بقلم طارق يوسف، نهى أبو الدهب، عادل عبدالغفار، يحي زهير، علي فتح الله نجاد، ونادر قباني

يتطرّق في هذا التقرير الخبراء إلى تحديات ملحّة مرتبطة بالحوكمة والمجتمع المدني وانعدام المساواة والأمن والأوتوقراطية والتغيّر المناخي ومشاركة المواطنين.

الجزء الثالث

علي فتح الله نجاد – ينبغي على صانعي السياسات معالجة “الأزمة الثلاثية” في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بغية بناء دول مستدامة

اتّسمت السنة الماضية بالموجة الثانية من “عملية ثورية طويلة الأمد” بدأت مع “الربيع العربي.

وتأجّجت عمليات الحشد الشعبية الضخمة بفعل الشرَّين المزدوجين اللذين يمثّلهما التداعي الاجتماعي الاقتصادي والسلطوية المتربطَين بشكل وثيق بسياسات الطبقة لحاكمة، وردّدت الشعارَ الشهير الذي برز في العامين 2010 و2011، أي “الشعب يريد إسقاط النظام”.

وانتشرت الاحتجاجات في الدول العربية التي لم تتأثّر بالربيع العربي الأول، أي السودان والجزائر والعراق ولبنان، بالإضافة إلى دول غير عربية على غرار إيران، التي قُمعت فيها الانتفاضات، وهي الكبرى في تاريخ الجمهورية الإسلامية الممتدّ على مدى أربعة عقود، بعنف مميت غير مسبوق.

والاحتجاجات الشعبية الأخيرة علامة لعدد من المشاكل الهيكلية التي تشوب المنطقة. فمقارنة بمناطق أخرى في العالم، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك:

(أ) أعلى نسب بطالة بين الشباب والنساء، تزيد من حدّتها معدّلات عالية من الفقر وانعدام المساواة،

(ب) أعلى كثافة من الأنظمة الأوتوقراطية وأخيراً وليس آخراً،

(ج) أعلى مستوى من الإجهاد المائي.

إنّما هذه “الأزمة الثلاثية” (اجتماعية اقتصادية وسياسية وبيئية) هي ما أغرق المنطقة في حالة من الاضطراب المستمرّ التي أجّجها شراء كمّيات كبيرة من الأسلحة والخصومات الجيوسياسية بين القوى العظمى الإقليمية والدولية وأزمة الشرعية شبه المُبرمة للطبقة الحاكمة واتّكال مفرط على القمع.

بالإضافة إلى هذه العوامل، يؤدّي غياب هيكلية أمنية شاملة ومنطقة خالية من السلاح النووي إلى هشاشة الاستقرار الوطني والإقليمي.

فيهدّد غياب الهيكليات الأمنية بجعل المنطقة موقعَ صراع مستمراً، ممّا يستدعي تدخلاً أجنبياً ويحرمها من شبكات الأمان المهمة للوقاية من تصاعد كبير في مستوى العنف.

وفي المنطقة، ستشّكل المحافظة على درجة من التوتّر الجيوسياسي واحداً من التكتيكات الأساسية للنخبة الحاكمة لتأمين استمراريتها، عبر صرف الانتباه بعيداً عن الانتفاضات الشعبية ومطالبها الثورية.

بالتالي، سيكون العام 2020 عاماً أساسياً لمعرفة توجّه الانتفاضات الشعبية في المنطقة، وسْط الكفاح المستمرّ بين القوى الثورية والقوى المناهضة للثورة.

على مدى العقد القادم، باستخلاص العبر من الإخفاقات المتراكمة في سياسات العقود الماضية، ينبغي على صانعي السياسات النظر بإمعان إلى التحديات الأبرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي التحديات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية والبيئية، للعثور على سبل لبناء دول مستدامة.

ففي النهاية، من الدروس الأساسية لكن المهملة كثيراً المستخلصة من “الربيع العربي” هي أنّ “الاستقرار السلطوي” وهْم، ولا يمكن تحقيق الاستقرار المستدام إلا من خلال التنمية الاجتماعية الاقتصادية والسياسية.

وينبغي على تلك الدول أن تؤسّس نفسها بناء على عقد اجتماعي أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة اقتصادياً، مع الانغراس في هيكلية أمنية أشمل ومنطقة أكثر تكاملاً.

نادر قبّاني – ينبغي على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تبذل جهداً أكبر لمعالجة تطلّعات مواطنيها المشروعة

بدأ العقد الثاني من الألفية الثالثة بزلزال سياسي هزّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد نزل الناس إلى الشارع مطالبين بالمزيد من الأمن الاقتصادي والحرّية السياسية والعدالة الاجتماعية.

فعلى مدى سنوات، خفّضت الدول السلطوية في المنطقة من تقديم المنافع والخدمات والوظائف العامة، لكنّها لم تعوّض على مواطنيها بفرص للمزيد من المشاركة الاقتصادية أو السياسية.

وسرعان ما برزت مكانَ التنازلات السياسية التي قدّمتها الأنظمة في البداية ردّاً على احتجاجات العامين 2010 و2011 عودةٌ للسيطرة السلطوية.

وبحلول العام 2018، كان لمعظم دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حقوقٌ سياسية أو حرّيات مدنية أقلّ مما كان لها قبل العام 2011، مع تحقيق تونس وحدها مكاسب لافتة في تطوير المؤسّسات الديمقراطية.

لكن كما بيّنت الجولات الأخيرة من الاضطراب الاجتماعي في السودان ومصر والجزائر والعراق وإيران ولبنان، ما زال العقد الاجتماعي في هذه المنطقة يرزح تحت عبء كبير. بالتالي، ينبغي على الدول إما تنفيذ ما وعدت به أو إبرام اتّفاق جديد مع مواطنيها.

على مدى العقد المقبل، ينبغي على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تبذل جهداً أكبر لمعالجة تطلّعات مواطنيها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المشروعة.

بيد أنّ الطريق نحو التقدّم ليس بسهل. وسيكون التحدّي الأول بناء قدرات البيروقراطيات الكبيرة والراسخة التي تخدم مصالحها من أجل الاستجابة بفعالية أكبر مع حاجات المواطنين.

ويكون التحدّي الثاني تخفيف اتّكال المواطنين بحدّ ذاتهم على المنافع والإعانات والوظائف العامة. ومن أجل تنمية اقتصادات بلدانها وتأمين هذه الفرص، سينبغي على حكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معالجة تحدّ ثالثٍ أصعب يكمن في العثور على طريقة للحدّ من سلوك الإقبال الذي لا يشبع على الريوع الذي يتّسم به زبائن الدولة ومحاسيبها.

وسيكون التحدّي الرابع إنشاء مساحة للمشاركة السياسية والمدنية الحقيقية والسماح للمواطنين بالتفاعل مع مؤسسات الدولة والضغط عليها بفعالية أكبر.

وتعمل مجموعة من الدول، على رأسها تونس والأردن والكويت، على زيادة القدرات المؤسساتية والاستجابة بفعالية أكبر إلى حاجات المواطنين. في المقابل، تلجأ دول أخرى أكثر فأكثر إلى القمع والسيطرة،

بدون أيّ تحسّن يذكر في الإدماج السياسي أو الاقتصادي. وستشهد المجموعتان كلتاهما اضطرابات اجتماعية، لكن على مرّ الزمن، ستكون المجموعة الأولى في وضع أفضل للانخراط مع مواطنيها وتلبية مطالبهم، فيما ستصبح المجموعة الثانية أكثر عرضة للاحتجاجات العنيفة والتغيير في الأنظمة حتّى.

وسيدعم مسار انخراط المواطنين، مع أنّه يتطلّب جهداً أكبر اليوم، علاقة سليمة أكثر بين الحكّام والمواطنين اليوم وفي المستقبل على حدّ سواء.

وسبق أن بدأت أساليب حوكمة جديدة مبنية على مبادئ التصميم المتمحور حول الإنسان، على غرار مختبرات السياسيات ووحدات البصيرة السلوكية، بمساعدة صانعي السياسات على الاستجابة بفعالية أكبر إلى حاجات المواطنين.

بيد أنّ هذه الإبداعات في السياسات غائبة في المنطقة باستثناء دبي. ومع أنّ الوضع يتغيّر، طرح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤخراً مختبرات تسريع العمليات ضمن برامجه الإقليمية.

وتحتاج دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تريد تحسين هيكليات الحوكمة لديها إلى دعم وإرشاد بغية وضع مسار تنمية أكثر شمولية واستدامة لكي يتّبعه مواطنوها والدول الأخرى.

وينبغي على الجهات الفاعلة التنموية الإقليمية ومجتمع التنمية الدولي أن تكون على استعداد لمؤازرة جهود دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي ترغب جدّياً في زيادة فرصها الاقتصادية ولإيجاد مساحة لمشاركة المواطنين.

***

طارق يوسف ـ مدير مركز بروكنجز الدوحة، زميل أول برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية

نهى أبو الدهب ـ زميلة السياسة الخارجية، مركز بروكنجز الدوحة

عادل عبدالغفار ـ زميل السياسة الخارجية، مركز بروكنجز الدوحة

يحي زبير ـ زميل زائر، مركز بروكنجز الدوحة

علي فتح الله نجاد ـ زميل زائر، مركز بروكنجز الدوحة

نادر قباني ـ مدير البحوث، مركز بروكنجز الدوحة ، زميل أول ـ برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية

__________

بروكنغز

مواد ذات علاقة