تحدث عن استمرار تعقّب النشطاء وقادة المجتمع المدني وتعذيب السجناء

انتقدت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا تردي أوضاع السجون بعموم البلاد، واكتظاظها بالمحبوسين في ظل «تعرضهم لظروف غير إنسانية»، مؤكدة «عدم إجراء أي تحقيقات جادة» من قبل وزارة العدل بحكومة «الوحدة» المؤقتة، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، حيال «جرائم التعذيب وسوء المعاملة والتعنيف، والاستغلال بحق السجناء والموقوفين بمؤسسات الإصلاح والتأهيل»، وكذا استمرار تعقّب النشطاء وقادة المجتمع المدني ورجال الصحافة والإعلام.

ورصدت اللجنة في تقريرها السنوي، الذي أصدرته مساء أول من أمس بخصوص حالة المعتقلين في ليبيا، انتهاكات عديدة وصفتها بـ«الجسيمة»، وقالت إن «الأوضاع الإنسانية والصحية للموقوفين والسجناء بمؤسسات الإصلاح والتأهيل تعاني تراجعاً واضحاً، بسبب سوء التغذية وعدم توفير الخدمات الطبية».

كما تحدث التقرير عن رفض السلطات القضائية «منح المنظمات الحقوقية والقانونية، والمدافعين عن حقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق الخاصة بليبيا، التصاريح اللازمة لزيارة مؤسسات الإصلاح والتأهيل».

وقال رئيس المؤسسة، أحمد عبد الحكيم حمزة لـ«الشرق الأوسط»، أمس إن أوضاع السجون في عموم ليبيا «تعدّ كارثيةوتفتقر لأبسط حقوق الإنسان، بداية من عدم توفر الغذاء والرعاية الصحية، وصولاً إلى تعذيب السجناء، وحرمان ذويهم من زيارتهم، أو حتى عرضهم على النيابة بعد انتهاء فترة التمديد لهم».

وأضاف حمزة مستنكرا «في أحيان عديدة يصدر أمر بالإفراج عن مسجونين، لكن إدارة السجون لا تنفذ الأوامر النيابية والقضائية»، لافتاً إلى أن «أغلب هذه السجون تخضع لسلطة التشكيلات المسلحة، التي تم احتواؤها تحت شرعية جهاز السلطة القضائية، التابع لوزارة العدل، وهذا لا يسهم في ضبط وإدارة هذه السجون».

في سياق ذلك، تطرقت اللجنة إلى «عدم إحراز أي تقدم في ملفات حقوق الإنسان، وحالات التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال، وملف المفقودين من جانب وزارة العدل»، وقالت إنه «يتم تجاهل التحقيق في الانتهاكات والمخالفات العديدة، التي ارتكبتها إدارة العمليات والأمن القضائي، التابعة لجهاز الشرطة القضائية بوزارة العدل».

كما تطرقت اللجنة في تقريرها إلى ما سمته بـ«انتهاكات جسيمة» لحقوق الإنسان بحق منظمات مؤسسات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية والأممية، مشيرة إلى «استمرار الاعتقال والاحتجاز التعسفي العشوائي بحق النشطاء المدنيين، وقادة منظمات ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات الأهلية من قبل الأجهزة الأمنية، في إطار حملات التضييق والقمع الموجهة ضدها في عموم البلاد».

وقالت إن السلطات لم تسمح بـ«تجديد تصاريح ورُخص عمل منظمات ومؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية»، لافتة إلى «احتجاز للمسؤولين العاملين بمفوضية المجتمع المدني في طرابلس وبنغازي من قبل الأجهزة الأمنية، بشكل تعسفي»، إلى جانب فرض قيود وإجراءات إضافية على حرية عمل المنظمات الدولية والأممية في ليبيا من قبل حكومة «الوحدة».

وبشأن ما تم رصده من «انتهاكات جسيمة» بحق الصحافيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، تحدث التقرير عن «اعتداءات جسدية ولفظية، واعتقال واحتجاز تعسفي بحق الصحافيين والإعلاميين من قبل الأجهزة الأمنية في إطار حملات التضييق، والقمع والمصادرة لحرية الصحافة والإعلام». مشيرا إلى «عدم منح تصاريح زيارة الصحافيين والإعلاميين لليبيا، وكذلك عدم تجديد تصاريح عمل الصحافيين والإعلاميين من قبل إدارة الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية والتعاون الدولي».

وقالت اللجنة إن وزارة الداخلية بحكومة الدبيبة «تمارس أعمال تعذيب جسدي ولفظي، مع تصاعد وتيرة هذه الممارسات بمراكز الشرطة والإدارة العامة، إلى جانب حرمان الموقوفين من التواصل مع المحامين، وتأخير عرضهم على النيابة العامة».

كما تحدث التقرير عما سماه «إساءة استعمال السلطة، والانحراف بها قصد الإضرار بالآخرين من قبل مأموري الضبط القضائي، التابعين لجهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، من خلال اختلاق جرائم تعاطي المخدرات أو الاتجار بها بشكل كيدي»، مشيراً إلى «سوء معاملة المواطنين والمقيمين الأجانب في الحواجز الأمنية التي تقيمها الوحدات التابعة لوزارة الداخلية».

وبهذا الخصوص أكد حمزة أن «السجناء يمرون بظروف بالغة الصعوبة في سجون ليبية عديدة سيئة السمعة، وهذا يحتاج إلى وضع استراتيجية شاملة للإصلاح والتطوير، ومعالجة هذا الكم الهائل من التجاوزات، ومحاسبة المسؤولين عنها، ووزارة العدل تتحمل نتيجة كل ذلك».

وشمل التقرير الحقوقي مؤشرات الأوضاع المعيشية للمواطنين، التي وصفها بـ«المتردية»، مشيراً إلى «انعدام الخدمات الأساسية، بما فيها الصحية والطبية في المرافق والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، وعدم ضبط الأسعار بالسوق العام، مما أدى إلى زيادة تفاقم الأوضاع الإنسانية للمواطنين».

كما سجّل التقرير استمرار حالة النزوح والتهجير القسري الداخلي لـ 150 ألف ليبي، لافتاً إلى «تعدد المسارات من شرق البلاد إلى غربها ومن غربها إلى شرقها»، كما تنوعت أسباب النزوح، ومن بينها «الدواعي الأمنية والنزاعات المسلحة، والمخاوف من الأعمال الانتقامية».

ومع ذلك سجل التقرير نقطة إيجابية، تتعلق بما سماه «التحسن الملحوظ في تحسن أداء جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة، وتعاطيه مع أوضاع المهاجرين بمراكز الإيواء»، مشيراً إلى أنه تم استحداث الشرطة النسائية ضمن كوادر الجهاز، بغية رفع مستوى أدائه في التعاطي مع الفئات المستضعفة من النساء والأطفال والقُصر، كما شهدت العديد من مراكز الإيواء الخاصة بالمهاجرين أعمال تهيئة وتطوير وصيانة، وتوفير المستلزمات والاحتياجات الإنسانية والطبية والغذائية للمهاجرين بمراكز الإيواء.

********
مواطنون في غياهب النسيان: عن الإخفاء القسري في ليبيا

صغيّر الحيدري

خلص تقرير لخبراء في الأمم المتحدة إلى أن القوات الحكومية والميليشيات في طرابلس، شأنها شأن الجيش الوطني الليبي“.. الذي يسيطر على شرقي البلاد، جميعهم متورطون في ملف الإخفاء القسري لمواطنين، يقدر عددهم في ليبيا بـ 1700 شخص، وذلك خلال الفترة بين شباط/فبراير 2011 واليوم.

مثّل وصول مدعي المحكمة الجنائية الدولية إلى ليبيا، كريم خان، في شهر تشرين الثاني /نوفمبر 2022 لحظة فارقة انتظرها الكثيرون في ليبيا ممن كانوا ضحايا أو لديهم ضحايا سقطوا منذ انتفاضة 17 شباط/ فبراير 2011 التي أطاحت بالقذافي.

وتعتبر زيارة خان هي الأولى لمدعي عام الجنائية الدولية إلى ليبيا منذ عشر سنوات، ارتُكبت خلالها أفظع الجرائم في ظل الصراع على السلطة الذي قاد إلى فوضى أمنية وسياسية خلقت مناخاً ملائماً لنشاط العصابات والتنظيمات المتشددة على حد سواء. وتُعد قضية المختفين قسراً من بين أبرز القضايا التي نفضت عنها أوساط حقوقية الغبار في مسعى لتحريك هذا الملف الذي يتعلق بمصير آلاف الضحايا.

وفي أغسطس/آب 2022، قالت الأمم المتحدة إن عدد المختفين قسراً في ليبيا لا حصر له، معتبرة أن هذه الجريمة هي انتهاك خطير للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. لكن لم يتم بعد اتخاذ أي خطوات فعلية لمعالجة هذه الظاهرة.

1700 ضحية

على الرغم من أن الاتفاق السياسي الموقع في العام 2015 في مدينة الصخيرات المغربية، تضمّن في المادة 24 منه تشديداً على ضرورة الكشف عن مصير المفقودين إلا أن ضحايا جريمة الإخفاء القسري يواجهون تجاهلاً كبيراً في ظل طغيان الحسابات السياسية على بقية هواجس الليبيين. ويعكس عدم تنفيذ المادة المذكورة الهوة الواسعة بين الاتفاقات والقوانين في ليبيا وبين الواقع القائم.

قد تكون دوافع مرتكبي جرائم الخطف والإخفاء القسري هي الابتزاز المالي أو الانتقام الشخصي أو التخلص من خصوم سياسيين أو غيرها. ولكن، ولأن الأطراف الليبية تتبادل الاتهامات بشأن المسؤول عن هذه الجرائم، فقد طغى التوظيف السياسي لها على حساب إيجاد آليات للتقصي والكشف، ولم تتمكن لجنة حكومية هي الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودينمن تحقيق تقدّم في هذا المجال.

وشملت جريمة الإخفاء القسري ما لا يقل عن 1700 شخص منذ تفجر انتفاضة 2011 بحسب أرقام قدّمها رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا. وطال الإخفاء القسري سياسيين وشخصيات عامة ومواطنين على غرار النائبة في البرلمان، سهام سرقيوة، التي اختطفت من منزلها في بنغازي في 2019 بعد إطلاقها مواقف قوية مناهضة للهجوم الذي شنه الجيش الوطني الليبيبقيادة المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس.

اختفت سرقيوةمنذ ذلك الحين، فيما يتم باستمرار الإعلان عن اختفاء موظفين في مؤسسات حكومية على غرار الشركة العامة للكهرباء، وحتى أعضاء في المجلس الرئاسي وغيرهم. وبعد ذلك بعام بالتمام جرت محاولة لاختطاف المحامية حنان البرعصي في أحد شوارع بنغازي، وحين فشلت عملية الخطف تمت تصفيتها بالرصاص داخل سيارتها وفي وضح النهار. وقد كانت شديدة النقد لممارسات الجيش الوطني الليبيالذي يسيطر على شرق ليبيا وعلى بنغازي، ولحفتر نفسه.

وقد تكون دوافع مرتكبي هذه الجرائم هي الابتزاز المالي أو الانتقام الشخصي أو التخلص من خصوم سياسيين أو غيرها. ويتبادل الليبيون الاتهامات بشأن المسؤول عن هذه الجرائم، مما أفضى إلى تجاهل الآليات الكفيلة بوضع حد لها. ولم يتم اتخاذ قرارات في شأن المختفين قسراً قادرة على الكشف عن مصيرهم على الرغم من وجود لجنة حكومية هي الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودينالتي تتخذ من طرابلس مقراً لها.

لم تنجح هذه الهيئة بعد في تحقيق أي اختراق في ملف المختفين قسراً، واقتصر عملها على البحث عن ضحايا الحرب من القتلى في مدن مثل ترهونة التي تمّ فيها العثور على العديد من المقابر الجماعية يُشتبه أنها تعود إلى فترة الحرب بين قوات حفتر وقوات حكومة الوفاق الوطني“.

وفيما تُحْجِم جميع الأطراف عن الإقرار بمسؤوليتها عن هذه الجرائم، خلص تقرير لخبراء في الأمم المتحدة في وقت سابق إلى أن القوات الحكومية والميليشيات في طرابلس، شأنها شأن الجيش الوطني الليبي، هي أيضاً متورطة في هذا الملف.

توظيف سياسي

يغلِّف هذا الملف التوظيف السياسي له عبر التناحر بين الأطراف، وهو ما يُعيق الوصول إلى نتائج ملموسة. فعلى سبيل المثال، ركزت هيئة البحث والتعرف عن المفقودينعملها على ترهونة، بينما تمّ تجاهل مناطق أخرى على غرار سرتالتي نجح تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في إخضاعها عامي 2015 و2016. ويعكس هذا التركيز محاولة لإدانة حفتر وقواته أكثر منها الكشف عن مصير الضحايا، باعتبار أن الاتهامات بارتكاب هذه الجرائم في مدينة ترهونة موجهة بالأساس له. وتتبادل الجهات الاتهامات دون الالتفات الى نقطة الأصل في الموضوع، وهي الجريمة نفسها.

وتقود الفوضى الأمنية والسياسية إلى صعوبة تنفيذ القرارات القضائية الصادرة في حق الجناة في ظل الصراع بين الأطراف السياسية أيضاً من أجل السيطرة على الجهاز القضائي. وعلى الرغم من أن التوظيف السياسي لهذا الملف وغياب مؤسسات متماسكة، قوّضا فرص الكشف عن مصير المختفين قسراً، إلا أن هناك أسباباً أخرى تساهم في تعطيل هذا الملف أهمها اكتساؤه طابعاً قبلياً وأسرياً.

***

صغيّر الحيدري ـ صحافي من تونس

___________

مواد ذات علاقة