Fighters loyal to the internationally recognised Libyan Government of National Accord (GNA) gather in an area south of the Libyan capital Tripoli on March 15, 2020. (Photo by - / AFP) (Photo by -/AFP via Getty Images)

بقلم محمد التومي

معركة فاصلة تدور رحاها منذ صباح السبت 18 أبريل في محيط مدينة ترهونة آخر معاقل قوات خليفة حفتر حول طرابلس، بعد استرجاع ثوار عاصفة السلام مدن مهمة صرمان وصبراتة والعجيلات وزلطن ورقدالين والعسّة.

.الجزء الثاني

ثانيا: التحولات السياسية بعد عاصفة السلام وارتباك المانحين لحفتر

إنّ هذه العاصفة تأتي بعدما نسف خليفة حفتر ومن والاه كل الجهود الدولية في محاولاتهم لإيجاد حل للأزمة من مؤتمر غدامس إلى الصخيرات إلى جينيف وموسكو، دون طائل.

ولكنه لسوء طالعه الذي رافقه منذ هزيمة وادي الدوم فلا هو ربح المعركة ولا قبِل بسلام الشجعان، رضوخا لإرادة شعبه، وظل معتقدا أن فتح طرابلس فسحة يؤديها جنوده من شرق البلاد إلى غربها.

والعجيب أن الغرب من داعميه صدّقوه وأمهلوه كما لم يمهلوا من قبله صفيّا أبدا وأوعزوا إلى خادمهم المطيع محمد بن زايد أن يمدّ له في المدد من المرتزقة والسلاح والأموال.

لكن قواته أخفقت في جميع المحاور التي قاتلت فيها، و وفق التقرير الأخير للجنة الخبراء بالأمم المتحدة، فإنها تقرّ بعبثية هذا الصراع الذي لا طائل منه، وتقرّ أيضا بوجود المرتزقة من تشاد والسودان وروسيا ومصر دخلوا ليبيا بعقود من شركات أمنية إماراتية وروسية بهدف تعزيز مختلف نقاط الارتكاز التابعة لقوات حفتر في الجنوب والغرب.

ولكن قوات الكرامة خسرت المعركة قبل بدايتها وظل القذافي الجديد يتعشّق ذاته الملتهبة وهو الذي لم يغادر مرتبة ضابط صف حسب تصريحات المارينز الذين أيسوا منه رغم ضيق البدائل.

وقد ظلّت الجبهات مستعرة بالليل ولكنها منفتحة على المجهول في النهار يقودها ضباط مدمنون لا يرون الواقع إلا بعين مرتخية تهوّم في فضاءات بعيدة، إضافة إلى عدم الثقة في الحاضنة الاجتماعية التي خبرت هؤلاء المرتزقة من ساكنة السجون وملّت الحرب واقتتال الليبيين دون طائل أو هدف مقنع .

من المنظور الإستراتيجي تعد منطقة الساحل الغربي امتدادا جغرافيا حيويا محاذيا للعاصمة، وهي متنفّس اقتصادي لطرابلس، وشريان تتدفق منه الإمدادات الغذائية والمواد الاستهلاكية إلى سكّانها، وهي طريق مسترسل، يؤمّن المبادلات التجارية بين ليبيا وتونس.

والمنطقة من الناحية الأمنية هي الخاصرة الغربيّة لطرابلس، وتأمينها من تأمين العاصمة بالضرورة، ولذلك بادرت قوّات بركان الغضبالتابعة لحكومة الوفاق الوطني بتحريرها من قبضة كتائب حفتر.

ولم يكن اختيار بنك الأهداف اعتباطيّا، بل كان دقيقا، ومحكوما بغاية تأمين الشريط الساحلي الغربي، وفكّ الإسار عن العاصمة.

فمن الناحية السياسية، أدّت التطوّرات الميدانية في منطقة الساحل الغربي إلى انحسار مشروع عسكرة الدولة الذي يقوده خليفة حفتر بدعم مباشر من نظام السيسي ودولة الإمارات رمز الثورة المضادة، وقد انحسر فعلا في المنطقة الغربية وهو في طور الاندثار الأبدي في انتظار القضاء المبرم على هذا الوباء في الشرق الليبي.

وقد ثبت أن معظم الليبيين يرفضون استعادة النظام الشمولي الذي طالما اكتووا بناره، ومن ثمة الارتهان لهيمنة شخص أو أسرة أو قبيلة معيّنة، بل يميل جُلّهم إلى بناء نظام جمهوري ديمقراطي، يضمن حقّ الاختلاف، والحرّيات، والتداول السلمي على السلطة بالارتكان إلى صندوق الاقتراع، لا إلى صندوق الذخيرة.

وستدعّم كل هذه الانتصارات التي خاضتها عاصفة السلامموقف حكومة الوفاق في مسار التفاوض الذي تقوده الأمم المتحدة لتسوية الأزمة الليبية، وستعزّز احتمال استبعاد حفتر من مفاوضات الحلّ السياسي للصراع الدائر بين شرق ليبيا وغربها، خصوصا أن حكومة الوفاق، ومراقبين، أصبحوا يعتبرون الرجل جزءا من المشكل، لا جزءا من الحلّ.

الحقيقة أن في رصيده من نقض الهدنة ما يكفي لعدم الاطمئنان إليه، إضافة إلى رفضه المتكررلوقف إطلاق النار، وعدم توقيعه في جلسات التفاوض السابقة في عواصم مختلفة على مذكّرات التفاهم بين الطرفين المتنازعين لحلّ الأزمة سلميّا.

بل مضى في تبنّي الخيار العسكري، والاستقواء بالأجنبي، لفرض أجندته على الاجتماع الليبي.

وبدا واضحا أنّه لا يطمح إلى أن يكون جزءا من المنظومة الحاكمة. بل يريد أن يكون الحاكم العسكري لليبيا، ما يعني إعادة إنتاج ديكتاتور جديد.

وفي هذا السياق، قال رئيس حكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، في مقابلة صحفية ليبيا لا تريد ديكتاتورية أخرى.. ولن أجلس بعد اليوم للتفاوض مع حفتر بعد الكوارث والجرائم التي ارتكبها بحق جميع الليبيين“.

ثالثا: صدى عاصفة السلام في تونس وأثرها على السياسة الخارجية

أمام هذه الانتصارات المدوّية على طول الساحل الغربي تتزايد أعداد القادمين من التونسيين من مختلف المناطق الليبية إلى معبر رأس جدير دون أن تسمح لهم السلطات التونسية بالعبور بسبب تخوفات من اندساس مقاتلين من ميليشيا البراهمي القومجية التي انتقلت من سوريا إلى الشرق الليبي الذين دفع بهم حفتر إلى الخطوط الأمامية في محاولة فتح طرابلسعلى حدّ زعمهم .

وقد تعالى صياحهم في الأسابيع الفارطة لمّا هددوا باجتياح تونس وتقتيل أهلها الآمنين، ولكنهم سرعان ما تركوا أماكنهم ليفروا إليها طلبا للحماية بعدما انكشفت عوراتهم وألقى بهم حفتر في العراء أمام زحف ثوار عاصفة السلاممن ثوار فبراير ومن الماكثين على العهد ضد ناكثي العهد الذي نقبض على بعضهم رفقة آخرين من المرتزقة الذين باعوا أنفسهم للشيطان.

ومن المؤكد أن أسماء هؤلاء الإرهابيين وصلت إلى الأمن التونسي ولكن المؤكد أيضا أن جوقة الإعلام النوفمبري المتباكي على أنظمة العسكر لن تهتم بأحد أهم الخيوط في موضوع التسفير إلى المناطق الساخنة الذي طالما عقدت له البلاتوات وتنادت له جموع من المرتزقة التي تشهر اللسان والقلم حسب الطلب.

إضافة إلى الضعف المستكين الذي أصاب السياسة التونسية في عمومها ونخصّ السياسة الخارجية، التي سقطت في وهدة تتجاذبها كماشة المصلحة والإيديولوجيا.

ولعله لا يختلف عاقلان على ضعفٍ أصاب السياسة الخارجية نتيجة الارتجال وسوء الاختيار والتسليم بالحدّ الأدنى من الجهد الدبلوماسي، وقد لاحظنا ذلك في الملف الليبي حتى بانت أعواره بالتسليم لجماعة حفتر لتكون الجوقة متناسقة بين الخارجية والدفاع والإعلام النوفمبري ضدّ فوبيا الإسلام السياسيوأبناء الغنوشي” .

ذلك وفق رؤية تسطيحية عرجاء تغضّ الطرف عن شرعية حكومة الوفاق التي اكتسحت حصونهم الجوفاء ولن تتوقف إلا بتحرير كل الأراضي الليبية وتصدّ الأطماع المتربصة على حدودنا الجنوبية أمام جنوح فئة من الناس باعوا شرفهم وعرضهم في سوق النخاسة.

وهكذا أصبح الوطن في مهب رياح عاتية تفتح على المجهول وتفرض إعادة النظر في السياسة الخارجية ومآلاتها بعد جائحة كورونا التي قدّمت للإنسانية فرصة تراجع فيها بعض المسلمات التي أوصلت الإنسان إلى مطبات عاتية.

خاتمة:

إنّ هذه الحملة العسكرية التي تشنها حكومة الوفاق على مليشيات الجنرال العجوز الذي أوغل في دماء الليبيين دون أن يراعي فيهم إلّا ولا ذمّة قد بدأت تؤتي أكلها بعد تدخل تركيا بالإسناد الجوي الذي أربك الطرف المقابل وأحدث ميلانا سريعا لصالح الثوار.

وقد كانت الأجواء الليبية قبل ذلك حكرا على الطيران المصري والإماراتي والروسي، ولذلك فإن سقوط هذه الميليشيات كان مدوّيا وسريعا ولعل ذلك يعود إلى عدم التناغم بين مختلف الفرق الميليشياوية المنتسبة إلى جنسيات مختلفة من السودان والروس وعسكر بشار وضباط للتدريب والتوجيه من فرنسا ومن الإمارات، إضافة إلى غياب كلي للعقيدة القتالية التي تحضر في مثل هذه الملمّات والجهل المطلق لجغرافية المنطقة .

يضاف كل ذلك إلى الشراسة القتالية التي يُبديها الثوار ، وروح التضامن غير المسبوق بين مكونات المجتمع المدني الليبي والتفافهم على القيادة السياسية لحكومة الوفاق، كل تلك المسائل مجتمعة أحدثت الفارق لصالح الثوار وأعطت أكلها سريعا على كل الساحل الغربي ومكنت المقاتلين في عاصفة السلام من دربة يحتاجونها فعلا واقعا في الأيام القريبة القادمة في تعميم السلام على كل شبر من أرض ليبيا بعد قطع دابر المرتزقة الذين مثلوا معولا للهدم في بلد يجنح أهله للسلام.

***

د. محمد التومي ـ باحث تونسي

_____________

مواد ذات علاقة