بقلم عائد عميرة

يعمل اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، منذ فترة، على حشد الدعم العسكري والدبلوماسي له، في ظلّ هزائم قواته المتكرّرة ضد حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس، الأمر الذي تتنزّل فيه زيارته إلى روسيا، خاصة وأنه سبقتها زيارة لمدير مكتبه حيث شارك في مؤتمر للأمن الدولي في موسكو ينظمه الجيش الروسي.

زيارة، يلتقي فيها حفتر بمسؤولين كبار في موسكو، لتناول المصالح المشتركة بين الطرفين، على حساب ليبيا وشعبها الذي يعاني الويلات، جراء الحملات العسكرية التي يشنها حفتر من الحين إلى الآخر في أماكن عدّة من البلاد، وأخرها حربه على طرابلس، وفق عدد من الليبيين.

بحث عن دعم جديد

حفتر الذي بدأ زيارته إلى موسكو أمس الخميس، يسعى لإيجاد الدعم الكافي له، لتغليب كفته في الصراع العسكري الحاصل في ليبيا بينه وبين القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة دولية والتي يقودها فائز السراج.

يرى حفتر في روسيا ورئيسها الذي سبق أن تدخل عسكريًا في روسيا وأنقذ نظام بشار الأسد، خير حليف في معركته المتواصلة في ليبيا، ذلك أن روسيا لها أن تقدم لحفتر الدعم الدبلوماسي والعسكري، حتى وإن أكّدت حيادهاالتام إزاء ما يحصل في هذا البلد العربي.

ويتذكر اللواء الليبي، كيف أنقذته روسيا قبل نحو شهر ونصف من بيان رئاسي كان سيصدر عن مجلس الأمن الدولي (اقترحته بريطانيا) يطالبه بوقف هجوم قواته نحو العاصمة طرابلس، باعتبار هذا الهجوم العسكري يعرض الاستقرار في ليبيا للخطر، مصرة على أن البيان يجب أن يحث جميع القوات في البلاد على وقف القتال.

إلى جانب الاستفادة من الثروات الليبية، تحاول روسيا من خلال دعمها لحفتر خاصة وتحركاتها في ليبيا عامة، إلى إيجاد موطئ قدم لها في منطقة شمال إفريقيا

قبل ذلك، منحت روسيا خليفة حفتر الشرعية، وذلك باستقباله في موسكو في أكثر من مناسبة، كرجل دولة والتفاوض معه في ملفات مختلفة تخصّ الدولة الليبية، عوض التفاوض مع حكومة الوفاق الوطني التي تتمتع بالشرعية الأممية.

هذا الدعم الروسي، يسعى حفتر إلى مزيد تدعيمه، خاصة وأن قواته تلقت هزائم كبرى في معاركها التي تدور في مشارف طرابلس ضد القوات الموالية لحكومة فائز السراج، وفشلت إلى الآن في تحقيق أي انتصار يذكر رغم ادعاء القدرة على دخول العاصمة واحتلالها في مدة لا تتجاوز 48 ساعة.

ويسعى حفتر في هذه الفترة، إلى تعويض خسارته للدعم الفرنسي السخي الذي كان يقدّم له، بدعم روسي أكبر، ذلك أنه يعلم أن فرنسا لن تواصل دعمه بالطريقة التي كانت عليها سابقا، نتيجة المأزق الذي وضع فيه إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون بعد فشله في تحقيق أي من وعوده لها. ويرى حفتر في الدعم الروسي، وسيلة لبسط يده على كامل ليبيا وفرض سيطرة قواته عليها.

رجل روسيا في ليبيا

النظام الروسي بقيادة الرئيس فلادمير بوتين، الذي كثّف جهوده في الفترة الأخيرة ليظهر كوسيط محايد نسبيًا في ليبيا بين جميع الأطراف هناك، يرى هو أيضًا أن حفتر مطيته للاستيلاء والتحكم في ثروات ليبيا الكبيرة.

ورغم هذا الحياد الذي تدّعيه، فإن موسكو ما فتئت تقدّم الدعم السخي بمختلف أشكاله، لحفتر الذي يتحدث اللغة الروسية بطلاقة، حيث ترى في هذا العسكري الذي أعلن الانقلاب على مؤسسات الدولة الليبية الشرعية سنة 2014، أبرز داعم لها في ليبيا.

ويرى العديد من الليبيين، أن روسيا الحليف القديم لنظام معمّر القذافي تسعى جاهدة باتصالاتها مع حكومة السراج، للظهور بمثابة الوسيط بين الأطراف الليبية المختلفة، إلا أن ذلك لا يعدو أن يكون إلا مجرّد غطاء للتغطية على دعمها لحفتر وجماعته في الشرق الليبي في الكواليس.

وسبق أن زار خليفة حفتر، موسكو ثلاث مرات منذ عام 2016، دون احتساب زيارة أمس، وأبحر على متن حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنتسوف عام 2017، وذلك لحضور مؤتمر جمعه  بوزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، في حين لم يزر فائظ السراج موسكو إلا مرة واحدة.

تعتقد روسيا، أن صداقة حفتر ودعمه، ستمكّنها من الاستيلاء على ثروات ليبيا والتحكم في مدخراتها دون أن يحاسبها أحد أو أن يقف أي طرف أمامها، لذلك فهي تقدم له يد العون، فليبيا بالنسبة إلى روسيا بقرة حلوبيمكن أن تنقذها من أزمتها الاقتصادية الخانقة

وتطمح موسكو إلى العودة بقوة إلى هذا البلد الغني بالنفط، بعد غياب طال سنوات عدّة، فقدت خلاله الامتيازات التي كانت تتمتّع بها زمن حكم نظام معمر القذافي الذي سقط سنة 2011 إثر ثورة شعبية استهدفت نظام حكمه.

إيجاد موطئ قدم في شمال إفريقيا

يندرج الاهتمام الروسي بليبيا ودعمها لحفتر، في إطار إستراتيجية أوسع تهدف من خلالها موسكو إلى استعادة دور جيوسياسي بارز في المنطقة، وتؤكد تقارير إعلامية عزم روسيا توسيع دائرة نفوذها في منطقة شمال إفريقيا حيث عادت إلى الواجهة بقوة عبر دعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في مسعى منها أن تلعب دورًا أساسيًا في مستقبل ليبيا وهو ما سيشكل قاعدة أمامية أخرى لها في المنطقة.

فإلى جانب الاستفادة من الثروات الليبية، تحاول روسيا من خلال دعمها لحفتر خاصة وتحركاتها في ليبيا عامة، إلى إيجاد موطئ قدم لها في منطقة شمال إفريقيا، فهذه التحركات ستمكنها من صناعة حليفا آخر لها في المنطقة إلى جانب الجزائر.

نتيجة تهوّر حفتر والدعم الذي يجده من روسيا ودول أخرى، أضحت ليبيا على مشارف حرب أهلية

تشير عديد المؤشرات، إلى عزم الروس اختراق منطقة المغرب العربي والعودة إلى شطرنج المنافسة الإقليمية بعد غياب طويل، من خلال البوابة الليبية وتثبيت حضورها في المنطقة التي تعتبر امتدادًا للنفوذ الغربي، في وقت يشهد فيه القرار الغربي بعض التردد.

وتسعى موسكو، إلى استغلال عدم وضوح السياسة الأمريكية الجديدة الخاصة بليبيا وبلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط، والتردد الغربي من التورط في الشؤون المعقدة للبلدان العربية ومخاوف دول العالم من المجابهة معها، لبسط نفوذها في شمال القارة السمراء من البوابة الليبية.

مصالح ليبيا وشعبها على المحكّ

انطلاقا مما تحدّثنا، نرى أن لكلا الطرفين مصالح مشتركة، فحفتر يرى في روسيا حليفا مميزا، يمكنه مساعدتها في حملاته العسكرية، فيما ترى روسيا أن حفتر يمكن الاعتماد عليه على المدى القريب والمتوسط لتنفيذ أجندتها في ليبيا.

هذه المصالح المشتركة بين الطرفين، تأتي على حساب ليبيا وشعبها الذي يعاني من أزمات عدّة لا تكاد تحصى ولا تعدّ، فأعداء الداخل والخارج بالمرصاد له، إذ أنهم يتفننون في النيل بكرامته وسيادة بلاده، ما جعلها تتراجع خطوات عدّة.

نتيجة تهوّر حفتر والدعم الذي يجده من روسيا ودول أخرى، أضحت ليبيا على مشارف حرب أهلية، وفق المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، الذي حذّر قبل أيام من أن ليبيا باتت على شفير الانزلاق إلى حرب أهلية قد تقود إلى انقسام دائم في البلاد.

وخلّفت حرب خليفة حفتر على طرابلس عددا كبيرا من الوفيات ودمار في البنية التحتية للعاصمة، وإلى غاية يوم 28 مايو/أيار الحالي، بلغت حصيلة النزاع المسلح في طرابلس 562 قتيلا ، بينهم 40 مدنيا و 2855 جريحًا، من بينهم 106 مدني، وفق منظمة الصحة العالمية.

إلى جانب هذا العدد الكبير من الوفيات، سجّلت منظمات إنسانية عاملة في ليبيا، نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، أغلبهم نساء وأطفال، من العاصمة، في حين تقدر الجهات العاملة في المجال الإنساني أن أكثر من 100 ألف شخص عالقون قرب جبهات القتال، وحوالي 400 ألف في المناطق المتضررة من المواجهات.

لا يهم حفتر وروسيا، هذا الدمار الذي تشهده البلاد، بقدر ما يهمهم مصالحهم هناك، فكلاهما يرى ليبيا الخروف الوديع، الذي ينتظر الذئب الذي يفتكّ به وينعم بلحمه، دون خشية أي محاسبة يمكن أن تلحق به، فالجميع نفض يده عن هذا الخروف“.

خسائر الليبيين لا تتوقف عند ما يخسره نتيجة حرب حفتر على طرابلس المتواصلة منذ الـ4 من ابريل/نيسان الماضي، بل تتعدّ ذلك، فهو يرى مدخرات بلاده في يد أعداء الوطن ممن باعوا ليبيا إلى الدول الأجنبية التي دفعت أكثر، مدخرات وثروات تستفيد منها دول أجنبية ترى في ليبيا كعكةوجب اقتسامها دون أن يكون لشعبها نصيب في ذلك.

***

عائد عميرة ـ محرر صحفي في نون بوست

____________

مواد ذات علاقة