بقلم عائد عميرة

سنة وبضعة أيام مرت على بدء محاولات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر احتلال العاصمة طرابلس بمعية دول غربية وعربية. سنة أعلن فيها حفتر أكثر من مرة بدء ساعة الحسم لاقتحام طرابلس لكنه يفشل في كل مرة رغم الدعم الكبير الذي يتلقاه من أطراف دولية وإقيلمية عدة.

في هذا التقرير لنون بوست، سنحاول رصد الهجوم من بداية تصريحات حفتر الاستعلائية ويقينه بقدرة ميليشياته احتلال العاصمة خلال ساعات قليلة، وما خلفه هذا الهجوم المتواصل من ضحايا بشرية وفي البنية التحتية للبلاد، فضلًا عن اللقاءات ومحاولات عقد مؤتمرات السلام، ودخول المرتزقة إلى الخط وما تلاه من رد طرابلس بعقد اتفاقيات أمنية مع تركيا.

ساعات حسم متكررة

في الـ4 من شهر أبريل/نيسان 2019، أعلن حفتر بدء ساعة الصفر لاحتلال طرابلس التي توجد فيها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلًا عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة، وقال حينها إن احتلال العاصمة لن يستغرق أكثر من 48 ساعة.

جاء هذا الاعلان رغم وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، حينها، في طرابلس، ليثبت حفتر تجاهله المساعي الأممية لتشكيل المؤتمر الوطني الجامع لحل الأزمة الليبية، حيث كان من المنتظر وقتها أن تشهد ليبيا تنظيم الملتقى الليبي الجامع، الذي سيركز على عدد من النقاط، أهمها مشروع الدستور والترتيبات الأمنية ومشروع قانون الانتخابات.

مرت الساعات التي تحدث عنها حفتر وأضاف لها وقتًا إضافيًا بالأيام والأشهر، إلا أنه لم يحقق شيئًا يذكر، فقد فشل في تحقيق كل ما وعد به أنصاره، بالعكس فقد تكبد خسائر كبرى، فالليبيون مهما اختلفوا بينهم إلا أنهم يتفقون على رفض قيام نظام عسكري في بلادهم.

فشل حفتر المتتالي في تحقيق أي تقدم عسكري نحو طرابلس، حتم عليه الاستعانة بمرتزقة أفارقة في البداية لكن ذلك لم يف بالغرض، فلجأ للمرتزقة الروس.

تعتبر العاصمة التي لم يخف حفتر، يومًا، طموحه لدخولها، الهدف الأبرز لميليشيات الكرامة وقائدها اللواء المتقاعد، فهو يرى أن مشروعه السياسي والعسكري لن يكتمل إلا بسيطرته على طرابلس، وما حققته قواته في بعض مناطق البلاد في الفترة الأخيرة سيمكنه من تحقيق هدفه.

احتلال العاصمة طرابلس، يسعى من خلاله خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب، إلى استكمال احتلال كامل البلاد حتى يتسنى له فرض نظام عسكري في ليبيا، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبًا على البلاد والمنطقة ككل، فضلًا عن تقسيمها بما يخدم أجندات حلفائه العرب والأجانب المستقبلية.

فشله في إحراز أي تقدم يذكر، جعل حفتر يكرر إعلان ساعة الصفر أكثر من مرة، حيث أعلن بدء ما يصفه دائمًا بـعملية حاسمةللتقدم نحو العاصمة الليبية طرابلس، أكثر من أربع مرات، في كل مرة تتكبد قواته فيها خسائر عسكرية وبشرية كبرى من قوات حكومة الوفاق الوطني.

تكرر وعيد خليفة حفتر بالسيطرة على طرابلس في ساعات قليلة، تحول إلى مسألة عادية اعتادها الليبيون منذ انطلاق العملية العسكرية في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي، ولا يتوقع أن يتغير شيء على الأرض بعدها، فقد أثبتت ميليشياته ضعفًا كبيرًا في إدارة المعركة.

الاستعانة بالمرتزقة

فشله المتتالي في تحقيق أي تقدم عسكري نحو العاصمة طرابلس، حتم على اللواء المتقاعد المناهض للشرعية في ليبيا خليفة حفتر، الاستعانة بمرتزقة أفارقة في البداية لكن ذلك لم يف بالغرض، فلجأ للمرتزقة الروس، عله يتقدم ولو قليلًا في المعركة التي قال إنها لن تدوم أكثر من 48 ساعة.

استعان حفتر في البداية بالمرتزقة السودانيين، حيث أرسل له الفريق محمد حمدان حميدتي قائد قوات الدعم السريع، قرابة 1000 جندي من قواته (الجنجويد) إلى الشرق الليبي لحماية بنغازي في يوليو/تموز 2019، وتمكين قوات حفتر من الهجوم على العاصمة الليبية.

كما استعان أيضًا بمرتزقة من تشاد، تتبع بعضها الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة التشادية (تتكون من قوميي التبو)، وجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد، والمجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية التشادية، وتجمع القوى من أجل التغيير في تشاد.

لم يتوقف حفتر عند هذا الحد، فقد لجأ إلى أصدقائه الروس أيضًا، واستعان بمرتزقة تابعين لشركة فيغنر الروسية لدعمه في مواجهات طرابلس، وذكرت معلومات استخباراتية أن هذه المجموعات من المرتزقة تدعم قوات حفتر بالتدريبات، وتساعده في توطيد نفوذه العسكري عن طريق إمداده بقطع المدفعية والدبابات والطائرات دون طيار والذخيرة، وغيرها من أشكال الدعم اللوجيستي.

وتستعين ميليشيات حفتر بهؤلاء المرتزقة الروس في إطلاق قذائف مدافع الهاوتزر، ما يعني أن مهامهم تجاوزت التخطيط والتدريب إلى المشاركة فعليًا في قصف العاصمة طرابلس مقر الحكومة المعترف بها دوليًا بقذائف المدفعية، ما فاقم عدد الخسائر البشرية في صفوف المدنيين.

وتمول دولة الإمارات العربية المتحدة المرتزقة السودانيين، حيث كشفت العديد من التقارير تجنيد آلاف السودانيين للقتال لصالح حفتر بناء على عقود مع شركة بلاك شيلد الإماراتية مقابل حصول المرتزقة السودانيين على المال، فيما تمول السعودية عمليات مرتزقة فاغنرالروسية التي تقاتل بآلاف الجنود إلى جانب حفتر.

خسائر بشرية كبرى

تواصل هجمات حفتر والمرتزقة التابعين له ضد العاصمة طرابلس لأكثر من سنة بأساليب عشوائية، خلف خسائر بشرية كبرى لم تشهدها البلاد من قبل، ففي الفترة بين 1 من أبريل/نيسان 2019 و31 من مارس/آذار 2020، وثقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في لبيبا وقوع ما لا يقل عن 685 ضحية بين المدنيين (356 قتيلًا و329 جريحًا).

فيما اضطر، وفق البعثة الأممية، نحو 149 ألف شخص داخل طرابلس وما حولها إلى الفرار من منازلهم منذ بداية الهجوم بينهم 90 ألف طفل، ولا يزال ما يربو على 345 ألف مدني في مناطق المواجهة، بالإضافة إلى 749 ألف شخص يقدر أنهم يعيشون في مناطق متضررة من الاشتباكات.

وتشير التقديرات الأممية إلى أن نحو 893 ألف شخص في حاجة إلى المساعدة الإنسانية، حيث تدهورت أوضاع آلاف الأطفال والمدنيين نتيجة الهجمات العشوائية في المناطق المأهولة بالسكان، ويواجه المدنيون الليبيون وكذلك اللاجئون وطالبو اللجوء تحديات صعبة في الحصول على السلع والخدمات الأساسية أو العثور على عمل.

تدمير ممنهج للبنية التحتية

لم يكتف حفتر بهذه الجرائم فقط، فقد أقدم على تدمير البنية التحتية في العاصمة خاصة المرافق الأساسية من بنوك ومراكز بريد ومدارس وجامعات ومراكز وموانئ بحرية ومطارات، ما جعل الوضع في العاصمة يعود إلى الوراء بعد أن كان سكانها يأملون في غد أفضل بعد سقوط نظام القذافي سنة 2011.

هذا الوضع المتدهور الذي وصلت له البلاد، نتيجة تواصل جرائم قوات حفتر واعتداءاته على العاصمة طرابلس، حتم ضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة حتى لا تتفاقم أكثر

تجاهلت قوات الكرامة التابعة لخليفة حفتر سلامة العاملين في القطاع الصحي والمرضى والجرحى والمنشآت الصحية، حتى إنهم كثيرًا ما يستهدفون مباشرة المرضى والعاملين الصحيين والمرافق الصحية وسيارات الإسعاف، بحجة إيوائها لعناصر مسلحة تابعة لحكومة الوفاق الوطني الشرعية.

حتى منشآت المؤسسة الوطنية للنفط لم تسلم من هجمات حفتر، حيث نفذت قواته هجمات واعتداءات على ميناءي السدرة ورأس لانوف اللذين استخدما للأغراض العسكرية، حيث تم الاستيلاء على 15 قاربًا يتبع مؤسسة النفط، إضافة إلى استهداف مستشفى النفط في طرابلس وشركة مليتة للنفط والغاز ومقر شركة شلمبر غير النفطية، وخزانات النفط بطريق المطار بطرابلس ومصفاة الزاوية غرب طرابلس وحقل الفيل جنوبي ليبيا.

عمليات سلام فاشلة

هذا الوضع المتدهور الذي وصلت له البلاد، نتيجة تواصل جرائم قوات حفتر واعتداءاته على العاصمة طرابلس، حتم ضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة حتى لا تتفاقم أكثر وتصبح وبالًا على باقي دول المنطقة. وفي هذا الإطار ما فتئت العديد من الدول تدعو إلى وقف مشترك لإطلاق النار في ليبيا، لكن عادة ما يتجاهل حفتر هذه الدعوات.

كما تم تنظيم مؤتمر للسلام في العاصمة الألمانية برلين بداية هذه السنة، إلا أن المؤتمر عُقد وانفض الجمع دون أن تكون هناك أي حلول ملموسة، فالأطراف المتدخلة في الشأن الليبي واصلوا اجترار الرؤى والدعوات السابقة دون توضيح كيفية تطبيقها ما يجعلها مجرد حبر على ورق كعاداتها.

استعانة حفتر بمرتزقة روس وسودانيين وتشادين وفشل عمليات السلام المطروحة، جعل حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا تلجأ إلى حلفائها على رأسهم تركيا لإنقاذ الوضع في البلاد

لقاء جديد لم يضف شيئًا في سبيل إنهاء الأزمة الليبية، فما خرج به المشاركون في المؤتمر مجرد توصيات كسابقاتها من المؤتمرات والملتقيات رغم ما أضفته ألمانيا من هالة إعلامية وتشويق عليه وهو الدعوة إلى الحل السياسي وأن الأزمة الليبية لا تحل عسكريًا.

كما حاولت كل من روسيا وتركيا ودول الجوار الليبي تقريب المسافات بين الأطراف المتنازعة في البلاد، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل، فحفتر يعلم يقينًا أن السلام لا يخدمه وأن أهدافه لا تتحقق إلا بالعمل المسلح حتى إن كلفه ذلك تدمير طرابلس وقتل ما فيها من سكان.

التدخل التركي

استعانة حفتر بمرتزقة روس وسودانيين وتشادين وفشل عمليات السلام المطروحة، جعل حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا تلجأ إلى حلفائها على رأسهم تركيا لإنقاذ الوضع في البلاد وحماية ليبيا من خطر التقسيم والعسكرةالذي يسعى له حفتر بمساعدة دول عربية وغربية لا هم لها إلا خراب هذا البلد العربي للسيطرة على مدخراته الطبيعية والاستفادة من موقعه الجغرافي.

ويرى مسؤولون أتراك على رأسهم الرئيس رجب طيب أردوغان أن حماية ليبيا، يمر حتمًا عبر حماية الشرعيةهناك والمتمثلة في حكومة فائز السراج المعترف بها من الأمم المتحدة التي انبثقت عام 2015 عن محادثات استمرت لعدة أشهر في مدينة الصخيرات المغربية.

في إطار هذا الدعم، وقع الرئيس التركي مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فائز السراج، في 27 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، المذكرة الأولى تتعلق بترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، أما المذكرة الثانية، فهي متعلقة بإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني دعمًا عسكريًا، وتشمل هذه المذكرة التعاون في مجالات الأمن والتدريب العسكري والصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وغيرها من أشكال التنسيق العسكري.

بعد إبرام هذه الاتفاقيات، بدأت تركيا في إرسال خبراء ومدرعات وطائرات مسيرة لمعاضدة جهود قوات حكومة الوفاق في التصدي لهجمات حفتر، فانقلبت موازين القوى لصالح حكومة الوفاق الشرعية، على اعتبار أن تركيا الدولة الوحيدة تقريبًا، التي تقدم دعمًا حقيقيًا للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، وتجري تعهداتها معها بشكل علني وشفاف، خلافًا لسلوك دول محور الثورات المضادة التي تدعم حفتر.

سعي حفتر إلى احتلال طرابلس وإقامة نظام عسكري في ليبيا بمساعدة مرتزقة من دول إفريقية عدة وروس، لتهيئة الأرضية الملائمة لحلفائه العرب والأجانب لتنفيذ أجنداتهم التخريبية في البلاد، واجهته حكومة الوفاق بصلابة كبرى وزادها الدعم التركي السخي صلابة أكبر، ما جعل أغلب مخططات حفتر تسقط في الماء.

***

عائد عميرة ـ محرر في نون بوست

____________



مواد ذات علاقة