أسامة علي

لا تختلف المرأة الليبية عن النساء العربيات بمعظمهنّ في ما يتعلّق بعجزهنّ عن منح الجنسية لأبنائهنّ في حال تزوّجنَ برجال أجانب. لكنّ الوضع يتبدّل في ليبيا، بحسب ما يبدو، إذ مُنح عدد من المعنيّين جنسية والداتهم.

أبدت السلطات في ليبيا اهتماماً بأوضاع ليبيات متزوجات بأجانب وأبنائهنّ بعد سنوات من المعاناة والصعوبات التي واجهنَها في مختلف شؤون حياتهنّ، إذ قرّرت حكومة الوحدة الوطنية أخيراً منح الجنسية الليبية إلى 130 من أبناء هؤلاء الليبيات. ووفقاً للقرار الحكومي، فإنّ الموافقة أتت لمصلحة هذا العدد من بين 289 طلباً من القائمة التي قدّمتها مصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب إلى الحكومة، بعد تدقيقها وفحصها، مشيراً إلى أنّ الحكومة تحفّظت على منح 159 آخرين الجنسية بسبب شكوك في أوراقهم الثبوتية.

وتُعَدّ قضية أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب واحدة من القضايا التي لطالما أقلقت الرأي العام، وتأثّرت بشكل كبير بعدم الاستقرار الحكومي الذي عاشته البلاد طيلة السنوات الماضية، على الرغم من حقّهم في الحصول على الجنسية الليبية كونهم ولدوا في البلاد. وقد أفاد المكتب الإعلامي للحكومة بأنّ الأخيرة استندت في قرارها إلى قانون سابق يجيز منح الجنسية لدواعٍ إنسانية لـأبناء المواطنات الليبيات المتزوّجات من أجانب“.

يسرى الخوجة واحدة من الليبيات المعنيات بهذه القضية، وهي متأكّدة من أحقيّة أبنائها في الجنسية وفقاً للتشريعات الليبية، فتقول لـالعربي الجديدإنّ طول معاناتي أنا وأولادي والصعوبات المتعلقة باستخراج أوراق ثبوتية للعلاج أو الدراسة تجعلني أوافق على أيّ إجراء ولو كان مستنده القانوني ضعيفاً“.

وكانت دراسة أبناء يسرى المتزوجة بمواطن مصري قد تعثّرت قبل 11 عاماً، بسبب عدم توفر أوراق ثبوتية لتسجيلهم في المدرسة، لذا تؤكد: “طيلة السنوات الماضية، اضطررت إلى التحايل ليتمكّن أولادي من تلقّي تعليمهم في مدارس خاصة، مشيرة إلى أنّ مسألة تعليم الأبناء من أكبر هواجس الليبيات المتزوجات من أجانب“.

وبالتوازي مع إبداء الحكومة اهتماماً بهذه القضية، أقامت منظمتَان أهليتَان في بنغازي (شمال شرق) جلسة حوارية حول حقوق الليبيات المتزوجات من أجانب، خصوصاً حقّ المواطنة. وبحسب بيان صادر عن منظمة ميراس للتنمية السياسيةومنظمة ركيزة للتنمية، فقد شارك في الحوار قسم الجوازات والجنسية ومصلحة الأحوال المدنية إلى جانب عدد من الحقوقيات والناشطات المهتمات بهذه الشريحة.

وأوضح البيان أنّ الحوار شهد نقاشات ومداولات حول الجانب القانوني المتعلق بوضع المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي، خصوصاً حقّها في العمل وتعليم أبنائها، مشيراً إلى أنّ الحوار شدّد على ضرورة الاهتمام بالدعم النفسي وكيفية معالجة وتجاوز المشاكل التي تواجهها النساء من هذه الشريحة في المجتمع.

وتلفت يسرى إلى أنّ حقوق المتزوجات من أجانب وأولادهنّ عديدة، من بينها حقّ المشاركة السياسية وحقّ الانخراط في الانتخابات، لكنّها تقول يكفي أنّ القضية دخلت حيّز الاهتمام الحكومي بشكل رسمي، أمّا المطالب الأخرى فيمكن الحصول عليها بالتدريج“.

وكانت نساء ليبيات متزوجات من أجانب قد بدأنَ في تنظيم أنفسهنّ في جمعيات ونشاطات حقوقية منذ سنوات، لكنّهنّ أعربنَ عن عزمهنّ المطالبة بحقوقهنّ أمام محاكم محلية منذ منتصف العام الماضي. ومذ بدأت السلطات في منح مواطنيها أرقام الهوية الإلكترونية منتصف عام 2013، دار جدال قانوني حول حقوق النساء من هذه الشريحة وأولادهنّ وحقّ الأخيرين في الحصول على الجنسية، خصوصاً أنّ إهمال هذه القضية يعني ضياع حقّ أصحاب هذه الشريحة في التعليم والعلاج والمشاركة السياسية.

وتوضح المحامية مريم البريكي لـالعربي الجديدأنّ التشريع الليبي يفرّق ما بين حقّ الليبي وحقّ الليبية في الجنسية الليبية، إذ تمنع التشريعات المواطنات من منح الجنسية لأبنائهن في حال تزوّجنَ من أجنبي، مشيرة إلى أنّ التعديلات التي أضيفت إلى التشريع في السنوات الماضي أربكت تفسير النصوص القانونية وزادت حجم التعقيد في ما يتعلق بالبتّ في القضية أمام القضاء“.

وفي حين تفيد جمعية ليبيات متزوجات من أجانب نريد حقنابأنّ عدد نساء هذه الشريحة يزيد عن 1400 امرأة، فإنّ البريكي تشير إلى أنّه رقم تقديري وأنّ السلطات لا تملك رقماً دقيقاً لعددهنّ“. لكنّها في الوقت رأت أنّ إقدام بعضهنّ على رفع دعاوى أمام المحاكم، لا سيّما في مدينة بنغازي، حرّك القضية واضطر السلطات إلى الالتفات إليها“.

وبينما تقول البريكي إنّ لضغط الجمعيات الأهلية دوراً كبيراً يجب أن يُعزَّز ليوضح أسباب اضطرار نساء ليبيات إلى الزواج من أجانب، من قبيل ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع وهجرة الشباب وارتفاع كلفة الزواج والمهور، تلفت إلى أنّ جوانب في القضية ما زالت متعسرة ويُعصى إنهاؤها جذرياً“.

وكمثال عن ذلك، تحكي البريكي عن المتزوجات بمهاجرين سريين، خصوصاً في الجنوب الليبي. فقد نتج عن تلك الزيجات أولاد، لا يملك آباؤهم أيّ أوراق ثبوتية تؤكّد دخولهم إلى البلاد بشكل رسمي. كذلك ثمّة زوجات ليبيات هجرهنّ أزواجهنّ الأجانب، الأمر الذي يصعّب البتّ في أوضاع أولادهنّ“.

************

ليبيات متزوجات من أجانب يدفعن ثمن اختيارهن اجتماعيا وقانونيا

يؤدي تفريق القانون الليبي في المعاملة بين الليبي والليبية بخصوص منح الجنسية للأبناء إلى حرمان أبناء الليبية من التعليم والعلاج المجانيين وكذلك التملك والتنقل بين الدول، وتدعو ناشطات في مجال حقوق المرأة إلى ضرورة تمكين هذه الفئة من حقوقها.

وقد عمقت هذه المسألة من زيادة رفض الأهالي لزواج بناتهن من أجانب، خشية أن يفقدن حقوقهن. ولا يحق لليبية منح جنسيتها لأبنائها إن كانت متزوجة بأجنبي.

لم يكن ليخطر في بال (س. م) يوماً أن نصيبها في الحياة سيكون مختلفاً عن قريناتها الليبيات. كل ما فعلت أنها تبادلت الإعجاب مع شابٍ تقدّم لاحقا لخطبتها.

المفارقة أن إعجاب أهلها بالخطيب لم يثنهم عن رفضه، قائلين “لا يعيب هذا الرجل شيء إلا أنه ليس ليبيا”.

تزايد ظاهرة الزواج من الأجانب بسبب الحرب ومواقع التواصل الاجتماعي.

كان هذا في البداية. ومع الإصرار وحسن الحظ وتوسط بعض الأقارب؛ وافقوا “على مضض”، ربما لخوفهم من أن تبقى دون زواج، خاصة مع تقدّمها رويداً في العمر، وانتشار نبأ تقدّم أجنبي لخطبتها، “الأمر الذي قد ينفِّر العرسان منها”، وهذا تماما ما صارحتها به أمها يوما.

قِراننا كان طبيعياً وقانونياً، لكنني أدركت بعد إنجاب الأولاد أنه ليس كذلك بما يكفي لنيل كل الحقوق”. هكذا قالت الفتاة لوكالة الأنباء الألمانية. ويوافقها في ذلك من تمكنت الوكالة من محاورتهن من المرتبطات بغير الليبيين. وعلى قلّتهن، فقد رفضن إشهار أسمائهن للإعلام، وترى ناشطات أن هذا التصرّف لا يُنبِئ بقرب انفراج، فالأعداد ستبدو قليلة، والواقع غير ذلك.

تُرجع زكية العمّاري أمين عام ورئيس المجلس الأعلى لنساء ليبيا تحاشي هذه الفئة للظهور إلى الخوف من تنمّر أو عقاب الأهل، وفي أحيانٍ أخرى بسبب إحساس بعضهن الغريب بالدونية.

تقول لـوكالة الأنباء الألمانية “بعض الأهالي يعتبرون زواج بناتهم من الأجانب فضيحة يجب مداراتها قدر الإمكان”. وهذه حقيقة أدركتها (س. م) مبكراً، حال قرار أهلها حصر دعوات الزفاف على المقربين فقط.

تقول مبروكة بسيكري رئيس المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة “رفض الأهل زواج بناتهم من الأجانب يختلف حسب المنطقة أو القبيلة وكذلك المستوى التعليمي والثقافي، ولهذا فقد رصدنا حالات يسير فيها الزواج بشكل طبيعي، وأخرى سيئة جداً، مثل حالة فتاة اضطرت للهرب إلى دولة الشاب وتزوجته رغما عن أهلها، ومع أنها من أسرة متعلمة، إلا أن عادات مدينتهم تمنع مثل هذا الزواج”.

وتضيف “صادفتنا حالة في مدينة جبلية قام فيها الإخوة بحبس أختهم لمنعها من الزواج. حجبوا عنها كل أدوات التواصل، وكانت قد طلبت مني مساعدتها على الهرب. ولكننا في بلد لا توجد به مراكز إيواء للحماية، ولهذا فقد افتقدنا الوسيلة، وحُرِمت الفتاة من حق اختيار شريكها”.

تتابع “الرفض أحياناً لا يكون من الأبوين، ففي إحدى الحالات طلّق رجلٌ زوجته بسبب زواج أختها من أجنبي. وقد يأتي الرفض من أسرة الشاب الأجنبي أو دولته كما رصدنا في حالات أخرى، لعل أغربها عندما قام قنصل السودان برفض إصدار إذن زواج لمواطن سوداني من فتاة ليبية بحجة أن بنات السودان أحق به”.

وبعيداً عن النواحي الاجتماعية، هناك عائق آخر ترى ناشطات أنه زاد من تعقيد المسألة وتشديد العواقب. تقول سُويلمة بوكر المحامية والناشطة الحقوقية “القانون الليبي يفرّق في المعاملة بين الليبي والليبية في منح الجنسية لأبنائهم، حيث يحق لليبي منح جنسيته لأبنائه إن كان متزوجاً بأجنبية، ولا يحق لليبية منح جنسيتها لأبنائها أن كانت متزوجة بأجنبي”.

لم يرضَ النساء بذلك، وبدأت بعض المطالبات بتأمين حقوق هذه الفئة، فمنع الجنسية يعني حرمان أبناء الليبية من التعليم والعلاج المجانيين، وكذلك التملك، والتنقل بين الدول، والتمتع بمنحة أرباب الأسر والسلع والخدمات المدعومة ومرتبات محدودي الدخل وذوي الاحتياجات الخاصة.

قبل الثورة الليبية عام 2011 كان من الصعب تكوين منظمات مدنية، ولهذا فإن التدخل الأكبر كان من ابنة “معمر القذافي” والأمين العام لجمعية “واعتصموا” للأعمال الخيرية “عائشة القذافي” التي سيّرت سلسلة من النقاشات والندوات الحقوقية حول إمكانية منح هذه الفئة الحق في المواطنة الكاملة.

وقد أثمرت هذه الجهود عن إصدار القانون رقم 24 لسنة 2010 بشأن الجنسية. ولكنه لم ينهِ القضية، بحسب رأي البعض.

تُبدي المحامية بوكر رأيها قائلة “المادة الثالثة من القانون تمنح الجنسية لمن وُلِد لأبٍ ليبي، وتسكت عن منحها لمن وُلِد لأمٍ ليبية، إلا في حال كان الأب مجهول الهوية. أو أن تتقدم الأم بطلب جنسية لابنها بعد بلوغه سن الرشد، شريطة ألا يكون قد نال جنسية أبيه قبل ذلك. ومع هذا فلن ينال الابن الجنسية ما لم يوافق والده، والجهة المختصة في وزارة الشؤون الاجتماعية”.

بعد الثورة زادت أعداد المرتبطات بالأجانب. وترى بسيكري أن “السبب قد يكمن في لجوء الكثير من الليبيين خارج البلاد أثناء الحروب، وإقامتهم لاحقاً في دول مجاورة مثل تونس ومصر، وكذلك انتشار فكرة التعارف والزواج عبر مواقع التواصل، بالإضافة إلى خوف الفتيات من العنوسة بعد ارتفاع معدلاتها”.

منع الجنسية عن الليبيات المتزوجات بأجنبي يعني حرمان أبناء الليبية من التعليم والعلاج المجانيين وكذلك التملك والتنقل بين الدول

تزايدَ الضغط مع ارتفاع الأعداد، وصار سقف المطالب ضرورة منح حق الجنسية لأبناء الليبيات. وتشكلت عِدة مؤسسات مدنية لهذا الغرض. فهل ما يسعون إليه سهل التحقيق؟

لا تعتقد بوكر بوجود مانع قانوني في منح حق الجنسية، وترى أن “منعها يخالف المادة السادسة من الإعلان الدستوري الليبي لسنة 2011”، والذي ينص على “مساواة الليبيين أمام القانون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، والواجبات والمسؤوليات العامة، وأن لا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسري”.

ومع هذه المادة الدستورية، ولِعدم وجود نص قانوني صريح يمنع الجنسية عن أبناء الليبية؛ تستغرب المحامية استمرار منعها. خاصة مع توقيع ليبيا على معظم الاتفاقيات الدولية التي تُقِر بمبدأ المساواة، مثل: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تنص مادته الـ15 على أن “يكون للمرأة نفس حقوق الرجل في مواد اكتساب الجنسية وتغييرها أو الاحتفاظ بها”، وكذلك اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل التي تنص مادتها الثانية على “حق أولاد الأم في الحصول على جنسية أمهم”.

في ديسمبر 2013 أصدرت المحكمة العليا الليبية طعنا دستوريا أقر بأن الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها ليبيا نافذة مباشرةً بمجرد إتمام إجراءات المصادقة عليها من السلطة التشريعية في الدولة، ولها أسبقية التطبيق على التشريعات الداخلية، بحيث إذا حدث تعارض بين أحكامها وأحكام التشريعات الداخلية فإن أحكام الاتفاقية هي الأولى بالتطبيق.. دون حاجة إلى تعديل أي تشريعات داخلية قد تكون متعارضة معها.

وبناء على هذا الطعن، تطالب الناشطات باحترام الاتفاقيات المُصادق عليها، وعمل القضاء المحلي بالطعن، لأنه مُلزِم للمحاكم الأدنى. وهذا ما لم يحدث حتى الآن.

وإلى أن يحدث، سنظل نلمس النتائج السلبية. سنشاهد عيون الليبية البائسة التي تكدح طول اليوم لأن أبنائها محرومون من حقهم في ثروات ليبيا، سنرى الأزواج المتفرقين بين ليبيا ودولة الزوج لأسباب عديدة أغلبها عدم تمكن الزوج من العمل في ليبيا والزوجة من العمل خارجها، والأدهى من ذلك أننا سنلمح تلك التي مات زوجها الأجنبي أو غادر وتركها مع المفارقة الأغرب، أن تكون امرأة ليبية، وأما لغير ليبيين.

____________

مواد ذات علاقة