بقلم علي عبد اللطيف اللافي

على عكس ما يعتقد البعض فان الحوارات بين الفاعلين الليبيين رغم كل التجاذبات لم تتوقف أبدا، فمحاولات إيجاد مخرج للصراعات جارية منذ أبريل الماضي، بل تمت وتتم برعاية جهات مختلفة بما فيها البعثة الأممية، وهي تجري على مسارات متوازية ويحتفظ فيها بشخصيات وكيانات وتسقط أو تقصى أخرى.

الجزء الثاني

تطورات المشهد خلال الفترة الماضية

من الواضح أن خطة مساعدة المبعوث الأممي الأمريكية “وليامز” والمعروفة بالخطة ب، هي قيد الإنجاز عبر خطوات ملموسة رغم كل المصاعب والعوائق والتحديات.

فبعد مقابلاتها مع أغلب الأطراف والفاعلين السياسيين وزياراتها المكوكية بين مدن المنطقتين الشرقية والغربية اضافة للجنوب الليبي وأيضا للعاصمة التونسية (اين توجد مقار مؤقتة للبعثات الدبلوماسية الغربية) استطاعت أن تمر الى التأثير المباشر في الاحداث والترتيبات والحوارات.

واضافة الى ذلك تم ارسال تحذيرات مباشرة لكل الأطراف الاقليمية بعدم التدخل المباشر في الملف الليبي خلال المرحلة القادمة وكل ذلك تزامن مع خطوات فعالة من طرف قوى دولية فاعلة بعد ترددها في التعامل بالجدية المطلوبة خلال السنوات الماضية.

تم نهاية الأسبوع الماضي الإعلان الرسمي عن تغيير السفيرة الفرنسية بسفيرة جديدة، وهذه الأخيرة أكدت خلال تقديمها لأوراقها الرسمية أنه سيتم فتح سفارة بلادها في طرابلس خلال شهر افريل المقبل.

كل ما سلف ذكره يؤكد أن الحل السياسي في ليبيا أصبح له أفق ومسار واضحين وأن بوادر الانفراج بدأت جلية من خلال توضح مسارات الحل بعد تعقد المشهد خلال السنوات الأربع الماضية .

وعمليا شهدت حوارات الضاحية الشمالية للعاصمة التونسية خلال الأسابيع الماضية تقدما ملموسا بدعم دولي ومتابعة مباشرة من البعثة الأممية وتبين للمتابعين لتلك الحوارات ان هناك نية واضحة لتغيير السلطة التنفيذية مع اقتراب موعد المؤتمر الدولي في “شياكا” الإيطالية وحديث البعثة عن عقد مؤتمر وطني جامع، مع أن البعض ينادي ويطالب برحيل كل الأجسام القائمة وتشكيل جسم تشريعي مؤقت في انتظار الانتخابات النيابية .

ولقد أكد المبعوث الأممي غسان سلامة نهاية الأسبوع الماضي في تصريحات صحفية أنه من الصعب الالتزام بالموعد المحدد في الجدول الزمني الذي أقر في باريس للانتخابات الليبية في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول القادم، بسبب أعمال العنف والتأخر في العملية الانتخابية، كما ذكر سلامة في مقابلة مع وكالة فرانس برس السبت الماضي أنه ما زال هناك عمل هائل يجب القيام به، قد لا نتمكن من الالتزام بموعد العاشر من ديسمبر، معتبرا أن أي اقتراع لا يمكن أن يجرى قبل ثلاثة أو أربعة أشهر.

المسارات الثلاث وموقعها من تفاهمات المجلسين

تصريحات سلامة أتت بعد عودة الحديث عن الأوضاع السياسية وسُبل الخروج من أزمة البلاد الحالية مجدداً بعد هدوء نيران الحرب في طرابلس وتجاوز العاصمة نتائجها الكارثية على الصعيد السياسي والأمني، سيما بعد أن نجح مجلس النواب في تمرير قانون الاستفتاء على الدستور قبل أسبوعين، بعد الاتهامات التي وجهت له بعرقلة المسار السياسي في خطابي رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، وغسان سلامة، خلال مداخلتهما في لقاء وزاري عقد في 25 من الشهر الماضي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعمليا تظهر تصريحات البعثة الأممية التي ترعى العملية السياسية في البلاد، سيما رئيسها سلامة، اتجاه الأوضاع نحو ثلاثة مسارات في انتظار ما قد يستجد من مبادرات ومطالب واعتراضات من هنا وهناك:

المسار الاول هيكلة السلطة التنفيذية مجددا

وسيتم ذلك سواء باختيار سلطة تنفيذية جديدة أو إجراء تعديلات على حكومة الوفاق الحالية، وقد أشار سلامة لذلك بقوله إن البعثة تدرس “عدة قضايا ومبادرات مطروحة لمعالجة الانسداد الحالي للأزمة السياسية في ليبيا”، مؤكدا أنه التقى الأيام الماضية بأعضاء من مجلسي النواب والدولة لبحث الخطوات السياسية المقبلة، لكنه أشار إلى أن البعثة غير راغبة في العودة إلى “دوامة تونس” في إشارة إلى جلسات تعديل الاتفاق السياسي، مشيراً أيضاً إلى إمكانية تعديل السلطة التنفيذية الحالية لتتمكن من الإشراف على مرحلة الانتخابات في وقت لاحق.

وعمليا دعا مجلس النواب، خلال جلسته الاثنين الماضي، مجلس الدولة إلى بدء التشاور معه في إعادة تشكيل السلطة التنفيذية والدعوة إلى انتخابات رئاسية، دون الإشارة إلى انتخابات برلمانية، وهي الدعوة التي لقيت قبولا من مجلس الدولة بعقد لقاءات بين ممثليها وممثلي مجلس النواب انتهت إلى اجتماع بين نائب رئيس مجلس الدولة فوزي العقاب، ورئيس لجنة الحوار بمجلس النواب، عبد السلام نصية، مع غسان سلامة لمناقشة المقترح الذي “سيمهد إلى حكومة توافقية تتمكن من الإشراف على الانتخابات في وقت لاحق”، دون تحديد موعدها.

المسار الثاني عقد المؤتمر الوطني الجامع

وهو المؤتمر الذي أشار له سلامة في أكثر من مناسبة، حيث يمثل البند الثاني من الخطة الأممية المعلنة من قبل سلامة في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، ويجمع كل الأطياف والشرائح الليبية، حتى تلك التي لا تمتلك تمثيلا في الأجسام السياسية الحالية، للتوصل إلى اتفاق شامل يمثل عقدا وطنيا يمهد لمصالحة اجتماعية تفضي إلى تمكين كل الشرائح من المشاركة في الانتخابات العامة.

لكن عديد المراقبين اعتبروا الملتقى بمثابة خطوة من البعثة لتجاوز الأجسام السياسية الحالية في حال فضلها في تعديل الاتفاق السياسي الذي يمثل البند الأول من الخطة الأممية، ليكون الملتقى جسر العبور إلى الانتخابات.

وقد لقيت الدعوة لعقد الملتقى معارضة من قبل مجلسي “الأعلى الدولة” و”النواب”، والذين يرغبان في معاودة الجلسات التي توقفت عند آلية اختيار حكومة وفاق جديدة والأكيد أنهما يعتبران الاتفاق السياسي هو “الخيار المتاح والأوسع والأقرب” وأن الملتقى (المؤتمر الوطني الجامع) مدخلاته مجهولة وبالتالي ستكون مخرجاته مجهولة أيضا.

المسار الثالث الاستفتاء على الدستور ثم المرور للانتخابات التشريعية

وبهذا الشأن  أكد المبعوث الاممي في حديثه الأخير  لفضائية الجزيرة نهاية الأسبوع الماضي أن البعثة تنظر حاليا في “إجراء عملية الاستفتاء على مشروع الدستور ثم تنظيم انتخابات نيابية ورئاسية بعد عملية الاستفتاء”، لكنه استدرك بالقول إن العملية ستتم “إذا لم يتم الطعن قانونياً في قانون الاستفتاء الذي أقره مجلس النواب”، في إشارة إلى ذهاب مجلس النواب إلى تمرير قانون الاستفتاء على الدستور بطريقة جمع التوقيعات للنواب عن بعد، بعد عجزه عن عقد جلسة مكتملة النصاب للتصويت عليه، وهي الخطوة التي لاقت اعتراضا كبيرا من النواب المعارضين لتمرير الدستور للاستفتاء عليه، الذين أكد عدد منهم، خلال تصريحات صحافية، بأنهم في طور إعداد مذكرة للطعن على تمرير القانون بطريقة التوقيع أمام المحاكم…

لا حل مرحلي وعملي إلا بتغيير تركيبة الرئاسي؟ 

المجلس الرئاسي الليبي الحالي جاء ضمن اتفاق الصخيرات مثله مثل البرلمان ومجلس الدولة وبمباركة دولية أيضا، ولكن الأزمة تفاقمت أكثر من ذي قبل مما عقد المشهد وسط تضارب المصالح الدولية حيث تصدرت فرنسا المشهد في المنطقة الشرقية وإيطاليا في المنطقة الغربية ولم يصل الليبيون للحل، رغم أن المواطنين سئموا المعارك والصراعات.

بل أن المتابعين اعتبروا بروز “ستافني ويليمز” في البعثة الأممية ما هي إلا محاولة لإعادة النظر في اتفاق الصخيرات دون إلغائه، و أيضا للخروج العملي من أزمة غياب الخدمات للمواطنين وإنهاء المرحلة الانتقالية بمدة لا تتجاوز عامين فقد يتطلب ذلك بعض الخطوات التي من المهم أن تلقى القبول الدولي والاستئناس أو الالتفاف والمباركة الداخلية وعلى نطاق واسع وعريض والتي يلخصها البعض في النقاط التالية بغض النظر عن نوايا وتوجهات البعثة الأممية خلال الأيام القادمة:

أ تقليص المجلس الرئاسي بحيث لا يتجاوز 3 أعضاء، واختزال اختصاصاته في المهام الشرفية وإعفاءه من المهام التنفيذية بحيث توكل المهمة التنفيذية لرئيس حكومة، لا تتجاوز 11 حقيبة، من خارج المجلس يحمل مشروعا قادر على خلق فرص عمل وقابل للتنفيذ وبميزانية محدودة ومدد محددة. مع التأكيد على بناء مؤسسة عسكرية وأمنية تحت السلطة المدنية

ب الإفصاح الواضح عن ضمانات مطمئنة لقادة المجموعات المسلحة وخلق خيارات للأعضاء المنتسبين لها تتمثل في برامج إدماج في المؤسسة العسكرية والأمنية أو إعادة إدماجهم في المؤسسات المدنية بتوظيف أو دراسة أو تدريب أو منح قروض لمشاريع صغرى ومتوسطة.

ت استحداث مؤسسة شبة عسكرية (الحرس الوطني) كخيار أخير.

ث مسألة الدستور تتطلب خطوات رئيسية من بينها:

  • التهيئة الأرضية لقبول المشاركة فيه بفرض الأمن وتوفير الخدمات المعيشة والصحية والتعليمية وفرص العمل.

  • الاستفتاء على نظام الحكم.

  • تشكيل لجنة في حدود 9 أعضاء من متخصصين في القانون الدستوري يتم ترشيحهم وبالتساوي من المجلس الرئاسي والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة، للنظر في مقترح الهيئة التأسيسية للدستور أو عرض تعديل دستور 1963 بشكل مؤقت قبل صياغة دستور جديد.

مستقبل تطور الأوضاع في الأسابيع القادمة

الحوارات بين فرقاء الصراع ليست جديدة منذ امضاء اتفاق الصخيرات في 2015 ولكنها عادة ما تعود الى نقطة البداية سواء من خلال عدم قدرة الوكلاء الداخليين على التخلص من ضوابط وشروط الأطراف الإقليمية المرتبطين بها أو نتاج ضيق افقهم المستقبلي.

وتبدو الوضعية جد مختلفة هذه المرة للأسباب التالية:

أ توازن الضعف بين فرقاء الصراع وعدم قدرة أي منهم على انجاز الحسم الميداني لصالحه.

ب طبيعة الحراك الدولي منذ أزمة الهلال النفطي في بداية يوليو الماضي، وجدية بعثة الدعم الأممية وخاصة اثر تعيين وليامز مساعدة لغسان سلامة في بداية جويلية الماضي.

ت مصالح اللوبيات العالمية على غرار الشركات العابرة للقارات والراغبة في الاستثمار في ليبيا والعودة اليها بالنسبة للبعض الآخر، ورغبة عديد العواصم الغربية الكبرى في إعادة النشاط لسفاراتها في طرابلس خلال الأشهر القادمة من أجل الظفر بعقود لكبرى شركاتها في بلد يمتلك أهم ثروات العالم بل وقد يصبح لاحقا وبسرعة كبيرة جالب للاستثمار.

ث تغييرات إقليمية ودولية أملت عمليا على الأمريكيين وبعض القوى الدولية على المضي في إيجاد مخرج سياسي مرحلي على الأقل للقدرة على التعامل مع بلد يعتبر مدخلا رئيسيا للعمق الافريقي…

إن مستقبل ليبيا في أفق المرحلة القادمة سيكون باعثا على عودة الوئام بين فرقاء الصراع ويعني ذلك القدرة العملية على توقي الصعاب وأولها تشكيل حكومة وحدة وطنية تُنهي المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات ديمقراطية وشفافة تُقنع الجميع في الداخل والخارج وتكون مُنطلقاً لإعادة بناء المؤسسات الدستورية.

ومن الطبيعي أن الأشهر القادمة وان قد تأتي بالحل والوفاق وذلك لا يعني البتة عدم تنامي  الصعوبات والعراقيل لأن وُكلاء الصراع المشتغلين لدى أذرع إقليمية لقوى دولية سيعمدون إلى تغذية الأجندات لمراكمة العراقيل في وجوه الليبيين والذين يعرفون أن النجاح الأولي والمرحلي لا يعني عدم تجدد الخلافات لاحقاً وان بشكل جزئي.

***

علي عبداللطيف اللافي ـ كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية

______________

المصدر: صحيفة الرأي العام التونسية

مواد ذات علاقة