تثير الأنباء بشأن موجة الاغتيالات التي استهدفت عدداً من الشخصيات الأمنية وقيادات المجاميع المسلحة في ليبيا، شرقاً وغرباً، تساؤلات حول توقيتها وأهدافها في وقت يرجح فيه مراقبون أن أطرافاً نافذة في المشهد الليبي بدأت بتنظيف سجلاتها، استباقاً لفتح باب التحقيق في ملف الانتهاكات والجرائم التي شهدتها البلاد طيلة سنوات

ورغم الجدل والاهتمام الواسع بحادثة اغتيال قائد الإعدامات، المقدم محمود الورفلي المطلوب للعدالة الدولية، في بنغازي في 24 مارس/آذار الماضي، إلا أن حوادث ومحاولات اغتيال، تناقلتها وسائل إعلام ليبية في الآونة الأخيرة ولم تعلن عنها أي جهة رسمية في البلاد، طالت عدداً من الشخصيات الأمنية والقيادات في شرق ليبيا، من بينها:

ـ اغتيال الضابط في جهاز الأمن الداخلي في بنغازي، ربيع الشركسي، في 28 مارس/ آذار الماضي،

ـ محاولة اغتيال ضابط الاستخبارات العسكرية في طبرق، صالح المريمي، الثلاثاء الماضي،

ـ كما لا يزال مصير الضابط بقوات الصاعقة، ناصر الدرسي،  مجهولاً بعد أن أكد آمر القوات الخاصة، اللواء عبد السلام الحاسي، اعتقاله من قبل جهات أمنيةقبل اغتيال الورفلي

وفي غرب ليبيا تم تناقل أنباء عن عدة اغتيالات لقيادات من الصف الثاني داخل المجاميع المسلحة، من بينها:

ـ اغتيال أسامة ميلود، أحد قادة كتيبة الخضراوي، بمدينة الزاوية

ـ ومحمد الدامونة، أحد قادة لواء الصمود بطرابلس

ـ عبد المالك المصراتي، آمر سجن ابوسليم وسط طرابلس

ـ ومؤخراً، أعلنت وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، حليمة عبد الرحمن، عن بدء تشكيل لجنة بمشاركة دولية في غضون 15 يوماً، تهدف إلى حث الجهات غير الخاضعة للدولة الليبية على الإفراج عن المعتقلين في سجونها، مطالبة كل الجهات غير المعترف بها من قبل الدولة بـالإفراج السريع وغير المشروط عن المواطنين الليبيين المسجونين بغير وجه حق ومن دون وجود أيّ تهم أو أوامر قبض في حقهم“.

ومنذ ذلك الحين، شهدت البلاد جملة من التغييرات والإجراءات السريعة في الملفات المتعلقة بالجانب الجنائي والحقوقي، خصوصاً بعد العثور على 10 جثث ملقاة في الهواري إحدى ضواحي مدينة بنغازي، شرق ليبيا، في وقت طالب فيه رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، مكتب النائب العام بفتح تحقيق في ذلك، مؤكداً أنّه لا يمكن لمثل هذه الأحداث أن تتكرر مرة أخرى، والتسامح معها أو التغطية عليها تحت أيّ ذريعة لن يكون مقبولاً

وهي خطوة تعكس طريقة تعامل الحكومة الجديدة مع الملفات الجنائية بنقلها للجهات العدلية تلافياً لعدم جرها لتعقيدات تلك الملفات من جانب، ومن جانب آخر تعكس إصراراً من الحكومة على فتح ملفات الانتهاكات، وفق قراءة الناشط السياسي من بنغازي جمال دعيب

ويلفت دعيب إلى أن الرابط بين كل الشخصيات التي استهدفت بعمليات اغتيال هو تورطها في انتهاكات كبيرة، موضحاً أن الورفلي بدأ يشكل خطراً على حفتر وربما حلفائه في الخارج أيضاً، كونه يتوفر على أسرارهم وربما وثائق تؤكد تلقيه أوامر بالقتل خارج القانون،

وحول الدامونة وميلود يشير إلى تورطهم في حوادث اختطاف وإشراف على معتقلات سرية، وربما التورط أيضاً في جرائم قتل خارج القانون، خصوصاً أن المصراتي هو آمر سجن بطرابلس التي لا تزال تخضع لسلطة المجموعات المسلحة

ويتابع: “الرابط الآخر يربط بين المريمي والشركسي والدرسي كونهم شخصيات أمنية، ربما تكون على علم بمجريات التحقيقات في حادث اغتيال الورفلي، أو تمتلك شهادات وأدلة على ذلك، مؤكداً أن مجمل تلك الحوادث تكشف عن محاولات من جانب شخصيات متنفذة في المشهد اليوم، سواء في الشرق أو الغرب، لإخفاء أي آثار أو روابط تربطها بملفات الجرائم الجنائية

وفيما طالبت عدة قبائل في شرق ليبيا، في بيانات منفصلة خلال الأسابيع الماضية، بفتح التحقيق في الانتهاكات التي طاولت أبناء مدينة بنغازي، يؤكد فرج الفيتوري، عضو المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية ، أنها مطالبات تؤشر على تغير الأوضاع نتيجة تراجع القبضة الأمنية، ونجاح العملية السياسية في إفراز حكام جدد لا علاقة تربطهم بقادة المشهد السابق، المتوجسين من فتح باب التحقيق في الانتهاكات الكبيرة، ويشدد الفيتوري على أهمية الحفاظ على أراشيف ومضابط النيابات والمحاكم في مختلف أنحاء البلاد من الأيدي العابثة التي قد تطاولها

ومع انتخاب أول سلطة تنفيذية موحدة في البلاد بعد ست سنوات من الانقسام الحكومي تتزايد الفرص لإحلال الأمن تحت مظلة مؤسسات أمنية وقضائية موحدة، لكن التحدي الأكبر أمام الحكومة يتمثل في إزاحة المجموعات المسلحة من المشهد بنزع سلاحها، بحسب الفيتوري، مشيراً إلى أنها خطوة فشلت فيها الحكومات السابقة، بسبب رفض قادة المجاميع المسلحة إدماج مجموعاتهم بشكل فردي وفضلوا العمل تحت مسميات أجهزة أمنية وعسكرية

ويضيف: “حوادث اغتيال الشخصيات المشبوهة ومحاولة إسكات أصوات شخصيات أمنية، تعد أول اختبار حقيقي للحكومة الجديدة ومدى جديتها في فتح باب للمصالحة يقوم على تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب، مشيراً إلى أن إثبات تورط قادة عسكريين كبار في الشرق الليبي باغتيال الورفلي قد يحتاج وقتاً، أما السؤال عن المستفيد من اغتيال الورفلي، فتبدو إجابته واضحة لدى الرأي العام

ولكن السؤال الأبرز عند الفيتوري هو: “هل ستتوقف موجة الاغتيالات؟، يقول: “يمكنني التكهن بأن سلسلة الاغتيالات لا تزال أولها، فالملف الجنائي مثقل، هناك المقابر الجماعية في ترهونة وتهريب البشر والمجازر الجماعية في أكثر من منطقة، وكذلك المطالب المستمرة بالكشف عن مصير المغيبين من سياسيين ونشطاء وغيرهم، كما أن ملف الفساد المالي من أوسع ملفات الجرائم الاقتصادية“.

************

العثور على 10 جثث مجهولة بمدينة بنغازي في مارس الماضي

عثرت الأجهزة الأمنية بمدينة بنغازي شمالي ليبيا على 10 جثث، أخبر عنها أهالي المدينة مساء اليوم الخميس، فيما لا تزال فرقة من جهاز البحث الجنائي تطوق المكان.

ووفقاً لمصدر أمني تابع لمديرية أمن بنغازي، فإنّ أهالي حي الهواري أبلغوا مركز الشرطة بحيهم عن وجود عدد من الجثث الملقاة خلف مصنع الإسمنتوقال المصدر لـالعربي الجديد، إنّ جهاز البحث الجنائي بعد تلقيه للبلاغ طوق المنطقة وقام بنقل الجثث بحضور أفراد من نيابة بنغازي.

وأضاف: “بعد معاينة الجثث تبين أن عددها عشر إحداها لامرأة، تم تقييد أيديهم إلى الخلف وأعدموا بإطلاق الرصاص مباشرة على رؤوسهممنذ عدة أيام، مشيراً إلى أن الحادث أثار جدلاً واسعاً في أوساط أهالي المدينة.

وذكر المصدر أن محكمة جنايات المدينة تسلّمت الجثث وأمرت بحجزها في ثلاجات الموتى بالمركز الطبي استعداداً لمعاينتها من قبل الطبيب الشرعي، كما أكّد أن فرقة من جهاز البحث الجنائي لا تزال تطوق المكان وتمنع المارة من الوصول إليه.

والإثنين الماضي، دعت مكونات برقة الاجتماعية والسياسية والحقوقية إلى فتح تحقيق في كل الأعمال الإرهابية التي هزت الشارع في بنغازي بصفة خاصة وبرقة بصفة عامة، مشددة على ضرورة الكشف عن جميع السجون السرية ومعرفة مصير كل المختطفين.

ودعت مكونات برقة، في بيان مشترك عقب اجتماع لزعماء قبائل بمنطقة الأبيار في بنغازي، إلى معاقبة كل من قاموا بالخطف أو أمروا به، كما طالب البيان بالكشف عن مصير النائب سهام سرقيوة والناشط الحقوقي أحمد الكوافي.

ودعا البيان إلى ضرورة التحقيق في مقتل ابريك اللواطي أحد أعيان قبيلة العواقير، واغتيال الناشطة حنان البرعصي، مضيفاً: “وكل جرائم الشرف التي طاولت التهجم على النساء الآمنات في بيوتهن، والتي لم يقم بها حتى أبو جهل، بحسب وصف البيان.

وشدد البيان على ضرورة إخراج جميع الكتائب والتشكيلات العسكرية من بنغازي وتسلم وزارة الداخلية تأمين المدينة.

وفي تصريح سابق لـالعربي الجديدكشف الشيخ صالح البرغثي، أحد أعيان قبائل برقة، عن تنسيق يجري بين زعماء القبائل شرقي البلاد لعقد اجتماع موسعبهدف التأكيد على مطالب فتح تحقيقات واسعة في جرائم القتل وإنهاء الفوضى الأمنية التي تعاني منها مدينة بنغازي.

___________

مواد ذات علاقة