اعتمد قادة العالم في العام 1945 مبدأً أساسياً لميثاق الأمم المتحدة وهو المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء.

وانطلاقاً من هذا المبدأ أصبح ملزماً لجميع الدول حماية وتعزيز حقوق الإنسان للمرأة.

ومع ذلك ووفقا لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان فإن ملايين النساء في جميع أنحاء العالم لازلن يتعرضن لأشكال تمييز منها حظر قوانين مساواة المرأة مع الرجل في حيازة الأرض والممتلكات والسكن.

والتمييز الاقتصادي والاجتماعي بجعل خيارات النساء في الحياة أقل وأسوأ من خيارات الرجال، مما يُعرضهن للاتجار بهن.

كما يمس العنف القائم على أساس نوع الجنس 30% على الأقل من النساء على النطاق العالمي.

وتُحرَم النساء من حقوقهن في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، فيما تعاني المدافعات عن حقوق الإنسان ، وتنبذهن مجتمعاتهن المحلية وتعتبرهن تهديداً للدين أو الشرف أو الثقافة.

وكثيراً ما يغفل دور المرأة البالغ الأهمية في السلام والأمن، مثلما تُغفَل المخاطر الخاصة التي تواجهها في حالات النزاع.

كما تواجه حتى اليوم فئاتٌ من النساء أشكال تمييزٍ معقدةٍ بسبب عمرهن أو أصلهن العرقي أو إعاقتهن أو حالتهن الاجتماعية أو الاقتصادية.

إلتزام ليبي

تم حضر التمييز على أساس الجنس بموجب معاهدات حقوق الإنسان، وكان أولها اتفاقية القضاء على التمييز ضد امرأة والتي اعتمدتها الأمم المتحدة في عام 1979.

وقد صادقت ليبيا على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1989.

متحفظةً وقت التصديق بذكرها أن تنفيذ الاتفاقية يجب ألا يتعارض مع قوانين الأحوال الشخصية المستقاة من الشريعة“. 

كما كانت ليبيا بين أولى الدول التي صادقت على بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المتعلق بحقوق المرأة في أفريقيا (بروتوكول مابوتو).

والذي يشتمل على طيفٍ واسعٍ من الأحكام بشأن عدم التمييز ضد المرأة، بما في ذلك الحياة السياسية وإتاحة سبل وقنوات العدالة، ومسائل العنف ضد المرأة

كما صادقت ليبيا على مواثيق دولية أخرى، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية حقوق الطفل.

التزام شكلي

إلا أن تقريراً نشره مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان عام 2018 ذكر أن انضمام ليبيا لهذه المواثيق الدولية شكليٌ، ولا يرق لالتزامٍ في تشريعاتٍ وبرامج عملية.

إذ تفتقر ليبيا آليات حماية المرأة، الأمر الذي زاد من معاناتها في الفترة الأخيرة.

وأشار التقرير لأمثلة منها حماية النساء المعنفات، إذ اقتصرت الجهود الليبية على إتاحة الخط الساخن للشكاوى، والذي تم توفيره في فترة نظام القذافي.

ولم يمتد الأمر لباقي الخدمات المكملة كالملاجئ المساحات الآمنة، باستثناء دار حماية المرأة في طرابلس ونظيرتها في بنغازي، تحت إشراف وزارة العدل.

حيث تقطن بعض النساء اللاتي نُفذت بحقهن أحكام بالسجن، وانتهت مدة الحكم ولم يستطعن العودة لبيوتهنوتقتصر مهام موظفي الدار على مراقبة سلوك النزيلات.

وأوضح التقرير غياب سبل الرعاية النفسية، وغيرها من الاحتياجات الضرورية.

كما تفتقر ليبيا بحسب التقرير للخدمات الأمنية المتخصصة في شكاوى العنف الجنسي ومتابعتها، فعدد الضابطات النساء العاملات في قطاع الشرطة بحسب التقرير محدود جداً.

وقد أعربت 21 منظمة ليبية وقعت بياناً في ختام التقرير المنشور عن قلقها البالغ بشأن تنامي العنف ضد المرأة في ليبيا في الحياة العامة.

كما أبدت استيائها من عدم وفاء السلطات الليبية بوعودها في هذا الصدد، وجددت دعوتها للسلطات الليبية كي تضطلع بمسئولياتها عن حماية النساء من التعرض لكل مظاهر العنف.

من خلال إصدار التشريعات وتخصيص موارد لتطبيقها، وتطوير المؤسسات المعنية بحماية النساء وتأهيل العاملين فيها.

وإعادة خدمة الخط الساخن لمساعدة النساء ضحايا العنف، بالإضافة لتعزيز البيانات حول ظاهرة انتشار العنف ضد المرأة والفتيات.

وحماية النساء المهاجرات من الإيذاء والاستغلال، ومحاربة الإتجار بالبشر، ورفع الوعي العام من خلال برامج إعلامية ودورات تثقيفية وتعليمية.

وطالبت المنظمات بتأهيل العاملين في مؤسسات إنفاذ القانون، وزيادة نسبة النساء العاملات فيها، للتعامل بشكل واعي مع قضايا العنف ضد المرأة وخاصة العنف الأسري.

ثغرات قانونية

في حين تسائل تقرير أصدرته منظمات (صندوق الأمم المتحدة للسكان وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والاسكوا وهيئة الأمم المتحدة للمرأةعام 2019 لتقييم عدالة النوع الاجتماعي، هل يدعم القانون الليبي المساواة بين الجنسين والحماية من العنف؟

ليجيب التقرير بأن النساء الليبيات لا يتمتعن بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجال الليبيون في نقل جنسيتهم إلى أطفالهم أو زوجاتهم الأجنبيات.

وعلق التقرير على القوانين الجنائية المتعلقة بالعنف الأسري إذ لا يوجد في ليبيا قانون للعنف الأسري.

كما ذكر أن الاغتصاب الزوجي غير مجرم، وتتم تبرئة المغتصب ”غير الزوج“ عن طريق الزواج بنص المادة 424 من قانون العقوبات إذا تزوج ضحيته ولم يطلقها لمدة ثلاث سنوات.

كما عاب التقرير الحد الأدنى لسن الزواج بحسب المادة 6 من قانون الأسرة والذي نص أن الحد الأدنى لسن الزواج هو 20 سنة.

مجيزاً للمحكمة أن تسمح للأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً بالزواج إذا كان هناك سبب أو فائدة أو ضرورة للزواج.

في حين قيم التقرير حقوق النساء في العمل بحسب التشريعات في ليبيا بالـ الجيد“.

حيث أن للنساء حق مساوٍ للأجر عن نفس العمل الذي يقوم به الرجل بنص المادة 21 من ”قانون علاقات العمل“ رقم 12 لعام 2010 على عدم التمييز في الأجور على أساس الجنس.

كما تحظر المادة 25 من ”قانون علاقات العمل“ على أرباب العمل فصل النساء بسبب الحمل.

وأن إجازة الأمومة مدفوعة الأجر بنص المادة 25 من قانون علاقات العمل، ويحق للمرأة الحصول على إجازة أمومة مدفوعة مدتها 14 أسبوعاً.

غير أن التقرير استهجن تقييد عمل النساء في بعض المهن بنص المادة 24 من ”قانون علاقات العمل“ على عدم توظيف النساء في أنواع العمل التي لا تتناسب مع طبيعة المرأة.

بالإضافة لتعليق التقرير على كون موقف القانون غير واضح ٍبشأن الوصاية على الأطفال بعد الطلاق.

كما لا يوجد تشريعٌ شاملٌ لمكافحة الإتجار، إذ يعاقب قانون العقوبات الإتجار بالنساء في بعض الظروف فقط.

ومن كل ما ذكرناه سابقاً نستنتج أن سن القوانين وحده ليس كافياً لضمان الحقوق والحريات، ما تكن هنالك إرادةٌ حقيقيةٌ لوضع هذه القوانين حيز التنفيذ، وفق إجراءاتٍ وبرامج عمليةٍ، وبدعمٍ من المجتمع وكل مؤسساته.

______________

مواد ذات علاقة