بقلم سارة فرولفي وستيليوس يورتشانيد

تظهر سجلات مسربة حديثًا من قبرص كيف استخدم “مسؤول مشتريات” في عهد القذافي شركات خارجية وحسابات مصرفية متعددة لتوجيه وغسل الأموال في الخارج، بعد أن سرق الملايين من حكومة بلاده.

الرئيس السابق لمكتب التعاقد الليبي (مؤسسة تنمية المراكز الإدارية) الذي خدم في عهد “الديكتاتور السابق معمر القذافي”،يتم التحقيق حول “نشاطاته اليوم لأنه يعتقد أنه قد سرق 20 في المائة من قيمة العقود التي تعاملت بها المؤسسة.

يظهر مستند تم تسريبه حديثاً أن المسؤول السابق قد استخدم في الجرائم الموجهة إليه 16 حساباً مصرفيا على الأقل، وسبع شركات، في قبرص. وتشكل الطرق التي تم اكتشافها مؤخراً جزءاً من امبراطوريته العالمية المخفية، والتي تضم أكثر من 100 شركة، وعقارات فخمة، وممتلكات أخرى.

منذ عام 1989 إلى عام 2011، علي إبراهيم دبيبة، عميد بلدية مصراتة السابق، تحكم في (مؤسسة تنمية المراكز الإدارية) وهي مؤسسة عامة كبيرة، أوكل إليها تطوير البنية التحتية في البلاد، طوال فترة خدمته “تماماً مثل الديكتاتور”، حصل دبيبة على 3 آلاف و91 عقداً، بقيمة كلية بلغت 45.4 مليار دينار ليبي أي ما يعادل 33 مليار دولار، في مقابلة مع مجلة “مجموعة أوكسفورد للأعمال”، قال دبيبة إن ميزانية المؤسسة عام 2008 كانت تبلغ 6.8 مليار دولار

السلطات الليبية في طرابلس تعتقد أن دبيبة ربما أساء استخدام 6 إلى 7 مليار، من قيمة عقود “تنمية المراكز الإدارية” باستخدام أساليب مثل وضع عمولات كبيرة، وإيلاء أعمال إلى شركات مرتبطة به أو يمتلكها سراً.

في 2013، أطلقت السلطات تحقيقاً حول نشاطاته، كذلك أخوه يوسف إبراهيم دبيبة، وابنيه إبراهيم علي دبيبة وأسامة علي دبيبة.

كذلك جندت محققين دوليين، لمحاولة استرجاع هذه الممتلكات المنهوبة، كما عرضت نسبة مئوية من الأموال لمن يعثر عليها.

دبيبة كان يعرف “الخاسر عندما يراه”، لذلك خلال التسابق على إسقاط القذافي عام 2011، غير ولاءه، وناصر الثوار.

عندما سقطت ليبيا في حرب أهلية أزهقت أرواح الآلاف، كانت إمبراطورية شركاته جاهزة، لخدمة حياته في المنفى. ويعتقد أن دبيبة يعيش في اسطنبول حالياً.

مخزن” المستندات الاقتصادية المسربة إلى الصحفيين، وكذلك المقابلات مع المسؤولين الليبيين الذين يحققون حول دبيبة، وملفات ذلك التحقيق، تظهرأكثر حول طريقة عمله.

فقط بعض الصفقات التي أدارها دبيبة جرت في قبرص، لكن استخدام المسؤول الليبي السابق للنظام المالي في البلاد قد يكون كشفه “حساساً” نظراً لجهودها في تلميع صورتها كجنة لغاسلي الأموال والمجرمين الآخرين.

الصحفيون الذين شاركوا في مشروع إيطاليا للصحافة الاستقصائية “IRPI” والمشروع المستقل “OCCRP” أمضوا الشهور الستة الأخيرة في ملاحقة تلك الأموال المفقودة، وأين انتهى بها الحال، ولأي أغراض استخدمت.

صعود دبيبة كان سريعاً، ومربحاً. مدرس الجغرافيا السابق، يرجح أنه ولد عام 1945، وأصبح عميد بلدية مصراتة، المدينة الساحلية المهمة، بعد أعوام قليلة عقبت سيطرة القذافي على السلطة في 1969.

وفي عام 1983، بدأ دبيبة العمل في مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، ليصبح “ديكتاتوره” منذ عام 1989 إلى 2011.

كان غرض مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، استخدام ثروة ليبية الناتجة عن النفط، لتنمية البنية التحتية للبلاد. ولعب رئيسها، دبيبة، دوراً خادعاً، بنقاش العقود، والإشراف على الدفعات.

لكنه كان له ولاءات أخرى، حيث أظهرت المستندات أنه بينما كان على “جدول رواتب” مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، أدار دبيبة عدة شركات خارج البلاد، استفادت [الشركات] من دوره الرئيسي في المؤسسة.

اختلاس دبيبة من أموال مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، لم يكن غير معلوم، حتى في عهد القذافي، وفقاً لكتاب صدر عام 2016، عن تسريب “أوراق بنما”، من صحفيين عملا عليها. ويشير الكتاب إلى أن “مستشارا للقذافي”، قال للمحققين الليبيين إن التناقضات في دفاتر مؤسسة تنمية المراكز الإدارية لوحظت مبكراً، لكن لم يتم البحث وراءها، لأن القذافي وأبناؤه، كانوا يتدخلون أو “متورطين” في إدارة المؤسسة.

حكام البلاد الجدد” لم يرغبوا في إعماء أعينهم عن ثروة دبيبة. في 2012، وضع الرجل في القائمة السوداء، من قبل المجلس الوطني الانتقالي، إلى جانب ليبيين آخرين اختلسوا أموال الدولة.

هروب دبيبة

طلبت السلطات من الانتربول إصدار مذكرة حمراء في محاولة للقبض على دبيبة، بتهم اختلاس الأموال العامة، غسل الأموال، سوء استخدام السلطة، والفساد، لكن لم تعد المذكرة فاعلة. ووفقاً “لموقع إخباري ليبي”، فقد تم اعتقال دبيبة نتيجة مذكرة الانتربول في سبتمبر 2014. (الانتربول لم يعلق حول أسباب سحبها، وكذلك السلطات الليبية، حسب صحفيين حاولوا التواصل معها)

وحسب المستندات المسربة إلى الصحفيين، فقد تم إصدار عشرات الفواتير لمؤسسة تنمية المراكز الإدارية، من شركات عديدة، تحت إشراف دبيبة، تظهر أنه أوكل العقود إلى شركائه، أو حصل على عمولات تصل إلى 20 في المائة من العقود الحكومية التي تفاوض حولها.

الملفات المسربة احتوت على تسجيلات رقمية، لـ16 حساباً مصرفياً يملكها دبيبة في قبرص، لبنوك قبرصية وأخرى خارجية. تظهر الملفات حقيبة من الاستثمارات، تساوي ملايين الدولارات، وهو رقم لا يقارن بما قال المحققون الليبيون إنه كان راتبه خلال توليه إدارة مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، والذي كان يبلغ “15,600” دولار في السنة.

في المجمل، المحققون الليبيون يدققون في عمل أكثر من 100 شركة حول العالم، مرتبطة بالدبيبة، بما فيها 65 في بريطانيا، 16 في جزر العذراء البريطانية، 22 في مالطا، 6 في الهند، 3 في ليخنشتاين.

السلطات الليبية طلبت من وكالات “تطبيق القانون” التابعة للسلطات القضائية في كل هذه الدول المساعدة في التحقيقات. لكن كل ذلك بدأ في شرق المتوسط، في جزيرة جمهورية قبرص، حيث عاش دبيبة لفترة.

الموظف وصاحب العمل

قبرص كانت موقعاً جذاباً للمسؤول الليبي ليؤسس شركاته بينما كانت بلاده تحت عقوبات الأمم المتحدة لدورها في تفجير طائرة بان آم عام 1988. وعرضت “الجزيرة” [قبرص] خدمات مصرفية سرية، لم يكن فيها إطار لمكافحة غسل الأموال، وتوفر معدل ضرائب منخفض.

ويبدو أن دبيبة استخدم على الأقل 7 شركات في قبرص، واثنتين في كندا، وثلاثة في ليخنشتاين، لإصدار فواتير مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، وليتحرك ويستثمر أمواله المسروقة.

دبيبة ملك بعض هذه الشركات، وكان شريكاً في أخرى، وكلها كانت مربوطة بصديق قديم، كان شريكه في الجريمة.

رجل أعمال ليبي يسمى أحمد لملوم، وهو صديق قديم لدبيبة توفي عام 2014، ساعده في تأسيس إمبراطوريته الدولية والحفاظ عليها، وشاركه في الغنائم.

علاقاتهما الوثيقة، تجلت في الثقة التي يوليها دبيبة لصديقه.

حيث كتب كبير محاسبي لملوم مرة في عام 2000 رسالة إلى مدير بنك كريدي سويس، حسبما يظهر النائب العام الذي تولى ملف الحسابات المصرفية لدبيبة.

دبيبة ولملوم اشتريا ممتلكات في سويسرا سوية، واستخدما وكيل العقارات ذاته ليشتروا شققاً متجاورة في “مونترو” على بحيرة جنيف، كما استخدما ذات مهندس الديكور في 1995.

بالإضافة إلى شراكتهما في الأعمال، كان لهما علاقات عائلية وثيقة، وفي عام 1998، تزوج ابن أخ لملوم “هاني لملوم” ابنة دبيبة “آمنة.

واحدة من الشركات التي أسسها الرجلان سوية – ربما أهم شركة في مشروعهما – هي شركة استثمارات “فابولون” في قبرص، والتي سميت فيما بعد “شبكة الأعمال العالمية” الدولية.

وحسب موقعها، تتخصص هذه الشركة اليوم في تأثيث المكاتب، و”أتمتتها”، وتوفير أدواتها. لكن فابولون كان أكثر من ذلك، حيث لعبت دوراً رئيسياً في سرقة أموال الدولة الليبية عبر مؤسسة تنمية المراكز الإدارية. بالإضافة إلى تلقيها نصيباً كبيراً من هذه الأموال، كانت الشركة المقر الرئيسي لشركات دبيبة الأخرى.

سجل لملوم “المالك المستفيد” لشركة فابولون، ما يعني أن أرباح الشركة تعود إليه بشكل كامل، على الأقل على الورق. أما بالنسبة لدور دبيبة، فتظهر الوثائق المسربة أنه موظف لدى فابولون، ورئيسها، وصاحب التوقيع الوحيد، لمعظم حسابات الشركة في قبرص، سويسرا وإنجلترا.

وتظهر وثائق حول حسابات فابولون في الفرع القبرصي لبنك “الهليني” أن موقع دبيبة في الشركة كان “المدير العام”.

بين أغسطس 1997، وسبتمبر 1998، الشركة وافقت على 9 فواتير على الأقل للمؤسسة الليبية، تتعلق بطلبيات مواد بناء وأثاث. وكان إجمالي الفواتير يفوق 5.4 مليون.

في عام 1994 ادعى دبيبة أنه مستشار أعمال لدى “نوفست للاستشارات”، وهي شركة أخرى في قبرص.

ليس معلوماً أي جزء من هذه الأموال وجدت طريقها إلى حسابات دبيبة الشخصية، أو إذا ما كان قد تلقى دفعات من عقود مؤسسة تنمية المراكز الإدارية، ووجهها إلى فابولون.

من المعلوم أنه حتى عندما كان يحصل على 12 ألف جنيه استرليني في السنة من المؤسسة، كان يحصل على 90 ألف دولار من الشركة كمرتب سنوي.

_________________

مواد ذات علاقة