كفاية أولير

الاستيلاء على الناقلة كوين ماجدةفي المياه الألبانية فتح نافذة على تجارة بـ5 مليارات دولار في الوقود الروسي المهرب.

نشرت وكالة بلومبيرغتحقيقاً مطولاً بعنوان، ملحمة السفينة كوين ماجدة، رصدت من خلاله آفة تهريب النفط الليبي في غياب الشفافية والمساءلة، في الدولة التي لا تزال تمزقها الصراعات الداخلية للفوز بالسلطة.

بدأت الوكالة العالمية، القصة بسرد أحداث وقعت في صباح صاف من سبتمبر (أيلول) 2022، حين غادرت السفينة كوين ماجدة، وهي ناقلة وصفتها بـناقلة باهتة اللون باللونين الأزرق والأبيض، محملة بزيت الغاز البحري، تبلغ قيمتها أكثر من مليوني دولار، ميناء بنغازي الليبي وانطلقت إلى بورتو رومانو في ألبانيا، على بعد 600 ميل بحري إلى الشمال.

تعامل القبطان الليبي البالغ من العمر 55 سنة، زهير الكوفي، مع الرحلة مثل الرحلات السابقة التي قام بها، فكان لديه شهادة موقعة توضح أن الوقود نشأ في ليبيا من شركة البريقة لتسويق النفط، وهي ذراع المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة، وبعد أربعة أيام، عندما دخلت كوين ماجدةالمياه الألبانية، رأى الكوفي قارباً صغيراً يظهر في الأفق، كما روى لاحقاً. كانت سفينة تابعة لخفر السواحل، وعندما صعد أحد الضباط على متنها، قدم له الكوفي الشاي بينما كان ينظر إلى وثائق الشحن. قال الكوفي، الضابط قال إنه لا توجد مشكلة، ثم جاءت إلى جانبهم سفينة أكبر لخفر السواحل، عندها أدركت أن هناك خطأ ما.”

ووجد المفتشون الألبان أنه حتى خزانات المياه ضخت بالكامل بآلاف الجالونات من زيت الغاز، واشتبهوا في أن الوثائق التي تظهر الوقود الذي مصدره ليبيا مزورة. وكانت هناك علامة حمراء واحدة وهي أن شركة البريقةتتعامل مع الوقود داخل ليبيا، في حين أن المؤسسة الوطنية للنفط هي الكيان الوحيد المصرح له باستيراد وتصدير المنتجات البترولية، في الدولة الأفريقية التي مزقتها الصراعات.

تلقى الكوفي تعليمات بأخذ كوين ماجدةإلى ميناء دوريس، إذ كان ينتظرها صف من سيارات الشرطة، واقتيد وبعض أفراد طاقمه المكون من 10 أفراد إلى مركز الشرطة، ووجهت إليهم تهمة التهريب.

وقال المدعون الألبان وأفراد الطاقم إن المتلقي المقصود هي شركة كاستاراتي غروب أس أتش دوت إيه، وهي شركة طاقة تدير شبكة من محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد، ولم يكن مالك السفينة، رجل الأعمال الليبي، نوري الذوادي، الذي يظهر في ملفه الشخصي على فيسبوكوهو يصور مع سيارات ويخوت أجنبية.

وقامت شركته إلداوادي شيبيتغ ليميتد، بتشغيل السفينة كوين ماجدةخارج تركيا حتى أوائل عام 2022، وهي الآن مسجلة في جزر مارشال، وفقاً لقاعدة بيانات المنظمة البحرية الدولية. وفي يونيو (حزيران) 2022، تغير علم السفينة من ليبيا التي اعتبرتها الصناعة البحرية مدرجة على القائمة السوداء بسبب افتقارها إلى الرقابة إلى الكاميرون.

وأكدت كاستاراتيفي رسالة بالبريد الإلكتروني أنها تلقت شحنات من زيت الغاز البحري من السفينة كوين ماجدةفي شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين، لكن الشركة قالت إنها لا تملك عقد شراء للشحنة التي كانت تحملها السفينة الليبية وقت احتجازها. وقالت متحدثة باسم الشركة، أجرت مجموعة كاستاراتي كل المعاملات التجارية بمنتهى النزاهة والشفافية، في حين لم يستجب الدوادي لطلبات التعليق من بلومبيرغ“.

وتقول الوكالة العالمية، إن احتجاز السفينة أثار تساؤلات حول تهريب الوقود المزعوم أكثر ممن من يقف وراءه؟ وما مدى انتشار السرقة؟ لماذا كان من الممكن أن يحدث؟ ومن أين أتى الوقود، وأين كانت الأموال تذهب؟

وأشارت إلى أن الأمر استغرق ما يقرب من عام للإجابة عن هذه الأسئلة، لكن تحقيقاً أجرته استناداً إلى سجلات الشحن والمقابلات مع مسؤولين ليبيين، وأشخاص مطلعين على أعمال النفط الليبية وأفراد الطاقم، وجد أن ما يصل إلى 40 في المئة من الوقود الذي تستورده البلاد بموجب برنامج دعم حكومي، أو حوالى 5 مليارات دولار سنوياً، يتسرب من خلال التجارة غير المشروعة، ويأتي معظم هذا الوقود المستورد من روسيا، ويحول إلى دول في أوروبا التي حظرت استيراد تلك المنتجات نفسها.

وقال مدير التحقيقات في شركة سنتري، تشارلز كاتر، أدى إغلاق الأسواق الأوروبية في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا، والعقوبات الغربية التي تلت ذلك، إلى زيادة حادة في صادرات النفط الروسي المكرر إلى شمال أفريقيا، وهي منطقة تعاني ندرة المصافي“. ونشرت منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تقريراً عن تصاعد الفساد والأنشطة غير المشروعة في ليبيا، وقدمت المساعدة البحثية لهذه القصة، قائلة يرتبط هذا التدفق من الواردات النفطية ارتباطاً مباشراً بعمليات تهريب الوقود المزدهرة في ليبيا“.

وكان ميناء دوريس، وهو أكبر ميناء في ألبانيا، هادئاً بشكل مخيف بعد ظهر يوم الثلاثاء الحارق في يوليو الماضي، وكانت الرافعات الصفراء والزرقاء التي تنقل الحاويات عاطلة عن العمل، ولم يكن من الممكن رؤية سوى عدد قليل من العمال، وسط الحرارة المنبعثة من الأرصفة، وفي الطرف الشرقي للميناء، كانت السفينة كوين ماجدةمربوطة بالرصيف رقم اثنين.

وتقول بلومبيرغ، “10 أشهر مضت، منذ أن دخلت السفينة إلى الميناء، فيما شوهت خطوط الصدأ بدنها، وكان يجلس على مقدمة السفينة كرسي معدني وحيد ذو ظهر نايلون مهترئ، وبالقرب من الجسر، حيث عادة ما يعثر على ضباط السفينة، علق عدد قليل من القمصان والمناشف من حبل الغسيل المثبت“.

أجاب الكابتن الكوفي عن أسئلة بلومبيرغعبر تطبيق واتساب، ونفى ارتكاب أية مخالفات، قائلاً إن التحقق من الأوراق ليس من مهماته، وأوضح أنه عين في أبريل (نيسان) 2022 بعقد مدته خمسة أشهر في مقابل 3500 دولار شهرياً، مضيفاً نحن عمال بموجب عقد بيننا وبين الشركة، نحن لسنا أصحاب السفينة أو الشحنة. لا أعرف لماذا يحتجزوننا“.

وكان القبطان أشار إلى أنه سيكون على استعداد للتحدث أكثر شخصياً، لكنه توقف عن إرسال الرسائل في يونيو الماضي، ولم يعثر عليه في أي مكان بعد ظهر ذلك اليوم في دوريس، وبدلاً من ذلك، خرج كبير ضباط السفينة، عماد الشعلة من مدخل أعلى ممر صدئ، وكان متردداً في التحدث في البداية، قائلاً إنه لا يريد إزعاج مالك السفينة، الذي قال إنه كان يدفع أتعاب محام يمثل الطاقم.

لكن خلال الأيام القليلة التالية، شارك شعوره باليأس قائلاً بعد ستة أشهر في السجن، سمح لي ولأفراد الطاقم الآخرين بالعودة للسفينة تحت الإقامة الجبرية، مضيفاً أنه افتقد ابنته التي ولدت قبيل إبحاره من بنغازي، وكانت تقترب من عيد ميلادها الأول.

وبدأ الشعلة، وهو بحار ذو خبرة من طرابلس، العمل على السفينة كوين ماجدةفي يوليو 2022، وقال إن السفينة سلمت شحنات إلى ألبانيا في يوليو وأغسطس الماضيين، من دون وقوع حوادث، وإنه فوجئ عندما احتجزت في سبتمبر الماضي، قائلاً كان الأمر نفسه، الأوراق نفسها، والمشتري نفسه، نحن لم نفعل أي شيء خاطئ“.

المحققون الألبان يرون قصة مختلفة

لكن المحققين الألبان يروون قصة مختلفة، فبحلول رحلة كوين ماجدةالأخيرة، كانت لديهم معلومات استخبارية تشير إلى أنها كانت تبحر بوثائق مزورة، واشتبهوا في أن الوقود، لو دخل ألبانيا، كان سيباع محلياً في محطات الوقود، وربما إعادة تصديره إلى دول أخرى، وفقاً لمسؤول في إنفاذ القانون طلب عدم الكشف عن هويته لأن القضية مستمرة.

وليس بعيداً من المكان الذي رست فيه سفينة كوين ماجدة، يوجد مبنى من طابقين مع العلم الإيطالي عند المدخل، وهو موقع لقوة شرطة تحقق في الجرائم الاقتصادية والمالية. ويعمل أفراد الجيش الإيطالي هناك بشكل وثيق مع خفر السواحل الألباني لمراقبة الأنشطة المشبوهة على البحر الأدرياتيكي، الذي يفصل بين البلدين.

وعلى مر السنين، حقق المكتب في الاتجار بالمخدرات والبشر، وفي عام 2022، بدأ الضباط في رؤية اتجاه آخر، إذ انخرطت سفن الصيد الألبانية في عمليات نقل من سفينة إلى أخرى في البحر، مع حصول القوارب على شحنات الوقود المهربة من ليبيا.

سفن الصيد الألبانية تشتري الوقود الليبي المدعوم

ليبيا التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا، لديها طاقة تكرير صغيرة، لذلك تستورد شركة النفط الوطنية الوقود بأسعار السوق وتبيعه للمواطنين بخصم كبير، مما يمنحه عملياً كمنفعة اجتماعية، مما يخلق فرصاً للمهربين لبيعه بأسعار أعلى.

وفي يناير (كانون الثاني) 2023، ساعدت قوة الشرطة التي تحقق في الجرائم الاقتصادية والمالية، في القبض على سفينتي صيد، جينيالتي ترفع العلم الألباني، وقارب يرفع العلم الليبي، لنقل الوقود باستخدام أنابيب مطاطية، وفي المحصلة، أحبطوا خمس عمليات لتهريب الوقود منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، وفقاً للمقدم دافيد دابونتي، الذي كان مسؤولاً عن المخفر في دوريس حتى الشهر الماضي.

وقال دابونتي في مقابلة أجريت معه في مكتبه المطل على الميناء، أصبحت المشكلة واضحة للغاية منذ الحرب الروسية، ففي الماضي، كانت جريمة صغيرة، قوارب الصيد، والصيادون هم الذين يستفيدون بشكل مباشر. والآن نشهد تزايداً وتدويلاً لهذه الظاهرة، مع تورط الجريمة المنظمة أيضاً“.

وقال المحامي الذي يمثل مالك السفينة جيني، إلير ماليندي، إن من الممارسات الشائعة أن تذهب سفن الصيد الألبانية إلى ليبيا لشراء الوقود المدعوم بحوالى 25 سنتاً للتر. وأضاف أن كل سفينة صيد ألبانية تقريباً جهزت بسعة تخزين إضافية لجلب الوقود على متنها، مشيراً إلى أن مالك السفينة جيني، قام برحلات عدة إلى طرابلس لبيع الأسماك وشراء الوقود لتشغيل قاربه، ودفع ببراءته من تهمة تهريب البضائع الخاضعة للضريبة الانتقائية، ولم يتحدد حتى الآن موعد للمحاكمة.

_____________

مواد ذات علاقة