بقلم مصطفى الجريء

كشفت مسؤولة العلاقات الخارجية والأمن بالاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، على هامش انعقاد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد، عن سعي الاتحاد الأوروبي الى تقريب وجهات النظر والمواقف بين رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر .

واضافت موغريني بأن الاتحاد الأوروبي يدعم لعب روسيا لدور ايجابي في انهاء الازمة الليبية الراهنة . الجدير بالملاحظة ان فكرة الجمع بين السراج وحفتر انطلقت من مصر بوساطة روسية، غير أن المكتب الإعلامي للقيادة العامة للجيش نفى علمه بتلك المبادرة المصرية الروسية .ويراهن الداعمون للتسوية السياسية كثيرا على التوافق بين رئيس الرئاسي وقائد الكرامة باعتبار أن أكبر اشكالية وعقبة تحول دون تنفيذ التسوية هي قيادة المؤسسة العسكرية و ضمان منصب للمشير حفتر ضمن المشهد السياسي القادم .

عقبة أخرى على غاية من الاهمية وهي تقاسم الثروة النفطية وايراداتها بين اقليم طرابلس وبرقة ،حيث يطالب اهالي الشرق بان يكون مقر الوطنية للنفط في بنغازي ،مثلما كانت في عهد الملك ادريس السنوسي .ومن الاشكاليات الاخرى تمثيل الاقاليم العادل في كل المؤسسات سياسية كانت ام اقتصادية .

ويرى المعارضون للاتفاق السياسي الذي اعتمد على المسودة الخامسة انه يستهدف ضرب المؤسسة العسكرية ويخدم تيار الاسلام السياسي ،ومن هنا عرقل مجلس النواب وبالتحديد رئاسة المجلس تنفيذ الاتفاق وقبول اجراء تعديلات عليه ليس بحذف المادة الثامنة بل من خلال تعديل المجلس الرئاسي وإعطاء دور مهم لحفتر .

معلوم ان كل تعديل يمس وثيقة الاتفاق يستوجب تشكيل لجنة متناصفة بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة وتعيين عضو آخر للجنة المشتركة ممثلا عن المحكمة العليا .

لكن هذه اللجنة المتناصفة تأخر تعيينها سواء من طرف البرلمان والمجلس الاعلى للدولة وبالنسبة للبرلمان فالعملية تتطلب الكثير من الوقت بسبب ظاهرة مقاطعة النواب ،وبالتالي يبدو من الصعوبة بمكان بلوغ النصاب لجنة الحوار السياسي التي تغيبت عن اجتماع لجنة الحوار السياسي الأخير بالحمامات التونسية .

اشكالية الدستور والشرعية

الى ذلك اعلن حراك العودة لدستور 1963 المعدل بان هيئة صياغة مشروع الدستور الحالية اخذت الكثير من الوقت دون انجاز المطلوب منها،وأشار الحراك الى خطورة مقاطعة مكون الأمازيغ لهيئة صياغة الدستور وانسحاب اكثر من عضو من الهيئة المذكورة مما يجعل التوافق يغيب عن الدستور المقبل لذلك يطالب الحراك بضرورة العودة الى دستور 1963 المعدّل، واعتماده لتجاوز الازمة السياسية المعقدة حيث يتم اقرار انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة ازمة ويتم تغيير المادة المتعلقة بالملك باقرار انتخابات رئاسية و بذلك يضع الليبيون الاتفاق السياسي جانبا ويسدوا الباب امام التدخلات الخارجية .

وهكذا يتم غلق و انهاء باب الصراع والنزاع على الشرعية بين الأجسام المتواجدة على الساحة الليبية، حيث يرى كل جسم انه يحتكر الشرعية والحال أن الاتفاق السياسي هو الذي اعطى ومنح الشرعية لمجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي وكذلك امام فشل الرئاسي والعراقيل التي اعترضت تطبيق الاتفاق السياسي وغياب بديل.

والبديل بحسب حراك العودة لن يكون سوى دستور 63 المعدل .ويشير مساندو العودة لدستور المملكة بان قبول تعديل الاتفاق السياسي وتغيير المجلس الرئاسي لن يحل الازمة وهو مجرد مسكنات لا اكثر .و ان الصراع سوف يظهر من جديد بين اقاليم ليبيا سيما مع تراجع نفوذ و سلطة اعيان ومشايخ القبائل بسبب انتشار السلاح والمليشيات وغياب اجهزة الدولة من شرطة وقضاء .

واقع ومتغيرات نزعت من الاعيان سلطتهم وربما ذلك ما جعل البعثة الاممية لا تركز على دور القبائل في حل الأزمة والتي شبهها المراقبون بازمة الثقب الاسود او شبكة خيوط العنكبوت.

السراج يبحث عن الحل خارج ليبيا

هذا ووصل رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج امس الى تركيا في زيارة رسمية لبحث اخر التطورات السياسية الليبية وتبادل وجهات النظر مع الحكومة التركية ،وتم خلال الزيارة توقيع اتفاقية بين تركيا والرئاسي الليبي تتعلق بتكفل تركيا تدريب وتسليح جهاز الحرس الرئاسي الليبي ، كما تم تقييم مختلف المبادرات المطروحة لحل الأزمة .

يشار الى ان تركيا أعادت فتح سفارتها لدى طرابلس منتصف جانفي الماضي والتزمت الحكومة التركية بإعادة شركاتها الى ليبيا .واوفت تركيا بوعدها للسراج بإرسال شركة كهرباء للجنوب الليبي و ذلك ما حصل منذ أيام .

ويراهن فايز السراج على الدور التركي لتليين مواقف تيار الاسلام السياسي وخاصة جماعة الإخوان من اجل تقديم تنازلات و بلوغ التوافق المنشود ،وتواجه تركيا انتقادات متصاعدة من سلطات طبرق التي تتهمها بتقديم دعم مباشر لمليشيات مصراته . بالتوازي مع زيارة السراج الى انقرة استقبلت الجزائر امس وفدا سياسيا يتألف من رؤساء وقادة أحزاب في إطار التحضير للقمة الثلاثية المتوقعة وقد استهل الوفد زيارته بجلسة مع عبد القادر مساهل الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والافريقية .

السيناريوهات الممكنة والمستبعدة

تطرح في الواجهة اليوم عدة سيناريوهات لحل الازمة السياسية والامنية في ليبيا ، ولعل أول السيناريوهات هو الحاصل حوله اجماع دولي وهو ما تنص عليه مبادرة تونس بمشاركة مصر والجزائر والذي يقتضي جمع الفرقاء واشتراك الاسلام السياسي في حكم المرحلة القادمة ، وقد قطعت المشاورات مراحل متقدمة ، وتبقى أكبر اشكالية هي توحيد المؤسسة العسكرية وضمان دور للمشير خليفة حفتر.

اضافة الى تلك العقبة يبدو ان التوافق بين الليبيين مازال بعيد المنال بسبب تصميم بعض الأطراف على عنصر الحسم العسكري ، الجميع في ليبيا يرفض التنازل وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية .

ويرى متابعون ان المجتمع الدولي والأمم المتحدة في النهاية سوف تجبر الفرقاء الليبيين على اقتسام السلطة حتى مع يقين المجتمع الدولي بان هذا الحل وقتي وظرفي ولن يعمر طويلا ، وان مرحلة ما بعد مرحلة الاشتراك في الحكم هو تقسيم البلاد الى دولتين واحدة في طرابلس وثانية في طبرق .

فحتى النظام الفيدرالي اعتماده في الحالة الليبية معدوم لأنه يتطلب وجود حكومة مركزية ، وعندها سيطفو الخلاف والانقسام بين الفرقاء وتطالب كل من طرابلس وطبرق بأحقية كل واحدة منهما باحتضان مقر الحكومة المركزية .

ثاني السيناريوهات وهو الذي تتخوف منه دول الجوار كان تتعقد الأزمة اكثر فأكثر وهو التدخل العسكري الاجنبي و بما ان روسيا دخلت على خط

الأزمة الليبية فمعنى ذلك ان ليبيا سوف تكون ساحة نزاع وصراع مسلح بين الاطراف الدولية في صورة تشابه الى حد كبير ما يحدث في سوريا .

فدول مثل ايطاليا وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا من جهة اخرى لن تتأخر في التدخل العسكري مباشرة إذا حصل تهديد لمصالحها الحيوية، وتدرك دول الجوار العربية تونس الجزائر مصر وبدرجة اقل السودان ان اقرار التدخل العسكري الأجنبي سوف تكون له تداعيات امنية واقتصادية وإنسانية وخيمة عليها .

دور حفتر في المشهد

ثالث السيناريوهات المتوقعة سعي القائد العام للجيش خليفة حفتر الى الزحف نحو طرابلس وفرض امر واقع جديد. فإما ينصب نفسه حاكما عسكريا لفترة انتقالية او اجبار المجتمع الدولي على التفاوض معه رأسا باعتبارها الجهة المسيطرة على البلاد .

ويراهن حفتر لانجاز هذا السيناريو الذي تحدث عنه هو شخصيا في الايام الاخيرة اولا على دور عقيلة صالح ليس بصفته كرئيس للبرلمان ولكن لكونه أحد اهم مشايخ قبائل المنطقة الشرقية وله علاقات كبيرة وتواصل مع جميع قبائل ليبيا .ثانيا يعول حفتر على منتسبي المؤسسة العسكرية السابقة لدعم عملية السيطرة على طرابلس .

هذا السيناريو مطروح بقوة باعتبار توسع الدعم الدولي للمشير خليفة حفتر الذي تزايد بشكل كبير بعد السيطرة على النفط انتاجا وتصديرا ، وقرب الإعلان النهائي بتحرير بنغازي من الجماعات الارهابية ومما يؤكّد طموح حفتر حكم ليبيا رفضه اي نوع من الحوار مع الأجسام التي أفرزها الاتفاق السياسي حيث أبلغ المعني الدول الحليفة له عزمه على السيطرة على كامل ليبيا والقضاء على المليشيات المسلحة .

فرضيات مستبعدة

هذه جملة السيناريوهات الممكنة في قادم الايام بحسب عدد من المتابعين والمراقبين للمنزلق الذي تردت فيه الازمة الليبية غير أن السيناريو المستبعد لعدة اسباب ان تبادر الأمم المتحدة بوضع ليبيا تحت الوصاية الدولية ، او ان يتم ارسال قوّات حفظ السلام في ليبيا بالتزامن مع اصدار قرار وقف اطلاق النار سيناريو غير متوقع بالمرة خاصة وان المنظمة الاممية ليس لديها قوات عسكرية .

وإنما تكلف قوات حفظ سلام تابعة لمنظمات اقليمية كالإتحاد الافريقي ودول اخرى لضبط الامن على غرار اقليم دارفور جنوب السودان شمال مالي افغانستان كما تعاني الأمم المتحدة من شح الموارد المالية و تخلف بعض الدول على تسديد مناباتها، ذلك ما كشف عنه الامين العام الجديد للأمم المتحدة على خلفية مشاركته في اشغال القمة الافريقية .

_ __________________

مواد ذات علاقة

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *