لماذا تخاذل العالم عن دعم حكومة السراج الشرعية بينما يصمت عن المتمرد حفتر

بقلم ديفيد ويمر (ترجمة عربي بوست)

يرى كريم ميزران، الزميل المقيم في مؤسسة المجلس الأطلسي، أنَّ تهديد الجنرال خليفة حفتر بمواصلة تقدُّم قواته نحو العاصمة الليبية طرابلس، يُثبت أنَّ القائد الليبي المتمرد «لا يؤمن إلَّا بالحل العسكري» للنزاع القائم بين قواته وحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة.

ففي أعقاب الفوضى التي أسفر عنها سقوط الديكتاتور القذافي، عززت القوات، التي يقودها حفتر، سلطتها في مدينة بنغازي والأجزاء الشرقية من البلاد، بينما تولت حكومة الوفاق الوطني، بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج، السيطرة في طرابلس.

غير أنَّ حفتر أمَر قواته بمهاجمة العاصمة الليبية، في أبريل/نيسان الماضي، وأعلن في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري أنَّ قواته تستعد «لمعركة حاسمة» للسيطرة على المدينة بالكامل، بحسب تقرير لموقع مؤسسة المجلس الأطلسي

ماذا في يد حفتر؟

أوضح ميزران قائلاً: «حفتر يحتكر القوة الجوية، ولديه مروحيات وطائرات بدون طيار وطائرات مقاتلة» تسمح له «بقصف خط المواجهة وكذلك القرى الواقعة خلف مدينة طرابلس وحتى وسط المدينة».

ولكن بالرغم من هذه الأفضلية، «فعلى أرض الواقع، لم يحرز (حفتر) سوى تقدُّم ضئيل جداً يكاد يكون منعدماً، في ظل تقدُّم القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في مناطق معينة وانسحابها من مناطق أخرى»، حسب ما قال ميزران

ومع أنَّ حفتر يتباهي باقترابه من الاستيلاء على طرابلس، فإنَّ ميزران يشك في قدرة قواته على نيل السيطرة الكاملة على العاصمة.

وقال ميزران: «لن يتمكن حفتر من الاستيلاء على طرابلس لأنه لا يملك القوات الكافية للقتال في كل شارع، نظراً إلى أنَّ معظم جيشه يتكون من مرتزقة بشكل أساسي، لذا يمكنه تدمير المدينة، ويمكنه دكَّها، لكنه لا يستطيع السيطرة عليها».

دعم الإمارات ومصر لحفتر

ذكر ميزران أنَّ حفتر لم يصل إلى هذا الحد إلَّا لأنه «حظي في السنوات الثلاث الأخيرة بأسلحة وتجهيزات ومعدات متطورة من مصر والإمارات العربية المتحدة، ومؤخراً من روسيا، وحتى فرنسا أحياناً».

وأشار ميزران إلى أنَّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برَّر دعمه لقوات حفتر بحجة أنَّ «حكومة الوفاق الوطني غير قادرة على امتلاك إرادة حرة حقيقية لأنَّها خاضعة لسيطرة» ميليشيات في طرابلس، وصفها السيسي بأنها «إرهابية».

لكنَّ ميزران رفض هذا الادعاء، موضحاً أنَّ فتحي باشاغا، وزير الداخلية في

حكومة الوفاق الوطني «يعمل بجد لتهميش العناصر الأشد تطرفاً في الميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني وتنحيتهم بعيداً».

وأضاف: «كل مَن يدعي أن جميع قوات حكومة الوفاق الوطني إرهابية يكذب بكل وضوح».

وعلى عكس حفتر، ترك المجتمع الدولي «حكومة الوفاق الوطني وحدَها»، إذ يُفضِّل الكثيرون الامتناع عن دعم «حفتر أو السراج» علانية، مع أنَّ السراج يرأس الحكومة التي يعترف بها الكثيرون.

صمت المجتمع الدولي

ينصبُّ الكثير من اهتمام الأطراف الفاعلة الدولية، لاسيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيطاليا وفرنسا، على إقناع حفتر بدخول مفاوضات مع حكومة الوفاق الوطني.

حاولت ذلك في باريس في مايو/أيار من العام الماضي 2018، وباليرمو في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وأبوظبي في فبراير/شباط من العام الجاري 2019، وبرلين في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري.

لكنَّ ميزران قال: «في حين أنَّ المجتمع الدولي يؤكِّد مراراً «عدم وجود حل عسكري»، فإن ما أظهره حفتر حتى الآن هو أنه لا يوجد سوى حل عسكري. ولأنه يحظى بدعم علني من الإماراتيين والمصريين فحفتر يتظاهر فقط بالمشاركة في هذه المفاوضات، لكنَّه في الوقت نفسه حشد جيشاً قوياً بما يكفي للتقدم نحو طرابلس، ومحاصرة مدينة يزيد عدد سكانها عن مليوني شخص، مرتكباً جرائم حرب، ومتسبباً في قتل العديد من المدنيين».

وبدلاً من الاستمرار في البحث عن حل سياسي بعيد المنال بين حفتر وحكومة الوفاق الوطني، «كان ينبغي على أطراف المجتمع الدولي أن تدعم حكومة الوفاق الوطني عسكرياً، حتى تتمكن من صدِّ تقدم حفتر، لإجباره على الجلوس حول طاولة المفاوضات»، بحسب ما قال ميزران.

وأضاف ميزران: «وهذا ليس ما يحدث. والآن أصبح سكان طرابلس ومصراتة يقاتلون أربع أو خمس قوى أجنبية تدعم (حفتر)، فيما يكتفي بقية العالم بالمشاهدة، ويقرر عدم فعل أي شيء».

الاستثناء هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وعد بزيادة الدعم العسكري لحكومة الوفاق الوطني بعد الموافقة على شراكةٍ أمنية بينهما، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

السبب الذي يجبر حفتر على العودة إلى المفاوضات

وبحسب كاتب المقال، فإذا كانت القوى الغربية تريد حقاً دفع حفتر إلى طاولة المفاوضات، يجب عليها التدخُّل في النزاع تدخلاً جاداً.

ربما بـ «إرسال قوات عسكرية لإعلان منطقة حظر طيران من أجل إجبار الميليشيات التي تدعم حفتر على الجلوس حول طاولة المفاوضات، أو حتى التهديد باتخاذ إجراء عسكري ضد حفتر نفسه»، مما سيؤدي إلى مشاركة الجنرال في المفاوضات مشاركةً حقيقية، وفقاً لما يراه مزران.

وأضاف ميزران: «إذا تلقَّت حكومة الوفاق الوطني دعماً ومُنِحَت المزيد من الأسلحة والجنود، فسيؤدي ذلك إلى استقرار الوضع على الأرض، (وقد) يجبر القوى الأجنبية التي تدعم حفتر على التفكير مرةً أخرى في موقفها».

لكنَّ هذا التوازن قد يتحقق عن طريق تركيا، وليس الولايات المتحدة أو أوروبا ، كما ذكر ميزران، الذي أضاف: «إذا أصبح الأتراك الداعم الرئيسي لحكومة الوفاق الوطني، وليس الأوروبيون أو الأمريكيون، والروس هم الداعمون الرئيسيون لحفتر، فكل ما سيتطلبه حل المشكلة الليبية حينئذٍ هو اتفاق بين موسكو وأنقرة، وهو ما سيُلحِق ضرراً كبيراً بالقوة الأمريكية والأوروبية».

غير أنَّ الشيء الوحيد الحقيقي الآن، هو أنَّ الأفضلية التي تتمتع بها قوات حفتر تجعل توقُّف الصراع في أي وقت قريب أمراً مستبعداً.

وقال ميزران إنَّه من دون تقديم دعم ملموس لحكومة الوفاق الوطني، قد يجد المجتمع الدولي نفسه مُطالَباً مرةً أخرى بحلِّ «كارثة إنسانية» في ليبيا.

***

ديفيد أ. ويمر ـ هو المدير المساعد في المجلس الأطلسي

__________

المصدر: المجلس الأطلسي

مواد ذات علاقة