أبو رسلان

مرة أخرى يخسر “فتحي بشاغا” رهانه في تسلم السلطة في طرابلس بعد أن ركب موجة “حفتر” و”عقيلة صالح”، وهي محاولة كادت من وراءاها العاصمة الليبية أن تنزلق فجر أول أمس الثلاثاء (17 مايو الجاري)، إلى موجة جديدة من العنف، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة لنحو ساعتين بين كتائب عسكرية موالية لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبد الحميد الدبيبة”، وأخرى أعلنت استقبال باشاغا في مقراتها، قبل أن تنتهي الأحداث بإعلان الأخير  فشله ومن ثم المغادرة بعد أن أمّنت الكتيبة 444 خروجه سالما في اتجاه منطقة “الشويرف”.،

لكن ما هي خلفيات ما جرى لساعات؟

وما هي دوافع الرجل للقيام بتلك المحاولة؟

وماهي حقيقة الضغوط الدولية والإقليمية التي أجبرته على المغادرة إضافة الى عدم التجاوب الكلي محليا؟

أولا، هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الرجل الدخول إلى العاصمة، بعد مرة أولى في 12 مارس الماضي، وعمليا ظهر “باشاغا” بشكل مفاجئ في تسجيل مصور فجر أول أمس الثلاثاء معلناً وصوله مع عدد من وزرائه إلى طرابلس، وقائلاً إنه لَاقى ترحيباً حاراً عند دخوله المدينة (كما تداولت وسائل إعلام محلية بياناً قيل أنه لعمداء بلديات وعدد من النواب، مرحبين بدخولهللعاصمة)، وفي نفس الوقت وجّه وزير داخليته”عصام أبو زريبة” كلمة للليبيين أعلن فيها أن الحكومة “بصدد استلام كافة الوزارات والمؤسسات داخل العاصمة”، وعنصر المفاجأة هو إصدار “كتيبة النواصي” (التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الدبيبة)، بياناً فجر أمس رحّبت فيه بدخول باشاغا إلى العاصمة بل هي أمّنت دخوله واستضافته في مقرها.

ولكن التحرك السريع والدقيق لكتائب موالية للدبيبة، وأبرزها “جهاز دعم الاستقرار”، أربك الخطة التي اتبعها أنصار باشاغا حيث اندلعت اشتباكات استُخدمت فيها أسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، قرب مقر “كتيبة النواصي” وفي أنحاء أخرى من طرابلس، ولاحقا تبين ان المعركة خاسرة بالنسبة لمساندي باشاغا حيث أعلن الأخير من خلال سلسلة تغريدات خروجه من طرابلس…

ثانيا، الثابت أن “باشاغا” وصل إلى طرابلس عن طريق بلدة الزنتان (180 كيلومتراً غرب طرابلس) برفقة رتل مسلح تابع لكتيبة النواصي، مروراً بمناطق سيطرة اللواء 444، جنوب شرق طرابلسوهذا الأخير لم يسانده ولكنه لم يعترضه، وعمليا قامت خطة فريق “باشاغا” على تكتيك أنينضم لهم عدد من التشكيلات المسلحة متوسطة التسليح والموزعة في أكثر من مكان في طرابلس،وأنهم سيسطرون بسرعة على مقار الحكومة، لكن جهاز دعم الاستقرار فاجأ الجميع بحجم القوة التي قام بنشرها، وطوّق سريعاً مقر كتيبة النواصي.

وكل ذلك حدا بالكتائب الأخرى إلى التراجع عن وعودها لباشاغا، وبعد نحو أربع ساعات من ظهور باشاغا في كلمة مرئية مقتضبة أكد فيها دخوله طرابلس، تمكن قائد اللواء 444 من الدخول في وساطة لإنهاء الاشتباكات وتوفير ممر آمن لخروج من حلموا بدخول العاصمة، وهو ما تم تحديدا حيث نُقلوا إلى مقر اللواء 444 تحت حراسة مشددة…

ثالثا، فعليا وبعد فشل المحاولة في مارس الماضي والطلب الهادئ من السلطات التونسية يومها بضرورة المغادرة بعد فشله يومها في دخول الأراضي الليبية انطلاقا من معبر “ذهيبةوازن”، تم منذ أيام اجتماع في ‘مونتريو’السويسرية بين قيادات مجموعات مسلحة وفريق مضيقتابع لبشاغا حيث أكد بعض أولئك المسلحينوالميدانيين استعدادهم لتقديم الحماية له وتسهيل وصوله إلى مقرات الحكومة في طرابلس، وكان ابرز نتائج الاتفاقات والاجتماعات ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية لاحقا والبدء في وضع خطط لذلك بدءاً من برمجة اجتماعات لاحقة في المغرب مضاف اليها ترتيبات أخرى عديدة.

ولكن يظهر أن الامر قد بُني على خلل منهجي في التخطيط والعلاقات حتى داخل فريقه المضيق وتم تغييب بعض مستشاريه المقربين والذين فوجئوا بخطواته في أكثر من مناسبة، بل أن الثابت أنه يواجه حاليا نقداً محلياً كبيراً حيال خطوة دخول طرابلس من دون تنسيق كامل مع داعميه، وأكدت المصادر أن من بين منتقدي باشاغا عدداً من النواب المقربين من رئاسة مجلس النواب بمن فيهم رئيس البرلمان عقيلة صالح، وكان الأخير قد أبلغ السفير الأميركي لدى ليبيا أثناء لقائه به في القاهرة أخيراً، عزم الحكومة المكلفة العمل من مدينة “سرت”(وسط البلاد)

رابعا، تداولت مصادر دبلوماسية في القاهرة وتونس عصر أول أمس الثلاثاء أن اتصالات “متوترة” جرت بين “نورلاند”، ووزير الخارجية المصري سامح شكري(والذي تدعم بلاده باشاغا)، في أعقاب اندلاع الاشتباكات في طرابلس أول أمسوأوضحت نفس المصادر أن المسؤول الأميركي أكد على الوزير المصري “ضرورة الضغط على باشاغا للانسحاب فوراً من العاصمة لمنع اندلاع مواجهات أوسع، وأشارت المصادر إلى أن “شكري” أكد خلال الاتصالعدم مسؤولية القاهرة عن الخطوة التي أقدم عليها باشاغا، وقد أكد”نورلاند” لشكري أن الولايات المتحدة لن تسمح ببقاء باشاغا في العاصمة، وأنها تعارض تلك الخطوة، بل هو حذر أنه “ستكون هناك إجراءات عقابية بحال بقي هناك…”

وأعربت السفارة الأميركية في ليبيا عن “قلقها من اشتباكات طرابلس”، داعية جميع الجماعات المسلحة إلى الامتناع عن العنف وأضافت في منشور لها أن “استيلاء القادة السياسيين على السلطة أو الاحتفاظ بها من خلال العنف سيُؤذي فقط الليبيين”، مضيفة أن السبيل الوحيد القابل للتطبيق للوصول إلى قيادة شرعية هو السماح لليبيين باختيار قادتهم، وفي نفس السياقات تم تداول معطيات مفادها أن المصريين تواصلوا فعلا مع بشاغا وضغطوا عليه للانسحاب وهو ما تم في الأخير وخاصة ان أطرافا إقليمية تواصلت مع القاهرة في ذلك الشأن وهو ماي يعني ان مبررات الانسحاب لم تكن ذاتية ولا هي ما تم قوله في البيانات الإعلامية والتغريدات التي كتبها “بشاغا”…

خامسا، الجزائر كانت حاضرة وفي الصورة خلال اليومين الماضيين لأنها أصبحت اللاعب الرئيسي والرقم الصعب، وقد تم نقل فكرة للقاهرة صبيحة أول أمس وقبلها بأيام، استعداد الجزائر للتعامل مع المشهد في ليبيا بشكل يحفظ أمن مصر الخاص من جهة ويضمن استقرار الأوضاع في البلد الجار لها من جهة أخرى، ولكن تم التأكيد أيضا على عدم قبول الجزائريين بحكومة باشاغا تحت أي ظرف بل تم التأكيد أيضا على انه لن يتم الاعتراف بأي حكومة أو سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا بخلاف حكومة الوحدة إلى حين إنجاز انتخابات تنتج عنها سلطة جديدة، والثابت أيضا أن القاهرة أخذت خلال الأسابيع الماضية خطوة للوراء على صعيد تعاملها مع الملف الليبي ومن ثم التوجه نحو عدم تبني أي  حلول عسكرية وخاصة في الوقت الراهن بناء على أزمة مصر الاقتصادية وكون الأوضاع الإقليمية الحالية لا تتحمل أي أزمات جديدة في المنطقة.

وقد تم ابلاغ فتحي باشاغا بذلك وهو ما يبرر أنه قد حاول للمرة الأخيرة فرض أمر واقع ومن ثم دفع الأطراف للتفاعل لاحقا كما من الوارد أنه أُعطيت له فرصة أخيرة لفرض الامر الواقع وخلط الأوراق، كما أن قراءات تؤكد عدم رضا مصري بشأن بعض تحركاته واتصالاته خلال الأيام الأخيرة…

سادسا، الثابت أن القاهرة تتخبط في التعاطي مع الملف الليبي ولكنها تمتلك هامش مناورة فهي وضعت الملف الليبي على الطاولة خلال الاجتماعات الأخيرة مع “الرباط” وهي تعلمحزم واستراتيجيا الجزائريين وتعلم أن تونس لا تستطيع الاصطفاف ضد الجزائر في الملف الليبي، وهي في نفس الوقت تريد الحفاظ على مسافة الأمان مع الأتراك نتاج عمليات التقارب البطيئة والهادئة وفي نفس الوقت تعلم القاهرة وجود تباينات بينها وبين حليفيها السابقين (أي مع أبو ظبي والرياض).

وكل ما سبق يُبرر قلقها الكبير بشأن التطورات في طرابلس بل وستكون حريصة مستقبلا بضرورة الحفاظ على الهدوء في ليبيا، ومن ثم ستسعىمن حيث الخطاب المعلن على الأقل لحثّ جميع الأطراف الليبية على ضبط النفس والامتناع عن اتخاذ أي خطوات من شأنها تأجيج العنف وهز الاستقرار  وهذا الخطاب سيكون هو الغالب خاصة أنها تعرف تفاصيل التوافقات بين المشري وعقيلة صالح…

سابعا، حكومة “الدبيبة” أظهرت رغم كل ما جرى أنها في وضع شُبه مريح حيث اكدت في بيان لها أن “الأجهزة العسكرية والأمنية تعاملت بإجراءات حازمة ومهنية لمنع هذه الفوضى وإعادة الاستقرار للعاصمة، ما أدى إلى فرار المجموعة المسلحة”، وأضافت “تسببت هذه العملية الصبيانية المدعومة بأجندة حزبية في أضرار مادية وبشرية ما زالت أجهزة الدولة تعمل على حصرها ومعالجتها”.

وأكدت أنها “ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه المس بأمن المواطنين وسلامتهم”، وقد قال الدبيبة، في تصريحات خلال جولة تفقدية للأضرار الناجمة عن الاشتباكات، إن من يريد حكم البلاد عليه التوجه إلى الانتخابات، أما المستشارة الأممية ستيفاني وليامز فقد أبدت قلقها البالغ إزاء الاشتباكات. وحثت على “ضبط النفس والامتناع عن الأعمال الاستفزازية، بما في ذلك الخطاب التحريضي والمشاركة في الاشتباكات وتعبئة القوات”.

______________

مواد ذات علاقة