اعداد: د. مرعي علي الرمحي

ان هذا البحث يقوم على دراسة واقع التعليم الجامعي والعالي في ليبيا واثره على سوق العمل الليبي باعتباره مؤسسة تربوية متخصصة في إعداد الشباب للمجتمع كونهم يمثلون الثروة البشرية الفعلية التي تسهم في إعمار البلاد وتطويرها .

وتزداد أهمية التعليم في الدور الحديث نتيجة للتقدم الذي طرأ في العلوم الإنسانية والتطبيقية  ونظراً لأن التعليم المطلوب في هذا القرن هو ذلك التعليم الشامل والمتخصص في نفس الوقت لذلك تعمل كافة دول العالم على ربط التعليم الجامعي والعالي بمتطلبات التنمية وسوق العمل . فالأمم المتعلمة هي الأمم القوية فلم تعد قوة الأمم تقاس بمساحة أراضيها او بما تملكه من قوات عسكرية او بعدد سكانها او بما تملكه من ثروات طبيعية.

وبناء على ذلك فان هذا البحث يتناول الواقع التعليمي الجامعي والعالي في ليبيا واثره على سوق العمل الليبي كونه يمثل اهم الروافد التي تساعد على تطوير وتحديث مستوى المعيشة داخل المجتمع الليبي.

حيث عمل هذا البحث على تناول واقع التعليم الليبي بنوع من التحليل غير السردي الذي نتحصل من خلاله على نتائج علمية يمكن الاستفادة منها في دراسات علمية تطبيقية تكون نواة لدراسات علمية اخرى تساعد الباحثين في تفادي الإشكاليات ووضع السياسات والخطط اللازمة لاستمرار العملية التعليمية المواكبة للتطورات الواقعة في الميادين التربوية والفكرية والعلمية والتقنية الحديثة:

مقدمة

إن العملية التعليمية لا تتم في الفراغ ولا يمكن ان تحدث بمعزل عن مشكلات واحتياجات وتطلعات الأفراد والمجتمعات على السواء وتمثل العملية التعليمية قوة اجتماعية تمتلك القدرة على إحداث تغييرات بعيدة المدى في البناء الحضاري للمجتمع.

ومن جانب آخر فهي تمثل قوة اقتصادية كبرى باعتبارها استثمار امثل لأهم فئة مكونة للنسيج الاجتماعي لكافة المجتمعات الإنسانية . الا وهي فئة الشباب

ولابد من الاخذ بعين الاعتبار إن كل جهد يبذل تجاه التعليم وتحسين فاعليته وأداؤه تجاه متطلبات المجتمعات الإنسانية القائم فيها هو في حقيقة أمره نوع من التخطيط أو ما يعرف في بعض الدراسات الاجتماعية بمصطلح ” التخطيط التربوي ”  والاهداف والغايات التي يسعى إلى تحقيقها التخطيط التعليمي يمكن إيجازها في التالي :

ربط خطط أو برامج أو مشروعات التعليم بأهداف وأبعاد ورؤى التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف في مجملها إلى رفع مستوى معيشة الفرد.

العمل على تحقيق درجات مثلى في التنمية داخل المجتمع الإنساني وتحسين إشكال العلاقات والنظم القيمية

وتنطوي الاشارة بان ليبيا تعد في مقدمة الدول النامية التي بدأت تهتم بقطاع  التعليم بشكل عام والتعليم الجامعي والعالي بشكل خاص . باعتبارهما الإدارة الناجحة في تحقيق أهداف التنمية بصورة عام وتتمثل الأسس الرئيسية التي ارتكزت عليها السياسة التعليمية في ليبيا على اربعة اسس رئيسية :

الاساس الاول –  إن التعليم هو الأداة المثلى في رفع مستوى الفرد الليبي وتنمية شخصيته المتكاملة.

الاساس الثاني – إظهار التراث الثقافي والحضاري الليبي . وتوضيح دوره في بناء الحضارة الإنسانية والعمل على جعله أساساً لتطوير أساليب الحياة الجديدة .

الاساس الثالث – اعتبار العملية التعليمية أداة لأعداد القوى البشرية اللازمة لبرامج وخطط واستراتيجية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الاساس الرابع – اعتبار العملية التعليمية والتربوية الأداة الاساسية لتحرير إرادة الشعب العربي الليبي من اسر الجهل والتخلف ليعي دوره في تحقيق أهدافه في الحرية والاشتراكية .

 ووفقاً لهذه الأسس الموضوعية وتدعيماً للعملية التعليمية برزت قضية التعليم الجامعي والعالي في ليبيا في منتصف عقد الخمسينات باعتبار أنها قضية وطنية هامة فرضتها الأسباب التالية :

أوجود رغبة شعبية في ضرورة إيجاد مؤسسات تعليمية عالية داخل الوطن .

بزيادة عدد المدارس الثانوية وبالتالي زيادة عدد خريجيها . الأمر الذي يترتب عليه إيفادهم للدراسة الجامعية إلى الخارج  .

جتوفير احتياجات البلاد من المواطنين والمدرسين والباحثين والفنيين المؤهلين تأهيلاً جامعياً وعالياً من أجل المساهمة في بناء المجتمع وتطويره  

وتقوم الدراسة على فرضية مفادها  :

   هل بالفعل يعانى التعليم الجامعي والعالي في ليبيا  من مشاكل موضوعية حالت دون فاعلية اداؤه  في  سوق العمل الليبي    .

المطلب الاولواقع التعليم الجامعي والعالي في ليبيا 

ان الدولة الليبية تعتبر من الدول التي اهتمت بالعلم منذ ان تواجدت فيها أولى الحضارات الإنسانية على ترابها متمثلة في الحضارة الجرمانتية ثم الحضارات الفنيقية والإغريقية والرومانية . كما تتمثل هذه الحقيقة في ما أكدته كتاب التاريخ من وجود مكتبات علمية مثل  مكتبة ” شحات ” التي تقلد بعض أمنائها في فترة من فترات حياتهم أمانة مكتبة الإسكندرية وهما ( كليماخوس  ؛   أزازنس ) .

ولابد من الاخذ بعين الاعتبار ان فترة العهد الإسلامي شهدت فيها ليبيا ظهور الكتاتيب والمساجد والزوايا الكبرى باعتبارها ترتقي إلى مستوى التعليم الجامعي المعاصر فالتعليم في الزوايا والمساجد الكبرى لم يخرج في كونه على ما يمكن ان نطلق عليه أو نسميه التعليم الجامعي أو العالي مع اختلاف ظرفي المكان والزمان .

بمعنى ان السلم التعليمي في العهد الإسلامي في ليبيا قد بدأ بالكتاتيب أي ما يعادل المدارس الابتدائية والمساجد تضاهي التعليم الإعدادي والثانوي وهي تعد أعلى مستوى من الكتاتيب في مستوى طلبتها وأساتذتها .

حيث استمر التعليم فيها إلى بداية الاحتلال الإيطالي الغاشم لليبيا في عام 1911 م حيث أغلقت بعض الزوايا وتمت محاربة الأوقاف.

وتنطوي الاشارة بانه أثناء فترة  الاحتلال الإيطالي حرم معظم الليبي من التعليم في ما عدا قلة التحقت بالمدارس الإيطالية بليبيا وإيطاليا . وفي النصف الثاني من القرن العشرين تم تأسيس أول جامعة ليبية حديثة في عام 1955 م في مدينة بنغازي اشتملت على كلية الآداب والتربية ؛ ثم كلية الاقتصاد والتجارة في عام 1957م ([5]) .

أما فرع الجامعة في طرابلس فقد احتوى على كلية العلوم التي افتتحت عام 1957م  وكلية الزراعة عام 1966م .

وفي إطار هذا النهج وضعت السياسات العامة للتعليم والبحث العلمي في ليبيا منذ تنفيذ أول خطة تنموية وذلك من أجل تحقيق تنمية الموارد البشرية والاجتماعية والاقتصادية  .

ولعل  من بين أهم تلك السياسيات التعليمية يتمثل في التالي  :

1- نقل العلوم والتقنية التطبيقية بما يحقق عملية تنموية شاملة .

2- ربط التعليم باحتياجات ومتطلبات خطط التنمية.

3- التوسع في مجال التعليم والتدريب المهني والدراسات العليا.

4- العناية بإجراء البحوث العلمية والاعتماد على الجامعات في تقديم الاستشارة الفنية للمجتمع.

5- ربط المؤسسات العلمية “جامعات – معاهد عليا بما يناظرها من هيئات ومؤسسات في الداخل والخارج

ويجب التذكير انه بالرغم من المظاهر الإيجابية التي حققتها مؤسسات التعليم الجامعي في ليبيا عبر سنوات نشأتها . إلا أن مؤسسات التعليم الجامعي والعالي قد اعترضتها العديد من المشكلات التي جعلتها لا تحقق المطالب التنموية . وتتمثل أهم مشاكل واقع التعليم الجامعي والعالي في ليبيا في المشاكل الرئيسية التالية :

–   يعاني التعليم الجامعي والعالي في ليبيا من تدني في المستوى التحصيلي للطلاب مقارنة بما كانت عليه خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي .

–  تزايد إعداد الطلاب في مؤسسات التعليم الجامعي والعالي دون أن يقابله توفر الإمكانات البشرية والمادية المناسبة .

–   انخفاض نسبة أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب مقارنة بالنسبة المحددة في الجامعات العالمية .

–   انخفاض مستوى الخدمات التعليمية في مؤسسات التعليم الجامعي والعالي والمتمثلة في المعامل والمختبرات والخدمات المكتبية . ونقص المراجع العلمية والدوريات الخاصة بالنشاط العلمي .

–   وقوع إدارات مؤسسات التعليم الجامعي والعالي في إشكالية الأسلوب التقليدي وعدم إتباع الأسلوب الحديث في إجراءات التسجيل أو في نتائج الامتحانات  .

–   عدم التنسيق ما بين سياسات سوق العمل وسياسات القبول في الجامعات والمعاهد العليا. الأمر الذي انعكس سلباً على حركة التنمية الشاملة.

–    انعدام التوازن في المقررات الدراسة في جانبيها ”   النظري / التطبيقي ” .

–   عدم تنفيذ المقررات الدراسية بالشكل الذي خطط له نتيجة وجود ثلاثة عوائق  :

العائق الاول  – فقدان الأستاذ الجامعي رغبته في تجديد وتطوير معارفه  .

العائق الثاني – فقدان الحافز والدوافع للقيام بمهنة التدريس الجامعي  .

العائق الثالث – فقدان استقراره في عمله الأصلي وتنقله من مؤسسة لأخرى .

التغيير المستمر في المقررات والبرامج الدراسية غير المخطط له تخطيطاً علمياً داخل القسم العلمي بسبب تغيير نظام الدراسة من نظام فصلي إلى سنوي  او تغيير نظام الدراسة من نظام سنوي إلى فصلي .

إيقاف العمل بتطبيق إجازة التفرغ العلمي بالخارج  والتي تمنح لعضو هيئة التدريس من أجل تجديد نشاطه . ومعارفه العلمية وقيامهم بالأبحاث العلمية واقتصارها على ثلاثة أشهر فقط  وبقية الإجازة تمنح في الداخل وما يصاحبها من مشاكل  ” إدارية / مالية ” تفقد مضمون وأهداف إجازة التفرغ .

–  ندرة الصلة بين المقررات الدراسية ومتطلبات واقع سوق العمل

وبالتالي يتضح لنا إن واقع التعليم الجامعي والعالي في ليبيا يعترضه العديد من الإشكاليات التي تقف دون تفعيل دور التعليم تجاه برامج وخطط وسياسات التنمية سواءً ” المرحلية / المستديمة ” في ليبيا .

وإن ما يعانيه التعليم الجامعي والعالي في ليبيا يكمن  في عدم توافر عملية التوازن والتوافق في المنهجية العلمية والهيكلية لمؤسسات التعليم الجامعي والعالي . بالإضافة الى سوق العمل سواءً بالفائض أو بالعجز – وهذا بدوره يؤدي إلى علاقات غير منتظمة  بين مخرجات العملية التعليمية  ومتطلبات سوق العمل  بكافة أشكاله وأحجامه .

المطلب الثاني السياسات العلمية السلبية التي تعاني منها مؤسسات التعليم الجامعي والعالي

في الحقيقة بالرغم من أن مؤسسات التعليم ” الجامعي / العالي ” قد عملت داخل ليبيا على توفير الكوادر البشرية والكفاءة العلمية المتخصصة التي أخذت على عاتقها المساهمة الفعلية الجادة في حدود إمكانات هذه المؤسسات البشرية والمادية.

إلا أن هذه المؤسسات الجامعية والعليا تعاني العديد من الإشكاليات التي أعاقت مسيرتها للالتحاق بركب التطور. لا سيما في زمن العولمة التي فرضت نفسها على واقع حياتنا العلمية والعملية . وفى هذا الاطار عملت هذه الدراسة على توضيح أهم أوجه القصور التي تعترض عمل هذه المؤسسات العلمية بالشكل الفعال بما يتلاءم  مع متطلبات العصر وتناقش هذه الدراسة أهم تلك المشاكل في السياسات السلبية التالية:

اولا  – السياسات العامة للمناهج العلمية:

        مما لاشك فيه ان المناهج العلمي الدراسية المعمول بها داخل مؤسسات التعليم “الجامعي/العالي” داخل مؤسسات التعليمية  في ليبيا  تعانى فعليا من عدة مشاكل اهمها :

–  عدم مواكبة تلك المناهج لمتطلبات التطورات  داخل العلوم الانسانية والتطبيقية الحديثة .

–  لا تساعد هذه المناهج في خلق كوادر علمية مبدعة يحتاجها سوق العمل الليبي  في شتى المجالات لاسيما التخصصات التي تحتاج الى المهارات التطبيقية .

–  عدم ربط تلك المناهج بمتطلبات سوق العمل الليبي بدليل ان معظم الدراسات والبحوث ذات طابع نظري غير تطبيقي .

ثانيا – واقع عضو هيئة التدريس الجامعي:  

 بالرغم من ان عضو هيئة التدريس يمثل أهم الركائز الأساسية في العملية التعليمية، إلا أن واقع عضو هيئة التدريس داخل مؤسسات التعليم ” الجامعي / العالي ”  الا انه يعاني من العديد من المعوقات التي تقف دون تفعيل أداه داخل تلك مؤسسات التعليم ( الجامعي ؛ العالي ) حيث تظهر هذه الدراسة أبرز تلك المعوقات في النقاط التالية  :

–  زيادة نصاب أعضاء هيئة التدريس بعدد كبير من الساعات الأسبوعية . بالإضافة الى الساعات التدريسية التي يقوم بها خارج جامعته . وبالتالي اقتصار وظيفة الأستاذ الجامعي على التدريس بدلاً من البحث العلمي .

–  قلة التواصل بين عضو هيئة التدريس والندوات والمؤتمرات العلمية وورش العمل مما أثر على تنمية معارفهم  وتطلعاتهم المستقبلية .

–  التخبط وعدم استقرار اللوائح التي تنظم الأوضاع العلمية والبحثية، بالإضافة الى برامج التفرغ العلمي لعضو هيئة التدريس .

–  مشكلة نظم النشر والتأليف والترجمة وما بها من مكافأة لا تسمح لعضو هيئة التدريس للقيام بالتأليف والنشر .

–  بالرغم من توفر الحوافز المادية والمعنوية لأعضاء هيئة التدريس لاسيما الملتحقين ببرامج الدراسات العليا أو الإشراف العلمي . إلا أن خضوعها للضرائب يفقدها من محتواها وفاعليتها .

يتبع في الجزء الثاني

***

د. مرعي علي الرمحي ـ استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة بنغازي

____________

مواد ذات علاقة