مساهمة الدول الأجنبية

تتسم اللصوصقراطية في ليبيا ببعد محلي ودولي، فلطالما كانت الدول الأجنبية مُشاركة بشكل مباشر في الأزمة الحالية التي تعيشها الدولة الغنية بالنفط في المجال الأمني والسياسي والاقتصادي. ونظرا إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ـ المؤيدين والقادة الرئيسيين للتدخل في عام 2011 ـ أصبحت أقل اهتماما والتزاما تجاه ليبيا، توسعت مشاركة الدول غير الغربية مثل الإمارات وتركيا ومصر وروسيا.

فمنذ عام 2011، انتهكت الإمارات وتركيا والأردن بشكل متكرر حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، في حين تمت الاستعانة بجماعات مسلحة من السودان وتشاد المجاورتين على نطاق واسع من قبل الفصائل الليبية.

وتوسع دور مجموعات المرتزقة مثل مجموعة فاغنر الروسية، القوات التركية وسط هجوم خليفة حفتر على طرابلس من 2019 إلى 2020.

وقد وقعت حكومة الوحدة الوطنية، ومقرها في طرابلس، بعد تعرضها لهجوم من قبل تحالف حفتر والامارات وروسيا وفرنسا، مذكرة تفاهم دفاعية مع الحكومة التركية، ودعت إلى الانتشار الدائم للأفراد العسكريين الأتراك وأعوانهم السوريين في المنطقة.

وبعد يونيو 2020، بقي العديد من هؤلاء العسكريين الاجانب في ليبيا، على الرغم من أنها لم تعد مسرح حرب.

تواصل الشركات الأجنبية إبداء اهتمامها بليبيا، خاصة في قطاع النفط والغاز، حيث تتنافس الشركات الخاصة الأجنبية على العقود التي تصدرها الدولة الليبية في مجال المواد الهيدروكربونية ومجموعة متنوعة من المجالات الاخرى بما في ذلك توليد الكهرباء والبناء والإتصالات.

وقد تقوم بعض الدول الاقليمية مثل تركيا والإمارات، في إطار سياستها تجاه ليبيا، بتمكين الممارسات غير القانونية للحكام الليبيين الفاسدين وتسهيلها، وبالتالي مساعتهم على نهب الدولة الليبية.

وينطبق ذلك على الجهات الفاعلة المشروعة في ليبيا جزئيا بفضل التواطؤ الفعلي لبعض الحكومات الأجنبية.

تصدع النظام المصرفي وعدم فعالية الصوابط المالية

تفاقم الأنشطة غير المشروعة في ليبيا جزئيا بسبب عدم فعالية القطاع المصرفي المشروع، الذي لا تزال الدولة تهيمن عليه. في الواقع، لا يمكن فهم الآليات التي يستخدمها اللصوصقراطيون الرئيسيون في ليبيا دون النظر إلى كافة ارتباطهم بالهياكل الاقتصادية والمالية المتوطة للدولة والتقسيمات الإدارية بين شرق ليبيا وغربها التي برزت في عام 2014.

وبسبب التعتيم الزائد في شرق ليبيا مقارنة بغربها، غالبا ما يكون من الصعب كشف المخططات غير المشروعة الشائعة في الشرق. وغالبا ما تنحرف تصورات مقرري السياسات عن اللصوصية الليبية بسبب عدم توفر المعلومات المتاحة.

على سبيل المثال، تسلط تقارير ديوان المحاسبة في طرابلس الضوء على بعض المخالفات التي تؤثر في الحكومة والعديد من المؤسسات العامة في الغرب، لكن نظيره الشرقي لا يقدم تقارير علنية عن الممارسات المالية للهياكل الرئيسية، مثل تحالف قوات حفتر المسلحة أو هيئة الاستثمار العسكري التابعة لها.

مصرف ليبيا المركزي

سيظل مكافحة غسيل الأموال في ليبيا صعبة ما لم تتم معالجة الانقسام السياسي والمؤسسي الذي يشهده القطاع المصرفي في البلاد. وقد أصبح مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، الذي يمثل الركيزة الأساسية للاقتصاد الليبي والمسؤول عن تنظيم القطاع المصرفي بأكمله في الدولة، مركزا حيويا للسلطة السياسية في حد ذاته، حيث يحدد الجهات المنتفعة بأموال الدولة.

وقد ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في تكييف تطور اقتصاد في شرق ليبيا وغربها منذ عام 2011، مما يمثل تقاطعا رئيسيا تتوافق من خلاله المصالح المتنافسة.

وفي جوانب عدة، يتم الفصل في توزيع الامتيازات الاقتصادية للدولة بين الفصائل السياسية المتنافسة ضمنيا من قبل مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، والذي يقوده محافظه الصديق الكبير منذ تعيينة في سبتمبر 2011.

منذ عام 2014، تدهورت الضوابط والتوازنات المتعلقة بإدارة دخل الدولة وإنفاقها، وتمكن مصرف ليبيا المركزي في طرابلس من اكتساب درجة غير مسبوقة من السلطة التقديرية نظرا لعدم وجود ميزانية معتمدة تشريعيا مع الحد من أهمية وزارات المالية والتخطيط والاقتصاد.

بدًا من عام 2015 وما بعده قرر مجموعة من المسؤولين على راس مصرف ليبيا المركزي في طرابلس بنود الإتفاق التي طلبتها الحكومتان المتنافستان في طرابلس وفي المنطقة الشرقية، والتي سيتم تمويلها من قبل الدولة.

وأصبحت المؤسسة التكنوقراطية وسيطا سياسيا قويا بين كل أجهزة الدولة وأموالها الخاصة، مما جعل من الصعب على المسؤولين الحكوميين تخطيط السياسة الاقتصادية.

حولت ليبيا، التي تعمل بدون ميزانية مناسبة معتمدة بالتصويت لعدة سنوات، محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير إلى أقوى رجل في الدولة، حسب تصريح رجل أعمال في وزارة الخزانة الليبية في التسعينيات في عهد القذافي لصحيفة ذا سنتري.

في عام 2014، قام مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، أثناء اندلاع الحرب الأهلية الثانية في ليبيا، بفصل فرعه الإقليمي في الشرق عن بقية نظام المقاصّة الوطني للشبكة المصرفية. وتم اتخاذ هذه الخطوة العقابية بشكل أساسي لمنع صرف المزيد من الأموال العامة للجهات التابعة في الشرق، مثل قوات حفتر.

وواصل مصرف ليبيا المركزي في طرابلس تحويل الرواتب المخصصة لموظفي القطاع العام في شرق ليبيا، بما في ذلك الضباط العسكريين المتحالفين مع حفتر، بشرط أن يكون قد تم تعيينه في عام 2014 أو قبل ذلك، في حين تم تحويل أموال الرواتب الخاصة بالمتلقين المقيمين في الشرق إلى حسابات في فروع البنوك التجارية في الغرب وليس الشرق.

وبسبب الانقسام بين الشرق والغرب الذي بدأ في خريف عام 2014، أصبح الحصول على النقد المادي صعبا خاصة بالنسبة للبنوك التجارية في الشرق.

ردا على ذلك، أنشأ الفرع الشرقي لمصرف ليبيا المركزي عملياته الخاصة، وأنشأ نظام دفتر استاذ موازيا ودائرة ثانوية للأوراق النقدية. وقد أدى الخلاف الناجم مع طرابلس إلى خلق مواطن ضعف عميقة في النظام المصرفي الليبي والمالية العامة.

خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2020، اقترضت الحكومة المؤقتة لرئيس الوزراء عبد الله الثني، التي يقع مقرها في الشرق، حوالي 71 مليار دينار ليبي (52 مليار دولار أنذاك)، معظمه من الفرع الشرقي لمصرف ليبيا المركزي.

كما اقترضت حكومة عبد الله الثني إلى حد ما من المصارف التجارية في الشرق. وفي مايو 2016، بدأت السلطات الشرقية في استيراد الأوراق النقدية للدينار من روسيا، دون الحصول على تصريح رسمي من طرابلس. وعلى مدار السنوات الأربع اللاحقة، قامت شركة الطباعة جوزناك التي يسيطر عليها الكرملين بتسليم ما لا يقل على 14 مليار دينار ليبي (حوالي 10 مليارات دولار آنذاك) في شكل أوراق نقدية مسكوكة من قبل روسيا إلى الفصائل الشرقية في ليبيا,

من المرجح أن يكون المجموع الحقيقي بضعة مليارات أخرى، وفقا لصاحب عمل من شرق ليبيا وإثنين من المصرفيين المخضرمين الذي أجرت صحيفة ذا سنتري مقابلات معهم، وقامت السلطات القائمة في الشرق بتوزيع الأوراق النقدية الروسية بطريقة غير شفافة، مما قوّض القدرة على تتبع تخصيصها.

وعلى الرغم من الادعاءات الخطابية التي تشير إلى عكس ذلك، لم تتحقق بعد عملية إعادة توحيد فعلية لمصرف ليبيا المركزي. في أغسطس 2023، أعلنت إدارة مصرف ليبيا المركزي في طرابلس ونظيرتها في بنغازي بشكل مشترك عن إعادت توحيدهما، حيث وافق مدير مصرف ليبيا المركزي في المنطقة الشرقية على العمل كنائب لمحافظ المؤسسة على مستوى البلاد تحت الولاية المستمرة للكبير.

ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان أن يتم دحض فكرة إنشاء مجلس إدارة مكلف بالإشراف على عمل مصرف ليبيا المركزي من الموقع الالكتروني للمصرف ـ وهو ما يتمثل انتهاكا محتملا للقانون الليبي. علاوة على ذلك، لا يوجد ما يشير إلى حل مشكلة الديون العامة غير المنتظمة المتراكمة في شرق ليبيا والتي طال أمدها، كما لم يتم حل مسألة وجود خزانتين منفصلتين ـ واحدة لكل حكومة متنافسة ـ وإلى أن يتم العكس، لم تتم معالجة خطوط الانقسام داخل القطاع المصرفي بعد.

ساعدت الانقسامات بين الحكومات وقيادات مصرف ليبيا المركزي المنافسة لها في تقويض مفاوضات الميزانية. وقد أسفرت المفاوضات بين مسؤولي مصرف ليبيا المركزي من الشرق والغرب عن اتفاق مبدئي بشأن ميزانية موحدة في يناير 2021.

ولكن توقف المحادثات بعد ظهور حكومة الوحدة الوطنية في مارس 2021، تسفر قط عن إصد\ر موحد للموازنة مصدق عليها. ومع ذلك، في ربيع عام 2021، قامت طرابلس بدمج العديد من النفقات الشرقية في مواردها المالية الخاصة. بالإضافة إلى ذلك، أرسل مصرف ليبيا المركزي في طرابلس أموالا إلى قوات حفتر والسلطات الشرقية، وهو ترتيب غامض لا يزال قائما حتى يومنا هذا.

ومع ذلك، بعد ظهور حكومة موازية جديدة في سرت في مارس 2022، أعادت الفصائل الشرقية تفعيل آليات التمويل التي تم تطويرها في 2014 ـ 2015 بغرض توفير مصدر تمويل لقوات حفتر والحكومة المعينة من البرلمان ـ دون إشراف أو تنسيق مع سلطات طرابلس.

ويمتد نفوذ مصرف ليبيا المركزي إلى القطاع الخاص. يتمتع مصرف ليبيا المركزي بالقدرة على التأثير على الجهات الفاعلة التي تنجح في القطاع الخاص من خلال تحديد الشركات القادرة على الوصول إلى التمويل التجاري.

والجدير بالذكر أن مصرف ليببيا المركزي هو المساهم الاكبر في البنكين الخارجيين الذان يتعملان مع نسبة كبيرة من التمويل التجاري الليبي: المؤسسة العربية المصرفية (بنك اي بي سي)، التي يقع مقرها في البحرين، المصرف التجاري العربي البريطاني الذي يقع مقره في بريطانيا وذلك من خلال المصرف الليبي الخارجي المملوك بنسبة 100% لمصرف ليبيا المركزي.

انضم الصديق الكبير إلى مجلس إدارة مصرف (اي بي سي) في ديسمبر 2011 ليصبح أول محافظ لمصرف ليبيا المركزي يجمع بن هذا المنصب ومنصب رئيس مجلس إدارة مجموعة مصرف (اي بي سي) في آن واحد.

أفاد مصرف (اي بي سي) أن الصديق الكبير حصل على 142500 دولار في عام 2022 كأجر مقابل مشاركته في مجلس الإدارة.

يتبع

_____________

The Sentry

مواد ذات علاقة