بقلم سراج الدين عبد الحميد

لم تنجح ليبيا خلال عام 2017 في تحقيق الاستقرار المفترض أن ينشأ عن اتفاق الصخيرات السياسي، إذ لم يتوصل المجلس الأعلى للدولة والبرلمان إلى اتفاق بشأن تعديل اتفاق الصخيرات، إضافة إلى إصرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر على التفرد بحكم البلاد عسكريا وليس عبر صناديق الاقتراع.

كما زادت معاناة المواطن الليبي، بسبب تذبذب إنتاج النفط، وانخفاض أسعاره العالمية، وعجز توحيد المؤسسات المالية والاقتصادية، مما أدى إلى انهيار الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، وهذا ما دعا مؤسسات دولية أن تطلق تحذيرات، بإمكانية انهيار الدولة وفشلها.

سياسيا

وكان أبرز حدث عرفته ليبيا في عام 2017، قطع مجلس الأمن الدولي على اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وكل المعرقلين للعملية السياسية، الطريق ببيان أصدره في الخامس عشر من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أكد فيه أن الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات المغربية، يبقى الإطار الوحيد القابل للاستمرار لإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا.

بيان مجلس الأمن جعل كل أطراف الأزمة الليبية، بمن فيهم أنصار نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وقائد عملية الكرامة، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، يعلنون القبول بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، متوقع أن تكون في نهاية العام القادم.

وفي أيلول /سبتمبر الماضي، انطلقت أولى جولات الحوار السياسي الليبي، برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بدولة تونس، بين لجنتي حوار من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، بهدف إدرج تعديلات على اتفاق الصخيرات السياسي، كتغيير عدد أعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق من تسعة إلى ثلاثة أعضاء، وإعادة هيكلة المجلس الأعلى للدولة، وفصل مجلس الوزراء عن المجلس الرئاسي، ووضع المؤسسة العسكرية.

وفشلت جولتي أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر في توصل لجنتي الحوار إلى اتفاق بشأن المواد المتفق عليها، وذلك بعد إصرار البرلمان على منحه الثقة منفردا للحكومة، وإلغاء المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات، التي تعرقل سيطرة حفتر على المؤسسة العسكرية، وتخضعه للسلطة المدنية.

حقوقيا

وعلى الصعيد الحقوقي، شهدت ليبيا على مدار عام 2017 انتهاكات واسعة في مجال حقوق الإنسان تمثلت في اغتيالات وتصفيات لمعارضين خاصة في شرق ليبيا، على يد عسكريين ومليشيات تابعة لعملية الكرامة، بإمرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

ففي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عُثر على قرابة 36 جثة لمواطنين ليبيين، وبها طلقات رصاص، مكبلة الأيدي وعليها أثار تعذيب، بالقرب من منطقة الأبيار جنوب غرب مدينة بنغازي.

وفي الرابع والعشرين من تموز/ يوليو، ظهر الضابط في قوات الصاعقة، التابعة لعميلة الكرامة محمود الورفلي، في شريط فيديو، وهو يعدم عشرين شخصا، مقيدي الأيدي، رميا بالرصاص. وقبلها في آذار/ مارس، أعدم الورفلي ثلاثة من مقاتلي مجلس شورى ثوار بنغازي، ميدانيا، بدون أية إجراءات تقاضي.

وهذا ما دعا المحكمة الجنائية الدولية، إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق الورفلي، في 15 آب/ أغسطس، بناء على أدلة تلقاها مكتب المدعية العامة بالمحكمة، فاتو بنسودا، بشأن إدعاءات بارتكاب جرائم في بنغازي وحولها.

السيسي ودرنة

وقصفت طائرات يعتقد أنها مصرية، منطقة الفتائح، شرق مدينة درنة، مما أسفر عن سقوط أكثر من خمسة عشر قتيلا، وإصابة قرابة خمسة وعشرين، أغلبهم من النساء والأطفال، مما أدى إلى موجة استنكار محلية وإقليمية ودولية، ضد استهداف المدنيين.

وفي أيار/ مايو الماضي قصفت طائرات مصرية عدة مواقع مدينة وسكنية في مدينة درنة، بتعلة أن عناصر متطرفة، تلقت تدريبات في المدينة ونفذت هجوم المنيا بصعيد مصر، الذي سقط فيه عشرات القتلى من الأقباط.

اقتصاديا

وفي الاقتصاد، تذبذب إنتاج ليبيا النفطي خلال عام 2017، بسبب الاحتجاجات الفئوية والإغلاقات المستمرة لحقول النفط، حيث تراجع إنتاج ليبيا النفطي إلى 200 ألف برميل في اليوم في نيسان/ أبريل الماضي، بعد إغلاق محتجين خط الشرارة المغذي لمصفاة الزاوية، الذي يعد أكبر حقول ليبيا.

وفي تموز/ يوليو تخطى إنتاج ليبيا، حاجز المليون برميل يوميا، قبل أن يتراجع في أيلول/ سبتمبر، حوالي 350 ألف برميل، بسبب الاضطرابات التي أدت إلى إغلاق حقلي الشرارة والفيل، جنوب البلاد.

وتراجع الدينار الليبي، أمام سلة العملات الأجنبية، في السوق الموازي، إلى مستويات لم يشهدها من قبل، حيث وصل سعر الدولار الواحد، ما يعادل تسعة دينارات ليبية، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وعدم توفرها في الأسواق المحلية، في الوقت الذي لا تتوفر فيه السيولة النقدية في البنوك الليبية.

إنسانيا

عانت ليبيا في عام 2017 من ملف الهجرة غير القانونية، والذي تحول إلى ملف أمني وسياسي وحقوقي، محلي وإقليمي ودولي، بعد الانتقادات الواسعة من الدول والمنظمات، بشأن سوء معاملة المهاجرين وطرق إنقاذهم، وبيعهم في أسواق للرقيق.

إحصائيات إنقاذ

وأعلنت قوات خفر السواحل الليبية، في الخامس من فبراير/ شباط الماضي، عن إنقاذ أكثر من 1131 مهاجرا قرب مدينة صبراتة غرب البلاد، في عملية هي الأكبر في 2017.

وفي الشهر ذاته كشف الهلال الأحمر الليبي، عن تسجيل أكبر عملية انتشال لجثت مهاجرين، وصل عددهم إلى 74 جثة، قبالة شواطئ مدينة الزاوية، غرب العاصمة طرابلس.

وأكدت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، في 24 من حزيران/ يونيو الماضي إنقاذها لأكثر من 10 آلاف مهاجر غير قانوني في المياه الإقليمية الليبية، منذ مطلع العام الجاري، فيما انتشلت رفات نحو 303 آخرين.

وكشفت المنظمة في إحصائية لها منتصف العام الجاري، أن هناك تراجعا في تدفقات الهجرة من ليبيا، حيث دخل 83 ألفا و928 مهاجرا إلى أوروبا عبر البحر، مقارنة بنحو 215 ألفا و997 مهاجرا وصلوا إلى القارة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

في حين أعلن حرس السواحل الليبي، عن إنقاذ أكثر من ثمانية آلاف مهاجر غير قانوني قبالة الشواطئ الليبية خلال النصف الأول من العام الجاري.

وعود بالمواجهة

وتسلم خفر السواحل الليبية في شهر أيار/ مايو من العام ذاته، من إيطاليا أربعة زوارق، بهدف تعزيز الجهود الليبية لمنع تهريب البشر، بعد مطالبة الجانب الليبي بدعمه.

ودعا الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند إلى دعم المؤسسات الليبية لمواجهة أزمة اللاجئين، مشيرا إلى ضرورة إنقاذ حياة المهاجرين، ووقف الهجرة من مصدرها وتوفير الموارد اللازمة لذلك.

وتعهدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في شباط/ فبراير، بمزيد من الدعم لوقف تدفق المهاجرين، مشيرة إلى أن بلادها على استعداد تام لدعم ليبيا بالعتاد الضروري لمواجة ظاهرة الهجرة.

ونفى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، تلقي ليبيا من الاتحاد الأوروبي لمساعدة بلاده للتصدي لظاهرة الهجرة.

انتهاكات

بدأت اتهامات دولية، لخفر السواحل الليبي والقوات الدولية المتواجدة في عرض البحر في شهر آب/ أغسطس الماضي، حيث اعتبرت منظمة العفو الدولية، قرار إيطاليا إرسال سفن حربية لمراقبة المياه الإقليمية الليبية، انتهاكا في حق المهاجرين في البحر.

وفي نهاية آب/ أغسطس، لفت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الانتباه إلى إمكانية زيارة بعثة الأمم المتحدة، مركز احتجاز معيتيقة، أحد أكبر مراكز الاحتجاز في طرابلس، بعد تلقي معلومات تفيد بممارسة أعمال تعذيب وعنف جنسي في المركز.

بينما اتهمت منظمة العفو الدولية في تشرين الثاني/ نوفمبر، قوات خفر السواحل الليبية باعتراض قوارب المهاجرين في البحر، وإعاقة عمليات الإنقاذ، التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، وهذا ما نفته قوات خفر السواحل الليبية آنداك.

وعادت العفو الدولية، في كانون الأول/ ديسمبر الجاري إلى اتهام الحكومات الأوروبية، بتواطئها عن سابق علم وإصرار في التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها عشرات آلاف اللاجئين والمهاجرين، ممن تحتجزهم سلطات الهجرة الليبية.

ونفى الاتحاد الأوروبي كل التهم الموجهة له من قبل المنظمة، مؤكدا أنه ساهم في إنقاذ حياة عشرات الآلاف من المهاجرين في عرض البحر.

بيع الرقيق

بدأت المنظمات الدولية في توجيه الاتهامات إلى ليبيا، بوجود سوق لبيع الرقيق في الرابع من آب/ أغسطس الماضي، عندما كشف تقرير لمنظمة الهجرة الدولية، أن المهاجرين الأفارقة يباعون كعبيد في أسواق ليبية.

وأكد مدير بعثة المنظمة في ليبيا، عثمان بلبيسي، أن المشترين يدفعون بين 200-500 دولار ثمنا للمهاجر الأفريقي، ويحتجزه المشتري بين شهرين وثلاثة أشهر.

كما كشف تقرير مصور نشرته شبكة سي إن إنالأمريكية، في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، يؤكد عمليات بيع للبشر تجري في ليبيا، وتشمل شبابا من بلاد إفريقيا السوداء، وصلوا إلى ليبيا بهدف الهجرة إلى أوروبا.

وأظهر المقطع المصور، الذي بثته القناة، عملية مزايدة تجري على شابين اثنين، أحدهما نيجيري، ليتم بيعهما مقابل 1200 دينار ليبي، أي ما يعادل 800 دولار أميركي.

إدانات ونفي للحادثة

بعد تقرير شبكة، سي إن إن، وعد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، ووزارة داخليته، بفتح تحقيق في مزاعم وجود سوق لبيع المهاجرين، كرقيق في ليبيا.

وبيّنت السلطات الليبية، أن التحقيقات التي أجرتها لم تفد بصحة هذه الادعاءات، نافية أن مثل هذه الممارسات، التي وصفتها بالبشعة، قد ارتكبت في ليبيا.

وأدان مجلس الأمن الدولي، الاتجار بالمهاجرين الأفارقة كرقيق في ليبيا، واصفا إياه بالانتهاك المروع لحقوق الإنسان، مما قد يصل إلى درجة الجرائم ضد الإنسانية.

من جانبها نفت سفارة النيجر في ليبيا، تعرض مواطنيها، المتواجدين فيها، لأي عمليات بيع أو متاجرة للبشر، مشيرة إلى أنهم يلقون معاملة حسنة ويعملون بشكل طبيعي في ليبيا.

وأكد وزير خارجية مالي، عبد الله ديوب، أن المزاعم التي وجهت إلى ليبيا غير صحيحة، نافيا تعرض مواطنيه في ليبيا لعمليات الاتجار أو البيع.

اتفاقات إجلاء

وأدت هذه الأحداث إلى اتفاق قادة القمة الأفريقية الأوربية، التي انتظمت بالعاصمة الإيفوارية، في أبيدجان، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، على إجلاء المهاجرين الأكثر عرضة للخطر من ليبيا إلى بلدانهم أو دول أخرى.

وأعلنت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، عن إجلاء قرابة 15 مهاجرا غير قانوني من ليبيا إلى بلدانهم ودول أخرى.‎

___________

مواد ذات علاقة