بقلم فريدريك ويهري وولفرام لاخر (ترجمة نعيم الغرياني)

في 4 أبريل، شن خليفة حفتر، زعيم الميليشيا التي تسيطر على شرق ليبيا، هجوما واسع النطاق للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

حدد الهجوم انهيار المفاوضات لتشكيل حكومة مؤقتة بين حفتر والقادة الرئيسيين في غرب ليبيا وأشعل الحرب الأهلية الثالثة في ليبيا منذ عام 2011.

من الواضح أن حفتر كان يأمل في الحصول على موطئ قدم سريع في طرابلس، لتنصيب نفسه في نهاية المطاف حاكم ليبيا الذي لا ينازع.

إلا أن ما حدث بدلاً من ذلك هو أن الجماعات المسلحة في غرب ليبيا احتشدت لمواجهة محاولته لاغتصاب السلطة.

خلال الشهر الماضي، كانت قوات حفتر – وهي تحالف من الوحدات العسكرية النظامية والميليشيات التي تطلق على نفسها اسم الجيش الوطني الليبي – عالقة في ضواحي طرابلس، وتفقد ببطء مواقعها للميليشيات المتحالفة اسمياً مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً. لقد قُتل في الاقتتال أكثر من 500 شخص وتشرد أكثر من 80,000 شخص.

وقد وجّهت الأطراف اللاعبة الدولية، مشلولة بخلافاتها، دعوات فاترة لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية. لكن هجوم حفتر أضر بهذه العملية.

وبدون إطار جديد ذي مصداقية للمفاوضات ومقاربة دولية أكثر إحكاما لحل النزاع، فإن وقف إطلاق النار سيمنح حفتر ومعارضيه الفرصة لإعادة التسلح وإعادة التجمع.

ويجب على القوى الغربية – وخاصة الولايات المتحدة – استخدام الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية لمنع القوى الإقليمية من تأجيج الصراع وتسارع نشوء مأزق ضار بين الفصائل المتناحرة في ليبيا. إن القيام بذلك سيجبر الليبيين على العودة إلى العملية السياسية بشروط جديدة.

مقامرة حفتر:

في وقت سابق من هذا العام، بدا حفتر على وشك التوصل إلى اتفاق مع فايز السراج، رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني. ففي فبراير، التقى الاثنان في أبو ظبي وتوصلا إلى اتفاق مبدئي كان من شأنه أن يجعل حفتر صاحب القرار الرئيسي في حكومة انتقالية جديدة.

ومع ذلك، توقفت المحادثات – بشكل أساسي لأن حفتر، كما أخبرنا الدبلوماسيون الغربيون والأمم المتحدة الذين توسطوا بين الطرفين في ذلك الوقت، كان بشكل واضح غير مستعد للقبول بأنه في حاجة إلى تقاسم السلطة.

لقد أربك هجوم حفتر شركاءه المفاوضين في غرب ليبيا، لكنهم سرعان ما احتشدوا للدفاع عن العاصمة. واتحدت أخيرا فصائل المليشيات التي كانت تتصارع بمرارة مع بعضها البعض لسنوات في معارضة له.

يواجه حفتر الآن مقاومة بحجم ربما لم يكن يتوقعه على الإطلاق، ومع انتشار معظم قواته في طرابلس، ضعفت سيطرته على أجزاء أخرى من البلاد. لقد استغلت الدولة الإسلامية (داعش) هذا الضعف بشن هجمات في جنوب ليبيا.

إن وقف إطلاق النار في هذه المرحلة لا يمكن تصوره. فحتى لو وافق السراج على هدنة، فإنه لا يملك سلطة كافية على الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني، وخاصة تلك الموجودة في مدينة مصراتة الساحلية، لفرض الهدنة.

كان المصارتة يحاربون منذ فترة طويلة حفتر ووكلاءه، وعلى مدار العامين الماضيين أصبحت نخبهم قابلة للتسوية. لكن منذ الهجوم، لم يعودوا يشعرون أن بإمكانهم الوثوق بحفتر، ناهيك عن أن يبرموا صفقة معه دون أن يفقدوا قاعدتهم الداعمة. علاوة على ذلك، فإن القوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني واثقة من قدرتها على هزيمة حفتر عسكريا، على الأقل في غرب ليبيا.

حفتر، من جانبه، لديه فرصة ضئيلة للاستيلاء على طرابلس في أي وقت قريب. ومع ذلك، لا يستطيع التراجع دون تعريض وضعه السياسي في شرق ليبيا للخطر. كما أنه لا يواجه أي ضغط خارجي للانسحاب:

يدعم مؤيدوه الأجانب، الإمارات العربية المتحدة ومصر، الهجوم، وقد استجابت الحكومات الغربية له بمزيج من الإدانة بلا أسنان ودعم مبطن.

وقد شجع الفرنسيون، على وجه الخصوص، طموحات حفتر: لقد ساعدوه في غزوه شرق وجنوب ليبيا، وشجعوه عن غير قصد على مهاجمة طرابلس، وحموه سياسياً منذ بدء الهجوم.

الآن يصر الأوروبيون على توقف حفتر وحكومة الوفاق الوطني عن الاقتتال والعودة إلى طاولة المفاوضات، بالإنطلاق من اتفاقية أبو ظبي كنقطة بداية لكن هذا الموقف مفصول عن الواقع على الأرض.

في الحقيقة، فإن الرد الأوروبي الضعيف على الهجوم هو سبب رئيسي لعدم وجود وقف لإطلاق النار ولا العودة إلى العملية السياسية في الوقت الحالي: من الواضح أن الأطراف المتحاربة في ليبيا لا يمكنها الاعتماد على الأوروبيين لفرض تنفيذ الاتفاق.

هذا يترك الولايات المتحدة. حاولت كل من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع في البداية إقناع حفتر بسحب قواته. ولكن في 15 أبريل، أيد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب علنا حفتر في مكالمة هاتفية، مما أدى إلى تحييد جهود الدبلوماسيين الأميركيين فعليا لإنهاء القتال.

خيارات أمريكا:

ربما يكون ترامب قد خرّب الجهود الدبلوماسية الأمريكية، لكن واشنطن ما زالت لديها خيارات. يجب أن تكون أعلى أولوياتها هو ردع دول المنطقة – بما في ذلك مصر والإمارات العربية المتحدة وأيضا قطر وتركيا – عن تصعيد دعمها العسكري للفصائل المتحاربة في ليبيا.

يوجد بالفعل دليل قوي على أن قوات حفتر تستخدم طائرات اجنبية بدون طيار لإطلاق صواريخ جوأرض، على الأرجح مزودة من الإمارات.

على مدار السنوات الخمس الماضية، كانت أبو ظبي منتهكا دائما لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على ليبيا، حيث دعمت حفتر بالمعدات العسكرية والغارات الجوية. وفي غضون ذلك، لجأت قوات حكومة الوفاق الوطني إلى تركيا التي قيل إنها شحنتها عربات مصفحة.

ونظراً لعلاقاتها القوية مع الدول التي تتدخل حالياً في ليبيا، فإن واشنطن في وضع فريد يمكنها من استخدام نفوذها الدبلوماسي لوقف المزيد من الانتهاكات. لكن في غياب موقف واضح من السلطة التنفيذية، قد يأتي الإجراء الأكثر فعالية من الكونغرس.

على وجه التحديد، يجب أن يعقد الكونغرس جلسات استماع علنية تطلب من الهيئات الحكومية الأمريكية، بما في ذلك البنتاغون ووزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات، الكشف عن أدلة على أن دول المنطقة تنتهك الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة. يمكن للكونغرس أيضا أن يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تسهل هذه الانتهاكات.

يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا بناءً في الصراع على إنتاج النفط الليبي أيضا. مع تفاقم الأزمة المالية في شرق ليبيا، يحاول حفتر بيع بعض النفط الذي يسيطر عليه، منتهكا الاحتكار القانوني للمؤسسة الوطنية للنفط الليبية للصادرات.

لقد منعت الولايات المتحدة في الماضي مثل هذه الأعمال غير القانونية. ففي صيف عام 2018، على سبيل المثال، عمل الدبلوماسيون الأمريكيون مع الأمم المتحدة للضغط على حفتر لإعادة المنشآت النفطية التي تم الاستيلاء عليها إلى المؤسسة الوطنية للنفط. إذا حاول حفتر بيع النفط بطريقة غير مشروعة في المستقبل، فينبغي على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لمنعها.

يمكن لواشنطن أيضا استخدام التهديد المعلن المتمثل في فرض عقوبات اقتصادية ومحاكمات جرائم الحرب لردع الانتهاكات – بدءاً من الهجمات على المدنيين إلى محاولات تعطيل إمدادات المياه غير المحصنة إلى طرابلس – وإجبار كلا الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات.

هنا، يستحق حفتر تدقيقا خاصا: ففي أغسطس 2017، وجهت المحكمة الجنائية الدولية إلى أحد ضباطه تهمة القتل غير القانوني لـ 33 أسير حرب، وفي عام 2015 ظهر حفتر في شريط فيديو يأمر جنوده بعدم أخذ أي أسرى.

ولأن حفتر مواطن أمريكي، يمكن للولايات المتحدة مقاضاته بموجب قانون جرائم الحرب الأمريكية. كما يمكن لوزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على حفتر، مستندة على نفس السلطة القانونية التي استخدمتها في الخريف الماضي لمعاقبة زعيم ميليشيا ليبي آخر على هجمات ميليشيا على العاصمة الليبية لمدة طويلة“.

السلام في ليبيا؟

من خلال درء التدخل الأجنبي وحماية موارد ليبيا النفطية، وتطبيق تدابير عقابية، يمكن أن تبدأ الولايات المتحدة في توجيه الغرماء الليبيين نحو عملية سياسية. مثل هذه العملية لا يمكن أن تشمل حفتر ودائرته الداخلية.

لقد استغل أمير الحرب لفترة طويلة جدا المفاوضات باستهتار كوسيلة لتحقيق غايته النهائية في الاستيلاء على السلطة. القوى الخارجية، معتقدة أنه يمكن ترويضه، كافأت غزواته المناطقية بنفوذ سياسي.

لإنهاء هذه الحلقة المفرغة، يجب على الولايات المتحدة إقناع مؤيدي حفتر العرب بإبعاده من المشهد. إنهم لا يرتبطون بالرجل نفسه بل بوعده لتعزيز مصالحهم.

ينبغي على واشنطن أيضا مضاعفة ارتباطها بدوائر حفتر في شرق وجنوب ليبيا، بما في ذلك السياسيين القبليين ورجال الأعمال وقادة المجتمع المدني وكبار ضباط الجيش الوطني الليبي، وعدد منهم لهم صلات بالبنتاغون.

كثيرون من هذه المجموعات لم يكونوا مرتاحين لطموحات حفتر الشخصية، لكنهم دعموه بدافع النفعية أو اليأس. قبل أن يهاجم حفتر طرابلس، كانوا منخرطين في حوار مع نظرائهم من جانب حكومة الوفاق الوطني.

كلما طال أمد الصراع، ستكون المكونات الداعمة في كلا الجانبين على استعداد لتقديم تنازلات من خلال مبادرات محلية لوقف إطلاق النار، مما يزيد من تهميش حفتر.

بصرف النظر عن استغلال المظالم المحلية، برر حفتر هجومه على أساس أن الميليشيات الضارية استولت فعليا على حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، ومعها خزائن الدولة الليبية.

هذه المشكلة هي أيضا مشكلة يمكن أن تساعد واشنطن في معالجتها. قبل هجوم حفتر، كانت السلطات في العاصمة، مدعومة من الأمم المتحدة، تحرز تقدماً متواضعاً في تقليص نفوذ الميليشيات. لإحراز تقدم حقيقي في هذا الصدد، ستحتاج ليبيا إلى مفاوضات من أجل حكومة جديدة أكثر شمولاً ودعم دولي أكبر بكثير.

يمكن للولايات المتحدة، على وجه الخصوص، أن تساعد في مراجعة محايدة وشاملة لمصرف ليبيا المركزي – وهو أمر كانت الأمم المتحدة تخطط له قبل هجوم حفتر.

في رحلاتهم المشتركة عبر ليبيا خلال العقد الماضي، لم ير الكاتبان قط استقطابا سياسيا واجتماعيا بين الليبيين – والشَّلَل بين الدول الخارجية – كما هو الحال الآن.

الوضع يتطلب عملا حاسما، والولايات المتحدة هي اللاعب الدولي الوحيد القادر على توفيره. يجب أن تشدد واشنطن على انتهاكات حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة وتحمِّل الأطراف المتحاربة في ليبيا مسؤولية تصرفاتهم؛ يجب عليها أيضا اتباع إطار حوكمة أكثر شمولا لمستقبل ليبيا – لا يشمل حفتر.

ليس هناك ما يضمن أن هذه الخطوات ستنجح. لكنها تمثل فرصة أفضل من تأييد مستبد طموح دفع البلاد إلى حرب أهلية.

***

فريدريك وهري هو زميل أقدم في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومؤلف كتاب الشواطئ المحترقة: وسط المعركة من أجل ليبيا الجديدة“.

ولفرام لاخر هو كبير المعاونين في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ومؤلف مشارك ، مع علاء الإدريسي ، في عاصمة الميليشيات: الجماعات المسلحة في طرابلس تسيطر على الدولة الليبية“.

_____________

المصدر: مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية

مواد ذات علاقة