ مليون برميل يومياً في الوضع الطبيعي.

كما أضافت اللجنة: “لهذا ومن باب العلم، نلفت نظر المجتمع الدولي إلى أن هذه الأعمال سيكون لها عواقب وخيمة، إن لم يتم تداركها حالاً، فالشعب الليبي لن يرضى بأن يرتهن إلى قرارات ومراهنات الدول ذات المصالح والأطماع“.

وفي أكثر من مناسبة خلال الأيام الماضية، أصدرت المؤسسة الوطنية للنفط بيانات ونداءات، بأن تكون كل الحقول والموانئ النفطية تابعة للمؤسسة وتحييد قطاع النفط عن أي مساومات، وفق البيان.

أضافت اللجنة، بأنها ستعمل بكل ما أوتيت من جهد لردع هذه الأعمال، وتوثيق جميع البلاغات بشأنها وإحالتها للجهات المحلية والدولية، وستتم محاسبة كل من سولت له نفسه المساس بمقدرات الشعب الليبي“.

_____________

مواد ذات علاقة