إعداد: أحمد خميس أحمد و حسناء أحمد حمود

تُعد قضية تحول الأنظمة إلى أنظمة ديمقراطية من القضايا المثيرة للاهتمام بالنسبة لدارسي العلوم السياسية، وتدعي معظم الأنظمة في العالم بأنها أنظمة ديمقراطية، وفي هذا التقرير نوضح بعض الجوانب الهامة بالنسبة لكل من الديمقراطية والتعريف بها، وعملية الانتقال إلى النظام الديمقراطي، وأنماطه، وبعض معوقات عملية الدمقرطة في العالم العربي.

الجزء الثالث

أنماط التحول الديمقراطي:

  • هناك صورتان رئيسيتان لعملية الدمقرطة، وهي إما أن تكون سلمية إصلاحية (تدريجية، ومن داخل النظام نفسه)، أو أن تكون عملية تغيير ثوري (ينتج عنها تغيير قيم المجتمع)، وبين هاتين الصورتين تبرز عدة أنماط، نبينها بإيجاز على النحو التالي:

الانتقال من أعلى:

ويشير هذا النمط إلى حدوث عملية الانتقال الديمقراطي، من داخل النظام السلطوي نفسه، من خلال اتباع سياسات إصلاحية تدريجية.

وفي هذا النمط يزداد تأثير التيار الإصلاحي داخل النظام السلطوي، بحيث تدرك أن التغيير هو السبيل الوحيد لاستمرار بقاء النظام، وهذا التغيير ينتج عن تسرب أعضاء جدد إلى النخبة السياسية غير متوافقين مع سياسات النظام السلطوي بالكلية، أو تزايد المعارضة لسياسات النظام السلطوي داخل المجتمع وانجذاب المزيد من الفئات لها، أو بسبب ضغوطات خارجية كالرغبة في جذب استثمارات أجنبية أو مساعدات خارجية.

ونمط الانتقال من أعلى يتسم بالتغير المؤسسي التدريجي، عن طريق سلسلة من القرارات والإجراءات التدرجية، كما يتطلب هذا النمط قدرة النخبة الحاكمة على تحمل مخاطر هذا التغيير وما ينتج عنه من صراعات سياسية، وعدم استقرار، نتيجة للجو الليبرالي الذي سيتزايد بالتدريج في المجتمع.

ويرى الدكتور علي الدين هلال، أن هذا النمط له ثلاث نتائج محتملة:

  • استمرار عملية الانتقال والتخلص التدريجي من مؤسسات الحكم القديمة، والتحول إلى النظام الديمقراطي في النهاية.

وخير مثال على ذلك هو ما حدث في إسبانيا عقب انتهاء نظام الجنرال فرانكو، حيث تعهد الملك خوان كارلوس بتبني النظام الديمقراطي، وتم تأسيس الكتلة الديموقراطية الاسبانية بعدها بفترة وجيزة، وانشاء المؤسسات الديمقراطية ووضع الدستور سنة 1979.

  • التركيز على بعض الجوانب الشكلية، وهنا تحتفظ بعض عناصر النخبة القديمة بمواقعها والامتيازات التي كانت قد حصلت عليه.

ومن الجدير بالذكر، هو أن النظام السلطوي قد ينهار تمامًا، إذا اتبع هذه الاستراتيجية في التحول الشكلي للديمقراطية، وخير شاهد على تلك النتيجة هو ما حدث للاتحاد السوفيتي في خضم حكم جورباتشوف وسياسته الإصلاحية.

  • تراجع النظام السلطوي عن إتمام عملية الانتقال إلى الديمقراطية، وذلك إذا لم يتمكن الجناح الإصلاحي من فرض سيطرته على النظام، وقد يؤدي ذلك إلى شكل أكثر سلطوية من النظام القديم.

نمط التفاوض

يحدث هذا النمط من خلال التساوم بين النخب في النظام السلطوي، وبين القوى المعارضة له في المجتمع، معادة ما يحدث هذا التساوم عند حدوث نوع من التوازن النسبي في القوة بين الطرفين، إما عند حدوث تراجع لشعبية النظام السلطوي أو أيدولوجيته، أو عند تزايد شعبية المعارضة في مواجهة هذا النظام، ولكن تصعب على أي من الطرفين حسم المعركة، فيجد الطرفان أن التفاوض هو أنسب البدائل المتاحة للتوصل إلى الحلول الوسط.

وفي الحقيقة فإن هذا التوازن لا يعني بالضرورة التعادل في القوة للطرفين، فحيث تميل الكفة لطرف معين، تصبح فرصته في اقتناص مكاسب أكبر من خلال عملية التفاوض أكبر، ومثال ذلك ما حدث في المكسيك، فبعد سيطرة حزب الدفاع على المؤسسات الدستورية، دفعت المعارضة إلى ادخال إصلاحات تدريجية على النظام، مما أدى في النهاية إلى فوز مرشح المعارضة بمنصب رئيس الجمهورية في عام 2007.

نمط الانتقال من أسفل

يرتبط هذا النمط بالحشد والتعبئة الشعبية في مواجهة النظام السلطوي، وازدياد حالة الاحتقان في الشارع ضده، وذلك بسبب تردي أوضاع النظام السياسي وضعفه، وتراجع مصداقيته، مما يؤدي إلى زيادة مشاعر العدائية ضد النظام من قبل الشعب، وانضمام المعارضة التقليدية لهذا الحراك.

وتختلف ردة فعل الأنظمة في مواجهة هذه التعبئة، فالأنظمة التي تتسم بنوع من الهشاشة والضعف الشديد، وانحسار القاعدة الشعبية لها، فستؤدي تلك الاحتجاجات إلى انهيارها بشكل تام، مثلما حدث في دول الربيع العربي.

أما الدول التي لم تكتمل فيها هذه الاحتجاجات فمن المرجح أن تشهد عودة الملامح التقليدية للنظام السلطوي، وقد يكون هناك حراك من قبل النقابات والأحزاب المعارضة لفرض ضغوط ومواجهة هذه السلطوية الجديدة.

تكمن مشكلة هذا النمط في عدم الاستقرار والارتباك غياب الثقة بين اللاعبين السياسيين، لذلك تتسم عملية الانتقال إلى الديمقراطية في هذا النمط عادة بالتردد وعدم اليقين، وقد تؤدي إلى إفراز أنظمة سلطوية جديدة، إذا لم تكتمل عملية الانتقال إلى الديمقراطية.

نمط الفرض بالقوة الخارجية (التدخل العسكري الخارجي)

يقوم هذا النمط على فرض النظام الديمقراطي على الدول المهزومة في خلال الخرب من قبل الدول المنتصرة، على غرار ما حدث لألمانيا عقب هزيمتها في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث يعمل على هدم مؤسسات النظام القديم كلية، وإعادة هيكلته لإنشاء نظام ديمقراطي جديد في الدولة.

ولعل من الجدير بالذكر، أن هذا النمط قلما يأتي بثماره المرجوة، فالنظام الديمقراطي يقوم بالأساس على الثقافة السياسية لمواطنيه، وليس عن طريق الفرض من الخارج، وغالبًا ما يؤدي هذا الفرض إلى اضطراب سياسي واجتماعي وأمني في الدولة المهزومة في الحرب.

ومن أبلغ الأمثلة على ذلك ما حدث في العراق بعد الغزو الأنجلو-أمريكي، حيث أدى إنشاء نظام طائفي فيها إلى تردي الأوضاع في العراق منذ الغزو وحتى وقتنا الحالي، مع عدم القدرة على إقامة نظام مستقر فيه.

متى تنتهي عملية التحول الديمقراطي؟

يُجمل الدكتور أحمد تهامي عبد الحي، سمات النظام الديمقراطي، بعد انتهاء عملية الدمقرطة في الآتي:

  • حدوث عملية تداول سلمي للسلطة
  • استمرار نظام ديمقراطي بعد إجراء انتخابات للمرة الثانية
  • إقامة مؤسسات فاعلة، وإصلاح المؤسسات القديمة
  • وجود إطار دستور، وظهور نظام تنافسي
  • استقرار النظام، وزوال خطر قيام حرب أهلية، أو التهديد بالسلاح
  • أن يكون الجيش تحت قيادة مدنية
  • الاعتراف بالنظام على أنه ديمقراطي دوليًا، والحصول على عضوية المؤسسات الدولية.

العالم العربي والدمقرطة:

يُعاني الوطن العربي من العديد من المشكلات التي تتصدى لعملة التحول إلى الديمقراطية، لعل من أبرزها كثرة الصراعات (القومية، والقبلية، الطائفية وغيرها)، والانقسام السياسي، ودور المؤسسات العسكرية والدينية في بعض الدول، والمعارضة غير الفعالة والمفتقدة إلى الأرضية الشعبية.

يُرجع البعض مشكلة التراجع الحاد في الديمقراطية في العالم العربي إلى أرع فئات من المشكلات، وهي (المشكلات المتعلقة بالثقافة السياسية، والمشكلات المتعلقة بموقع العالم العربي، والمشكلات المتعلقة بالتدخل الأجنبي، وأخيرًا المشكلات المتعلقة بالتأكيد على أهمية تماسك الحكومة)، ونوضح هذه المشكلات بإيجاز فيما يلي:

الموانع الثقافية للديمقراطية:

يستلزم استمرار وازدهار الديمُقراطية بعض القيم الثقافية المرتبطة بها، مثل المسئولية الفردية، والمشاركة المجتمعية، والتسامح، بل يرى بعض الدارسين أن استمرار الديمقراطية يستلزم الاعتقاد بأنها النظام الأمثل من قبل النخبة والعامة على حد سواء

في المقابل يعاني المجتمع العربي من نقص حاد في الثقافة السياسية والمبادئ المرتبطة بها، مما يؤدي إلى تدعيم الأنظمة السلطوية، في هذه المنطقة من العالم، بل وقد تنتشر بعض القيم المناهضة للديمقراطية في بعض المجتمعات.

الموانع المرتبطة بالموقع:

ويشمل هذا العنصر الصراع العربي الإسرائيلي، ووجود البترول والموارد الطبيعية، وطرق النقل التي تربط بين آسيا وأوروبا، حيث أن أحد التفسيرات المحتملة للسلطوية في العالم العربي من وجهة نظر البعض، هو وجود البترول وما ينتج عليه من تأثيرات اقتصادية، حيث أن المنطقة العربية تمتلك ما يقرب من 60% من احتياطيات البترول العالمي، و40% من البترول المتداول عالميًا بحسب تقرير أعدته مؤسسة راند للأبحاث.

وبالتالي فإن البترول يؤدي إلى تعزيز السلطوية من خلال حالة الرفاه التي تتمتع بها الدول المصدرة للنفط، وتمتع شعوبها بمنتجات وخدمات عالية الجودة دون الحاجة إلى رفع الضرائب، وبالتالي عدم حاجة الشعوب إلى إحداث التغيير،

التدخلات الأجنبية:

الأهمية الاقتصادية للعالم العربي، بسبب البترول تجعله ذا أهمية استراتيجية بالنسبة للقوى العالمية، وبالرغم من أن الدول المتقدمة لا تدعم بشكل علني لممارسات الأنظمة القمعية، إلا أن كسب ولاء هذه الأنظمة يحتل مكانة كبيرة لدى هذه الدول، وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأن حماية أمن إسرائيل القومي تعد من أهم أولوياتها في المنطقة، وبالتالي فقد عززت المساعدات الأجنبية والأمريكية ورسخت لاستقرار واستمرار الكثير من الأنظمة السلطوية في المنطقة العربية.

  • المشكلات المتعلقة بالحكومة والنظام:

يتسم العالم العربي بنوعين من الأنظمة، وهي الأنظمة الملكية الأسرية، والأنظمة المتمحورة حول شخص واحد، ففي الملكيات الأسرية، يكون الكثير من أفراد الأسرة الملكية ذوي مناصب مرموقة، ويتم اتخاذا القرارات بالإجماع من قبل أفراد الأسرة المالكة، ويكون الملك مسئولًا أمامها، مما يحفز هذا النوع من الأنظمة على العمل بشكل قد يكون أفضل من الديكتاتوريات، أو الملكيات المطلقة، فمن غير المرجح أن يتصرف الملك أو العاهل بشكل منفرد.

أما النوع الثاني فهي الدكتاتوريات المستندة إلى حكم فرد واحد، والتي تطورت غالبًا عن طريق مجلس عسكري، أو حكم حزب واحد مسيطر، ويعتمد على حاشية مقربة في التأييد يحصلون على امتيازات خاصة.

ولكن إذا وجه هذا النوع من الأنظمة معارضة شعبية فإنهم يلجؤون إلى استخدام القوة المفرطة في مقاومتها، ولعل الأمثلة الأبرز في العالم العربي، هما نظامي معمر القذافي وبشار الأسد واللذان جرا بلدهما إلى حرب أهلية.

خاتمة:

عملية التحول الديمقراطي تعد من أهم العمليات التي قد تشهدها الدولة، وذلك لأن من شأنها أن تضع خارطة الطريق الذي ستسير عليه الدولة في مرحلتها التالية، فإما إقامة نظام ديمقراطي جديد، أو العودة إلى نظام أكثر سلطوية من ذي قبل.

تواجه عملية الدمقرطة في العالم العربي الكثير من التحديات، ويرتبط معظمها بعدم وجود ثقافة أو وعي سياسي حقيقي لدى جموع المواطنين، وعدم وجود رغبة لدة النخب الحاكمة في الكثير من الدول العربية بالسير نحو عملية دمقرطة النظام، هذا بالإضافة إلى الدعم الخارجي من بعض القوى الدولية، الذي أدى إلى ترسيخ أنظمة استبدادية، وذلك مراعاة لمصالحها في المنطقة.

يُلاحظ أنه لإقامة ديمُقراطية حقيقية في العالم العربي، يستلزم الدفع نحو توسيع دائرة التوعية بالقضايا السياسية على المستوى المجتمعي، والدفع بمشاركة المجتمع المدني في هذه العملية، وتنشيط دور المعارضة، ودعم المبادئ الليبرالية كطريق نحو إقامة ديمقراطية حقيقية.

______________

مواد ذات علاقة