•  بقلم: ابراهيم عميش
    • ابراهيم عميشإذا كانت حركة التحرر الوطني قد استجابت فى مرحلة ما قبل الاستقلال في ليبيا؛ بالدرجة الأولى لمتطلبات المرحلة التحررية في مواجهة الاحتلال ومقاومته وكانت في مُجملها ، صناعة ليبية متأثرة بالتطور الفكري والسياسي والديني والقومي؛

وكانت لها الغلبة فيما استجابت له المعطيات السياسية أو رفضته… أي فيما حققته حركة التحرر الوطني الليبي عبر تاريخها الساعي إلى تحقيق الاستقلال وقيام الدولة ؛ فأنها ستبقى تجربة تاريخية يجوز البناء عليها سياسياً وثقافياً واجتماعياً، وهي جديرة في عالمنا العربي بالدراسة والاهتمام

***

رابعا: حركة القوميين العرب

منظمة العمل الشعبى – فرع حركة القوميين العرب فى ليبيا

حركة القوميين العرب، من التنظيمات السياسية القومية التى حاكت الواقع العربي وترجمت إرادة الجماهير العربية المأزومة في مأزق مُخطط التفكيك (الجوبولتيكي) لأقطارها ووحداتها السياسية؛ فهي غنية عبرتاريخها السياسي الأيديولوجي بزخم تفاعلاتها على امتداد تواجُدها في امتداد الرقعة الجغرافية العربية…

ولأن (فكرة) قولبة الحال العربية الجمعية التي سادت مجتمعات الوطن العربي في أعقاب (نكبة) الاحتلال الصهيوني لفلسطين سنة 1948م؛ كانت تفرض نفسها بقوة؛ فإن تنظيم الطلائع العربية الثائرة على واقعها؛ كان وقتها رهان قومي لا بديل عنه في مواجهة مخططات السيطرة وبرامج التقسيم، وكانت نتيجة منطقية أيضاً لإعادة اكتشاف الذات العربية بمحاذاة القومية (الطورانية) التركية التي قضت على دولة بني عثمان الإسلامية وأفسحت المجال – في فراغ سياسي عربي – لسطوة وهيمنة قوى الاستعمار الغربي للتوسع الإمبريالي في المنطقة العربية وشمال أفريقيا،… وبمحاذاة بقاء وصمود القومية الفارسية المدعومة بتشيعها الديني (الإسلامي)،… فإن نشأة وتأسيس حركة القوميين العرب؛ كان الصياغة الموضوعية الواقعية لمشروعية الدفاع العربي والمقاومة من أجل البقاء،… وكان البناء الجمعي العربي (الـمُـتـاح) لمواجهة تحديات الواقع القهري المفروض بقوة السلاح الغربي وسطوة الصهيونية العالمية، …ولأن قوة الانبعاث القومي كانت حاضرة في وجدان الأمة العربية،… غير أن الأنواء والأهواء سارت بالحركة على غير هُدى في أكثر من حال عبر مراحل تطورها منذ ولادة فكرة نشأتها على ركام مكيدة النكبة سنة 1948م إلى أن وئُدت تحت تراب النكسة سنة 1967م. وبين النكبة والنكسة سبحت حركة القوميين العرب مع السابحين في الفضاء القومي بين البغتة والتوقع… صابت وأخطأت… استهدفت واُستـُهدِفت… حــرّكت وجـمّـدت… حـــوّلت وتحولت… وهــي بـذلـك فــرع مـن فــروع المشروع القومي العربي الذابل.

الـنـشـأة

رداً على النكبة، … وثأراً للدماء المسفوكة والأشلاء المُبعثرة على تراب أرض فلسطين، ومحاولة لتخريب اتفاقية الهدنة التي وقعها حسني الزعيم في 20/07/1949م مع الكيان الصهيوني المُغتصب لفلسطين. وفي إطار الفكر القومي والتوجيه السياسي والاجتماعي للمفكر العروبي ساطع الحصري وللأستاذ بالجامعة الأمريكية في بيروت قسطنطين زريق؛ شكّل كل من: وديع حداد وصالح شبل وجورج حبش… (فلسطين)… وجهاد ضاحي وهاني الهندي …(سوريا) وحسين توفيق وعبد القادر عامر (مصر) وحامد الجبوري وباسل الكبيسي… (العراق) وأحمد الخطيب… (الكويت) منظمة قومية فدائية شبه عسكرية تعتمد نظام الخلايا والعمل السري؛ تحت اسم “كتائب الفداء العربي”؛ وقد تمكنت عناصر هذه المنظمة ومن لحق بهم من طلبة الجامعة الأمريكية في بيروت من السيطرة على “جمعية العروة الوثـقى” والإعلان عن تشكيل “هيئة مقاومة الصُلح مع إسرائيل”.

وضمن تحركاتها الســرّية، وضعت “كتائب الفداء الـعـربي” خططها لعمليات اغتيال تستهدف من اعتبرتهم؛ مسئولين عن النكبة؛… رئيس وزراء المملكة العراقية “نوري السـعـيـد” وملك الأردن “عبد الله الأول”، وهاجمت المفوضية البريطانية ومفوضية الولايات المتحدة الأمريكية في بيروت ودمشق وعمان والقدس وبغداد، إلى جانب محاولة اغتيال الكولونيل “سترلنج” المتهم بالتجسس لصالح الاستخبارات البريطانية في إسرائيل، والذي يتحرك مُتستراً كمراسل لجريدة التايمز.

وبتأثير تقديسها لفكرة الوحدة وضرورتها الاستراتيجية في حماية الأمن القومي العربي وتحرير فلسطين لم تعارض منظمة “كتائب الفداء العربي” مشروع الهلال الخصيب ورهنت استعادة فلسطين وتحريرها بوحدة العراق وسورية والأردن. وشـكّل “الثأر” محورها الثالث ليصبح شعار المنظمة “وحدة، تحرر، ثأر” بمعنى أن النضال القومي العربي لاستعادة فلسطين يحمل في معناه “الثأر ومحوالعار”(1)

ومع التبدّل الذي طرأ في الظروف الإقليمية بقيام ثورة 23 يوليو – تموز سنة 1952م بقيادة جمال عبد الناصر في مصر وفي ضوء التطور السياسي – الأيديولوجي للمنظمة “كتائب الفداء العربي” وامتدادها التنظيمي في الأردن والعراق وسوريا والكويت،… وعلى إثر قرار إدارة الجامعة الأمريكية في بيروت بفصل وطرد نشطائها؛ قبلت السلطات المصرية عناصر وقيادات المنظمة، وأذنت لهم في أعقاب فشل العدوان الثلاثي بعقد المؤتمر الأول للمنظمة في 25 ديسمبر – كانون أول سنة 1956؛ الذي حـوّل “كتائب الفداء العربي” من منظمة “نخبوية” ســرّية إلى حركة جماهيرية في مجرى الناصرية تحت اسم “منظمة الشباب القومي العربي” وأصدرت جريدة “الرأي” ورفعت شعار وحدة مصر وسورية.

التأسيس:

تحت اسم منظمة “الشباب العربي” وبمشاركة تنظيم الحركة الطلابية في مصر انعقد المؤتمر التأسيسي الأول لمنظمة “كتائب الفداء العربي” وبمشاركة ورعاية ناصريه انبثقعن المؤتمر قيادة قومية جماعية، تألفت من:

وديع حداد، جورج حبش، هاني الهندي، حامد الجـبور، صالح شبل، أحمد الخطيب، مصطفى بيضون، الحكم دروزة، محسـن إبراهيم، ثابت المهايني، عمر فاضل،… وأعلن عن قيام حركة ثورية قومية موحدة تحت اسم “حركة القوميين العرب” تؤمن بالتغيير الشامل والجذري في المؤسسات العربية كافة، وترفض الإصلاحات التدريجية. وحددت حركة القوميين العرب في وثائق وبيان تأسيسها أهدافها القومية بالقضاء على التجزئة (بالوحدة) وعلى الاستعمار (بالتحرر) وعلى إسرائيل (بالثأر)… وأكدت محاور نضالها بشعارها الثلاثي: وحدة، تحرر، ثأر.

وفي الوثيقة البحثية، الصادرة عن اللجنة التنفيذية في أواخر سنة 1957م تحت عنوان “القومية العربية” تبنّت القيادة القومية نظرية التمييز ما بين مرحلتي “النضال القومي” و”النضال الاشتراكي” والفصل بينهما في ضوء التناقض الأساسي؛ إذ أن مرحلة النضال القومي للحركة تتمحور حول تصفية الاستعمار والتجزئة وإغتصاب فلسطين، وأن مرحلة “النضال الاشتراكي”؛ هي مرحلة التحرر الاجتماعي وتتمحور حول بناء المضمون الاشتراكي الديمقراطي العام للمجتمع العربي،… ووفقاً لهذا اعتبرت القيادة القومية للحركة أن “الاشتراكية” ضارة وخطرة في المرحلة الراهنة وبذلك خالفت “حركة القوميين العرب” أولويات محاور النضال القومي عند “البعث” بإحلال “الثأر” محل الاشتراكية.

وعن إرجاء الحركة للمرحلة الاشتراكية في ذلك الوقت: يُـفسّر “محمد جما ل باروت” أن استراتيجية الحركة في هذه المرحلة تحتم بوضوح كون الاستعمار والصهيونية والرجعيين والعملاء هم العدوالأول وإن التخطيط النضالي السليم هو: عدم جعل القوى المعادية هي العدوالأول، والـتـنـاقـض الـفـرعـي هـوالتنـاقـض الرئيسي، لكيلا تتحول المعركة العربية إلى معركة داخلية… وبالتالي “يجب أن نحشد كافة إمكانيات الأمة” لإيجاد الكيان العربي الواحد المحرر وتحقيق تماسك الجبهة الداخلية (2)… ولم تُجز الحركة في هذه المرحلة أن يتحول النضال القومي إلى نضال اقتصادي ” إشتراكي ” يُعيق مرحلتى الوحدة والتحرر ويفتح جبهة صراع طبقي داخلي هوسابق لأوانه.

بعد قيام الوحدة المصرية – السورية في 5 فبراير – شباط سنة 1958م اعتبرت حركة القوميين العرب أن: “الجمهورية العربية المتحدة” هي النواة للوحدة العربية الشاملة و”كماشة قوية” لــ “محو إسرائيل”، وقدمت الحركة نفسها بوصفها “أداة شعبية طوعية للقيادة الرسمية للثورة العربية… وفي إطار استراتيجية التلاحم القومي مع الناصرية، تمكنت حركة القوميين العرب من إعداد كوادرها: اليمنية والسودانية والبحرينية والليبية التي تخرجت من الجامعات المصرية لتأسي فروع لها في أقطارهم.

***

القاهرة بوابة الفكر والسياسة والانتماء الأيديولوجي إلى مشرق ومغرب الوطن العربي… كما هي حلبة الصراع والاستقطاب… ومنها ينطلق ويعود “صالح وطالح الأعمال”… منها المروي اليافع… ومنها العطش الذابل…. ومنها ما تذروه الرياح…. ومن القاهرة عادت عناصر النواة المؤسسة لفرع حركة القوميين العرب إلى ليبيا ، بعد أن أجرت لهم القيادة المركزية في أواخر سنة 1959م دورة إعداد تنظيمية في دمشق شملت عشرة خريجين حركيين من اليمن وليبيا والسودان والبحرين، …

تشكّلت القيادة القطرية لفرع الحركة في ليبيا من: عبد السلام الزقعار، عز الدين الغدامسي، نصر الدين البقار، عمر المنتصر، الدكتور عبد الوهاب الشللي، محمود تنتوش، مفتاح ماضي، رباب أدهم،… وشرعت القيادة القطرية لفرع حركة القوميين العرب في ليبيا تطبيق قواعد البناء الهيكلي للفرع في البلاد،… وفتحت قنوات الاتصال الجماهيري بالانخراط والعمل من خلال منظمات المجتمع المدني القائمة آنذاك في ولايات ليبيا الثلاث، طرابلس وبرقة وفزان،… وتحت اسم: “منظمة العمل الشعبي” إلتحقت بالحركة قيادات وطنية شابة، كان لها دور حركي نشط في اتحادات ونقابات العمال والاتحاد العام للطلبة وفروعه الإقليمية ومنظمة الحركة الكشفية في ليبيا،… ومن أجل إمتلاك القدرة على تحريك الجماهير من خلال منظمات الواجهة للحركة؛ كُلف وقاد منظمة العمل الشعبي للحركة؛ عز الدين الغدامس والتباني الأجدل ونصر الدين البقار ووليـد سالم وأحمد بورخيص وجمعة الفرجاني ومحمد الهلالي،… إلى جانب القيادة التنظيمية في إقليم برقة: مفتاح ماضي ومصطفى العالم ومصباح الشين وجمعة الفزاني ومصطفى القماطي…

ضباط القوميين الليبيينودفعت حركة القوميين العرب في ليبيا بعناصرها للانخراط في القوات المسلحة الليبية، فكان من ضباطها في الجيش الليبي كل من: عبد المنعم الهوني ..وعمر المحيشي.. وصالح الدروقي.. وعوض حمزة.. بالقاسم القانتا.. ومحمد ناصر الميلودي.. ومنير الطاهر..، وآخرين

 

***

وأثبتت حركة القوميين العرب حضوراً سياسياً بارزاً، وأصبح فرعها القطري ذوفعل وأثر في الشارع الليبي المُعبأ بالنزوع القومي الناصري،… ونسجت القيادة القطرية للحركة في ليبيا علاقات تنظيمية منضبطة بين قياداتها و كوادرها، في إطار التركيبة التنظيمية – الجغرافية للخلايا والروابط والشُعب في المناطق،… وكانت تحيط قواعدها علماً بالمواقف والقرارات السياسية العامة للقيادة المركزية للحركة وبما يحدث من تحولات فكرية وتنظيمية في فروع الحركة وأقاليمها… وكان النفوذ الناصري حاضراً وقوياً في الشارع السياسي الليبي،… وبقدر ما كان للقيادة القومية (المركزية) للحركة من التزامات وتلاحم استراتيجي قومي بالرئيس عبد الناصر والناصرية في مصر؛… بقدر ما كانت القيادة القطرية لفرع الحركة في ليبيا أكثر قرباً وإلتزاماً بما للعلاقات الليبية – المصرية – وخاصية فرضها وألزم بها الواقع “الجيوسياسي” بآثاره المنتجة لها (السياسية والاقتصادية والاجتماعية).

وقد تمكنت حركة القوميين العرب من استيعاب العديد من أبناء الفئات الوسطى والعمالية المعبأة بشكل عاطفي وتعبوي خلف عبد الناصر من بعد الانفصال ومن بعد تقديمه لـ “الميثاق” في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية بالقاهرة في 21/05/1962م الذي يؤكد فيه على: “حتمية الحل الاشتراكي وتذويب الفوارق سلمياً بين الطبقات”.(3)

وما كانت عملية “إنفصال” الوحدة المصرية – السورية ببعيدة عندما تبنى “محسن إبراهيم” عضواللجنة المركزية للقيادة القومية لحركة القوميين العرب؛ خطاً نظرياً تناول “الانفصال” بمنظور طبقي، واعتبر ما حدث هو؛ نتاج للموقف المُعادي الذي اتخذته طبقة الإقطاعيين والرأسماليين والبرجوازيين تجاه الوحدة والاشتراكية.

وكان قد عاب حزب البعث على حركة القوميين العرب؛ ارتباطها المطلق بعبد الناصر وموقفها الأيديولوجي الغامض من الاشتراكية.

(… ولأن قوى الإقطاع والرأسمالية، كانت وراء أحداث الإنفصال وضرب نواة المشروع القومي “الجمهورية العربية المتحدة” يقول محسن إبراهيم: فإن إرجاء الحركة للمرحلة الإشتراكية – من بعد تجربة الإنفصال المُرة – بالتمييز ما بين مرحلتي: النضال القومي والنضال الاشتراكي، والفصل بينهما: قد انتهت؛ بدليل انقضاض قوى الإقطاع ورأس المال على إجراءات “تموز” الاشتراكية وقيامها بجريمة الانفصال… على حد تعبير إبراهيم ).(4)

وقد شهد المؤتمر الأول لحركة القوميين العرب – من بعد الانفصال والميثاق – سنة 1962م أول انقسام يحدث بين فريقين داخل الإطار القيادي المركزي للحركة،… الفريق الداعِ إلى تصفية البنية التقليدية، الطبقية والإيديولوجية للحركة وتحويلها إلى فُصيل تقدمي يلتزم ويلازم ما بين النضال القومي والنضال الاشتراكي، ويضم هذا الفريق كل من: محسن إبراهيم ونايف حواتمه ومحمد كشلي، بينما يضم الفريق القومي الممثل للقيادة التقليدية، المشدودة إلى البرنامج السياسي الأصلي للحركة عناصر من أبرزها: جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وأحمد الخطيب.

ووفقاً للفريق الأول (الاشتراكي التقدمي) فإن “الثورة العربية المعاصرة” لا تعود إلى ثورتين منفصلتين؛ ولكن إلى ثورة واحدة مُركّبة تتمثل بالمضمون الطبقي الاشتراكي للقومية العربية، وبذلك لا يمكن الفصل ما بين “القضية السياسية” و”القضية الاقتصادية”.

ولم يكن صعباً على القيادة التقليدية المؤسسة للحركة “الفريق الثاني” أن تقبل بإعادة النظر جذرياً ببرنامجها السياسي ذي المرحلتين، ولم يكن ممكناً أن تكون في موقع يخالف موقع عبد الناصر،… وحرصاً على عدم تجنيح الحركة وانقسامها،… والتقاء عند حدود اشتراكية عبد الناصر، وما طرحه في “الميثاق” من ضرورة حل الصراع الطبقي سلمياً بما يتيحه “الطريق الاشتراكي” من إمكانية تذويب الفوارق بين الطبقات؛ اتفق الفريقان بين كواليس المؤتمر – على مواقف نظرية وسياسية مشتركة قُدمت في تقرير داخلي غير مُفصل، ولم يعطِ الأعضاء أية صورة حقيقية عن المناقشات النظرية والمواقف السياسية لفريقي اللجنة المركزية للقيادة القومية وكان هذا التقرير نقطة التقاء حول برنامج يقوم على الصراع الطبقي ويؤكد على ضرورة التطبيق السلمي للاشتراكية وينسجم مع ما طرحه عبد الناصر في ” الميثاق “،… ووفقاً لذلك أكد التقرير العام على ضرورة نقل الحركة من وضعها الراهن كـ “حركة طلاب ومثقفين” إلى حركة شعبية اشتراكية ديمقراطية، تتميز بالجماهيرية والقاعدة الشعبية.

وبما أن البناء التنظيمي للحركة مُصمم على التلقي والتنفيذ… “نفذ ثم ناقش” وليس على الأسئلة والنقاش، فإن كُتاب الوثيقة “التقرير” يؤكدون في صياغته على أنه: “يٌعبر عن المزاج الأيديولوجي والسياسي والسوسيولوجي لقواعد الحركة التي أصبح مُعظمها ينحدر من الفئات الوسطى “الناصرية” وانتسب إلى “الحركة” بوصفها حركة ناصرية.” (5)

وكانت كوادر وعناصر حركة القوميين العرب؛ تتابع – من بعد الميثاق والتلاحم الثاني بالاشتراكية الناصرية – وتعتبر خُطب وتصريحات عبد الناصر السياسية حيال القضايا القومية، وفيما يخص مواقفه من سياسات حكومات أقطارها: توجيهات وتكليفات للقيادات القومية و الأحزاب التقدمية للعمل بمقتضاها في بلادها،… فعندما أعلن عبد الناصر عن استعداده لمحاربة إسرائيل والقضاء عليها، فيما لوضمن سلامة حدود مصر الغربية، حيث القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية الحليفة لإسرائيل رابضة على بُعد كيلومترات قليلة من الأراضي المصرية في ليبيا، قامت في اليوم التالي المظاهرات الطلابية ومسيرات الاحتجاج الشعبية تطلب من الحكومة الليبية إلغاء المعاهدات العسكرية وجلاء القوات البريطانية والأمريكية عن قواعدها في البلاد.

حقق عبد الناصر بأجهزته الرسمية والشعبية… السياسية والأمنية؛ نفوذاً أزعج الغرب “الإمبريالي الرأسمالي”، وأربك النُظم السياسية “المحافظة”، وأفسح المجال للاتحاد السوفيتي ليناكف النفوذ الأمريكي. وحاول النظام، وحكومات الملك إدريس في ليبيا مقاومة النفوذ الناصري في الشارع الليبي، وحتى في أروقة السلطة ومؤسسات الدولة؛ بالإلتفاف على أن الوحدة العربية وتحقيق مرحلة التحرر القومي العربي محكومة بأسبقية قيام وحدة ليبيا. وحددت المعارضة الوطنية مطالبها بأولوية إلغاء المعاهدتين؛ البريطانية والأمريكية وجلاء قواتها عن البلاد، وانخراط السياسية الوطنية في المشروع القومي العربي ودعم سياسات عبد الناصر.

وفي ظل توجيهات من الملك إدريس بعدم تورط الحكومة الليبية في الصراعات العربية – العربية… (في إشارات محسوسة؛ لصراعات عبد الناصر القومية في اليمن وفي سوريا والعراق ولبنان، ومع المملكة السعودية،… وكانت قد قامت ثورة في اليمن الشمالي وأطاحت بحكم الأمام البدر وإعلان الجمهورية برئاسة عبد الله السلال وبدعم ناصري)… أخذت الحكومة الليبية تصنع سياساتها المحلية والإقليمية بلهجة عربية قومية تُسكّن بها موجوع المعارضة الوطنية القومية في البلاد،… وتغازل بها عبد الناصر لـتأمن غدره.

***

بعد تعديلات دستورية واجبة، أمر بها الملك ووافقت عليها المجالس التشريعية لولايات ليبيا الثلاث؛ وأقرها مجلس الأمة: أعلنت حكومة الدكتور محي الدين فكيني في 27 أبريل – نيسان سنة 1963م، إلغاء النظام الاتحادي بحكوماته الأربعة وقيام وحدة ليبيا في عشر محافظات تخضع لإشراف الحكومة المركزية،… وأصبحت من تاريخه: “المملكة الليبية جزء من الوطن العربي وقسم من القارة الأفريقية”(6) ورحبت القوى الوطنية والقومية في البلاد بإعلان وحدة ليبيا، ووصفت جريدة الأهرام القاهرية “الرسمية” التعديلات الدستورية في ليبيا بأنها: (من أكثر الخطوات الليبية إيجابية) …وصعّدت المعارضة من مطالبها لإستكمال مرحلة التحرر الوطني وجلاء القوات العسكرية البريطانية والأمريكية عن البلاد…

***

1. راجع: “الأحزاب والحركات القومية العربية” عن المركز العربى للدراسات الإستراتيجية – الجزء الثانىبيروت 1995م

2. راجع: “حركة القوميين العرب” محمد دجمال ارون – الطبعة الأولى بيروت 1992م

3. راجع: (الميثـــاق) جمال عبد الناصر، القاهرة سة 1962م.

4. راجع: مصدر سابق

5. راجع: الأحزاب والحركات القومية، على ناصر محمد بيروت 1995م

6. راجع: الدستور الوطنى الليبى (دستور 7 أ كتوبر 51).

 

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *